الباحث القرآني
ولَمّا أنْكَرَ سُبْحانَهُ اتِّخاذَهم آلِهَةً مِن دُونِهِ تارَةً بِقَيْدِ كَوْنِها أرْضِيَّةً، وتارَةً بِقَيْدِ كَوْنِها سَماوِيَّةً، وتارَةً مُطْلَقَةً، لِتَعُمَّ كُلًّا مِنَ القِسْمَيْنِ (p-٤١١)وغَيْرَهُما، واسْتَدَلَّ عَلى ذَلِكَ كُلِّهِ بِما لَمْ تَبْقَ مَعَهُ شُبْهَةٌ، فَدَلَّ تَفَرُّدُهُ عَلى أنَّهُ لا مانِعَ لَهُ مِمّا يُرِيدُ مِن بَعْثٍ وغَيْرِهِ، وكانَ عِلْمُهم لا يَتَجاوَزُ ما في السَّماواتِ والأرْضِ، قالَ مُسْتَدِلًّا عَلى ذَلِكَ أيْضًا مُقَرِّرًا بِما يَعْلَمُونَهُ، أوْ يَنْبَغِي أنْ يَسْألُوا عَنْهُ حَتّى يَعْلَمُوهُ لِتَمَكُّنِهِمْ مِن ذَلِكَ ﴿فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ﴾ [الأنبياء: ٧] جالِيًا لَهُ في أُسْلُوبِ العَظَمَةِ: ﴿أوَلَمْ﴾ أيْ ألَمْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِما أوْضَحْنا مِن أدِلَّتِهِ ولَمْ يَرَوْا، ولَكِنَّهُ أظْهَرَ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم يُغَطُّونَ أنْوارَ الدَّلائِلِ عِنادًا فَقالَ: ﴿يَرَ﴾ أيْ يَعْلَمْ عِلْمًا هو كالمُشاهَدَةِ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ سَتَرُوا ما يَعْلَمُونَ مِن قُدْرَةِ اللَّهِ فَأدّى ذَلِكَ إلى الِاسْتِهانَةِ والتَّنَقُّصِ فَصارَ ذَنْبُهم غَيْرَ مَغْفُورٍ، وسَعْيُهم غَيْرَ مَشْكُورٍ، وحَذَفَ ابْنُ كَثِيرٍ الواوَ العاطِفَةَ عَلى ما قَدَّرْتُهُ مِمّا هَدى إلَيْهِ السِّياقُ أيْضًا، لا لِلِاسْتِفْهامِ بِما دَلَّ عَلَيْهِ خِتامُ الآيَةِ الَّتِي قَبْلُ مِنَ البَعْثِ والجَزاءِ المُقْتَضِي لِلْإنْكارِ عَلى مَن أنْكَرَهُ، فَكانَ المَعْنى عَلى قِراءَتِهِ: نَجْزِي كُلَّ ظالِمٍ بَعْدَ البَعْثِ، ألَمْ يَرَ المُنْكِرُونَ لِذَلِكَ قُدْرَتَنا عَلَيْهِ بِما أبْدَعْنا مِنَ الخَلائِقِ، وإنَّما أنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ الرُّؤْيَةِ بِسَبَبِ أنَّ الأجْسامَ وإنْ تَبايَنَتْ لا يَنْفَصِلُ بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ إلّا بِقادِرٍ يَفْصِلُ بَيْنَها، فَمِنَ البَدِيهِيِّ الِاسْتِحالَةُ أنْ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنها (p-٤١٢)عَنِ الآخَرِ مُنْفَصِلًا عَنْهُ بِغَيْرِ رافِعٍ لا سِيَّما إذا كانَ المُرْتَفِعُ ثابِتًا مِن غَيْرِ عِمادٍ، فَكَيْفَ وهو عَظِيمُ الجِسْمِ كَبِيرُ الجِرْمِ؟ وذَلِكَ دالٌّ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ والِاخْتِيارِ والتَّنَزُّهِ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ مِن مُكافِئٍ وغَيْرِهِ، فَصَحَّ الإنْكارُ عَلَيْهِمْ في عَدَمِ عِلْمِ ذَلِكَ بِسَبَبِ أنَّهم عَمِلُوا بِخِلافِ ما يَعْلَمُونَهُ ﴿أنَّ السَّماواتِ والأرْضَ﴾
ولَمّا كانَ المُرادُ الإخْبارَ عَنِ الجَماعَتَيْنِ لا عَنِ الأفْرادِ قالَ: ﴿كانَتا﴾ ولَمّا كانَ المُرادُ شِدَّةَ الِاتِّصالِ والتَّلاحُمِ، أخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ بِمَصْدَرٍ مُفْرَدٍ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ فَقالَ: ﴿رَتْقًا﴾ أيْ مُلْتَزِقَتَيْنِ زُبْدَةً واحِدَةً عَلى وجْهِ الماءِ، والرَّتْقُ في اللُّغَةِ: السَّدُّ، والفَتْقُ: الشَّقُّ ﴿فَفَتَقْناهُما﴾ أيْ بِعَظَمَتِنا [أيْ -] بِأنْ مَيَّزْنا إحْداهُما عَنِ الأُخْرى بَعْدَ التَّكْوِينِ المُتْقَنِ وفَتَقْنا السَّماءَ بِالمَطَرِ، والأرْضَ بِأنْواعِ النَّباتِ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ، ولا كانَ مَقْدُورًا عَلى شَيْءٍ مِنهُ لِأحَدٍ غَيْرِنا؛ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وعَطاءٍ والضَّحّاكِ وقَتادَةَ: كانَتا شَيْئًا واحِدًا مُلْتَزِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّهُ تَعالى بَيْنَهُما بِالهَواءِ. وعَنْ مُجاهِدٍ وأبِي صالِحٍ والسُّدِّيِّ: كانَتا مُؤْتَلِفَةً طَبَقَةً واحِدَةً فَفَتَقَها فَجَعَلَها سَبْعَ سَماواتٍ، وكَذَلِكَ (p-٤١٣)الأرْضُ كانَتْ مُرْتَتِقَةً طَبَقَةً واحِدَةً فَفَتَقَها فَجَعَلَها سَبْعَ -] طَبَقاتٍ.
ولَمّا كانَ خَلْقُ الماءِ سابِقًا عَلى خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ، قالَ: ﴿وجَعَلْنا﴾ [أيْ بِما اقْتَضَتْهُ عَظَمَتُنا -] ﴿مِنَ الماءِ﴾ أيِ الهامِرِ ثُمَّ الدّافِقِ ﴿كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ مَجازًا مِنَ النَّباتِ وحَقِيقَةً مِنَ الحَيَوانِ، خَرَّجَ الإمامُ أحْمَدُ وغَيْرُهُ ”عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أنَّهُ قالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أخْبِرْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَقالَ: كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِن ماءٍ“» ولِذَلِكَ أجابَ النَّبِيُّ ﷺ ذَلِكَ الَّذِي وجَدَهُ عَلى ماءِ بَدْرٍ وسَألَهُ: مِمَّنْ هُوَ؟ بِقَوْلِهِ: «نَحْنُ مِن ماءٍ» .
ولَمّا كانَ هَذا مِن تَصَرُّفِهِ في هَذَيْنِ الكَوْنَيْنِ ظاهِرًا ومُنْتَجًا لِأنَّهُما وكُلَّ ما فِيهِما ومَن فِيهِما بِصِفَةِ العَجْزِ عَنْ أنْ يَكُونَ لَهُ تَصَرُّفٌ ما، تَسَبَّبَ عَنْهُ إنْكارُ عَدَمِ إيمانِهِمْ فَقالَ: ﴿أفَلا يُؤْمِنُونَ﴾ أيْ بِأنَّ شَيْئًا مِنهُما أوْ فِيهِما لا يَصْلُحُ لِلْإلَهِيَّةِ، لا عَلى وجْهِ الشِّرْكَةِ ولا عَلى وجْهِ الِانْفِرادِ، وبِأنَّ صانِعَهُما ومُبْدِعَ النّامِي مِن حَيَوانٍ ونَباتٍ مِنهُما بِواسِطَةِ الماءِ قادِرٌ عَلى البَعْثِ لِلْحِسابِ لِلثَّوابِ أوِ العِقابِ، بَعْدَ أنْ صارَ المَيِّتُ تُرابًا بِماءٍ يُسَبِّبُهُ لِذَلِكَ.
{"ayah":"أَوَلَمۡ یَرَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ أَنَّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقࣰا فَفَتَقۡنَـٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّۚ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق