الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾. ذكرنا معنى القنوت فيما تقدم [[انظر تفسير آية:116، 238 من سورة البقرة، و 17 من سورة آل عمران.]]. قال مجاهد: معناه: أطيلي القيام في الصلاة [[قوله، في "تفسير الطبري" 3/ 265، ولكن لفظه: (قال: أطيلي الرُّكود؛ يعني:== القنوت). وأورد الأثر عنه السيوطي في "الدر" 2/ 195 ونسب إخراجه كذلك إلى عبد بن حميد. ومعنى الرُّكود: السكون والثبات. انظر: "القاموس المحيط" 283 (ركد). وعند الطبري، عن الربيع: (قال القنوت: الركود. يقول: قومي لربك في الصلاة، يقول: اركدي لربك؛ أي انتصبي له في الصلاة) "تفسير الطبري" 3/ 265، وكذا رواه الربيع عن أبي العالية كما في "تفسير ابن أبي حاتم" 2/ 648. وقال ابن عطية: (معناه: أطيلي القيام في الصلاة وهذا هو قول الجمهور .. وبه قال مجاهد وابن جريج والربيع). "المحرر الوجيز" 3/ 115.]]. وقال ابن عباس: يريد: قومي للصلاة بين يدي ربِّكِ [[الذي وقفت عليه عن ابن عباس، قوله في الآية: (يعني: صلِّي لربِك) من رواية إسحاق بن بشر، وابن عساكر، أوردها السيوطي في "الدر" 2/ 43. وقد ورد عن سعيد بن جبير في معنى ﴿اقْنُتِي﴾: قوله: (أخلصي لربك). وعن قتادة، والسدِّي، وابن زيد: (أطيعي ربَّكِ)، وعن الحسن: (اعبدي ربكِ). انظر: "تفسير الطبري" 3/ 265، "زاد المسير" 1/ 387. وقد جمع بينهما الطبري، فقال: (فتأويل الآية، إذًا: يا مريم أخلصي عبادةَ ربِّكِ لوجهه خالصًا، واخشعي لطاعته وعبادته مع من خشع له مِن خلقه؛ شكرًا له على ما أَكرَمَكِ به من الاصطفاء والتطهير من الأدناس، والتفضيل على نساء عالَم دهرِكِ) تفسيره: 3/ 266. وانظر ما سبق من تعليق على قوله تعالى: ﴿وَالْقَانِتِينَ﴾ في آية 17.]]. وقوله تعالى: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي﴾. يقال: لم قدَّم الأمرَ بالسجود على الركوع، وهو قبل السجود؟ قيل: (الواو) عند النحويين للجمع لا للترتيب [[هذا هو مذهب جمهور النحويين وأئمة الأصول والفقه. وذهب آخرون إلى إفادتها للترتيب، ومن هؤلاء: قطرب (ت: 209 هـ)، وهشام بن معاوية الضرير (ت: 209 هـ)، وأبو جعفر الدينوري (ت: 289 هـ)، والرَّبعي (ت: 420 هـ)، وقد عزاه بعض المؤلفين إلى الإمام الشافعي. إلا أن صلاح الدين العلائي قال: (والحق أن ذلك ليس قولًا له، بل هو وجه في المذهب، قال به جماعة من الأصحاب). "الفصول المفيدة في الواو المزيدة" للعلائي 69. انظر بيان هذا الأمر في == "المقتضب" للمبرد 1/ 10، "الكامل" له 2/ 18، 3/ 185، "الأصول في النحو" لابن السراج: 2/ 55، وكتاب "المعاني الحروف" للرماني 6059، "البسيط في شرح جمل الزجاجي" 334 - 335، "رصف المباني" 474 - 475، "ارتشاف الضرب" لأبي حيان: 2/ 633، "الجنى الداني" للمرادي: 160158، "مغني اللبيب" 463 - 464، "البرهان" للزركشي 4/ 436، "همع الهوامع" 2/ 129.]]، وليس فيه دليل على المبدوء به. قال أبو الفتح الموصلي [[في "سر صناعة الإعراب" 632، نقله عنه باختصار وتصرف. وأبو الفتح الموصلي، هو: عثمان بن جِنِّي. من أئمة النحو والأدب والتصريف، تتلمذ على أبي علي الفارسي وصحبه أربعين سنة، استوطن بغداد، ودرّس بها إلى أن مات، من كتبه "الخصائص"، "المنصف" وغيرها. توفي ببغداد سنة (392 هـ). انظر: "نزهة الألباء" 244، "إنباه الرواة" 2/ 335 ، "معجم الأدباء" 3/ 461.]]: واوُ العطفِ [[في (ج): (الفتح).]]، ليس فيها دليل على المبدوء به في المعنى؛ لأنها ليست مُرَتِّبةً، يدلُّ على ذلك قولُ لَبيد: أُغْلي السِّباءَ [[في (أ)، (ب): (أعلى السب). (ج): (أعلى النسا). والمثبت من: (د)، ومن "سر صناعة الإعراب" والديوان.]] بكلِّ أدكنَ عاتقٍ [[في (ج): (عايق).]] ... أو جَوْنَةٍ قُدِحتْ وفُضَّ خِتامُها [[البيت في: "ديوان لبيد" 314. وقد ورد في "سر صناعة الإعراب" 632، "شرح القصائد العشر" للتبريزي 162، "شرح المفصل" 8/ 92، "شرح المعلقات السبع" للزوزني ص109، "رصف المباني" 474، " الفصول المفيدة" للعلائي 77، "اللسان" 6/ 35452 (قدح)، 5/ 2800 (عتق)، 3/ 1406 (دكن). ومعنى قوله: (السِّباء): شراء الخمر، من: (سَبَأ الخمرَ): إذا اشتراها للشرب. ومعنى قوله: (أغْلِي)؛ أي: أشتريها غالية. == وقوله: (أدْكَنَ عاتِقٍ): العاتق: زِقُّ الخمر الواسع. والأدْكَن: الأغبر اللون بين الحمْرَةِ والسَّوادِ، أو أراد: بكلِّ أدكنَ عاتقٍ خمرُهُ التي فيه. و (الجَوْنَة): الزِّقُّ الأسود المَطْلِيُّ بالقار. وقوله: (قُدِحت): (غُرِفَت). وقوله: (فُضَّ ختامُها)؛ أي: كُسِرَ خاتَمُها، وهو الطينُ الذي خُتِمَ به فوهُها. والشاهد فيه قوله: (قُدِحت وفُضَّ ختامُها)، على أنَّ واو العطف هنا لا تعني ترتيب الفضّ بعد القدح وهو الغرف، حيث إنها تُفَضُّ أولًا ثمَّ تُغرَف.]]. وإنما يُفتح ويفض: الختم قبل الغَرْف [[في (ج): (الغرق).]]، فقد علمت أن (قُدِحت) مُقَدَّم في اللفظ، مُؤَخَّرٌ في المعنى، كذلك ههنا بدأ بالسجود لفظاً، وهو مؤَخَّرٌ معنى، والكلام في هذه المسألة يُذكر [[في (ب): (نذكر). وفي (ج): (نذكره).]] عند قوله: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا﴾ [المائدة: 6] الآية. قال [[في (ج)، (د): (وقال).]] ابن الأنباري [[لم أهتد إلى مصدر قوله. وقد أورده ابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 388.]]: أمَرها أمراً عاماً، وحضَّها على أفعال الخير، فكأنه قال: استعملي السجود في حال، واستعملي الركوع في حال، ولم يذهب إلى أنهما يجتمعان، ثمَّ يُقدَّم السجودُ على الركوع؛ بل أراد العموم بالأمر على اختلاف الحالين [[وقال أبو سليمان الدمشقي: إنه كذلك كان في شريعتهم، يُقدَّمُ السجود على الركوع. ويرى الفخر الرازي أنه قُدِّم لرتبته وفضيلته؛ حيث إنَّ غاية قرب العبد من الله أن يكون ساجدًّا. انظر: "زاد المسير" 1/ 388، "تفسير الفخر الرازي" 4/ 48.]]. وقوله تعالى: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾. ولم يقل مع الراكعات؛ لأن الراكعين أعمُّ؛ لوقوعه على الرجال والنساء إذا اجتمعوا، والراكعات يختصُّ بالنساء، فكان [[في (ج): (وكان).]] الأعم أولى. ومعنى قوله: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أي: افعلي كفعلهم. وقيل: المراد به: الصلاة في الجماعة [[وهو قول ابن عباس ومقاتل. ولفظ ابن عباس: (مع المصلِّين، مع قرَّاء بيت المقدس). أورده السيوطي في "الدر" 2/ 43 - 44 ونسب إخراجه لإسحاق بن بشر وابن عساكر. ولفظ مقاتل: (يعني مع المصلين في بيت المقدس). "تفسير مقاتل" 1/ 276.]]. قال المفسرون [[هو قول ابن إسحاق، والأوزاعي. انظر: "تفسير الطبري" 3/ 265، "تفسير الثعلبي" 3/ 49 ب، "تفسير القرطبي" 4/ 84.]]: كلَّمت الملائكةُ بهذا مريَم شفاها، فقامت مريمُ في الصلاة حتى ورمت قدماها، وسالتا دماً، وقيحاً.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب