الباحث القرآني

(p-179)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿رِجالٌ﴾ فاعِلُ "يُسَبِّحُ" وتَأْخِيرُهُ عَنِ الظُّرُوفِ لِما مَرَّ مِرارًا مِنَ الِاعْتِناءِ بِالمُقَدَّمِ والتَّشْوِيقِ إلى المُؤَخَّرِ، ولِأنَّ في وصْفِهِ نَوْعَ طُولٍ فَيُخِلُّ تَقْدِيمُهُ بِحُسْنِ الِانْتِظامِ. وقُرِئَ: "يُسَبِّحُ" عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ بِإسْنادِهِ إلى أحَدِ الظُّرُوفِ، و"رِجالٌ" مَرْفُوعٌ بِما يُنْبِئُ عَنْهُ حِكايَةُ الفِعْلِ مِن غَيْرِ تَسْمِيَةِ الفاعِلِ عَلى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ: ؎ لَبَّيْكَ يَزِيدُ ضارِعٌ لِخُصُومَةٍ .. كَأنَّهُ قِيلَ: مَن يُسَبِّحُ لَهُ ؟ فَقِيلَ: يُسَبِّحُ لَهُ رِجالٌ. وقُرِئَ: "تُسَبِّحُ" بِتَأْنِيثِ الفِعْلِ مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ لِأنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ قَدْ يُعامَلُ مُعامَلَةَ المُؤَنَّثِ، ومَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ عَلى أنْ يُسْنَدَ إلى أوْقاتِ الغُدُوِّ والآصالِ بِزِيادَةِ الباءِ وتُجْعَلُ الأوْقاتُ مُسَبِّحَةً مَعَ كَوْنِها مُسَبَّحًا فِيها، أوْ يُسْنَدُ إلى ضَمِيرِ التَّسْبِيحَةِ، أيْ: تُسَبَّحُ لَهُ التَّسْبِيحَةُ عَلى المَجازِ المُسَوِّغِ لِإسْنادِهِ إلى الوَقْتَيْنِ كَما خَرَّجُوا قِراءَةَ أبِي جَعْفَرٍ: "لِيُجْزى قَوْمًا" أيْ: لِيُجْزى الجَزاءُ قَوْمًا، بَلْ هَذا أوْلى مِن ذَلِكَ، إذْ لَيْسَ هُنا مَفْعُولٌ صَرِيحٌ. ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ﴾ صِفَةٌ لَرِجالٍ مُؤَكِّدَةٌ لِما أفادَهُ التَّنْكِيرُ مِنَ الفَخامَةِ مُفِيدَةٌ لِكَمالِ تَبَتُّلِهِمْ إلى اللَّهِ تَعالى واسْتِغْراقِهِمْ فِيها، حُكِيَ عَنْهم مِنَ التَّسْبِيحِ مِن غَيْرِ صارِفٍ يَلْوِيهِمْ ولا عاطِفٍ يُثْنِيهِمْ كائِنًا ما كانَ، وتَخْصِيصُ التِّجارَةِ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِما أقْوى الصَّوارِفِ عِنْدَهم وأشْهَرَها، أيْ: لا يَشْغَلُهم نَوْعٌ مِن أنْواعِ التِّجارَةِ. ﴿وَلا بَيْعٌ﴾ أيْ: ولا فَرْدٌ مِن أفْرادِ البِياعاتِ وإنْ كانَ في غايَةِ الرِّبْحِ وإفْرادُهُ بِالذِّكْرِ مَعَ انْدِراجِهِ تَحْتَ التِّجارَةِ لِلْإيذانِ بِأنافَتِهِ عَلى سائِرِ أنْواعِها، لِأنَّ رِبْحَهُ مُتَيَقَّنٌ ناجِزٌ ورِبْحُ ما عَداهُ مُتَوَقَّعٌ في ثانِي الحالِ عِنْدَ البَيْعِ فَلَمْ يُلْزَمْ مِن نَفْيِ إلْهاءِ ما عَداهُ نَفْيُ إلْهائِهِ، ولِذَلِكَ كُرِّرَتْ كَلِمَةُ "لا" لِتَذْكِيرِ النَّفْيِ وتَأْكِيدِهِ. وقَدْ نُقِلَ عَنِ الوْاقِدِيِّ أنَّ المُرادَ بِالتِّجارَةِ: هو الشِّراءُ، لِأنَّهُ أصْلُها ومَبْدَؤُها، وقِيلَ: هو الجَلْبُ لِأنَّهُ الغالِبُ فِيها، ومِنهُ يُقالُ: تَجَرَ في كَذا: أيْ جَلَبَهُ. ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ بِالتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ ﴿وَإقامِ الصَّلاةِ﴾ أيْ: إقامَتُها لِمَواقِيتِها مِن غَيْرِ تَأْخِيرٍ، وقَدْ أُسْقِطَتِ التّاءُ المُعَوِّضُ عَنِ العَيْنِ السّاقِطَةِ بِالإعْلالِ وعُوِّضَ عَنْها الإضافَةُ، كَما في قَوْلِهِ: وَأخْلَفُوكَ عِدَ الأمْرِ الَّذِي وعَدُوا أيْ: عِدَةُ الأمْرِ. ﴿وَإيتاءِ الزَّكاةِ﴾ أيِ: المالُ الَّذِي فُرِضَ إخْراجُهُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وإيرادُهُ هَهُنا وإنْ لَمْ يَكُنْ مِمّا يُفْعَلُ في البُيُوتِ لِكَوْنِهِ قَرِينَةً لا تُفارِقُ إقامَةَ الصَّلاةِ في عامَّةِ المَواضِعِ مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى أنَّ مَحاسِنَ أعْمالِهِمْ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيما يَقَعُ في المَساجِدِ. وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَخافُونَ﴾ إلَخِ فَإنَّهُ صِفَةٌ ثانِيَةٌ لَرِجالٍ، أوْ حالٌ مِن مَفْعُولِ ﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾، وأيًّا ما كانَ فَلَيْسَ خَوْفُهم مَقْصُورًا عَلى كَوْنِهِمْ في المَساجِدِ. وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمًا﴾ مَفْعُولٌ لَيَخافُونَ لا ظَرْفٌ لَهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ صِفَةٌ لِيَوْمًا، أيْ: تَضْطَرِبُ وتَتَغَيَّرُ في أنْفُسِها مِنَ الهَوْلِ والفَزَعِ وتُشَخِّصُ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾، أوْ تَتَغَيَّرُ أحْوالُها وتَتَقَلَّبُ فَتَتَفَقَّهُ القُلُوبُ بَعْدَ أنْ كانَتْ مَطْبُوعًا عَلَيْها وتُبْصِرُ الأبْصارُ بَعْدَ أنْ كانَتْ عَمْياءَ، أوْ تَتَقَلَّبُ القُلُوبُ بَيْنَ تَوَقُّعِ النَّجاةِ وخَوْفِ الهَلاكِ والإبْصارِ مِن أيِّ ناحِيَةٍ يُؤْخَذُ بِهِمْ ويُؤْتى كُتّابُهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب