الباحث القرآني
(p-١٤١٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَسى اللَّهُ أنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا واللَّهُ أشَدُّ بَأْسًا وأشَدُّ تَنْكِيلا﴾ [٨٤]
﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تَلْوِينٌ لِلْخِطابِ وتَوْجِيهٌ لَهُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِطَرِيقِ الِالتِفاتِ، وهو جَوابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَنْساقُ إلَيْهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ، أيْ: إذا كانَ الأمْرُ كَما حُكِيَ مِن عَدَمِ طاعَةِ المُنافِقِينَ وكَيْدِهِمْ فَقاتِلْ أنْتَ وحْدَكَ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ بِما فَعَلُوا، قالَهُ أبُو السُّعُودِ.
﴿لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ﴾ أيْ: إلّا فِعْلَ نَفْسِكَ، بِالتَّقَدُّمِ إلى الجِهادِ، فَإنَّ اللَّهَ هو ناصِرُكَ لا الجُنُودَ، فَإنْ شاءَ نَصَرَكَ وحْدَكَ كَما يَنْصُرُكَ وحَوْلَكَ الأُلُوفُ، أيْ: ومَن نَكَّلَ فَلا عَلَيْكَ مِنهُ ولا تُؤاخَذُ بِهِ.
قالَ الرّازِيُّ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّهُ ﷺ كانَ أشْجَعَ الخَلْقِ وأعْرَفَهم بِكَيْفِيَّةِ القِتالِ؛ لِأنَّهُ تَعالى ما كانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ إلّا وهو ﷺ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفاتِ، ولَقَدِ اقْتَدى بِهِ أبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ حاوَلَ الخُرُوجَ وحْدَهُ إلى قِتالِ (p-١٤١٦)مانِعِي الزَّكاةِ، ومَن عَلِمَ أنَّ الأمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ، وأنَّهُ لا يَحْصُلُ أمْرٌ مِنَ الأُمُورِ إلّا بِقَضاءِ اللَّهِ سَهُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ.
ورَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي إسْحاقَ قالَ: سَألْتُ البَراءَ بْنَ عازِبٍ عَنِ الرَّجُلِ يَلْقى المِائَةَ مِنَ العَدُوِّ فَيُقاتِلُ، فَيَكُونُ مِمَّنْ قالَ اللَّهُ فِيهِ: ﴿ولا تُلْقُوا بِأيْدِيكم إلى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥] ؟ قالَ: قَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى لِنَبِيِّهِ: ﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ﴾
ورَواهُ الإمامُ أحْمَدُ أيْضًا عَنْهُ قالَ: قُلْتُ لِلْبَراءِ: الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلى المُشْرِكِينَ، أهْوَ مِمَّنْ ألْقى بِيَدِهِ إلى التَّهْلُكَةِ؟ قالَ: لا، إنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ﴿فَقاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إلا نَفْسَكَ﴾ إنَّما ذَلِكَ في النَّفَقَةِ.
﴿وحَرِّضِ المُؤْمِنِينَ﴾ أيْ: عَلى الخُرُوجِ مَعَكَ وعَلى القِتالِ، ورَغِّبْهم فِيهِ وشَجِّعْهم عَلَيْهِ، كَما «قالَ لَهم ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ وهو يُسَوِّي الصُّفُوفَ: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُها السَّماواتُ والأرْضُ،» وقَدْ ورَدَتْ (p-١٤١٧)أحادِيثُ كَثِيرَةٌ في التَّرْغِيبِ في ذَلِكَ، مِنها:
ما رَواهُ البُخارِيُّ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ في الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أعَدَّها اللَّهُ لِلْمُجاهِدِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ» .
﴿عَسى اللَّهُ أنْ يَكُفَّ﴾ أيْ: يَمْنَعَ ﴿بَأْسَ﴾ أيْ: قِتالَ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وهم كَفّارُ مَكَّةَ أيْ: بِتَحْرِيضِكَ إيّاهم عَلى القِتالِ، تَبْعَثُ هِمَمَهم عَلى مُناجَزَةِ الأعْداءِ ومُدافَعَتِهِمْ عَنْ حَوْزَةِ الإسْلامِ وأهْلِهِ، ومُقاوَمَتِهِمْ ومُصابَرَتِهِمْ.
قالَ أبُو السُّعُودِ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَسى﴾ إلَخْ عِدَةٌ مِنهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مُحَقَّقَةُ الإنْجازِ بِكَفِّ شِدَّةِ الكَفَرَةِ ومَكْرُوهِهِمْ، فَإنَّ ما صُدِّرَ بِـ(لَعَلَّ وعَسى) مُقَرَّرُ الوُقُوعِ مِن جِهَتِهِ عَزَّ وجَلَّ، وقَدْ كانَ كَذَلِكَ، حَيْثُ رُوِيَ في السِّيرَةِ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ واعَدَ أبا سُفْيانَ (p-١٤١٨)بَعْدَ حَرْبِ أُحُدٍ مَوْسِمَ بَدْرٍ الصُّغْرى في ذِي القِعْدَةِ، فَلَمّا بَلَغَ المِيعادُ دَعا النّاسَ إلى الخُرُوجِ، وخَرَجَ في شَعْبانَ سَنَةَ أرْبَعٍ في سَبْعِينَ راكِبًا، ووافَوُا المَوْعِدَ وألْقى اللَّهُ تَعالى في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، فَرَجَعُوا مِن مَرِّ الظَّهْرانِ». انْتَهى بِزِيادَةٍ.
وقالَ في ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ (وقِيلَ: كَعْبُ بْنُ مالِكٍ ):
؎وعَدْنا أبا سُفْيانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ لِمِيعادِهِ صِدْقًا وما كانَ وافِيا
؎فَأُقْسِمُ لَوْ وافَيْتَنا فَلَقِيتَنا ∗∗∗ لَأُبْتَ ذَمِيمًا وافْتَقَدْتَ المَوالِيا
؎تَرَكْنا بِها أوْصالَ عُتْبَةَ وابْنِهِ ∗∗∗ وعَمْرًا أبا جَهْلٍ تَرَكْناهُ ثاوِيا
؎عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ أُفٍّ لِدِينِكم ∗∗∗ وأمْرِكُمُ السَّيِّئِ الَّذِي كانَ غاوِيا
؎فَإنِّي وإنْ عَنَّفْتُمُونِي لَقائِلٌ ∗∗∗ فِدًى لِرَسُولِ اللَّهِ أهْلِي ومالِيا
؎أطَعْناهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينا بِغَيْرِهِ ∗∗∗ شِهابًا لَنا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ هادِيا
﴿واللَّهُ أشَدُّ بَأْسًا﴾ أيْ: شِدَّةً وقُوَّةً مِن قُرَيْشٍ ﴿وأشَدُّ تَنْكِيلا﴾ أيْ: تَعْذِيبًا وعُقُوبَةً.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أيْ: هو قادِرٌ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ذَلِكَ ولَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنهم ولَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكم بِبَعْضٍ﴾ [محمد: ٤] [مُحَمَّدٍ: مِنَ الآيَةِ ٤]انْتَهى.
قالَ الخَفاجِيُّ: والقَصْدُ التَّهْدِيدُ أوِ التَّشْجِيعُ، ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى أنَّ التَّحْرِيضَ عَلى القِتالِ شَفاعَةٌ في تَكْفِيرِ الكَبائِرِ ورَفْعِ الدَّرَجاتِ فَقالَ:
{"ayah":"فَقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسࣰا وَأَشَدُّ تَنكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











