الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا عَلَى قُدْرَتِهِ التَّامَّةِ، وَسُلْطَانِهِ الْعَظِيمِ فِي خَلْقِهِ الْأَشْيَاءَ، وَقَهْرِهِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَقَالَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيِ: الْجَاحِدُونَ لِإِلَهِيَّتِهِ العابدون [[في أ: "العابدين".]] معه غيره، ألم يعلموا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِالْخَلْقِ، الْمُسْتَبِدُّ بِالتَّدْبِيرِ، فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ أَوْ يُشْرَكَ بِهِ مَا سِوَاهُ، أَلَمْ [[في أ: "أولم"."]] يَرَوْا ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ أَيْ: كَانَ الْجَمِيعُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَلَاصِقٌ مُتَرَاكِمٌ، بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَفَتَقَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ. فجعل السموات سَبْعًا، وَالْأَرْضَ [[في ف، أ: "والأرضين".]] سَبْعًا، وَفَصَلَ بَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ بِالْهَوَاءِ، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ وَأَنْبَتَتِ الْأَرْضُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: وَهُمْ يُشَاهِدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا عِيَانًا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْقَادِرِ عَلَى مَا يَشَاءُ: فَفِي كُلّ شَيْءٍ لَهُ آيَة ... تَدُلّ علَى أنَّه وَاحد ... قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّيْلُ كان قبل أو النهار؟ فقال: أرأيتم السموات وَالْأَرْضَ حِينَ كَانَتَا رَتْقًا، هَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا إِلَّا ظُلْمَةٌ؟ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رجلا أتاه يسأله عن السموات وَالْأَرْضِ ﴿كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ ؟. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ فَاسْأَلْهُ، ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي بِمَا قَالَ لَكَ. قَالَ: فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فسأله. فقال ابن عباس: نعم، كانت السموات رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، وَكَانَتْ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ. فَلَمَّا خَلَقَ لِلْأَرْضِ أَهْلًا فَتَقَ هَذِهِ بِالْمَطَرِ، وَفَتْقَ هَذِهِ بِالنَّبَاتِ. فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الْآنَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَدْ أُوتِيَ فِي الْقُرْآنِ عِلْمًا، صَدَقَ -هَكَذَا كَانَتْ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَدْ كُنْتُ أَقُولُ: مَا يُعْجِبُنِي جَرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ، فَالْآنَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ فِي الْقُرْآنِ عِلْمًا. وَقَالَ عَطِيَّةُ العَوْفي: كَانَتْ هَذِهِ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، فَأَمْطَرَتْ. وَكَانَتْ هَذِهِ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَأَنْبَتَتْ. وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: سَأَلْتُ أَبَا صَالِحٍ الحنَفِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ ، قَالَ: كَانَتِ السَّمَاءُ وَاحِدَةً، فَفَتَقَ مِنْهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَكَانَتْ الْأَرْضُ وَاحِدَةً فَفَتَقَ مِنْهَا سَبْعَ أَرْضِينَ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَزَادَ: وَلَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مُتَمَاسَّتَيْنِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بَلْ كَانَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مُلْتَزِقَتَيْنِ، فَلَمَّا رَفَعَ السَّمَاءَ وَأَبْرَزَ مِنْهَا الْأَرْضَ، كَانَ ذَلِكَ فَتْقَهُمَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، كَانَتَا جَمِيعًا، فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أَيْ: أَصْلُ كل الأحياء منه. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْجَمَاهِرِ [[في ف، أ: "الجماهير".]] ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنِ أَبِي مَيْمُونَةَ [[في ف، أ: "أبي ميمون".]] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِذَا رَأَيْتُكَ قَرَّتْ عَيْنِي، وَطَابَتْ نَفْسِي، فَأَخْبِرْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ". وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ. قَالَ: "كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ" قَالَ: قُلْتُ: أَنْبِئْنِي عَنِ أَمْرٍ إِذَا عملتُ بِهِ دَخَلَتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: "أفْش السَّلَامَ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ، وصِل الْأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، ثُمَّ ادْخُلِ الجنَّة بِسَلَامٍ" [[المسند (٢/٢٩٥) ورواه الحاكم في المستدرك (٤/١٢٩) من طريق يزيد بن هارون وصححه. ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٦٤٢) "موارد" من طريق أبي عامر العقدي عن همام به.]] . وَرَوَاهُ أَيْضًا عَبْدُ الصَّمَدِ وَعَفَّانُ وبَهْز، عَنْ هَمَّامٍ [[المسند (٢/٣٢٣-٤٩٣) من طريق عبد الصمد، (٢/٣٢٣) من طريق عفان، (٢/٣٢٤) من طريق بهز. وقال الهيثمي في المجمع (٥/١٦) : "رجاله رجال الصحيح، خلا أبي ميمونة وهو ثقة".]] . تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ، وَهَذَا إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، إِلَّا أَنَّ أَبَا مَيْمُونَةَ مِنْ رِجَالِ السُّنَنِ، وَاسْمُهُ سُلَيْمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ يُصَحِّحُ لَهُ. وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلًا وَاللَّهُ [[في ف: "فالله".]] أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ﴾ أَيْ: جِبَالًا أَرْسَى الْأَرْضَ بِهَا وَقَرَّرَهَا وَثَقَّلَهَا؛ لِئَلَّا تَمِيدَ بِالنَّاسِ، أَيْ: تَضْطَرِبَ وَتَتَحَرَّكَ، فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ عَلَيْهَا قَرَارٌ [[في ف: "قرار عليها".]] لِأَنَّهَا غَامِرَةٌ فِي الْمَاءِ إِلَّا مِقْدَارَ الرُّبْعِ، فَإِنَّهُ بَادٍ لِلْهَوَاءِ وَالشَّمْسِ، لِيُشَاهِدَ أَهْلُهَا السَّمَاءَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَاتِ، وَالْحِكَمِ وَالدَّلَالَاتِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ أَيْ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِهِمْ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا﴾ أَيْ: ثَغْرًا فِي الْجِبَالِ، يَسْلُكُونَ فِيهَا طُرُقًا مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي الْأَرْضِ، يَكُونُ الْجَبَلُ حَائِلًا بَيْنَ هَذِهِ الْبِلَادِ وَهَذِهِ الْبِلَادِ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ فَجْوَةً -ثَغْرَةً-لِيَسْلُكَ النَّاسُ فِيهَا مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا﴾ أَيْ: عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ كَالْقُبَّةِ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذَّارِيَاتِ: ٤٧] ، وَقَالَ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا﴾ [الشَّمْسِ:٥] ، ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾ [ق:٦] ، وَالْبِنَاءُ هُوَ نَصْبُ الْقُبَّةِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بُنِي الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" أَيْ: خَمْسُ [[في ف: "خمسة".]] دَعَائِمَ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْخِيَامِ، عَلَى مَا [[في ف:" كما".]] تَعْهَدُهُ الْعَرَبُ. ﴿مَّحْفُوظًا﴾ أَيْ: عَالِيًا مَحْرُوسًا أَنْ يُنال. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَرْفُوعًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكي، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ أَبِيهِ، عَنِ أَشْعَثَ -يَعْنِي ابْنَ إسحاق القُمِّي-عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هَذِهِ السَّمَاءُ، قَالَ: "مَوْجٌ مَكْفُوفٌ عَنْكُمْ" [[ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (٥٣٩) من طريق أحمد بن القاسم عن أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي به.]] إِسْنَادٌ غَرِيبٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾ [يُوسُفَ:١٠٥] أَيْ: لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الِاتِّسَاعِ الْعَظِيمِ، وَالِارْتِفَاعِ الْبَاهِرِ، وَمَا زُيِّنَتْ بِهِ مِنَ الْكَوَاكِبِ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ فِي لَيْلِهَا، وَفِي نَهَارِهَا [[في ف، أ: "النهار".]] مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ الَّتِي تَقْطَعُ الْفَلَكَ بِكَمَالِهِ، فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَتَسِيرُ غَايَةً لَا يَعْلَمُ قَدْرَهَا إِلَّا الَّذِي [[في ف، أ: "الله".]] قَدَّرَهَا وَسَخَّرَهَا وَسَيَّرَهَا. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي كِتَابِهِ "التَّفَكُّرُ وَالِاعْتِبَارُ": أَنَّ بَعْضَ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَعَبَّدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ إِذَا تَعَبَّدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَظَلَّتْهُ غَمَامَةٌ، فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ يَرَى لِغَيْرِهِ، فَشَكَى ذَلِكَ إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَيَّ، فَلَعَلَّكَ أَذْنَبْتَ فِي مُدَّةِ عِبَادَتِكَ هَذِهِ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ، قَالَتْ: فَلَعَلَّكَ هَمَمْتَ؟ قَالَ: لَا [[في ف، أ: "بل والله".]] وَلَا هَمَمْتُ. قَالَتْ: فَلَعَلَّكَ رَفَعْتَ بَصَرَكَ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ رَدَدْتَهُ بِغَيْرِ فِكْرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَثِيرًا. قَالَتْ: فَمِنْ هَاهُنَا أُتِيتَ. ثُمَّ قَالَ مُنَبِّهًا عَلَى بَعْضِ آيَاتِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ أَيْ: هَذَا فِي ظَلَامِهِ وَسُكُونِهِ، وَهَذَا بِضِيَائِهِ وَأُنْسِهِ، يَطُولُ هَذَا تَارَةً ثُمَّ يَقْصُرُ أُخْرَى، وَعَكْسُهُ الْآخَرُ. ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ هَذِهِ لَهَا نُورٌ يَخُصُّهَا، وَفَلَكٌ بِذَاتِهِ، وَزَمَانٌ عَلَى حِدَةٍ، وَحَرَكَةٍ وَسَيْرٍ خَاصٍّ، وَهَذَا بِنُورٍ خَاصٍّ آخَرَ، وَفَلَكٍ آخَرَ، وَسَيْرٍ آخَرَ، وَتَقْدِيرٍ آخَرَ، ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس:٤٠] ، أَيْ: يَدُورُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَدُورُونَ كَمَا يَدُورُ الْمِغْزَلُ فِي الْفَلْكَةِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَا يَدُورُ الْمِغْزَلُ إِلَّا بِالْفَلْكَةِ، وَلَا الْفَلْكَةُ إِلَّا بِالْمِغْزَلِ، كَذَلِكَ النُّجُومُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، لَا يَدُورُونَ إِلَّا بِهِ، وَلَا يَدُورُ إِلَّا بِهِنَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [الْأَنْعَامِ:٩٦] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب