الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿وجَعَلْنا في الأرْضِ رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِهِمْ وجَعَلْنا فِيها فِجاجًا سُبُلًا لَعَلَّهم يَهْتَدُونَ﴾ ﴿وجَعَلْنا السَّماءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وهم عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ .
اعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى شَرَعَ الآنَ في الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ، وهَذِهِ الدَّلائِلُ أيْضًا دالَّةٌ عَلى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَنِ الشَّرِيكِ، لِأنَّها دالَّةٌ عَلى حُصُولِ التَّرْتِيبِ العَجِيبِ في العالَمِ، ووُجُودُ الإلَهَيْنِ يَقْتَضِي وُقُوعَ الفَسادِ. فَهَذِهِ الدَّلائِلُ تَدُلُّ مِن جِهَةٍ عَلى التَّوْحِيدِ فَتَكُونُ كالتَّوْكِيدِ لِما تَقَدَّمَ، وفِيها أيْضًا رَدٌّ عَلى عَبَدَةِ الأوْثانِ مِن حَيْثُ إنَّ الإلَهَ القادِرَ عَلى مِثْلِ هَذِهِ المَخْلُوقاتِ الشَّرِيفَةِ كَيْفَ يَجُوزُ في العَقْلِ أنْ يَعْدِلَ عَنْ عِبادَتِهِ إلى عِبادَةِ حَجَرٍ لا يَضُرُّ ولا يَنْفَعُ، فَهَذا وجْهُ تَعَلُّقِ هَذِهِ الآيَةِ بِما قَبْلَها، واعْلَمْ أنَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى ذَكَرَ هَهُنا سِتَّةَ أنْواعٍ مِنَ الدَّلائِلِ:
النَّوْعُ الأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿أوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ ألَمْ يَرَ بِغَيْرِ الواوِ والباقُونَ بِالواوِ، وإدْخالُ الواوِ يَدُلُّ عَلى العَطْفِ لِهَذا القَوْلِ عَلى أمْرٍ تَقَدَّمَهُ. قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“: قُرِئَ رَتَقًا بِفَتْحِ التّاءِ، وكِلاهُما في مَعْنى المَفْعُولِ كالخُلْفِ والنَّقْضِ (p-١٤٠)أيْ كانَتا مَرْتُوقَتَيْنِ، فَإنْ قُلْتَ الرَّتْقَ صالِحٌ أنْ يَقَعَ مَوْقِعَ مَرْتُوقَتَيْنِ لِأنَّهُ مَصْدَرٌ فَما بالُ الرَّتْقِ ؟ قُلْتُ: هو عَلى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ أيْ كانَتا شَيْئًا رَتْقًا.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: المُرادُ مِنَ الرُّؤْيَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، إمّا الرُّؤْيَةُ، وإمّا العِلْمُ، والأوَّلُ مُشْكِلٌ، أمّا أوَّلًا فَلِأنَّ القَوْمَ ما رَأوْهُما كَذَلِكَ البَتَّةَ، وأما ثانِيًا فَلِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿ما أشْهَدْتُهم خَلْقَ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الكَهْفِ: ٥١]، وأمّا العِلْمُ فَمُشْكِلٌ؛ لِأنَّ الأجْسامَ قابِلَةٌ لِلْفَتْقِ والرَّتْقِ في أنْفُسِها، فالحُكْمُ عَلَيْها بِالرَّتْقِ أوَّلًا وبِالفَتْقِ ثانِيًا لا سَبِيلَ إلَيْهِ إلّا السَّمْعُ، والمُناظَرَةُ مَعَ الكُفّارِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الرِّسالَةَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِمِثْلِ هَذا الِاسْتِدْلالِ ؟ والجَوابُ: المُرادُ مِنَ الرُّؤْيَةِ هو العِلْمُ وما ذَكَرُوهُ مِنَ السُّؤالِ فَدْفُعُهُ مِن وُجُوهٍ: أحَدُها: أنّا نُثْبِتُ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ بِسائِرِ المُعْجِزاتِ ثُمَّ نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ نَجْعَلُهُ دَلِيلًا عَلى حُصُولِ النِّظامِ في العالَمِ وانْتِفاءِ الفَسادِ عَنْهُ وذَلِكَ يُؤَكِّدُ الدَّلالَةَ المَذْكُورَةَ في التَّوْحِيدِ. وثانِيًا: أنْ يُحْمَلَ الرَّتْقُ والفَتْقُ عَلى إمْكانِ الرَّتْقِ والفَتْقِ، والعَقْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأنَّ الأجْسامَ يَصِحُّ عَلَيْها الِاجْتِماعُ والِافْتِراقُ فاخْتِصاصُها بِالِاجْتِماعِ دُونَ الِافْتِراقِ أوْ بِالعَكْسِ يَسْتَدْعِي مُخَصِّصًا. وثالِثُها: أنَّ اليَهُودَ والنَّصارى كانُوا عالِمِينَ بِذَلِكَ فَإنَّهُ جاءَ في التَّوْراةِ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ جَوْهَرَةً، ثُمَّ نَظَرَ إلَيْها بِعَيْنِ الهَيْبَةِ فَصارَتْ ماءً، ثُمَّ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ مِنها وفَتَقَ بَيْنَها، وكانَ بَيْنَ عَبَدَةِ الأوْثانِ وبَيْنَ اليَهُودِ نَوْعُ صَداقَةٍ بِسَبَبِ الِاشْتِراكِ في عَداوَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ فاحْتَجَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الحُجَّةِ بِناءً عَلى أنَّهم يَقْبَلُونَ قَوْلَ اليَهُودِ في ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: إنَّما قالَ كانَتا رَتْقًا ولَمْ يَقُلْ كُنَّ رَتْقًا لِأنَّ السَّماواتِ لَفْظُ الجَمْعِ، والمُرادُ بِهِ الواحِدُ الدّالُّ عَلى الجِنْسِ، قالَ الأخْفَشُ: السَّماواتُ نَوْعٌ والأرْضُ نَوْعٌ، ومِثْلُهُ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ والأرْضَ أنْ تَزُولا﴾ [فاطِرٍ: ٤١] ومِن ذَلِكَ قَوْلُهم أصْلَحْنا بَيْنَ القَوْمَيْنِ، ومَرَّتْ بِنا غَنَمانِ أسْوَدانِ، لِأنَّ هَذا القَطِيعَ غَنَمٌ وذَلِكَ غَنَمٌ.
المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: الرَّتْقُ في اللُّغَةِ السَّدُّ، يُقالُ: رَتَقْتُ الشَّيْءَ فارْتَتَقَ، والفَتْقُ الفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ المُلْتَصِقَيْنِ. قالَ الزَّجّاجُ: الرَّتْقُ مَصْدَرٌ والمَعْنى كانَتا ذَواتَيْ رَتْقٍ، قالَ المُفَضَّلُ: إنَّما لَمْ يَقُلْ كانَتا رَتْقَيْنِ كَقَوْلِهِ: ﴿وما جَعَلْناهم جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ [الأنْبِياءِ: ٨] لِأنَّ كُلَّ واحِدٍ جَسَدٌ كَذَلِكَ فِيما نَحْنُ فِيهِ كُلُّ واحِدٍ رَتْقٌ.
المَسْألَةُ الخامِسَةُ: اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ في المُرادِ مِنَ الرَّتْقِ والفَتْقِ عَلى أقْوالٍ: أحَدُها: وهو قَوْلُ الحَسَنِ وقَتادَةَ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ورِوايَةُ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم أنَّ المَعْنى كانَتا شَيْئًا واحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُما ورَفَعَ السَّماءَ إلى حَيْثُ هي وأقَرَّ الأرْضَ، وهَذا القَوْلُ يُوجِبُ أنَّ خَلْقَ الأرْضِ مُقَدَّمٌ عَلى خَلْقِ السَّماءِ لِأنَّهُ تَعالى لَمّا فَصَلَ بَيْنَهُما تَرَكَ الأرْضَ حَيْثُ هي وأصْعَدَ الأجْزاءَ السَّماوِيَّةَ، قالَ كَعْبٌ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ مُلْتَصِقَتَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ رِيحًا تَوَسَّطَتْهُما فَفَتَقَهُما بِها. وثانِيها: وهو قَوْلُ أبِي صالِحٍ ومُجاهِدٍ أنَّ المَعْنى كانَتِ السَّماواتُ مُرْتَفِعَةً فَجُعِلَتْ سَبْعَ سَماواتٍ وكَذَلِكَ الأرَضُونَ. وثالِثُها: وهو قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ والحَسَنِ وأكْثَرِ المُفَسِّرِينَ أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقًا بِالِاسْتِواءِ والصَّلابَةِ فَفَتَقَ اللَّهُ السَّماءَ بِالمَطَرِ والأرْضَ بِالنَّباتِ والشَّجَرِ، ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ﴾ ﴿والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطّارِقِ:١١ - ١٢] ورَجَّحُوا هَذا الوَجْهَ عَلى سائِرِ الوُجُوهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ وذَلِكَ لا يَلِيقُ إلّا ولِلْماءِ تَعَلُّقٌ بِما تَقَدَّمَ ولا يَكُونُ كَذَلِكَ إلّا إذا كانَ المُرادُ ما ذَكَرْنا. فَإنْ قِيلَ: هَذا الوَجْهُ مَرْجُوحٌ لِأنَّ المَطَرَ لا يَنْزِلُ مِنَ السَّماواتِ بَلْ (p-١٤١)مِن سَماءٍ واحِدَةٍ وهي سَماءُ الدُّنْيا، قُلْنا: إنَّما أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الجَمْعِ لِأنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنها سَماءٌ، كَما يُقالُ: ثَوْبٌ أخْلاقٌ وبُرْمَةٌ أعْشارٌ. واعْلَمْ أنَّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ يَجُوزُ حَمْلُ الرُّؤْيَةِ عَلى الإبْصارِ. ورابِعُها: قَوْلُ أبِي مُسْلِمٍ الأصْفَهانِيِّ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ بِالفَتْقِ الإيجادُ والإظْهارُ كَقَوْلِهِ: ﴿فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ [الأنْعامِ: ١٤] وكَقَوْلِهِ: ﴿قالَ بَل رَبُّكم رَبُّ السَّماواتِ والأرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ [الأنْبِياءِ: ٥٦] فَأخْبَرَ عَنِ الإيجادِ بِلَفْظِ الفَتْقِ وعَنِ الحالِ قَبْلَ الإيجادِ بِلَفْظِ الرَّتْقِ. أقُولُ: وتَحْقِيقُهُ أنَّ العَدَمَ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَلَيْسَ فِيهِ ذَواتٌ مُمَيَّزَةٌ وأعْيانٌ مُتَبايِنَةٌ، بَلْ كَأنَّهُ أمْرٌ واحِدٌ مُتَّصِلٌ مُتَشابِهٌ، فَإذا وُجِدَتِ الحَقائِقُ فَعِنْدَ الوُجُودِ والتَّكَوُّنِ يَتَمَيَّزُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ ويَنْفَصِلُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ، فَبِهَذا الطَّرِيقِ حَسُنَ جَعْلُ الرَّتْقِ مَجازًا عَنِ العَدَمِ والفَتْقِ عَنِ الوُجُودِ. وخامِسُها: أنَّ اللَّيْلَ سابِقٌ عَلى النَّهارِ، لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ [يس: ٣٧] وكانَتِ السَّماواتُ والأرْضُ مُظْلِمَةً أوَّلًا فَفَتَقَهُما اللَّهُ تَعالى بِإظْهارِ النَّهارِ المُبْصِرِ، فَإنْ قِيلَ: فَأيُّ الأقاوِيلِ ألْيَقُ بِالظّاهِرِ ؟ قُلْنا: الظّاهِرُ يَقْتَضِي أنَّ السَّماءَ عَلى ما هي عَلَيْهِ، والأرْضَ عَلى ما هي عَلَيْهِ كانَتا رَتْقًا، ولا يَجُوزُ كَوْنُهُما كَذَلِكَ إلّا وهُما مَوْجُودانِ، والرَّتْقُ ضِدُّ الفَتْقِ فَإذا كانَ الفَتْقُ هو المُفارَقَةَ فالرَّتْقُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ هو المُلازَمَةَ، وبِهَذا الطَّرِيقِ صارَ الوَجْهُ الرّابِعُ والخامِسُ مَرْجُوحًا، ويَصِيرُ الوَجْهُ الأوَّلُ أوْلى الوُجُوهِ ويَتْلُوهُ الوَجْهُ الثّانِي، وهو أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما كانَ رَتْقًا فَفَتَقَهُما بِأنْ جَعَلَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما سَبْعًا، ويَتْلُوهُ الثّالِثُ وهو أنَّهُما كانا صُلْبَيْنِ مِن غَيْرِ فُطُورٍ وفَرْجٍ، فَفَتَقَهُما لِيَنْزِلَ المَطَرُ مِنَ السَّماءِ، ويَظْهَرَ النَّباتُ عَلى الأرْضِ.
المَسْألَةُ السّادِسَةُ: دَلالَةُ هَذِهِ الوُجُوهِ عَلى إثْباتِ الصّانِعِ وعَلى وحْدانِيَّتِهِ ظاهِرَةٌ، لِأنَّ أحَدًا لا يَقْدِرُ عَلى مِثْلِ ذَلِكَ، والأقْرَبُ أنَّهُ سُبْحانَهُ خَلَقَهُما رَتْقًا لِما فِيهِ مِنَ المَصْلَحَةِ لِلْمَلائِكَةِ، ثُمَّ لَمّا أسْكَنَ اللَّهُ الأرْضَ أهْلَها جَعَلَهُما فَتْقًا لِما فِيهِ مِن مَنافِعِ العِبادِ.
* * *
النَّوْعُ الثّانِي مِنَ الدَّلائِلِ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وجَعَلْنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ وفِيهِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: قالَ صاحِبُ ”الكَشّافِ“ قَوْلُهُ: وجَعَلْنا لا يَخْلُو إمّا أنْ يَتَعَدّى إلى واحِدٍ أوِ اثْنَيْنِ، فَإنْ تَعَدّى إلى واحِدٍ فالمَعْنى خَلَقْنا مِنَ الماءِ كُلَّ حَيَوانٍ كَقَوْلِهِ: ﴿واللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماءٍ﴾ [النُّورِ: ٤٥] أوْ كَأنَّما خَلَقْناهُ مِنَ الماءِ لِفَرْطِ احْتِياجِهِ إلَيْهِ وحُبِّهِ لَهُ وقِلَّةِ صَبْرِهِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الإنْسانُ مِن عَجَلٍ﴾ [الأنْبِياءِ: ٣٧] وإنْ تَعَدّى إلى اثْنَيْنِ فالمَعْنى صَيَّرْنا كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بِسَبَبٍ مِنَ الماءِ لا بُدَّ لَهُ مِنهُ ومِن هَذا نَحْوُ مِن في قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ”«ما أنا مِن دَدٍ ولا الدَدُ مِنِّي» “ وقُرِئَ حَيًّا وهو المَفْعُولُ الثّانِي.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: لِقائِلٍ أنْ يَقُولَ كَيْفَ قالَ: وخَلَقْنا مِنَ الماءِ كُلَّ حَيَوانٍ، وقَدْ قالَ: ﴿والجانَّ خَلَقْناهُ مِن قَبْلُ مِن نارِ السَّمُومِ﴾ [الحِجْرِ: ٢٧] وجاءَ في الأخْبارِ أنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ المَلائِكَةَ مِنَ النُّورِ وقالَ تَعالى في حَقِّ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وإذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِي﴾ [المائِدَةِ: ١١٠] وقالَ في حَقِّ آدَمَ: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آلِ عِمْرانَ: ٥٩] والجَوابُ: اللَّفْظُ وإنْ كانَ عامًّا إلّا أنَّ القَرِينَةَ المُخَصِّصَةَ قائِمَةٌ، فَإنَّ الدَّلِيلَ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ مُشاهَدًا مَحْسُوسًا لِيَكُونَ أقْرَبَ إلى المَقْصُودِ، وبِهَذا الطَّرِيقِ تَخْرُجُ عَنْهُ المَلائِكَةُ والجِنُّ وآدَمُ وقِصَّةُ عِيسى عَلَيْهِمُ السَّلامُ، لِأنَّ الكُفّارَ لَمْ يَرَوْا شَيْئًا مِن ذَلِكَ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: اخْتَلَفَ المُفَسِّرُونَ فَقالَ بَعْضُهُمُ: المُرادُ مِن قَوْلِهِ: ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ الحَيَوانُ فَقَطْ، وقالَ آخَرُونَ: بَلْ يَدْخُلُ فِيهِ النَّباتُ والشَّجَرُ لِأنَّهُ مِنَ الماءِ صارَ نامِيًا وصارَ فِيهِ الرُّطُوبَةُ والخُضْرَةُ والنُّورُ والثَّمَرُ، وهَذا (p-١٤٢)القَوْلُ ألْيَقُ بِالمَعْنى المَقْصُودِ، كَأنَّهُ تَعالى قالَ: فَفَتَقْنا السَّماءَ لِإنْزالِ المَطَرِ وجَعَلْنا مِنهُ كُلَّ شَيْءٍ في الأرْضِ مِنَ النَّباتِ وغَيْرِهِ حَيًّا. حُجَّةُ القَوْلِ الأوَّلِ أنَّ النَّباتَ لا يُسَمّى حَيًّا، قُلْنا: لا نُسَلِّمُ والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ [الرُّومِ: ٥٠] أمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنِبِياءِ: ٣٠] فالمُرادُ أفَلا يُؤْمِنُونَ بِأنْ يَتَدَبَّرُوا هَذِهِ الأدِلَّةَ فَيَعْلَمُوا بِها الخالِقَ الَّذِي لا يُشْبِهُ غَيْرَهُ ويَتْرُكُوا طَرِيقَةَ الشِّرْكِ.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق