الباحث القرآني
قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي: أولم يعلموا ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا﴾ قال أبو عبيدة، والزجاج: السموات لفظ الجمع يراد به الواحد، لذلك قال: ﴿كَانَتَا﴾ لأنه أراد السماء والأرض [[قول أبي عبيدة في كتابه "مجاز القرآن" 2/ 36. وقول الزجاج في كتابه: "معاني القرآن" 2/ 390.]].
وهذا معنى قول الأخفش: جعلهما صنفين كقول العرب: لقاحان سوداوان [[في "معاني القرآن" للأخفش 2/ 634: (سودان).]] وفي كتاب الله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾ [فاطر: 41] [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 633 - 634. وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس 3/ 69، "الدر المصون" 8/ 147.]].
قوله تعالى: ﴿رَتْقًا﴾ الرتق معناه في اللغة: السد. يقال: رتقت الشيء فارتتق، ومنه الرتقاء وهي المنضمة الفرج [[انظر: (رتق) في "تهذيب اللغة" للأزهري (9/ 53 - 54)، "الصحاح" للجوهري 4/ 480، "لسان العرب" 10/ 114.]].
وقوله تعالى: ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ الفتق: الفصل بين الشيئين الذين كانا ملتئمين أحدهما متصل بالآخر، فإذا فرق بينهما فقد فتقا. ويقال: فتق الخياط يفتقها، ومنه يقال: أفتق قرن الشمس، إذا أصاب فتقا من السحاب فبدا منه [[انظر: (فتق) في: "تهذيب اللغة" للأزهري 9/ 62، "الصحاح" للجوهري 4/ 1539 - 1540، "لسان العرب" 10/ 296 - 297.]].
قال أبو إسحاق: وقيل ﴿رَتْقًا﴾ لأن الرتق مصدر، المعنى: كانتا ذواتي رتق [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 390.]].
واختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على ثلاثة أوجه:
أحدها: ما رواه عطاء، عن ابن عباس قال: يريد أن السماء لم تكن تنزل مطرًا، والأرض لا تنبن نباتًا، ففتق الله -عَزَّ وَجَلَّ- السماء بالمطر والأرض بالنبات [[روى الحاكم في "مستدركه" 2/ 382 والبيهقي في "الأسماء والصفات" ص 43 من طريق طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس بنحوه. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي بقوله طلحة واه. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 625 وعزاه للفريابي وعبد بن حميد والحاكم والبيهقي في "الأسماء والصفات". وأخرج أبو نعيم في "الحلية" 1/ 320 من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتاه فسأله عن قوله ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ قال: اذهب إلى ذلك الشيخ فاسأله ثم تعال فأخبرني ما قال، فذهب إلى ابن عباس فسأله قال: نعم، كانت السماء رتقاء لا تمطر .... فذكره بنحوه ما هنا. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 625 وعزاه لابن أبي حاتم وابن المنذر وأبي نعيم في الحلية. وفي "الدر المنثور" 5/ 625: أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله "كانتا رتقا" قال لا يخرج منهما شيء "ففتقناهما" قال: فتقت السماء بالمطر، وفتقت الأرض بالنبات. فهذه روايات ثلاث عن ابن عباس رضي الله عنهما، يعضد بعضها بعضًا.]].
وهذا قول مجاهد في رواية أبان بن تغلب [[هو أبان بن تغلب، أبو سعد -وقيل: أبو أمية- الربعي، الكوفي، الشيعي، المقرئ. قال ابن عدي: وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة. وقال الذهبي: وهو صدوق في نفسه، عالم كبير، وبدعته خفيفة، لا يتعرض للكبار. وقال ابن حجر: ثقة تكلم فيه للتشيع. توفي سنة 140 هـ، وقيل: 141 هـ. "الكامل" لابن عدي 1/ 380، "تهذيب الكمال" للمزي 2/ 6 - 8، "سير أعلام النبلاء" للذهبي 308 - 309، "تقريب التهذيب" لابن حجر 2/ 30، "غاية النهاية" لابن الجزري 1/ 4. ولم أجد هذه الرواية عن مجاهد من طريق أبان، لكن وجدتها من طريق خصيف، عن مجاهد رواه سفيان الثوري في "تفسيره" (ص 200) عن خصيف.]]، وعطية العوفي، وابن زيد [[رواها الطبري في "تفسيره" 17/ 17. وذكرها الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 29 أ.]]، واختيار الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 2/ 201.]] وابن قتيبة [[انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 286.]].
الوجه الثاني: أن المعنى كانتا شيئًا واحدا ملتزقتين، ففصل الله بينهما بالهواء. وهذا قول الحسن، وقتادة [[رواه الطبري 17/ 18 عن الحسن وقتادة، وذكره عهما السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 626 وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم.]]، والضحاك [[ذكره عن الضحاك الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 29 أ. وروى سفيان الثوري في "تفسيره" ص 200 عن الضحاك قال: كن سبعًا ملتزقات ففتق بعضهن عن بعض. ورواه الطبري 17/ 18 من طريق الضحاك، عن ابن عباس.]]، ورواية عكرمة عن ابن عباس [[روى سفيان في "تفسيره" ص 200 عن أبيه، عن عكرمة، سئل ابن عباس رضي الله عنهما. أيهما كان قبل الليل أو النهار؟ فقرأ "أو لم ير .... " الآية ثم قال: وهل كانن بينهما إلا ظلمة. وكذا رواه أبو الشيخ في "العظمة" 4/ 1368. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 23 والطبري 17/ 19 من طريق عكرمة مختصرًا.]].
قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض ثم خلق ريحاً توسطتها ففتحها بها [[ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 29 أ. وهو من الإسرائيليات.]].
الوجه الثالث: أن المعنى كانت السموات مرتتقة فجعلت سبع سموات، وكذلك الأرضون.
وهذا قول أبي صالح [[رواه عنه الطبري 17/ 19، وأبو الشيخ في "العظمة" 3/ 1025، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 626 ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأي الشيخ في العظمة.]]، ومجاهد في رواية ابن أبي نجيج [[رواه الطبري 18/ 18، وأبو الشيخ في "العظمة" 3/ 1026، وذكره السيوطي في "الدر المنثور": 5/ 626 وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشخ في "العظمة".]]، والسدي [[رواه الطبري 17/ 19. وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 29 أ.]]، واختيار أبي إسحق، قال: المعنى أن السموات كانت سماء واحدة [[في (أ)، (ت): (واحد).]] مرتتقة، ففتقها الله، فجعلها سبعًا وجعل الأرض سبع أرضين [[انظر: "معاني القرآن" للزجاج 3/ 390.]].
وأكثر الناس على القول الأول، وهو أنهما كانتا منسدتين لا فرج فيهما فصدعهما الله بما يخرج منهما.
قال أبو إسحاق: ويدل على هذا التفسير قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 390. وقال الطبري 17/ 19 عن هذا القول أنه أولى الأقوال بالصواب، لدلالة قوله "وجعلنا من الماء كل شيء حي" على ذلك، وأنّه لم يعقب ذلك بوصف الماء بهذه الصفة إلا والذي تقدّمه من ذكر أسبابه. وقال ابن عطية في "المحرر" 10/ 141: وهذا قول حسن، يجمع العبرة وتعديد النعمة واحبيبة بمحسوس بين، ويناسب قوله ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾، فيظهر معنى الآية ويتوجه الاعتبار.]].
أي: وأحيينا بالماء الذي نزله من السماء ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ يعني أنه سبب لحياة كل شيء، ويدخل فيه الشجر والنبات على التبع، ويكون التقدير: وجعلنا من الماء حياة كل شيء حي. وهذا قول قد حكي [[انظر: "الطبري" 17/ 19 - 20.]]، وتحتمله دلالة الآية.
والمفسرون على قول آخر. قال قتادة: كل شيء حي خلق من الماء [[رواه عبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 23، والطبري 17/ 20.]].
وقال أبو العالية -في هذه الآية-: يعني النطفة [[رواه البيهقي في "الأسماء والصفات" ص 45، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" 5/ 626 وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن المنذر والبيهقي في "الأسماء والصفات".]].
قال المفسرون [[انظر: "الطبري" 17/ 20، و"الثعلبي" 3/ 29 أ.]] إنَّ كل شيء حي فهو مخلوق من الماء كقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: 45].
وعلى هذا لا يتعلق قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ﴾ بما قبله، وهو احتجاج آخر على المشركين.
وقوله تعالى: ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ أي: أفلا يصدقون بعد هذا البيان.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق