الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٣٦ - ٣٨] ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ [النور: ٣٧] ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [النور: ٣٨]
﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ﴾ أيْ: أمَرَ أنْ تُعَظَّمَ عَنِ اللَّغْوِ، أوْ تُرْفَعَ بِالبِناءِ قَدْرًا. ويُتْلى فِيهِ اسْمُهُ، ولا يُعْبَدَ فِيها غَيْرُهُ، لِأنَّهُ شُيِّدَتْ عَلى اسْمِهِ جَلَّ شَأْنُهُ. والظَّرْفُ صِفَةٌ (لِمِشْكاةٍ ) أوْ (لِمِصْباحٍ ) أوْ (لِزُجاجَةٍ ) أوْ مُتَعَلِّقٌ بِـ(تُوقَدُ ) أوْ بِمَحْذُوفٍ. أيْ: سَبِّحُوهُ في بُيُوتٍ. أوْ بِـ(يُسَبِّحُ ) . ولَفْظُ (فِيها ) تَكْرارٌ لِلتَّوْكِيدِ.
(p-٤٥٣٠)قالَ أبُو السُّعُودِ: لَمّا ذَكَرَ شَأْنَ القُرْآنِ الكَرِيمِ في بَيانِهِ لِلشَّرائِعِ والأحْكامِ، ومَبادِئِها وغاياتِها المُتَرَتِّبَةِ عَلَيْها مِنَ الثَّوابِ والعِقابِ، وأُشِيرَ إلى كَوْنِهِ في غايَةِ ما يَكُونُ مِنَ التَّوْضِيحِ، حَيْثُ مُثِّلَ بِنُورِ المِشْكاةِ - عَقَّبَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الفَرِيقَيْنِ وتَصْوِيرِ بَعْضِ أعْمالِهِمُ المُعْرِبَةِ عَنْ كَيْفِيَّةِ حالِهِمْ في الِاعْتِداءِ وعَدَمِهِ، والمُرادُ بِالبُيُوتِ، المَساجِدُ كُلُّها: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ﴾ يَعْنِي قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ: ﴿والآصالِ﴾ جَمْعِ أصِيلٍ وهو العَشِيُّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [النور: ٣٧] أيْ: بِالتَّسْبِيحِ والتَّحْمِيدِ: ﴿وإقامِ الصَّلاةِ﴾ [النور: ٣٧] أيْ: إقامَتِها لِمَواقِيتِها مِن غَيْرِ تَأْخِيرٍ: ﴿وإيتاءِ الزَّكاةِ﴾ [النور: ٣٧] أيِ: المالِ الَّذِي يَتَزَكّى مُؤَتِّيهِ مِن دَنَسِ الشُّحِّ ورَذِيلَةِ البُخْلِ، وتَطْهُرُ نَفْسُهُ ويَصْفُو سِرُّهُ: ﴿يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ القُلُوبُ والأبْصارُ﴾ [النور: ٣٧] أيْ: تَضْطَرِبُ وتَتَغَيَّرُ مِنَ الهَوْلِ والفَزَعِ. كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ﴾ [الأحزاب: ١٠] ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ويَزِيدَهم مِن فَضْلِهِ واللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [النور: ٣٨] اللّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِيُسَبِّحُ أوْ لا تُلْهِيهِمْ أوْ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّوْقُ. أيْ: يَفْعَلُونَ ما يَفْعَلُونَ مِمّا ذُكِرَ، لِيَجْزِيَهم. وفي آخِرِ الآيَةِ تَقْرِيرٌ وتَنْبِيهٌ عَلى كَمالِ القُدْرَةِ، ونَفاذِ المَشِيئَةِ، وسِعَةِ الإحْسانِ، لِأنَّ بِغَيْرِ حِسابٍ كِنايَةٌ عَنِ السِّعَةِ. والمُرادُ أنَّهُ لا يَدْخُلُ تَحْتَ حِسابِ الخَلْقِ وعَدِّهِمْ.
تَنْبِيهٌ:
قالَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ "): في هَذِهِ الآيَةِ الأمْرُ بِتَعْظِيمِ المَساجِدِ وتَنْزِيهِها عَنِ اللَّغْوِ والقاذُوراتِ. وفِيها اسْتِحْبابُ ذِكْرِ اللَّهِ والصَّلاةِ في المَساجِدِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿رِجالٌ﴾ [النور: ٣٧] إشارَةٌ إلى أنَّ الأفْضَلَ لِلنِّساءِ الصَّلاةُ في قَعْرِ بُيُوتِهِنَّ. كَما صَرَّحَ بِهِ الحَدِيثُ، إلّا في نَحْوِ العِيدَيْنِ لِحَدِيثِ: ««لِيَشْهَدْنَ الخَيْرَ ودَعْوَةَ المُسْلِمِينَ»»، وقَوْلُهُ: ﴿لا تُلْهِيهِمْ﴾ [النور: ٣٧] الآيَةَ، فِيهِ أنَّ التِّجارَةَ (p-٤٥٣١)لا تُنافِي الصَّلاةَ. لِأنَّ مَقْصُودَ الآيَةِ أنَّهم يَتَعاطَوْنَها، ومَعَ ذَلِكَ لا تُلْهِيهِمْ عَنِ الصَّلاةِ وحُضُورِ الجَماعَةِ. أخْرَجابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ في السُّوقِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَأغْلَقُوا حَوانِيتَهم ودَخَلُوا المَسْجِدَ. فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: فِيكم نَزَلَتْ: ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ﴾ [النور: ٣٧] الآيَةَ. وأخْرَجَ عَنِ الضَّحّاكِ والحَسَنِ وسالِمٍ وعَطاءٍ ومُطَرَّفٍ مِثْلَ ذَلِكَ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayahs_start":36,"ayahs":["فِی بُیُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرۡفَعَ وَیُذۡكَرَ فِیهَا ٱسۡمُهُۥ یُسَبِّحُ لَهُۥ فِیهَا بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡـَٔاصَالِ","رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ","لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ"],"ayah":"رِجَالࣱ لَّا تُلۡهِیهِمۡ تِجَـٰرَةࣱ وَلَا بَیۡعٌ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِیتَاۤءِ ٱلزَّكَوٰةِ یَخَافُونَ یَوۡمࣰا تَتَقَلَّبُ فِیهِ ٱلۡقُلُوبُ وَٱلۡأَبۡصَـٰرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق