الباحث القرآني
ولَمّا أخْبَرَها سُبْحانَهُ وتَعالى بِما اخْتَصَّها بِهِ أمَرَها بِالشُّكْرِ فَقالَ: ﴿يا مَرْيَمُ اقْنُتِي﴾ أيْ أخْلِصِي أفْعالَكِ لِلْعِبادَةِ ﴿لِرَبِّكِ﴾ الَّذِي عَوَّدَكِ الإحْسانَ بِأنْ رَبّاكِ هَذِهِ التَّرْبِيَةَ.
ولَمّا قَدَّمَ الإخْلاصَ الَّذِي هو رُوحُ العِبادَةِ أتْبَعَهُ أشْرَفَها فَقالَ: ﴿واسْجُدِي﴾ فَإنَّ أقْرَبَ ما يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ. قالَ الحَرالِّيُّ: وكانَ مِنَ اخْتِصاصِ هَذا الِاصْطِفاءِ العَلِيِّ - أيِ الثّانِي - ما اخْتَصَّها مِنَ الخِطابِ بِالرُّكُوعِ الَّذِي لَحِقَتْ بِهِ بِهَذِهِ الأُمَّةِ الرّاكِعَةِ الَّتِي أطْلَعَها اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى مِن سِرِّ عَظَمَتِهِ الَّتِي هي إزارُهُ (p-٣٧٣)عَلى ما لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أحَدًا مِمَّنْ سِواها في قَوْلِهِ: ﴿وارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ كَما قالَ لِبَنِي إسْرائِيلَ عِنْدَ الأمْرِ بِالمِلَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] - إلى ما يَقَعُ مِن كَمالِ ما بُشِّرَتْ بِهِ حَيْثُ يُكَلِّمُ النّاسَ كَهْلًا في خاتِمَةِ اليَوْمِ المُحَمَّدِيِّ، ويُكْمِلُ لَهُ الوُجُودَ الإنْسانِيَّ حَيْثُ يَتَزَوَّجُ ويُولَدُ لَهُ - كَما ذُكِرَ، وذَلِكَ كُلُّهُ فِيما يُشْعِرُ بِهِ مِيمُ التَّمامِ في ابْتِداءِ الِاسْمِ وانْتِهائِهِ، وفِيما بَيْنَ التَّمامَيْنِ مِن كَرِيمِ التَّرْبِيَةِ لَها ما يُشْعِرُ بِهِ الرّاءُ مِن تَوَلِّي الحَقِّ لَها في تَرْبِيَتِها ورِزْقِها، وما تُشْعِرُ بِهِ الياءُ مِن كَمالِها الَّذِي اخْتُصَّتْ عَلى عالَمِها. انْتَهى.
والمُرادُ بِاتِّباعِ قِصَّتِها لِما مَضى التَّنْبِيهُ عَلى انْخِراطِها في سِلْكِ ما مَضى مِن أمْرِ آدَمَ ويَحْيى إفْصاحًا، وإبْراهِيمَ في أبْنِيَةِ إلاحَةٍ في خَرْقِ العادَةِ فِيهِمْ، وأنَّ تَخْصِيصَها بِالإنْكارِ أوِ التَّعَجُّبِ والتَّنازُعِ مَعَ الإقْرارِ بِأمْرِهِمْ لَيْسَ مِن أفْعالِ العُقَلاءِ؛ والظّاهِرُ أنَّ المُرادَ بِالسُّجُودِ في هَذا المَقامِ ظاهِرُهُ وبِالرُّكُوعِ الصَّلاةُ نَفْسُها، فَكَأنَّهُ قِيلَ: واسْجُدِي مُصَلِّيَةً (p-٣٧٤)ولْتَكُنْ صَلاتُكِ مَعَ المُصَلِّينَ أيْ في جَماعَةٍ، فَإنَّكِ في عِدادِ الرِّجالِ لِما خُصِّصْتِ بِهِ مِنَ الكَمالِ، ولَمْ يَقُلْ: مَعَ الرّاكِعاتِ، لِأنَّ الِاقْتِداءَ بِالرِّجالِ أفْضَلُ وأشْرَفُ وأكْمَلُ، وإنَّما قُلْتُ هَذا لِأنِّي تَتَبَّعْتُ التَّوْراةَ فَلَمْ أرَهُ ذَكَرَ فِيها الرُّكُوعَ في صَلاةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ ولا مَن بَعْدَهُ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولا أتْباعِهِمْ إلّا في مَوْضِعٍ واحِدٍ لا يَحْسُنُ جَعْلُهُ فِيهِ عَلى ظاهِرِهِ، ورَأيْتُهُ ذَكَرَ الصَّلاةَ فِيها عَلى ثَلاثَةِ أنْحاءٍ: الأوَّلُ إطْلاقُ لَفْظِها مِن غَيْرِ بَيانِ كَيْفِيَّةٍ، والثّانِي إطْلاقُ لَفْظِ السُّجُودِ مُجَرَّدًا، والثّالِثُ إطْلاقُهُ مَقْرُونًا بِرُكُوعٍ أوْ جُثُوٍّ أوْ خُرُورٍ عَلى الوَجْهِ ونَحْوِ ذَلِكَ؛ فَفي السِّفْرِ الأوَّلِ مِنها في قِصَّةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ ماتَتْ زَوْجَتُهُ سارَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْها وسَألَ بَنِي حاثَ أهْلَ تِلْكَ الأرْضِ أنْ يُعْطُوهُ مَكانًا يَدْفِنُها فِيهِ فَأجابُوهُ: فَقامَ إبْراهِيمُ فَسَجَدَ لِشَعْبِ الأرْضِ بَنِي حاثَ وكَلَّمَهُمْ؛ وفِيهِ في قِصَّةٍ رَبّانِيَّةٍ قالَ: وسَجَدَ عَلى الأرْضِ وقالَ: يا رَبُّ - فَذَكَرَ دُعاءً ثُمَّ قالَ: وصَلّى إبْراهِيمُ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ؛ وفِيهِ في قِصَّةِ عَبْدٍ لِإبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أنَّهُ ذَهَبَ إلى بِلادِ حَرّانَ يَخْطُبُ لِإسْحاقَ عَلَيْهِ السَّلامُ امْرَأةً فَظَفِرَ بِقَصْدِهِ: فَجَثا الرَّجُلُ - أيْ عَبْدُ إبْراهِيمَ - عَلى الأرْضِ (p-٣٧٥)فَسَجَدَ لِلرَّبِّ وقالَ: تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ سَيِّدِي إبْراهِيمَ؛ وفِيهِ لَمّا أجابَهُ أهْلُ المَرْأةِ: فَلَمّا سَمِعَ غُلامُ إبْراهِيمَ كَلامَهم سَجَدَ عَلى الأرْضِ قُدّامَ المَرْأةِ، وفِيهِ عِنْدَ لِقاءِ عِيصُو لِأخِيهِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: فَدَنَتِ الأُمّانِ وأوْلادُهُما فَسَجَدُوا - أيْ لِعِيصُو، ودَنَتْ لِيا ووَلَدُها فَسَجَدُوا؛ فَلَمّا كانَ أخِيرًا دَنَتْ راحِيلُ ويُوسُفُ فَسَجَدُوا؛ وفِيهِ في قِصَّةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ودَنا إخْوَتُهُ فَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وقالُوا لَهُ: ها نَحْنُ لَكَ عَبِيدٌ؛ وفي السِّفْرِ الثّانِي عِنْدَ قُدُومِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى بَنِي إسْرائِيلَ وإخْبارِهِ لَهم بِإرْسالِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لَهُ وإظْهارِهِ لَهُمُ الآياتِ: فَآمَنَ الشَّعْبُ وسَمِعُوا أنَّ الرَّبَّ قَدْ ذَكَرَ بَنِي إسْرائِيلَ وأبْصَرَ إلى خُضُوعِهِمْ وجَثا الشَّعْبُ وسَجَدُوا لِلرَّبِّ؛ وفِيهِ في خُرُوجِهِمْ مِن مِصْرَ: فَرَكَعَ الشَّعْبُ كُلُّهُ ساجِدًا لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى؛ وفِيهِ: فاسْتَعْجَلَ مُوسى فَخَرَّ عَلى وجْهِهِ عَلى الأرْضِ ساجِدًا؛ وفِيهِ في (p-٣٧٦)تَلَقِّي مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِخَتْنِهِ شُعَيْبَ عَلَيْهِما السَّلامُ إذْ جاءَهُ يُهَنِّئُهُ بِما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ غَرَقِ فِرْعَوْنَ: فَخَرَجَ مُوسى يَتَلَقّى خَتْنَهُ وسَجَدَ لَهُ وقَبَّلَهُ وسَألَ كُلٌّ مِنهُما عَنْ سَلامَةِ صاحِبِهِ؛ وفِيهِ: وقالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى لِمُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عِنْدَ ما بَشَّرَهُ بِقَتْلِ الكَنْعانِيِّينَ وغَيْرِهِمْ مِن سُكّانِ بِلادِ القُدْسِ: لا تَسْجُدُوا لِآلِهَتِهِمْ ولا تَعْبُدُوها ولا تَفْعَلُوا كَأفْعالِهِمْ - بَلْ كُبَّهم كَبًّا عَلى وُجُوهِهِمْ وكَسِّرْ أصْنامَهم - واعْبُدُوا الرَّبَّ إلَهَكُمْ، وفي أوائِلِ السِّفْرِ الثّالِثِ في ذِكْرِ ظُهُورِ مَجْدِ الرَّبِّ لَهم في قُبَّةِ الزَّمانِ الَّتِي كانُوا يُصَلُّونَ إلَيْها عَلى حَياةِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: وعايَنَ ذَلِكَ جَمِيعُ الشَّعْبِ وحَمِدُوا اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى وخَرَّ الشَّعْبُ كُلُّهُ عَلى وجْهِهِ، وفي الرّابِعِ عِنْدَما هَمَّ بَنُو إسْرائِيلَ بِالرُّجُوعِ إلى مِصْرَ تَضَجُّرًا مِن حالِهِمْ: فَخَرَّ مُوسى وهارُونُ عَلَيْهِما السَّلامُ عَلى وُجُوهِهِما ساجِدَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ جَماعَةِ بَنِي إسْرائِيلَ كُلِّها؛ وفِيهِ: وكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسى وهارُونَ وقالَ لَهُما: تَنَحَّيا عَنْ هَذِهِ الجَماعَةِ لِأنِّي مُهْلِكُها، فَخَرّا ساجِدَيْنِ عَلى وُجُوهِهِما؛ وفِيهِ عِنْدَما تَذَمَّرُوا عَلَيْهِ مِن أجْلِ العَطَشِ: فَجاءَ مُوسى وهارُونُ مِن عِنْدِ الجَماعَةِ إلى بابِ قُبَّةِ الزَّمانِ (p-٣٧٧)فَخَرّا عَلى وُجُوهِهِما فَظَهَرَ لَهُما مَجْدُ الرَّبِّ - فَذَكَرَ قِصَّةَ ضَرْبِ الحَجَرِ بِالعَصا وانْفِجارِ الماءِ؛ وفِيهِ في قِصَّةِ بِلْعامِ بْنِ باعُورَ حِينَ رَأى مَلَكًا في طَرِيقِهِ فَجَثا عَلى وجْهِهِ ساجِدًا.
وأمّا إطْلاقُ لَفْظِ الصَّلاةِ فَقالَ في آخِرِ سِفْرِ الثّانِي: وكانَ إذا خَرَجَ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى قُبَّةِ الزَّمانِ كانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَقِفُونَ ويَسْتَعِدُّ كُلُّ امْرِئٍ مِنهم عَلى بابِ خَيْمَتِهِ، ويَنْظُرُونَ إلى مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن خَلْفِهِ حَتّى يَدْخُلَ إلى القُبَّةِ، وإذا دَخَلَ مُوسى القُبَّةَ كانَ يَنْزِلُ عَمُودُ السَّحابِ فَيَقِفُ عَلى بابِ القُبَّةِ، ويُكَلِّمُ مُوسى وكانَ جَمِيعُ الشَّعْبِ يَنْظُرُونَ إلى عَمُودِ السَّحابِ واقِفًا عَلى بابِ القُبَّةِ وكانَ يَقِفُ جَمِيعُ الشَّعْبِ ويُصَلِّي كُلُّ امْرِئٍ مِنهم عَلى بابِ خَيْمَتِهِ؛ وفِيهِ: وعَمِلَ سَطْلًا مِن نُحاسٍ فَنَصَبَهُ عِنْدَ مَنظَرِ النِّسْوَةِ اللّاتِي يَأْتِينَ فَيُصَلِّينَ عَلى بابِ قُبَّةِ الأمَدِ.
وكُلُّ ما فِيها مِن ذِكْرِ الصَّلاةِ فَهَكَذا يُطْلَقُ لَفْظُهُ غَيْرَ مَقْرُونٍ بِما يُرْشِدُ إلى كَيْفِيَّةٍ، فَلا فائِدَةَ في سَرْدِهِ؛ وهَذِهِ القُبَّةُ أمَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ (p-٣٧٨)وتَعالى مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِاتِّخاذِها مَظْهَرَ المَجْدِ وأنْ يَجْعَلَها كَهَيْئَةِ الغَمامِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ مَجْدُهُ تَعالى فِيهِ في جَبَلِ طُورِ سَيْناءَ، وهي مِن غَرائِبِ الدَّهْرِ في الِارْتِفاعِ والسَّعَةِ والهَيْئَةِ، فَفِيها مِنَ الخَشَبِ والبُيُوتِ والتَّوابِيتِ والأعْمِدَةِ والجَواهِرِ وصَفائِحِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ والنُّحاسِ والسُّرادِقاتِ والسُّتُورِ مِنَ الحَرِيرِ والأُرْجُوانِ والكَتّانِ والأطْنابِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَكِلُّ عَنْهُ الوَصْفُ، وكُلُّهُ بِنَصٍّ نَمَّ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى الطُّولِ والعَرْضِ والوَزْنِ والمَحَلِّ بِحَيْثُ إنَّهُ كانَ فِيها مِن صَفائِحِ الذَّهَبِ ومَسامِيرِهِ ونَحْوِها تِسْعَةٌ وعِشْرُونَ قِنْطارًا وأرْبَعُمِائَةٍ وثَلاثُونَ مِثْقالًا بِمِثْقالِ القُدْسِ، ومِنَ الفِضَّةِ مِائَةُ قِنْطارٍ وألْفٌ وسَبْعُمِائَةٍ وسَبْعُونَ مِثْقالًا، ومِنَ النُّحاسِ سَبْعُونَ قِنْطارًا وألْفانِ وأرْبَعُمِائَةِ مِثْقالٍ؛ وكانَتْ هَذِهِ القُبَّةُ تُنْصَبُ في مَكانٍ مِنَ الأرْضِ ويَنْزِلُ بَنُو لاوِي سِبْطِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وهارُونَ حَوْلَها يَخْدُمُونَها بَيْنَ يَدَيْ هارُونَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وبَنِيهِ، ومَن دَنا مِنها مِن غَيْرِهِمُ احْتَرَقَ، ويَنْزِلُ أسْباطُ بَنِي إسْرائِيلَ حَوْلَ بَنِي لاوِي، لِكُلِّ سِبْطٍ مَنزِلَةٌ لا يَتَعَدّاها مِن شَرْقِها وغَرْبِها وجَنُوبِها وشَمالِها، كُلُّ ذَلِكَ بِأمْرٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لِمُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ وكانَ (p-٣٧٩)السَّحابُ يَغْشاها بِالنَّهارِ، وكانَ النّارُ تُضِيءُ عَلَيْها بِاللَّيْلِ وتُزْهِرُ، فَما دامَ السَّحابُ مُجَلِّلًا لَها فَهم مُقِيمُونَ، فَإذا ارْتَفَعَ عَنْها كانَ إذْنًا في سَفَرِهِمْ.
فالَّذِي فَهِمْتُهُ مِن هَذِهِ الأماكِنِ وغَيْرِها أنَّ الصَّلاةَ عِنْدَهم تُطْلَقُ عَلى الدُّعاءِ وعَلى فِعْلٍ هو مُجَرَّدُ السُّجُودِ، فَإنْ ذُكِرَ مَعَهُ ما يَدُلُّ عَلى وضْعِ الوَجْهِ عَلى الأرْضِ فَذاكَ حِينَئِذٍ يُسَمّى صَلاةً، وإلّا كانَ المُرادُ بِهِ مُطْلَقَ الِانْحِناءِ لِلتَّعْظِيمِ، وذَلِكَ مُوافِقٌ لِلُّغَةِ، قالَ في القامُوسِ: سَجَدَ: خَضَعَ؛ والخُضُوعُ التَّطامُنُ، وأمّا المَكانُ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الرُّكُوعِ فالظّاهِرُ أنَّ مَعْناهُ: فَصَلّى الشَّعْبُ كُلُّهُ ساجِدًا لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى، لِأنَّ الرُّكُوعَ في اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلى مَعانٍ مِنها الصَّلاةُ، يُقالُ: رَكَعَ - أيْ صَلّى، ورَكَعَ - إذا انْحَنى كَبْوًا، والرّاكِعُ مَن يَكْبُو عَلى وجْهِهِ، ولا يَصِحُّ حَمْلُ الرُّكُوعِ عَلى ظاهِرِهِ، لِأنَّهُ لا يُمْكِنُ في حالِ السُّجُودِ، وإنِ ارْتُكِبَ فِيهِ تَأْوِيلٌ لَمْ يَكُنْ بِأوْلى مِمّا ذَكَرْتُهُ في الرُّكُوعِ - واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ، واحْتَجَجْتُ بِاللُّغَةِ لِأنَّ مُتَرْجِمَ النُّسْخَةِ الَّتِي وقَعَتْ لِي في عِدادِ البُلَغاءِ، يُعْرَفُ ذَلِكَ مِن تَأمُّلِ مَواقِعِ تَرْجَمَتِهِ لَها، عَلى أنِّي سَألْتُ عَنْ صَلاةِ اليَهُودِ الآنَ فَأُخْبِرْتُ أنَّهُ لَيْسَ فِيها رُكُوعٌ، ثُمَّ رَأيْتُ البَغْوِيَّ (p-٣٨٠)صَرَّحَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣] بِأنَّ صَلاتَهم لا رُكُوعَ فِيها، وكَذا ابْنُ عَطِيَّةَ وغَيْرُهُما.
ولَمّا كانَ المَقْصُودُ مِن ذِكْرِ هَذِهِ الآياتِ بَيانَ الخَوارِقِ الَّتِي كانَتْ لِآلِ عِمْرانَ مِن زَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وأُمِّهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلْمُجادَلَةِ بِالحَقِّ في أمْرِ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وبَيانَ أنَّ ما أشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِن أمْرِهِ لَيْسَ خارِجًا عَنْ إشْكالِ الخَوارِقِ في آلِهِ، وكانَ الرَّدُّ عَلى كُلِّ طائِفَةٍ بِما تَعْتَقِدُ أوْلى وجَبَ ذِكْرُ ذَلِكَ مِنَ الأناجِيلِ الأرْبَعَةِ المَوْجُودَةِ الآنَ بَيْنَ أظْهُرِ النَّصارى: ذِكْرُ قِصَّةِ يَحْيى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في حَمْلِهِ ووِلادَتِهِ ونُبُوَّتِهِ وما اتَّفَقَ في ذَلِكَ مِنَ الخَوارِقِ مِنَ الأناجِيلِ وقَدْ مَزَجْتُ بَيْنَ ألْفاظِها فَجَعَلْتُها شَيْئًا واحِدًا عَلى وجْهٍ ألَمَّ بَعْضُهُ بِأوَّلِ أمْرِ المَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ قالَ مُتَرْجِمُها في أوَّلِ إنْجِيلِ لُوقا: كانَ في أيّامِ هِيرُودُسْ مَلِكِ اليَهُودِيَّةِ كاهِنٌ، أيْ حَبْرٌ إمامٌ، اسْمُهُ زَكَرِيّا مِن خَدَمَةِ آلِ أبِيّا، وامْرَأتُهُ مِن بَناتِ هارُونَ واسْمُها إلِيصاباتُ، وكانا كِلاهُما تَقِيَّيْنِ قُدّامَ اللَّهِ سائِرَيْنِ في (p-٣٨١)جَمِيعِ وصاياهُ وحُقُوقِ الرَّبِّ بِغَيْرِ عَيْبٍ، ولَمْ يَكُنْ لَهُما ولَدٌ لِأنَّ إلِيصاباتَ كانَتْ عاقِرًا، وكانا كِلاهُما قَدْ طَعَنا في أيّامِهِما، فَبَيْنَما هو يَكْهُنُ في أيّامِ تَرْتِيبِ خِدْمَتِهِ أمامَ اللَّهِ كَعادَةِ الكَهَنُوتِ إذْ بَلَغَتْهُ نَوْبَةُ وضْعِ البَخُورِ فَجاءَ لِيُبَخِّرَ، فَدَخَلَ إلى هَيْكَلِ اللَّهِ وجَمِيعُ الشَّعْبِ يُصَلُّونَ خارِجًا في وقْتِ البَخُورِ، فَتَراءى لَهُ مَلَكُ الرَّبِّ قائِمًا عَنْ يَمِينِ مَذْبَحِ البَخُورِ، فَلَمّا رَآهُ زَكَرِيّا اضْطَرَبَ ووَقَعَ عَلَيْهِ خَوْفٌ فَقالَ لَهُ المَلَكُ: لا تَخَفْ يا زَكَرِيّا! قَدْ سُمِعَتْ طِلْبَتُكَ، وامْرَأتُكَ إلِيصاباتُ تَلِدُ ابْنًا، ويُدْعى اسْمُهُ يُوحَنّا، ويَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وتَهَلُّلٌ، وكَثِيرٌ يَفْرَحُونَ بِمَوْلِدِهِ، ويَكُونُ عَظِيمًا قُدّامَ الرَّبِّ، لا يَشْرَبُ خَمْرًا ولا سُكْرًا، ويَمْتَلِئُ مِن رُوحِ القُدُسِ وهو في بَطْنِ أُمِّهِ، ويُعِيدُ كَثِيرًا مِن بَنِي إسْرائِيلَ إلى إلَهِهِمْ، وهو يَتَقَدَّمُ أمامَهُ بِالرُّوحِ وبِقُوَّةِ ألَيّاءَ، ويُقْبِلُ بِقُلُوبِ الآباءِ عَلى الأبْناءِ والعُصاةِ إلى عِلْمِ الأبْرارِ، ويُعِدُّ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَقِيمًا، فَقالَ زَكَرِيّا لِلْمَلَكِ: كَيْفَ أعْلَمُ هَذا وأنا شَيْخٌ وامْرَأتِي قَدْ طَعَنَتْ في أيّامِها؟ فَأجابَ المَلَكُ وقالَ: أنا جِبْرِيلُ الواقِفُ (p-٣٨٢)قُدّامَ اللَّهِ، أُرْسِلْتُ أُكَلِّمُكَ بِهَذا وأُبَشِّرُكَ، ومِنَ الآنَ تَكُونُ صامِتًا، لا تَسْتَطِيعُ أنْ تَتَكَلَّمَ إلى اليَوْمِ الَّذِي يَكُونُ هَذا.
وكانَ الشَّعْبُ مُنْتَظِرِينَ زَكَرِيّا مُتَعَجِّبِينَ مِن إبْطائِهِ في الهَيْكَلِ، فَلَمّا خَرَجَ لَمْ يَقْدِرْ يُكَلِّمُهُمْ، فَعَلِمُوا أنَّهُ قَدْ رَأى رُؤْيا في الهَيْكَلِ، فَكانَ يُشِيرُ إلَيْهِمْ، وأقامَ صامِتًا، فَلَمّا كَمُلَتْ أيّامُ خِدْمَتِهِ مَضى إلى بَيْتِهِ، ومِن بَعْدِ تِلْكَ الأيّامِ حَمَلَتْ إلِيصاباتُ امْرَأتُهُ، وكَتَمَتْ حَمْلَها خَمْسَةَ أشْهُرٍ قائِلَةً: هَذا ما صَنَعَ بِيَ الرَّبُّ في الأيّامِ الَّتِي نَظَرَ إلَيَّ فِيها لِيَنْزِعَ عَنِّي العارَ بَيْنَ النّاسِ، ولَمّا كانَتْ في الشَّهْرِ السّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ المَلَكُ مِن عِنْدِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى إلى مَدِينَةٍ في الجَلِيلِ تُسَمّى ناصِرَةً إلى عَذْراءَ خَطِيبَةٍ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يُوسُفُ مِن بَيْتِ داوُدَ، واسْمُ العَذْراءِ مَرْيَمُ، فَلَمّا دَخَلَ إلَيْها المَلَكُ قالَ لَها: افْرَحِي يا مُمْتَلِئَةً نِعْمَةً الرَّبُّ مَعَكِ! مُبارَكَةٌ أنْتِ في النِّساءِ، فَلَمّا رَأتْهُ اضْطَرَبَتْ مِن كَلامِهِ وفَكَّرَتْ قائِلَةً ما هَذا السَّلامُ؟ فَقالَ لَها المَلَكُ: لا تَخافِي يا مَرْيَمُ! فَقَدْ ظَفِرْتِ (p-٣٨٣)بِنِعْمَةٍ مِن عِنْدِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى وأنْتِ تَقْبَلِينَ حَبَلًا وتَلِدِينَ ابْنًا، ويُدْعى اسْمُهُ يَسُوعُ، هَذا يَكُونُ عَظِيمًا، وابْنَ العَذْراءِ يُدْعى، ويُعْطِيهِ الرَّبُّ الإلَهُ كُرْسِيَّ داوُدَ أبِيهِ، ويُمَلَّكُ عَلى بَيْتِ يَعْقُوبَ إلى الأبَدِ، ولا يَكُونُ لِمُلْكِهِ انْقِضاءٌ، فَقالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلَكِ: كَيْفَ يَكُونُ هَذا ولا أعْرِفُ رَجُلًا؟ فَأجابَ المَلَكُ وقالَ لَها: رُوحُ القُدُسِ يَحِلُّ عَلَيْكِ وقُوَّةُ العَلِيِّ تَقْبَلُكِ، فَإنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى أمْرٌ عَسِيرٌ، فَقالَتْ مَرْيَمُ: هَأنَذا عَبْدَةُ الرَّبِّ فَيَكُونُ فِيَّ كَقَوْلِكَ، وانْصَرَفَ عَنْها المَلَكُ، فَقامَتْ مَرْيَمُ في تِلْكَ الأيّامِ ومَضَتْ مُسْرِعَةً إلى عَيْنِ كَرَمٍ إلى مَدِينَةِ يَهُودا، ودَخَلَتْ إلى بَيْتِ زَكَرِيّا فَسَلَّمَتْ عَلى إلِيصاباتَ، فَلَمّا سَمِعَتْ إلِيصاباتُ صَوْتَ سَلامِ مَرْيَمَ تَحَرَّكَ الطِّفْلُ في بَطْنِها، فامْتَلَأتْ إلِيصاباتُ مِن رُوحِ القُدُسِ وصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وقالَتْ: مُبارَكَةٌ أنْتِ في النِّساءِ! ومُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! مِن أيْنَ لِي هَذا أنْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّي إلَيَّ، مُنْذُ وقَعَ صَوْتُ سَلامِكِ في أُذُنِي تَحَرَّكَ الطِّفْلُ بِتَهْلِيلٍ في بَطْنِي، فَطُوبى لِلَّتِي آمَنَتْ أنْ يَتِمَّ لَها ما قِيلَ مِنَ الرَّبِّ! فَقالَتْ (p-٣٨٤)مَرْيَمُ: تَعْظُمُ نَفْسِي بِالرَّبِّ ويَتَهَلَّلُ رُوحِي بِاللَّهِ مُخَلِّصِي لِأنَّهُ نَظَرَ إلى تَواضُعِ عَبْدَتِهِ، وقُدُّوسِ اسْمِهِ، ورَحْمَتِهِ لِخائِفِيهِ، صَنَعَ القُوَّةَ بِذِراعِهِ وفَرَّقَ المُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ، أنْزَلَ القادِرِينَ عَنِ الكَراسِي ورَفَعَ المُتَواضِعِينَ، أشْبَعَ الجِياعَ مِنَ الخَيْراتِ، فَأقامَتْ مَرْيَمُ عَلَيْها السَّلامُ عِنْدَها نَحْوًا مِن ثَلاثَةِ أشْهُرٍ وعادَتْ إلى بَيْتِها.
ولَمّا تَمَّ زَمانُ إلِيصاباتَ لِتَلِدَ ولَدَتِ ابْنًا، فَسَمِعَ جِيرانُها وأقارِبُها أنَّ الرَّبَّ قَدْ أعْظَمَ رَحْمَتَهُ مَعَها، فَفَرِحُوا لَها، فَلَمّا كانَتْ في اليَوْمِ الثّامِنِ جاؤُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيَّ ودَعَوْهُ بِاسْمِ أبِيهِ زَكَرِيّا فَأجابَتْ أُمُّهُ قائِلَةً: لا ولَكِنِ ادْعُوهُ يُوحَنّا، فَقالُوا لَها: لَيْسَ أحَدٌ في جِنْسِكِ يُدْعى بِهَذا الِاسْمِ، فَأشارُوا إلى أبِيهِ: ما تُرِيدُ أنْ تُسَمِّيَهُ؟ فاسْتَدْعى لَوْحًا وكَتَبَ قائِلًا: يُوحَنّا، فَتَعَجَّبَ جَمِيعُهُمْ، وانْفَتَحَ فُوهُ قائِلًا مِن ساعَتِهِ ولِسانِهِ، وتَكَلَّمَ وبارَكَ، ووَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلى جَمِيعِ جِيرانِهِمْ، وتُحُدِّثَ بِهَذا الكَلامِ في جَمِيعِ تُخُومِ يَهُودا، وفَكَّرَ جَمِيعُ السّامِعِينَ (p-٣٨٥)فِي قُلُوبِهِمْ قائِلِينَ: ماذا تُرى يَكُونُ مِن هَذا الصَّبِيِّ! ويَدُ الرَّبِّ كانَتْ مَعَهُ، فامْتَلَأ زَكَرِيّا أبُوهُ مِن رُوحِ القُدُسِ وبَدَأ قائِلًا: تَبارَكَ الرَّبُّ إلَهُ إسْرائِيلَ الَّذِي اطَّلَعَ وصَنَعَ نَجاةً لِشَعْبِهِ وأقامَ لَنا قَرْنَ خَلاصٍ مِن بَيْتِ داوُدَ فَتاهُ كالَّذِي تَكَلَّمَ عَلى أفْواهِ أنْبِيائِهِ القِدِّيسِينَ مِنَ الأبَدِ، خَلاصٌ مِن أعْدائِنا ومِن يَدَيْ كُلِّ مُبْغِضِنا، صُنْعُ رَحْمَةٍ مَعَ آبائِنا، وذِكْرُ عُهْدَةِ القِدِّيسِ: القَسَمِ الَّذِي عَهِدَ بِهِ لِإبْراهِيمَ أبِينا لِيُعْطِيَنا الخَلاصَ بِلا خَوْفٍ مِن يَدَيْ أعْدائِنا لِنَخْدُمَهُ بِالبِرِّ والعَدْلِ قُدّامَهُ في كُلِّ أيّامِ حَياتِنا، وأنْتَ أيُّها الصَّبِيُّ نَبِيَّ العَلاءِ تُدْعى، وتَنْطَلِقُ قُدّامَ وجْهِ الرَّبِّ لِتُصْلِحَ طَرِيقَهُ لِيُعْطِيَ عِلْمَ الخَلاصِ لِشَعْبِهِ لِمَغْفِرَةِ الخَطايا بِتَحَنُّنٍ ورَحْمَةٍ، إلَهُنا الَّذِي افْتَقَدْنا شَرَقَ مِنَ العُلُوِّ لِيُضِيءَ لِلْجالِسِ في الظُّلْمَةِ وظِلالَ المَوْتِ لِتَسْتَقِيمَ سُبُلُ أرْجُلِنا لِلسَّلامَةِ. (p-٣٨٦)فَأمّا الصَّبِيُّ فَكانَ يَشِبُّ ويَتَقَوّى بِالرُّوحِ وأقامَ في البَرِّيَّةِ إلى يَوْمِ ظُهُورِهِ لِإسْرائِيلَ، وفي سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مِن وِلايَةِ طِيبارْيُوسْ قَيْصَرَ وفِيلاطُوسِ النَّبَطِيُّ عَلى اليَهُودِيَّةِ وهِيرُودُسْ رَئِيسُ الجَلِيلِ، وفِيلْفُوسْ أخُوهُ عَلى رَبْعِ الصُّورِيَّةِ وكُورَةِ أبْطَرَحْيُونَ وأُوساسُوسْ رَئِيسٌ عَلى رَبْعِ الإيلِيّا، وحَنانُ وقَيافا رُؤَساءُ الكَهَنَةِ، حَلَّتْ كَلِمَةُ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى يُوحَنّا بْنِ زَكَرِيّا في البَرِّيَّةِ فَجاءَ إلى كُلِّ البِلادِ المُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الخَطايا - كَما هو مَكْتُوبٌ في سِفْرِ كَلامِ أشْعَيا النَّبِيِّ - قائِلًا: صَوْتٌ صارِخٌ في البَرِّيَّةِ: أعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ فاصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً، جَمِيعُ الأوْدِيَةِ تَمْتَلِئْ وجَمِيعُ الجِبالِ والآكامِ تَتَّضِعْ، ويَصِيرُ الوَعْرُ سَهْلًا والخَشِنَةُ إلى طَرِيقٍ سَهْلَةً، ويُعايِنُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ خَلاصَ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى؛ (p-٣٨٧)وفِي إنْجِيلِ مَتّى: وفي تِلْكَ الأيّامِ جاءَ يُوحَنّا المَعْمَدانُ يَكْرِزُ في بَرِّيَّةِ يَهُودا ويَقُولُ: تُوبُوا فَقَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماواتِ - هَذا هو الَّذِي في أشْعَيا النَّبِيِّ: إذْ يَقُولُ صَوْتٌ صارِخٌ، وقالَ مُرْقُسُ: مَكْتُوبٌ في أشْعَيا النَّبِيِّ: هُوذا أنا مُرْسِلٌ مَلاكِيَ أمامَ وجْهِكَ لِيَسْهُلَ طَرِيقُكَ قُدّامَكَ، ثُمَّ اسْتَنْعى صَوْتَ صارِخٍ في البَرِّيَّةِ: أعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ وسَهِّلُوا سُبُلَهُ، وكانَ لِباسُ يُوحَنّا وبَرَ الإبِلِ، ومِنطَقَتُهُ جِلْدًا عَلى حَقْوَيْهِ، وكانَ طَعامُهُ الجَرادَ وعَسَلَ البَرِّ، حِينَئِذٍ خَرَجُوا إلَيْهِ مِن يَرُوشَلِيمَ، وكُلِّ اليَهُودِيَّةِ وجَمِيعِ كُوَرِ الأُرْدُنِّ، وكانَ يُعَمِّدُهم في نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطاياهُمْ؛ وفي مُرْقُسَ: كانَ يُوحَنّا يُعَمِّدُ في القَفْرِ ويَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِغُفْرانِ الخَطايا، وكانَ يَخْرُجُ إلَيْهِ جَمِيعُ (p-٣٨٨)كُوَرِ يَهُودا وكُلُّ يَرُوشَلِيمَ فَيُعَمِّدُهم في نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُعْتَرِفِينَ بِخَطاياهم فَقالَ لِلْجَمْعِ الَّذِينَ يَأْتُونَ إلَيْهِ ويَعْتَمِدُونَ مِنهُ: يا ثَمَرَةَ الأفاعِي! وفي مَتّى: فَلَمّا رَأى كَثِيرًا مِنَ الفَرِيسِيِّينَ والزَّنادِقَةِ يَأْتُونَ إلى مَعْمُودِيَّتِهِ قالَ لَهُمْ: يا أوْلادَ الأفاعِي - ثُمَّ اتَّفَقَ هو ولُوقا - مَن دَلَّكم عَلى الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتِي؟ اعْمَلُوا الآنَ ثِمارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ ولا تَقُولُوا في نُفُوسِكُمْ: إنَّ أبانا إبْراهِيمُ، أقُولُ لَكُمْ: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى قادِرٌ أنْ يُقِيمَ مِن هَذِهِ الحِجارَةِ أوْلادًا لِإبْراهِيمَ ها هو ذا الفَأْسُ مَوْضُوعٌ عَلى أُصُولِ الشَّجَرِ، وكُلُّ شَجَرَةٍ لا تُثْمِرُ ثَمَرَةً طَيِّبَةً تُقْطَعُ وتُلْقى في النّارِ، فَسَألَهُ الجُمُوعُ، ماذا نَصْنَعُ؟ أجابَ وقالَ لَهُمْ: مَن لَهُ ثَوْبانِ فَلْيُعْطِ مَن لَيْسَ لَهُ، ومَن لَهُ طَعامٌ فَلْيَصْنَعْ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأتى العَشّارُونَ لِيَعْتَمِدُوا مِنهُ فَقالُوا: ماذا نَصْنَعُ يا مُعَلِّمُ؟ فَقالَ لَهُمْ: لا تَفْعَلُوا أكْثَرَ مِمّا أُمِرْتُمْ بِهِ، وسَألَهُ أيْضًا الجُنْدُ قائِلِينَ: ماذا نَصْنَعُ نَحْنُ أيْضًا؟ فَقالَ لَهُمْ: لا تَعِيبُوا أحَدًا ولا تَظْلِمُوا أحَدًا، واكْتَفُوا بِأرْزاقِكم. (p-٣٨٩)وإنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ فَكَّرُوا في قُلُوبِهِمْ وظَنُّوا أنَّ يُوحَنّا المَسِيحُ، أجابَهم يُوحَنّا أجْمَعِينَ وقالَ لَهُمْ: أمّا أنا فَأُعَمِّدُكم بِالماءِ لِلتَّوْبَةِ، وسَيَأْتِي الَّذِي هو أقْوى مِنَ الَّذِي لا أسْتَحِقُّ أنْ أحُلَّ سُيُورَ حِذائِهِ؛ وقالَ مَتّى: لا أسْتَحِقُّ أنْ أحْمِلَ حِذاءَهُ؛ وقالَ مُرْقُسُ: وكانَ يُبَشِّرُ قائِلًا: الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي أُوقى مِنِّي، لَسْتُ أهْلًا - أعْنِي لِحَلِّ سُيُورِ حِذائِهِ، أنا أُعَمِّدُكم بِالماءِ وهو يُعَمِّدُكم بِرُوحِ القُدُسِ والنّارِ، الَّذِي بِيَدِهِ المِرْفَشُ، يُنَقِّي بِهِ الذُّرَةَ، ويَجْمَعُ القَمْحَ إلى أهْرائِهِ، ويَحْرِقُ التِّبْنَ بِنارٍ لا تُطْفَأُ، ولا يَخْبِزُ الشَّعْبَ، ويُبَشِّرُهم بِأشْياءَ كَثِيرَةٍ؛ وفي إنْجِيلِ يُوحَنّا: كانَ إنْسانٌ أُرْسِلَ مِنَ اللَّهِ، اسْمُهُ يُوحَنّا، جاءَ لِلشَّهادَةِ لِلنُّورِ الَّذِي هو نُورُ الحَقِّ الَّذِي يُضِيءُ لِكُلِّ إنْسانٍ، (p-٣٩٠)الآتِي إلى العالَمِ، إلى خاصَّتِهِ، جاءَ وخاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ، فَأمّا الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأعْطاهم سُلْطانًا، والكَلِمَةُ صارَتْ جَسَدًا، وحَلَّ فِينا، ورَأيْنا مَجْدَهُ مَجْدًا مِثْلَ الوَحِيدِ المُمْتَلِئِ نِعْمَةً، وحَقًّا يُوحَنّا شَهِدَ مِن أجْلِهِ وصَرَخَ وقالَ: هَذا الَّذِي قُلْتُ إنَّهُ يَأْتِي بَعْدِي كانَ قَبْلِي، لِأنَّهُ أقْدَمُ مِنِّي، ومِنَ امْتِلائِهِ نَحْنُ بِأجْمَعِنا أخَذْنا نِعْمَةً مِن أجْلِ أنَّ النّامُوسَ بِمُوسى أُعْطى، والنِّعْمَةَ والحَقَّ أُوحِيا بِيَسُوعَ المَسِيحِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ أحَدٌ قَطُّ، الِابْنِ الوَحِيدِ.
هَذِهِ شَهادَةُ يُوحَنّا إذْ أرْسَلَ إلَيْهِ اليَهُودُ مِن يَرُوشَلِيمَ كَهَنَةً ولاوِيِّينَ - أيْ ناسًا مِن أوْلادِ لاوِي - لِيَسْألُوهُ: مَن أنْتَ، فاعْتَرَفَ وأقَرَّ أنِّي لَسْتُ المَسِيحَ، فَسَألُوهُ: فَمَن ألَيّاءُ؟ فَقالَ: لَسْتُ أنا النَّبِيَّ، قالَ: كَلّا! فَقالُوا لَهُ: فَمَن أنْتَ لِنَرُدَّ الجَوابَ إلى الَّذِينَ أرْسَلُونا، ماذا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟ قالَ: أنا الصَّوْتُ الصّارِخُ في البَرِّيَّةِ: سَهِّلُوا طَرِيقَ الرَّبِّ - كَما قالَ أشْعَيا النَّبِيُّ. فَأمّا أُولَئِكَ الَّذِينَ أرْسَلُوا فَكانُوا مِنَ الفَرِيسِيِّينَ فَقالُوا: ما بالُكَ تُعَمِّدُ إنْ كُنْتَ لَسْتَ المَسِيحَ ولا ألَيّاءَ ولا النَّبِيَّ؟ أجابَهم يُوحَنّا: أنا أُعَمِّدُكم بِالماءِ، وفي وسَطِكم قائِمٌ ذاكَ الَّذِي لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ، (p-٣٩١)الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي وهو أقْوى مِنِّي، وهو قَبْلِي كانَ، ذاكَ الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقًّا أنْ أحُلَّ سُيُورَ حِذائِهِ. هَذا كانَ في بَيْتِ عَنَيا في عَبْرِ الأُرْدُنِّ حَيْثُ كانَ يُوحَنّا يُعَمِّدُ. قالَ لُوقا: فَأمّا هِيرُودُسْ رَئِيسُ الرَّبْعِ فَكانَ يُوحَنّا يُبَكِّتُهُ مِن أجْلِ هِيرُودْيا امْرَأةِ أخِيهِ فِيلْفُوسْ ولِأجْلِ الشَّرِّ الَّذِي كانَ هِيرُودُسْ يَفْعَلُهُ، وزادَ عَلى ذَلِكَ أنَّهُ طَرَحَ يُوحَنّا في السِّجْنِ؛ وقالَ مُرْقُسُ وقَدْ ذَكَرَ آياتٍ أظْهَرَها المَسِيحُ: وسَمِعَ هِيرُودُسِ المَلِكُ وقالَ: إنَّ يُوحَنّا المَعْمَدانِ قامَ مِنَ الأمْواتِ، ومِن أجْلِ تِلْكَ القُوّاتِ يَعْمَلُ، وقالَ آخَرُونَ: إنَّهُ ألَيّاءُ، وآخَرُونَ: إنَّهُ نَبِيٌّ كَواحِدٍ مِنَ الأنْبِياءِ، فَلَمّا سَمِعَ هِيرُودُسْ قالَ: أنا قَطَعْتُ رَأْسَ يُوحَنّا؛ وفي مَتّى: وفي ذَلِكَ الزَّمانِ سَمِعَ هِيرُودُسْ رَئِيسُ الرَّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ فَقالَ لِغِلْمانِهِ: هَذا هو يُوحَنّا المَعْمَدانِ، وهو قامَ مِنَ الأمْواتِ، مِن أجْلِ هَذِهِ القُوّاتِ يَعْمَلُ، وكانَ هِيرُودُسْ قَدْ (p-٣٩٢)أمْسَكَ يُوحَنّا وشَدَّهُ وجَعَلَهُ في السِّجْنِ، وقالَ مُرْقُسُ: وحَبَسَهُ مِن أجْلِ هِيرُودْيا امْرَأةِ فِيلْفُوسْ، لِأنَّهُ كانَ قَدْ تَزَوَّجَها وقالَ لَهُ يُوحَنّا: ما يَحِلُّ لَكَ أنْ تَأْخُذَ امْرَأةَ أخِيكَ، وكانَتْ هِيرُودْيا حَنِقَةً عَلَيْهِ تُرِيدُ قَتْلَهُ، ولَمْ تَقْتُلْهُ لِأنَّ هِيرُودُسْ كانَ يَخافُ مِن يُوحَنّا، لِأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ رَجُلٌ صِدِّيقٌ قِدِّيسٌ ويَحْفَظُهُ ويَسْمَعُ مِنهُ كَثِيرًا بِشَهْوَةٍ، وكانَ في يَوْمٍ مِنَ الزَّمانِ وافى هِيرُودُسْ مَوْلُودٌ، فَصَنَعَ ولِيمَةً لِعُظَمائِهِ ورُؤَسائِهِ ومُقَدَّمِي الجَلِيلِ، ودَخَلَتِ ابْنَةُ هِيرُودْيا فَرَقَصَتْ، فَوافَقَ ذَلِكَ هِيرُودُسْ وجُلَساءَهُ، فَقالَ المَلِكُ لِلصَّبِيَّةِ: سَلِي ما أرَدْتِ فَأُعْطِيَكِ! وحَلَفَ لَها أنِّي أُعْطِيكِ ما سَألْتِ ولَوْ كانَ نِصْفَ مُلْكِي، فَخَرَجَتْ وقالَتْ لِأُمِّها: أيَّ شَيْءٍ أسْألُهُ؟ فَقالَتْ: رَأْسَ يُوحَنّا المَعْمَدانِ، فَرَجَعَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إلى المَلِكِ وسَألَتْ رَأْسَ يُوحَنّا عَلى طَبَقٍ، فَحَزِنَ المَلِكُ، ومِن أجْلِ اليَمِينِ والمَنكِبَيْنِ لَمْ يَرَ مَنعَها، (p-٣٩٣)فَأنْفَذَ سَيّافًا مِن ساعَتِهِ وأمَرَ أنْ يُؤْتى بِرَأْسِهِ في طَبَقٍ، فَمَضى وقَطَعَ رَأْسَهُ في الحَبْسِ وجاءَ بِهِ في طَبَقٍ وأعْطاهُ لِلصَّبِيَّةِ، فَأخَذَتْهُ الصَّبِيَّةُ ودَفَعَتْهُ لِأُمِّها؛ وسَمِعَ تَلامِيذُهُ فَجاؤُوا ورَفَعُوا جُثَّتَهُ وجَعَلُوها في قَبْرٍ؛ قالَ مَتّى: وجاءَ تَلامِيذُهُ فَأخَذُوا جَسَدَهُ ودَفَنُوهُ وأتَوْا فَأخْبَرُوا يَسُوعَ فَلَمّا سَمِعَ يَسُوعُ مَضى مِن هُناكَ في سَفِينَةٍ إلى البَرِّيَّةِ مُفْرَدًا، فَسَمِعَ الجَمْعُ فَتَبِعُوهُ ماشِينَ مِنَ المُدُنِ، فَلَمّا خَرَجَ أبْصَرَ جَمْعًا كَثِيرًا فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ وأبْرَأ أعِلّاءَهم ومَرْضاهُمُ انْتَهى.
{"ayah":"یَـٰمَرۡیَمُ ٱقۡنُتِی لِرَبِّكِ وَٱسۡجُدِی وَٱرۡكَعِی مَعَ ٱلرَّ ٰكِعِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق