الباحث القرآني

﴿رِجَالٌ﴾ وهي ترتفع بقوله ﴿يُسَبِّحُ﴾. وقرأ ابن عامر (يُسَبَّحُ) بفتح الباء [[وقرأ الباقون بكسرها. "السبعة" ص 456، "التَّبصرة" 273، "التيسير" ص 162.]]، وهذا على أنَّه أقام الجار والمجرور مقام الفاعل، ثم فسر من يُسبّح؟ فقال: (رجال) أي: يسبّح له فيها رجال [[(رجال): ساقطة من (ظ).]]، فرفع رجالًا بهذا المضمر الذي دلّ عليه قوله: (يسبح)؛ لأنه إذا قال (يُسَبّح) دلّ على فاعل التسبيح، ومثل هذا قول الشاعر [[هذا صدر بيت، وعجزه: ومختبط مما تُطيح الطوائح وهو في "الكتاب" لسيبويه 1/ 288 منسوبًا للحارث بن نهيك، وكذلك في "شرح شواهد الإيضاح" ص 94، و"شرح المفصل" لابن يعيش 1/ 80. وهو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة 1/ 349، والطبري 14/ 21 منسوبًا لنهشل بن حرِّيّ، وروايته عندهما: ليبك يزيدُ بائس لضراعة ... وأشعثُ ممن طوّحته الطوائح وصوَّب البغدادي في "خزانة الأدب" 1/ 313 هذه النسبة، وذكر أقوالًا أخر في == نسبة هذه الأبيات. والبيت من غير نسبة في: "معاني القرآن" للزجاج 4/ 36، "الإيضاح العضدي"، للفارسي ص 115، و"الخصائص" لابن جني 2/ 353. وهو من أبيات في رثاء يزيد بن نهشل ذكرها البغدادي في "الخزانة" 1/ 310، أولها: لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل ... حشا جدث تَسفي عليه الروائح. قال السيرافي في "شرح أبيات سيبويه" 1/ 112: والضارع: الذي قد ذل وضعف، والمختبط: السائل، وتطيح: تهلك.، وقوله: مما تطيح (وما تطيح) مصدر بمنزلة الإطاحة، كما تقول: يعجبني ما صنعت، أي: يعجبنى صنيعك. وأراد: مختبط من أجل ما قد أصابه من إطاحة الأشياء المطيحة، أي: .. المهلكة. يريد أنه احتاج وسأل من أجل ما نزل به. وقال 1/ 111: الشاهد فيه أنه رفع "ضارع" فعلٌ، كأنه قال- بعد قوله: ليبك يزيد: ليبكه ضارعٌ.]]: ليبك يزيد ضارع لخصومة لما قل: ليبك [[في (أ): (ليبك).]] يزيد دلّ على فاعل للبكاء كأنَّه قيل: من يبكه [[في (أ): (يبكيك).]]؟ فقيل: يبكه ضارع. والوجه قراءة الجمهور، فيكون فاعل يُسبِّح (رجال) الموصوفون [[في (أ): (الموصوفين).]] بقوله: ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ﴾ [[من قوله: وقرأ ابن عامر، إلى هنا. نقلاً عن "الحجة" لأبي علي 5/ 325 - 326 مع اختلاف يسير جدًا. وانظر: "علل القراءات" للأزهري 2/ 456، "إعراب القراءات السبع وعللها" لابن خالويه 2/ 109 - 110، "حجة القراءات" لابن زنجلة 501، "الكشف" لمكي 2/ 139.]] أي: لا تشغلهم تجارة [[الثعلبي 3/ 86 أ، والطبري 18/ 146.]]. قال مقاتل: يعني الشراء [["تفسير مقاتل" 2/ 39 أ.]]. وبنحوه قال الواقدي. وعندهما أنَّ التجارة اسم للشراء هاهنا خاصة لقوله ﴿وَلَا بَيْعٌ﴾ فذكر البيع مفردًا. وقال الفراء: التجارة لأهل الجَلَب، والبيع ما باعه الرجل على يديه، كذا جاء في التفسير [["معاني القرآن" للفراء 2/ 253.]]. وهذا القول أولى؛ لأن التجارة اسم للبيع والشراء فيبعد أن يخصّ بأحدهما [[قد ذكر المؤلف هنا قولين، وفيه قول ثالث ذكره أبو حيان 6/ 459 قال: ويحتمل أن يكون (ولا بيع) من ذكر خاص بعد عام: لأنَّ التجارة هي البيع والشراء طلبًا للربح، ونبّه على هذا الخاص لأنَّه في الإلهاء أدخل، من قبل أنَّ التَّاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكليّة من صناعته ألهته ما لا يلهيه شيء يتوقع فيه الربح؛ لأنَّ هذا يقين وذاك مظنون.]]. وخُصّت التجارة بالذكر من بين الشواغل عن الصلوات [[في (ظ): (الصلاة).]]؛ لأنَّها أعظم ما يشغل بها الإنسان عن الصلاة وأعمها [[ذكر الثعلبي 3/ 86 أهذا القول، وعزاه لأهل المعاني.]]. قوله ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قال المقاتلان: يعني الصلوات المفروضة [[ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" (ج 7 ل 50 ب) عن مقاتل بن حيان: وذكره عنه ابن كثير 3/ 295. وقول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" 2/ 39 أ.]]. وقال عطاء: عن شهود الصلاة المكتوبة [[ذكره عنه النحاس في "معاني القرآن" 4/ 539. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 207 وعزاه للفريابي.]]. قال ابن عباس: يريد أنهم إذا حضر [[في (ظ): (حضروا).]] وقت الصلاة لم يلههم حب الربح أن يأخروا الصلاة عن وقتها [[ذكر السيوطي في "الدر المنثور" 6/ 207 عنه، نحوه، وعزاه لابن مردويه.]]. وقال الثوري: كانوا يشترون ولا يدعُون الصلاة في الجماعات في المساجد [[لم أجده عن الثوري، وقد روى أن أبي حاتم 7/ 51 أ، ب عن الضحاك وسعيد بن أبي الحسن وعطاء نحو هذا المعنى.]]. وقوله ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ قال الكلبي: يعني: وإتمام الصلاة [[ذكر ابن الجوزي 6/ 48 هذا القول مع زيادة: "أداؤها لوقتها". ولم ينسبه لأحد.]]. والمعنى: لا تشغلهم عن أدائها وإقامتها لوقتها [[الطبري 18/ 147 مع اختلاف يسير.]]. وفائدة قوله ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ بعد قوله ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ والمراد به الصلاة المفروضة إقامتها لوقتها [[ذكر البغوي 6/ 51، وابن الجوزي 6/ 48 هذا المعنى، ولم ينسباه لأحد.]]. قال الزجاج: يقال: أقمت الصلاة إقامة. وكان أصلها: إقوامًا [[في (أ): (قواما)، وفي (ظ): (أقاموا)، والمثبت من (ع)، والمعاني.]]، ولكن قلبت الواو ألفًا؛ فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما وهي المنقلبة لالتقاء الساكنين، وأدخلت الهاء عوضًا من المحذوف، وقامت الإضافة هاهنا مقام الهاء المحذوفة [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 46.]]. وزاد الفراء بيانًا فقال: ومثله مما سقط بعضه فجعلت فيه الهاء قولهم: وعدته عدةً، ووزنته زنةً، ووجدت من المال جدةً. لمَّا أسقطت الواو من أوله كثِّر بالهاء في آخره، وإنّما أستجيز سقوط الهاء من قوله ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾؛ لإضافتهم إياها. وقالوا [[في (ظ)، (ع): زيادة: (في)، بعد قوله: (قالوا)، وليست عند الفراء في "معانيه".]]: الخافض وما [[في (أ): (ما) سقطت الواو.]] خفض بمنزلة الحرف الواحد، فلذلك أسقطوها [[في (ظ): (كذلك سقوطها).]] في الإضافة، وأنشد: إن الخليط أجدُّوا [[في جميع النسخ: (أجد)، والتصويب من معاني الفراء وغيره.]] البين فانجردوا [[في (ع): (وانحدروا).]] ... وأخلفوك عد [[في (أ): (عدا).]] الأمر الذي وعدوا [[البيت أنشده الفراء في "معانيه" 2/ 254 من غير نسبة. وهو منسوب للفضل بن عباس اللهبي في "شرح شواهد الشافية" ص 64، و"لسان العرب" 7/ 651 (غلب)، و"المقاصد النحوية" للعيني 4/ 572. والبيت بلا نسبة في: الطبري 18/ 147، و"الخصائص" 3/ 171، و"لسان العرب" 7/ 293 (خلط).]] يريد: عدة الأمر فاستجاز إسقاط الهاء حين أضافها [["معاني القرآن" للفراء 2/ 254.]]. وقوله: ﴿وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾ قال ابن عباس: إذا حضر وقت الزكاة [[في (ظ) زيادة: (الواجبة في المال) بعد قوله: (الزكاة) وهو انتقال نظر من الناسخ.]] لم يحبسوها. هذا قوله في رواية عطاء [[ذكره عنه البغوي 6/ 51 من غير نصَّ على رواية عطاء.]]. وهو قول الحسن، قال: [يعني الزكاة الواجبة في المال [[ذكره عنه الثعلبي 3/ 86 ب، والقرطبي 12/ 280.]]. وروي عن ابن عباس أنه قال:] [[ساقط من (ظ).]] يعني بالزكاة [[في (أ): (الزكاة).]]: طاعة الله والإخلاص [[رواه عنه الطبري 18/ 147 - 148، وابن أبي حاتم 7/ 52 أمن طريق علي بن أبي طلحة.]]. وعلى هذا المعنى أنهم يبذلون من أنفسهم الطاعة الخالصة لله، ولعل الأقرب هذا؛ فإنه ليس كل المؤمنين من أهل الزكاة الواجبة في المال، بل عامتهم فقراء لا تجب عليهم الزكاة فلا يحسن إخراجهم عن هذه الجملة، كيف وقد قال مقاتل [[مقاتل هنا هو ابن حيَّان. وقد ذكر عنه هذا القول الثعلبي 3/ 86 ب.]] في هذه الآية: نزلت في أصحاب الصفُّة، وهم كانوا من أفقر الناس وأزهدهم في الدنيا. وقوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ ذكروا فيه ثلاثة [[في (أ) زيادة: (أوجه) بعد قوله: (ثلاثة)، ولا معنى لها.]] أقوال: أحدها: أن القلوب زالت عن أماكنها من الصدور، فنشبت [[(فنشبت): أي علقت. الصحاح للجوهري 1/ 224 (نشب).]] في الحلوق عند الحناجر، والأبصار تزرق [[في "تفسير مقاتل": تتقلّب. ومعنى تزرق: يغشى سوادها بياض، وقيل خضرة في سواد العين. "لسان العرب" 10/ 138 - 139 (زرق).]] فتكون زرقًا. قاله مقاتل بن سليمان [["تفسير مقاتل" 2/ 39 أ.]]. ونحوه قال الضحاك: يُحشر الكافر وبصره حديد، فترزق [عيناه] [[(عيناه): ساقطة من (ظ)، (ع).]]، ثم يعمى، وينقلب فلبه في جوفه يريد أن يخرج فلا يجد مخلصًا، حتى يقع في الحنجرة، فذلك قوله ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر: 18] [[رواه عنه ابن أبي حاتم 7/ 52 أمختصرًا. وذكره عنه الرازي 24/ 6.]]. القول الثاني: أن القلوب تتقلب من الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلب من أين يؤتون كتبهم؟ أمن قبل الأيمان أم من قبل الشمائل؟ [[هذا قول الطبري 18/ 148. ونسبه إليه ابن الجوزي 6/ 48. وذكره الثعلبي 3/ 86 ب والبغوي 6/ 51، والقرطبي 12/ 280 - 281 ولم ينسبوه لأحد.]]. القول الثالث: ذكره الفراء، والزجاج، وابن قتيبة. وهو: أنَّ من كان قلبه مؤمنًا بالبعث والقيامة ازدافى بصيرة ورأى ما وعد به، ومن كان قلبه [[في (أ): (في قلبه)، وهو خطأ.]] على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث؛ فعلم بقلبه وشاهد ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار. هذا كلام أبي إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 4/ 47.]]، وهو معنى قول الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 253.]]. وقال ابن قتيبة: يريد أنَّ القلوب يوم القيامة تعرف الأمر يقينًا فتنقلب عما كانت عليه من الشك والكفر، والأبصار ترى يومئذ ما كانت مغطاة عنها فتنقلب عما كانت عليه، ونحوه قوله ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا﴾ [ق: 22] [["مشكل القرآن" لابن قتيبة ص 329.]]. والوجه قول أبي إسحاق لدخول قلوب المؤمنين والكافرين فيما ذكر من التفسير [[قال ابن عطية 10/ 517 - بعد ذكره لهذا القول الذي ذكره الواحدي عن الفراء والزجاج وابن قتيبة-: وليس يقتضي هولًا. قال: ومقصد الآية هو وصف هول يوم القيامة .. وإنما معنى الآية عندي أنَّ ذلك اليوم -لشدة هوله ومطلعه- القلوب والأبصار فيه مضطربة قلقة متقلّبة من طمع في النجاة إلى طمع، ومن حذر هلاك إلى حذر، ومن نظر من هول إلى النظر في الآخر. اهـ. واستبعد أبو حيان 6/ 459 القول الذي ذكره الواحدي، واستظهر ما قاله ابن عطية. واستظهر الشنقيطي -رحمه الله- في "أضواء البيان" 6/ 240 أن تقلب القلوب هو حركتها من أماكنها من شدة الخوف كما قال تعالى: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر: 18]، وأن تقلب الأبصار هو زيغوغتها ودورانها بالنظر في جميع الجهات من شدة الخوف، كما قال تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: 19]، وكقوله: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ [الأحزاب: 10]، فالدوران والزيغوغة المذكوران يُعلم بهما معنى تقلب الأبصار، وإن كانا مذكورين في الخوف من المكروه في الدنيا. اهـ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب