الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الآية. روى ثعلب عن سلمه [[هو سلمة بن عاصم النحوي، روى عن الفراء، كان أديبا فاضلا، سمع منه ثعلب كتاب "لمعاني" للفراء، توفي بعد السبعين ومائتين. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص 137، "معجم الأدباء" 3/ 391، "إنباه الرواة" 2/ 56، "غاية النهاية" 1/ 311.]] عن الفراء [[في "تهذيب اللغة" (سلمه عن الفراء ثم ذكره بنصه). "التهذيب" (من) 4/ 3453.]] قال: يكون [[في "التهذيب": (تكون) في المواضع الثلاثة.]] (من) ابتداء غاية، ويكون بعضًا، ويكون صلة، قال الله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: 61]. المعنى: مثقال ذرة [[في "التهذيب": (أي: ما يعزب عن علمه من مثقال ذرة) 4/ 3453.]]. قال أبو عبيد [["تهذيب اللغة" (من) 4/ 3454.]]: والعرب تضع (من) مواضع (مذ) يقال: ما رأيته من [سنة، أي:] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] مذ سنة. قال زهير: أقوين من حجج ومن شهر [[مطلع قصيدة لزهير يمدح هرم بن سنان وصدره: لمن الديار بقنة الحجر القنة: أعلى الجبل، الحجر: بكسر الحاء منازل ثمود، ويروى بالفتح موضع باليمامة، أقوين: أقفرت، الحجج: بكسر الحاء جمع حجة وهي السنة، ومن شهر: واحد الشهور، ويروى ومن دهر. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (من) 4/ 3454، "الجمل المنسوب" للخليل ص 161، "الجمل" للزجاجي ص 139، "مغني اللبيب" 1/ 335، "الهمع" 3/ 226، "شرح المفصل" 4/ 293،8/ 11، "الإنصاف" ص 315، "الخزانة" 9/ 439، "شرح ديوان زهير" ص 86.]] أي: مذ حجج [[أي: مذ حجج ومذ شهر.]]. ويكون [[في "التهذيب": (من) 4/ 3454.]] (من) بمعنى البدل، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً﴾ [الزخرف: 60]. معناه: بدلكم [[في (ب): (بدله).]]، وسنذكره في موضعه. [[عند أبي عبيد وتكون (من) بمعنى: اللام الزائدة. انظر بقية كلامه في "التهذيب" (من) 4/ 3454، وذكر ابن هشام في "مغني اللبيب": أن (من) تأتي على خمسة عشر وجها، 1/ 318.]] وأما الأصل [في (الناس) [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]] فقد أقرأني العروضي قال: أقرأني الأزهري قال [[(التهذيب) (أنس) 1/ 216.]]: (أخبرني المنذري عن أبي الهيثم [[في (ب) (أبي القاسم).]] أنه سأله [[في (ج) (سأل).]] عن (الناس) [[(عن الناس) ساقط من (ب).]] ما أصله؟ قال: أصله أناس [[في (التهذيب): (فقال أصله (الأناس)، لأن أصله (أناس) فالألف فيه أصلية .....) 1/ 217.]]، والألف فيه أصلية، ثم زيدت عليه اللام التي نزاد مع الألف للتعريف [[في (ب): (التعريف).]]، وأصل تلك اللام سكون أبدا [[في "التهذيب" (وأصل تلك اللام سكون أبدا إلا في أحرف قليلة، مثل: الاسم والابن، وما أشبهها من الألفات الوصلية، فلما زادوهما على أناس صار الاسم: الأناس. ...) 1/ 217.]]، فصار (الأناس) ثم كثر في الكلام، وكانت الهمزة واسطة فاستثقلوها [[في (ب): (فاستقلوها).]] فتركوها [[في "التهذيب": (..... فتركوها وصار باقي الاسم (ألناس) بتحريك اللام في الضمة، فلما تحركت اللام والنون أدغموا اللام في النون ...) 1/ 217.]]، ثم أدغموا اللام في النون فقالوا: الناس، فلما طرحوا الألف واللام قالوا: (ناس) [[في "التهذيب": (فلما طرحوا الألف واللام ابتداء والاسم فقالوا: قال ناس من الناس. انتهى كلام أبي الهيثم في "التهذيب"، وقول الواحدي: وقد استعمله الشاعر ... الخ مع البيت ليس في "التهذيب" 1/ 217.]]. وقد استعمله الشاعر على الأصل فقال: إن المنايا يَطّلعـ ... ـنَ على الأناس الآمنينا [[البيت لذي جدن الحميري، ورد في "مجالس العلماء" للزجاجي ص 70، "الخزانة" 2/ 280، "الخصائص" 3/ 151، "تفسير البيضاوي" 1/ 99، "الدر المصون" 1/ 119، "اللسان" (نوس) 8/ 4575.]] قال الأزهري: وهذا قول حذاق [[في (ب): (خلاف).]] النحويين [[في "التهذيب": (قلت: وهذا الذي قاله أبو الهيثم تعليل النحويين) وفي الهامش في (ج) (قول حذاق النحويين)، "التهذيب" 1/ 217.]]. و (الناس) لفظ وضع للجمع، ولا واحد له من لفظه [[قال الطبري: (في الناس وجهان: أحدهما: أن يكون جمعا لا واحد له من لفظه، وإنما واحدهم (إنسان) وواحدتهم (إنسانة). والوجه الأخر: أن يكون أصله (أناس) أسقطت الهمزة منها لكثرة الكلام بها، ثم دخلتها الألف واللام المعرفتان ...) 1/ 116، وانظر "تفسير ابن عطية" 1/ 158 - 159، (البحر) 1/ 52 (الدر المصون) 1/ 118.]]، كالقوم والرهط والجيش، واختلفوا في تصغيره، فقيل: (أنيس) و (نويس). فمن قال: (أنيس) وهو قول أكثر النحويين [[قال سيبويه: (ليس من العرب أحد إلا ويقول: نويس)، انظر "الكتاب" 3/ 457، وانظر "المسائل الحلبيات" لأبي علي الفارسي ص 171، 172.]]، دل على [[(دل على) مطموس في (ب).]] أن أصله (أناس) لثبوت الهمزة في التصغير. ومن قال: نويس، جعل اشتقاق الناس من (النوس) وهو الاضطراب والحركة [[(الحركة) ساقطة من (ب).]] يقال ناس ينوس إذا تذبذب وتحرك، وأناس إذا حرك [[في (ب): (إذ بريدت).]]. ومنه قول المرأة في حديث أم زرع: (أناس من حلي أذني) [[في (ب): (أرلى). قطعة من حديث طويل، فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة، قالت (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً ...)، وفيه: (قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني .....). أخرجه البخاري (5189) كتاب النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (2448) كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل عائشة، قال ابن حجر اختلف في رفعه ووقفه، ثم ذكر الخلاف في ذلك، وقال: (قلت: المرفوع منه في الصحيحين: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وباقيه من قول عائشة، وجاء خارج الصحيحين مرفوعا كله ...). (الفتح) 9/ 255 - 257. وقد == ذكر علماء اللغة وغريب الحديث أجزاء من الحديث، لما فيه من الألفاظ، فذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"، 1/ 364 - 376، وورد في "الفائق" 3/ 48، 49، وذكر قطعة منه الأزهري في "التهذيب" 3/ 2451، وذكره السيوطي من طرق كثيرة في "المزهر" 2/ 449.]]. قال [[المراد الأزهري فبعد كلامه السابق الذي ذكره الواحدي وهو قوله: (قلت: وهذا الذي قاله أبو الهيثم تعليل النحويين ... قال: وإنسان في الأصل: إنسيان وهو فعليان من الإنس ... إلخ) وما بينهما ليس في "التهذيب". انظر "التهذيب" 1/ 216.]]: وسمي الناس ناسًا، لأن من [[في (ب): (معنى).]] شأنهم الحركة على الاختيار العقلي، والواو في التصغير يدل على هذا الاشتقاق، وواحد الناس: إنسان، لا من لفظه. وكان في الأصل (إنسيان)، وهو فعليان، والألف فيه (فاء) الفعل، ومثله في الكلام (حرصيان) وهو الجلد الذي يلي الجلد الأعلى من [[في (ج): (بين).]] الحيوان، ورجل حذريان، إذا كان حذرا، وإنما قلنا: إن أصله إنسيان، لأن العرب لم تختلف في تصغيره على أنيسيان [[انظر "تهذيب اللغة" (أنس) 1/ 216، وانظر "الكتاب" 3/ 486.]]. قال الأزهري [["تهذيب اللغة" (أنس).]]: وأصل الإنس، والإنسان، والناس، من آنس يؤنس [[في "التهذيب" (قلت: واصل الإنس والأنس والإنسان من الإيناس وهو الإبصار)، وفي الهامش في (ج) (وأصل الإنسان والناس من أنس يؤنس إذا أبصر)، 216 - 217.]] إذا أبصر، لأنهم يؤنسون، أي: يبصرون، كما قيل للجن: جن، لأنهم مجتنّون، لا يؤنسون أي: لا يبصرون [[انتهى كلام الأزهري. انظر: "التهذيب" 1/ 216 - 217.]]. وقد روي عن ابن عباس أنه قال: عهد الله سبحانه إلى آدم فنسي فسمي إنساناً [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 49 أ، والقرطبي 1/ 168.]] وإن صح هذا فالهمزة تكون زائدة [[انظر: "المسائل الحلبيات" ص 171، والقرطبي 1/ 168، "الدر المصون" 1/ 119 ،120.]]. وذكر أبو علي في "المسائل الحلبية" [[في (ب): (الجلسه). "المسائل الحلبيات" أحد كتب أبي علي المشهورة، طبع بتحقيق د/ حسن هنداوي، وقد نقل الواحدي كلام أبي علي بمعناه. انظر: "المسائل الحلبيات" ص 168 - 173.]]: أن الكسائي قال: إن الأناس [[في (ب): (الإنسان).]] لغة، والناس لغة أخرى [[لم أجد هذا القول للكسائي في "المسائل الحلبيات". انظر: "المسائل الحلبيات" ص168 - 173، وانظر "تهذيب اللغة" (أنس) 1/ 216 - 217.]]، كأنه يذهب إلى أن (الفاء) محذوف من الناس، كما يذهب إليه سيبويه [[انظر "الكتاب" 2/ 196.]]، والدلالة على أنهما من لفظ واحد، وليسا من كلمتين مختلفتين أنهم قالوا: (الأناس) في المعنى الذي قالوا فيه (الناس) وقالوا: الإنس والأنس والإنسي والأناسي [[قوله: (وقالوا: الإنس والأنس والأنسي والأناسي) ليس فىِ "الحلبيات"، انظر ص 168 - 173.]]، وإذا كان كذلك ثبت أن الهمزة (فاء) الفعل، وأن الألف من (أناس) زائدة [[في (ب): (فائده).]]، وأن (فاء) الفعل من الناس هي الهمزة المحذوفة، وهذا من مبادئ التصريف وأوائله [[في (ج): (وأوئله). أنظر: "المسائل الحلبيات" ص 168.]]. ولو جاز لقائل أن [[(أن) ساقطة من (ب).]] يقول: إن (ناسا) لسقوط الهمزة منه ليس من لفظ أناس، للزمه أن يقول: [قولهم (ويل أمه [[إذا حذفت الهمزة منه يصير (ويلمه) الأصل فيها (ويل لأمه) أدغمت (لام) ويل في الجارة في (لأمه) ثم حذفت (لام) ويل لكثرة الاستعمال ثم حذفت الهمزة. انظر "المسائل الحلبيات" ص 43.]]) إذا حذفت الهمزة منه: ليست التي في (أمه) وأن يقول [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]]]: (عدة) ليس من الوعد، لسقوط الواو منه التي هي (فاء) [[في (ج): (فاء العمل).]]. وقوله تعالى: ﴿مَن يَقُولُ﴾. روى سلمة، عن الفراء، عن الكسائي [[في "التهذيب" سلمة عن الفراء عن الكسائي قال: (من) تكون اسما، وتكون جحدا، وتكون استفهاما، وتكون شرطا، وتكون معرفة، وتكون نكرة، وتكون للواحد، وتكون للأثنين، وتكون خصوصا، وتكون للأناس، والملائكة والجن وتكون للبهائم إذا خلطت بغيرها. "التهذيب" (من) 4/ 3453، وذكر في "مغني اللبيب" أن (من) تأتي على خمسة أوجه 1/ 327.]] قال: ﴿مِنَ﴾ يكون اسماً، ويكون شرطاً ويكون معرفة، ويكون نكرة، ويكون للواحد والاثنين [[في (ب): وللأثنين.]] وللجميع، ويكون [[في (ب): (تكون).]] للإنس [[في (أ)، (ج): (الأنس).]] والملائكة والجن [[في (ب): (للملائكة وللجن).]]، وهذه الوجوه كلها موجودة في التنزيل [[في "التهذيب" (قلت: هذِه الوجوه التي ذكرها الكسائي موجودة فىِ الكتاب ...)، ثم ذكر الأزهري أمثلة لها من القرآن. "التهذيب" 4/ 3453.]]، ستمر بك مشروحة إن شاء الله. وإعرابها: الوقف [[أي: السكون.]]، لأنها لا تتم إلا بصلة، فلا يكون الإعراب في [[في (ب): (من).]] بعض الاسم [[قال الزجاج في (المعاني): (لأنها لا تكون اسما تاما في الخبر إلا بصلة، فلا يكون الإعراب في بعض الاسم)، 1/ 49.]]. وقوله تعالى: ﴿وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (اليوم) مقداره من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، وجمعه: أيام، وكان الأصل (أيوام) واجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما الأخرى بالسكون، فأدغمت [[ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" وفيه: (وجعلوا الياء هي الغالبة) أي: غلبوا (الياء) فقلبوا (الواو) (ياء) وأدغموها في (الياء). انظر "تهذيب اللغة" (يوم)، 4/ 3990.]]. والآخر: نقيض المتقدم [[ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (أخر) 1/ 131.]]، يعني باليوم الآخر: يوم القيامة، ويسمى [[في (ب): (وسمى).]] آخراً، لأنه [[في (ب): (إلا أنه).]] بعد أيام الدنيا، وقيل: لأنه [[في (ب): (أنه).]] آخر يوم ليس بعده ليلة، والأيام إنما تتميز بالليالي [[قال الطبري: فإن قال قائل: وكيف لا يكون بعده يوم، ولا انقطاع للآخرة، ولا فناء ولا زوال؟ قيل: إن اليوم عند العرب، إنما سمي يوما بليلته التي قبله، فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم، فيوم القيامة يوم لا ليل بعده .... 1/ 117.]]، فإذا لم يكن بعده ليل لم يكن بعده يوم على الحقيقة [[انظر: "تفسير ابن عطية" 1/ 159.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. دخلت (الباء) مؤكدة لمعنى النفي، لأنك إذا قلت: (ما زيد أخوك) فلم يسمع السامع (ما) ظن أنك موجب، فإذا قلت: (ما زيد بأخيك) [[في (ب): (أخيك).]]، علم السامع أنك تنفي، وإن لم يسمع (ما) [[ذكره الزجاج بنصه، دون قوله. وإن لم يسمع (ما)، "معاني القرآن" 1/ 50.]]. وجمع في قوله: ﴿وَمَا هُمْ﴾ بعد التوحيد في ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ لأن لفظ [[(لفظ) ساقط من (ب).]] (من) يصلح للواحد وللجميع [[(من) لها لفظ ومعنى، فلفظها مفرد مذكر، ومعناها يصلح للجمع وغيره، فيجوز مراعاة اللفظ فيعود الضمير مفردا، ويجوز مراعاة المعنى فيعود الضمير جمعا. انظر"الدر المصون" 1/ 121.]]. قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في المنافقين [[في (ب): (للمنافقين).]] حين أظهروا كلمة الإيمان وأسرّوا الكفر [[قال الطبري: أجمع جميع أهل التأويل على أن الآية نزلت في قوم من أهل النفاق. الطبري 1/ 268، وانظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 49، "تفسير أبي الليث" 1/ 94، وابن عطية1/ 159، وابن كثير 1/ 50.]]. فأخبر الله سبحانه أنهم يقولون: إنا مؤمنون، ويظهرون كلمة الإيمان، ثم نفى عنهم الإيمان فقال ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ فدل أن حقيقة الإيمان ليس الإقرار فقط [[قال الطبري: (وفي هذِه الآية دلالة واضحة على بطول ما زعمته الجهمية من أن الإيمان هو التصديق بالقول دون سائر المعاني غيره ...)، 1/ 117، وانظر "تفسير أبي الليث" 1/ 94، وابن عطية 1/ 159.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب