الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ ذَكَرَ - جَلَّ وعَلا - في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّ الرِّجالَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ لَهُ في المَساجِدِ بِالغُدُوِّ والآصالِ، إلى آخِرِ ما ذُكِرَ مِن صِفاتِهِمْ: أنَّهم يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ، وهو يَوْمُ القِيامَةِ لِشِدَّةِ هَوْلِهِ، وما دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ الكَرِيمَةُ مِن عِظَمِ هَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمَ، وتَأْثِيرُهُ في القُلُوبِ والأبْصارِ، جاءَ في آياتٍ كَثِيرَةٍ مِن كِتابِ اللَّهِ العَظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ ﴿أبْصارُها خاشِعَةٌ﴾ [النازعات: ٨ - ٩] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما يُؤَخِّرُهم لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبْصارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الآزِفَةِ إذِ القُلُوبُ لَدى الحَناجِرِ﴾ الآيَةَ [غافر: ١٨]، ونَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى عِظَمِ ذَلِكَ اليَوْمِ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا﴾ ﴿السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ الآيَةَ [المزمل: ١٧ - ١٨]، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما نُطْعِمُكم لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكم جَزاءً ولا شُكُورًا﴾ ﴿إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا﴾ [الإنسان: ٩ - ١٠] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ، وفي مَعْنى تُقَلِّبِ القُلُوبِ والأبْصارِ أقْوالٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِأهْلِ التَّفْسِيرِ، ذَكَرَها القُرْطُبِيُّ وغَيْرُهُ. وَأظْهَرُها عِنْدِي: أنَّ تُقَلُّبَ القُلُوبِ هو حَرَكَتُها مِن أماكِنِها مِن شِدَّةِ الخَوْفِ؛ كَما قالَ تَعالى: ﴿إذِ القُلُوبُ لَدى الحَناجِرِ﴾ وأنَّ تُقَلَّبَ الأبْصارِ هو زَيْغُوغَتُها ودَوَرانُها بِالنَّظَرِ في جَمِيعِ الجِهاتِ مِن شِدَّةِ الخَوْفِ، كَما قالَ تَعالى (p-٥٤٩)﴿فَإذا جاءَ الخَوْفُ رَأيْتَهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهم كالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ١٩]، وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] فالدَّوَرانُ والزَّيْغُوغَةُ المَذْكُورانِ يُعْلَمُ بِهِما مَعْنى تُقَلِّبِ الأبْصارِ، وإنْ كانا مَذْكُورَيْنِ في الخَوْفِ مِنَ المَكْرُوهِ في الدُّنْيا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب