الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ﴾ الآياتِ. أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمِينَ﴾ . قالَ: كانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، أنَّهُ قالَ: «”خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِساءُ قُرَيْشٍ، أحْناهُ عَلى ولَدٍ في صِغَرِهِ، وأرْعاهُ عَلى زَوْجٍ في ذاتِ يَدٍ“» . قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: ولَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ بَعِيرًا قَطُّ. أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ بِدُونِ الآيَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ مَرْدُوَيْهِ، عَنْ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «”خَيْرُ نِسائِها مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وخَيْرُ نِسائِها خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ“» . (p-٥٣٩)وأخْرَجَ الحاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”أفْضَلُ نِساءِ العالَمِينَ خَدِيجَةُ وفاطِمَةُ ومَرْيَمُ وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ“» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”إنَّ اللَّهَ اصْطَفى عَلى نِساءِ العالَمِينَ أرْبَعَةً؛ آسِيَةَ بِنْتَ مُزاحِمٍ، ومَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرانَ، وخَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، وفاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ“» . وأخْرَجَ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ، عَنْ أنَسٍ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «”حَسْبُكَ مِن نِساءِ العالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ“» . وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ الحَسَنِ، مُرْسَلًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ، ومُسْلِمٌ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائِيُّ، وابْنُ ماجَهْ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي مُوسى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”كَمُلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ وآسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ وفَضْلُ عائِشَةَ عَلى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلى الطَّعامِ“» . (p-٥٤٠)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ جَرِيرٍ، «عَنْ فاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتْ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”أنْتِ سَيِّدَةُ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ إلّا مَرْيَمَ البَتُولَ“» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَمّارِ بْنِ سَعْدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”فُضِّلَتْ خَدِيجَةُ عَلى نِساءِ أُمَّتِي كَما فُضِّلَتْ مَرْيَمُ عَلى نِساءِ العالَمِينَ“» . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”سَيِّدَةُ نِساءِ أهْلِ الجَنَّةِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، ثُمَّ فاطِمَةُ، ثُمَّ خَدِيجَةُ، ثُمَّ آسِيَةُ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ“» . وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ، مِن طَرِيقِ مُقاتِلٍ، عَنِ الضَّحّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «”أرْبَعُ نِسْوَةٍ سَيِّداتُ عالَمِهِنَّ؛ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ، وخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وفاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وأفْضَلُهُنَّ عالَمًا فاطِمَةُ“» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”فاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِساءِ العالَمِينَ بَعْدَ مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرانَ، وآسِيَةَ امْرَأةِ فِرْعَوْنَ، وخَدِيجَةَ ابْنَةِ خُوَيْلِدٍ“» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ مَكْحُولٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «”خَيْرُ نِساءٍ رَكِبْنَ الإبِلَ نِساءُ قُرَيْشٍ؛ أحْناهُ عَلى ولَدٍ في صِغَرِهِ، وأرْعاهُ عَلى بَعْلٍ (p-٥٤١)فِي ذاتِ يَدِهِ، ولَوْ عَلِمْتُ أنَّ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ رَكِبَتْ بَعِيرًا ما فَضَّلْتُ عَلَيْها أحَدًا“» . وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ﴾ . قالَ: جَعَلَكِ طَيِّبَةً إيمانًا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿وطَهَّرَكِ﴾ . قالَ: مِنَ الحَيْضِ ﴿واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمِينَ﴾ . قالَ: عَلى نِساءِ ذَلِكَ الزَّمانِ الَّذِي هم فِيهِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ قالَ: كانَتْ مَرْيَمُ حَبِيسًا في الكَنِيسَةِ ومَعَها في الكَنِيسَةِ غُلامٌ اسْمُهُ يُوسُفُ، وقَدْ كانَ أُمُّهُ وأبُوهُ جَعَلاهُ نَذِيرًا حَبِيسًا فَكانا في الكَنِيسَةِ جَمِيعًا، وكانَتْ مَرْيَمَ إذا نَفَذَ ماؤُها وماءُ يُوسُفَ أخَذا قُلَّتَيْهِما فانْطَلَقا إلى المَفازَةِ الَّتِي فِيها الماءُ، فَيَمْلَآنِ ثُمَّ يَرْجِعانِ، والمَلائِكَةُ في ذَلِكَ مُقْبِلَةٌ عَلى مَرْيَمَ، ﴿يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصْطَفاكِ عَلى نِساءِ العالَمِينَ﴾، فَإذا سَمِعَ ذَلِكَ زَكَرِيّا قالَ: إنَّ لِابْنَةِ عِمْرانَ لَشَأْنًا. (p-٥٤٢)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُجاهِدٍ: ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ . قالَ: أطِيلِي الرُّكُودَ. يَعْنِي القِيامَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: لَمّا قِيلَ لَها: ﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ قامَتْ حَتّى ورِمَتْ قَدَماها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الأوْزاعِيِّ قالَ: كانَتْ مَرْيَمُ تَقُومُ حَتّى يَسِيلَ القَيْحُ مِن قَدَمَيْها. وأخْرَجَ ابْنُ عَساكِرَ عَنِ ابْنِ سَعِيدٍ قالَ: كانَتْ مَرْيَمُ تُصَلِّي حَتّى تَرِمَ قَدَماها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ . قالَ: أخْلِصِي. وأخْرَجَ عَنْ قَتادَةَ: ﴿اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ . قالَ: أطِيعِي رَبَّكِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي داوُدَ في ”المَصاحِفِ“ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أنَّهُ كانَ يَقْرَأُ: ”وارْكَعِي واسْجُدِي في السّاجِدِينَ“ . (p-٥٤٣)وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾: يَعْنِي مُحَمَّدًا ﷺ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، مِن طَرِيقِ العَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهم أيُّهم يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ . قالَ: إنَّ مَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ لَمّا وُضِعَتْ في المَسْجِدِ اقْتَرَعَ عَلَيْها أهْلُ المُصَلّى وهم يَكْتُبُونَ الوَحْيَ، فاقْتَرَعُوا بِأقْلامِهِمْ أيُّهم يَكْفُلُها، فَقالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهم أيُّهم يَكْفُلُ مَرْيَمَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهم أيُّهم يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ . قالَ: ألْقَوْا أقْلامَهم في الماءِ فَذَهَبَتْ مَعَ الجِرْيَةِ وصَعِدَ قَلَمُ زَكَرِيّا فَكَفَلَها زَكَرِيّا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ قالَ: ألْقَوْا أقْلامَهُمْ، يَقُولُ: عِصِيَّهُمْ، تِلْقاءَ جِرْيَةِ الماءِ، فاسْتَقْبَلَتْ عَصا زَكَرِيّا جِرْيَةَ الماءِ فَقَرَعَهم. (p-٥٤٤)وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: ﴿أقْلامَهُمْ﴾ . قالَ: الَّتِي يَكْتُبُونَ بِها التَّوْراةَ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ، مِثْلَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عَطاءٍ: ﴿أقْلامَهُمْ﴾ . يَعْنِي: قِداحَهم. وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمّا وهَبَ اللَّهُ لِزَكَرِيّا يَحْيى وبَلَغَ ثَلاثَ سِنِينَ، بَشَّرَ اللَّهُ مَرْيَمَ بِعِيسى، فَبَيْنَما هي في المِحْرابِ إذْ قالَتِ المَلائِكَةُ، وهو جِبْرِيلُ وحْدَهُ: ﴿يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ﴾ مِنَ الفاحِشَةِ، ﴿واصْطَفاكِ﴾ يَعْنِي: واخْتارَكِ، ﴿عَلى نِساءِ العالَمِينَ﴾؛ عالَمِ أُمَّتِها، ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ﴾ . يَعْنِي: صَلِّي لِرَبِّكِ. يَقُولُ: ارْكُدِي لِرَبِّكِ في الصَّلاةِ بِطُولِ القِيامِ، فَكانَتْ تَقُومُ حَتّى ورِمَتْ قَدَماها، ﴿واسْجُدِي وارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ . يَعْنِي: مَعَ المُصَلِّينَ مَعَ قُرّاءِ بَيْتِ المَقْدِسِ. يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ﴾ . يَعْنِي: بِالخَبَرِ الغَيْبِ في قِصَّةِ زَكَرِيّا ويَحْيى ومَرْيَمَ، ﴿وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ﴾ . يَعْنِي: عِنْدَهُمْ، ﴿إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهُمْ﴾: في كَفالَةِ مَرْيَمَ. ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ - يُخْبِرُ بِقِصَّةِ عِيسى: ﴿إذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ (p-٥٤٥)وجِيهًا في الدُّنْيا﴾ . يَعْنِي: مَكِينًا عِنْدَ اللَّهِ في الدُّنْيا، ﴿مِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ [الواقعة: ٨٨] في الآخِرَةِ، ﴿ويُكَلِّمُ النّاسَ في المَهْدِ﴾ [آل عمران: ٤٦] . يَعْنِي: في الخِرَقِ، ﴿وكَهْلا﴾ [آل عمران: ٤٦] . ويُكَلِّمُهم كَهْلًا إذا اجْتَمَعَ قَبْلَ أنْ يُرْفَعَ إلى السَّماءِ، ﴿ومِنَ الصّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] . يَعْنِي: مِنَ المُرْسَلِينَ. وأخْرَجَ إسْحاقُ بْنُ بِشْرٍ، وابْنُ عَساكِرَ، عَنْ وهْبٍ قالَ: لَمّا اسْتَقَرَّ حَمْلُ مَرْيَمَ وبَشَّرَها جِبْرِيلُ وثِقَتْ بِكَرامَةِ اللَّهِ واطْمَأنَّتْ، فَطابَتْ نَفْسًا واشْتَدَّ أزْرُها، وكانَ مَعَها في المُحَرَّرِينَ ابْنُ خالٍ لَها يُقالُ لَهُ: يُوسُفُ. وكانَ يَخْدِمُها مِن وراءِ الحِجابِ، ويُكَلِّمُها ويُناوِلُها الشَّيْءَ مِن وراءِ الحِجابِ، وكانَ أوَّلَ مَنِ اطَّلَعَ عَلى حَمْلِها هُوَ، واهْتَمَّ لِذَلِكَ وأحْزَنَهُ وخافَ مِنهُ البَلِيَّةَ الَّتِي لا قِبَلَ لَهُ بِها، ولَمْ يَشْعُرْ مِن أيْنَ أُتِيَتْ مَرْيَمُ، وشَغَلَهُ عَنِ النَّظَرِ في أمْرِ نَفْسِهِ وعَمَلِهِ؛ لِأنَّهُ كانَ رَجُلًا مُتَعَبِّدًا حَكِيمًا، وكانَ مِن قَبْلِ أنْ تَضْرِبَ مَرْيَمُ الحِجابَ عَلى نَفْسِها تَكُونُ مَعَهُ ونَشَأ مَعَها، وكانَتْ مَرْيَمُ إذا نَفَدَ ماؤُها وماءُ يُوسُفَ أخَذا قُلَّتَيْهِما ثُمَّ انْطَلَقا إلى المَفازَةِ الَّتِي فِيها الماءُ، فَيَمْلَآنِ قُلَّتَيْهِما ثُمَّ يَرْجِعانِ إلى الكَنِيسَةِ، والمَلائِكَةُ مُقْبِلَةٌ عَلى مَرْيَمَ بِالبِشارَةِ: ﴿يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ﴾ . فَكانَ يَعْجَبُ يُوسُفُ مِمّا يَسْمَعُ، فَلَمّا اسْتَبانَ لِيُوسُفَ حَمْلُ مَرْيَمَ وقَعَ في نَفْسِهِ مِن أمْرِها، حَتّى كادَ أنْ يُفْتَتَنَ، فَلَمّا أرادَ أنْ يَتَّهِمَها في نَفْسِهِ ذَكَرَ ما طَهَّرَها اللَّهُ واصْطَفاها، وما وعَدَ اللَّهُ أُمَّها أنَّهُ مُعِيذُها وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، وما سَمِعَ مِن قَوْلِ المَلائِكَةِ: (p-٥٤٦)﴿يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وطَهَّرَكِ﴾ . فَذَكَرَ الفَضائِلَ الَّتِي فَضَّلَها اللَّهُ بِها، وقالَ: إنَّ زَكَرِيّا قَدْ أحْرَزَها في المِحْرابِ فَلا يَدْخُلُ عَلَيْها أحَدٌ، ولَيْسَ لِلشَّيْطانِ عَلَيْها سَبِيلٌ، فَمِن أيْنَ هَذا؟ فَلَمّا رَأى مِن تَغَيُّرِ لَوْنِها وظُهُورِ بَطْنِها، عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَعَرَّضَ لَها فَقالَ: يا مَرْيَمُ، هَلْ يَكُونُ زَرْعٌ مِن غَيْرِ بَذْرٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قالَ: وكَيْفَ ذَلِكَ؟ قالَتْ: إنَّ اللَّهَ خَلَقَ البَذْرَ الأوَّلَ مِن غَيْرِ نَباتٍ، وأنْبَتَ الزَّرْعَ الأوَّلَ مِن غَيْرِ بَذْرٍ، ولَعَلَّكَ تَقُولُ: لَمْ يَقْدِرْ أنْ يَخْلُقَ الزَّرْعَ الأوَّلَ إلّا بِالبَذْرِ. ولَعَلَّكَ تَقُولُ: لَوْلا أنَّهُ اسْتَعانَ عَلَيْهِ بِالبَذْرِ لَغَلَبَهُ حَتّى لا يَقْدِرَ عَلى أنْ يَخْلُقَهُ ولا يُنْبِتَهُ. قالَ يُوسُفُ: أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أقُولَ ذَلِكَ، قَدْ صَدَقْتِ وقُلْتِ بِالنُّورِ والحِكْمَةِ، كَما قَدَرَ أنْ يَخْلُقَ الزَّرْعَ الأوَّلَ ويُنْبِتَهُ مِن غَيْرِ بَذْرٍ، يَقْدِرُ عَلى أنْ يَجْعَلَ زَرْعًا مِن غَيْرِ بَذْرٍ، فَأخْبِرِينِي هَلْ يُنْبِتُ الشَّجَرُ مِن غَيْرِ ماءٍ ولا مَطَرٍ؟ قالَتْ: ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ لِلْبَذْرِ والزَّرْعِ والماءِ والمَطَرِ والشَّجَرِ خالِقًا واحِدًا؟ فَلَعَلَّكَ تَقُولُ: لَوْلا الماءُ والمَطَرُ لَمْ يَقْدِرْ عَلى أنْ يُنْبِتَ الشَّجَرَ. قالَ: أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ أقُولَ ذَلِكَ، قَدْ صَدَقْتِ، فَأخْبِرِينِي، هَلْ يَكُونُ ولَدٌ وْحَبَلٌ مِن غَيْرِ ذَكَرٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ. قالَ: وكَيْفَ ذَلِكَ؟ قالَتْ: ألَمْ تَعْلَمْ أنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ وحَوّاءَ امْرَأتَهُ مِن غَيْرِ حَبَلٍ ولا أُنْثى ولا ذَكَرٍ؟ قالَ: بَلى، فَأخْبِرِينِي خَبَرَكِ. قالَتْ: بَشَّرَنِي اللَّهُ ﴿بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ الصّالِحِينَ﴾ [آل عمران: ٤٦] . فَعَلِمَ يُوسُفُ أنَّ ذَلِكَ أمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِسَبَبِ خَيْرٍ (p-٥٤٧)أرادَهُ بِمَرْيَمَ فَسَكَتَ عَنْها، فَلَمْ تَزَلْ عَلى ذَلِكَ حَتّى ضَرَبَها الطَّلْقُ، فَنُودِيَتْ: أنِ اخْرُجِي مِنَ المِحْرابِ، فَخَرَجَتْ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿إذْ قالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ﴾ . قالَ: شافَهَتْها المَلائِكَةُ بِذَلِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ﴾ . قالَ: عِيسى هو الكَلِمَةُ مِنَ اللَّهِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: لَمْ يَكُنْ مِنَ الأنْبِياءِ مَن لَهُ اسْمانِ إلّا عِيسى ومُحَمَّدٌ عَلَيْهِما السَّلامُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ إبْراهِيمَ قالَ: ﴿المَسِيحُ﴾: الصِّدِّيقُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ سَعِيدٍ قالَ: إنَّما سُمِّيَ المَسِيحُ لِأنَّهُ مُسِحَ بِالبَرَكَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ يَحْيى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، أنَّ عِيسى كانَ سائِحًا، ولِذَلِكَ سُمِّيَ المَسِيحُ؛ كانَ يُمْسِي بِأرْضٍ ويُصْبِحُ بِأُخْرى، وأنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ حَتّى رُفِعَ. (p-٥٤٨)وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ . يَقُولُ: ومِنَ المُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب