قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ... إِلَى وَما يَشْعُرُونَ: هذه الآية نزلت في المنافقين، وسَمَّى اللَّهُ تعالى يوم القيامة اليَوْمَ الآخِرَ لأنه لا ليل بعده، ولا يقالُ يوم إِلا لما تقدَّمه ليل، واختلف المتأوِّلون في قوله: يُخادِعُونَ اللَّهَ، فقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى يُخَادِعُون رسول اللَّه [[ذكره ابن عطية (1/ 90) ، والقرطبي (1/ 170) .]] ، فأضافَ الأمرَ إلى اللَّه تجوُّزاً لتعلُّق رسوله به، ومخادعتُهم هي تحيُّلهم في أن يُفْشِيَ رسول الله ﷺ والمؤمنون إليهم أسرارهم.
ع [[«المحرر الوجيز» (1/ 90) .]] : تقول: خادَعْتُ الرجُلَ بمعنى: أعملْتُ التحيُّل عليه، فَخَدَعْتُهُ، بمعنى:
تمَّت عليه الحيلة، ونفذ فيه المرادُ، وقال جماعةٌ: بل يخادعون اللَّهَ والمؤمنين بإِظهارهم من الإِيمان خلافَ ما أبطنوا من الكفر، وإِنما خدعوا أنفسهم لحصولهم في العذاب، وَما يَشْعُرُونَ بذلك، معناه: وما يعلمون علْمَ تفطُّن وتَهَدٍّ، وهي لفظة مأخوذة من الشِّعَار كأن الشيء المتفطَّن له شعار للنَّفْس، وقولهم: لَيْتَ شِعْرِي: معناه: ليت فطنتي تُدْرِكُ.
واختلف، ما الذي نَفَى/ اللَّه عنهم أنْ يشعروا له؟ فقالت طائفة: وما يَشْعُرُونَ أنَّ ضرَرَ تلْكَ المخادَعَةِ راجعٌ عليهم لخلودهم في النَّار، وقال آخرون: وما يَشْعُرُونَ أنَّ اللَّه يكشف لك سرّهم ومخادعتهم في قولهم: آمَنَّا.
قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أي: في عقائدهم فسادٌ [[وفي تفسير «المرض» قال ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وقتادة، وجميع المفسرين: أي شك ونفاق. وقال الزجاج: المرض في القلب: كل ما خرج به الإنسان من الصحة في الدين.
ينظر: «الوسيط» (1/ 87) ، «صحيفة ابن أبي طلحة» (ص 78) ، و «معاني الزجاج» (1/ 86) ، ونسبه إلى أبي عبيدة، و «غريب القرآن» (ص 41) ، و «الدر المنثور» (1/ 30) عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، والربيع، وينظر: «مجاز القرآن» (1/ 32) ، و «الزاهر» (1/ 586) .]] ، وهم المنافقون، وذلك إما أن يكون شكًّا، وإما جحدًا بسبب حسدهم مع علمهم بصحَّة ما يجحدون، وقال قوم: المَرَضُ غمّهم بظهوره ﷺ، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، قيل: هو دعاءٌ عليهم، وقيل:
هو خبر أنَّ اللَّه قد فعل بهم ذلك، وهذه الزيادة هي بما ينزل من الوحْيِ، ويظهر من البراهين.
ت: لما تكلَّم ع: على تفسير قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [الفتح: 6] . قال [[«المحرر الوجيز» (3/ 73) .]] : كُلُّ ما كان بلفظ دعاء من جهة اللَّه عزَّ وجلَّ، فَإنَّما هو بمعنى إيجاب الشيء لأَنَّ اللَّه تعالى لا يدعو على مخلوقاته، وهي في قبضته، ومن هذا: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [الهمزة: 1] ، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1] ، وهي كلها أحكام تامَّة تضمنها خبره تعالى: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، أي: مؤلم، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ أي:
بالكفر وموالاةِ الكفرةِ ولقول المنافقين: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ ثلاثُ تأويلاتٍ:
أحدها: جحد أنهم يفسدون، وهذا استمرار منهم على النِّفاق.
والثاني: أنّ يقروا بموالاة الكُفَّار ويدَّعون أنها صلاحٌ من حيث هم قرابةٌ توصل.
والثالث: أنهم يصلحون بين الكفار والمؤمنين.
و «أَلاَ» : استفتاحُ كلامٍ، و «لكن» : حرف استدراك، ويحتمل أن يراد هنا: لا يَشْعُرُونَ أنهم مفسدون، ويحتمل أن يراد: لا يشعرون أن الله يفضحهم.
{"ayahs_start":8,"ayahs":["وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِینَ","یُخَـٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَمَا یَخۡدَعُونَ إِلَّاۤ أَنفُسَهُمۡ وَمَا یَشۡعُرُونَ","فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضࣰاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمُۢ بِمَا كَانُوا۟ یَكۡذِبُونَ","وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ قَالُوۤا۟ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ","أَلَاۤ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَـٰكِن لَّا یَشۡعُرُونَ"],"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِینَ"}