الباحث القرآني
﴿وَمِنَ الناسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ افْتَتَحَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِذِكْرِ (p-٤٧)الَّذِينَ أخْلَصُوا دِينَهم لِلَّهِ، وواطَأتْ فِيهِ قُلُوبُهم ألْسِنَتَهُمْ، ثُمَّ ثَنّى بِالكافِرِينَ قُلُوبًا وألْسِنَةً، ثُمَّ ثَلَّثَ بِالمُنافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأفْواهِهِمْ، ولَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ، وهم أخْبَثُ الكَفَرَةِ، لِأنَّهم خَلَطُوا بِالكُفْرِ اسْتِهْزاءً وعِنادًا، ولِذا أنْزَلَ فِيهِمْ ﴿إنَّ المُنافِقِينَ في الدَرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النارِ﴾ [النِساءُ: ١٤٥] وقالَ مُجاهِدٌ: أرْبَعُ آياتٍ مِن أوَّلِ السُورَةِ في نَعْتِ المُؤْمِنِينَ، وآيَتانِ في ذِكْرِ الكافِرِينَ، وثَلاثَ عَشْرَةَ آيَةً في المُنافِقِينَ، نَعى عَلَيْهِمْ فِيها مَكْرَهُمْ، وخُبْثَهُمْ، وسَفَهَهُمْ، واسْتَجْهَلَهُمْ، واسْتَهْزَأ بِهِمْ، وتَهَكَّمَ بِفِعْلِهِمْ، وسَجَّلَ بِطُغْيانِهِمْ، وعَمَهِهِمْ، ودَعاهم صُمًّا بُكْمًا عُمِيًّا، وضَرَبَ لَهُمُ الأمْثالُ الشَنِيعَةُ.
وَقِصَّةُ المُنافِقِينَ عَنْ آخِرِها مَعْطُوفَةٌ عَلى قِصَّةِ الَّذِينَ كَفَرُوا، كَما تُعْطَفُ الجُمْلَةُ عَلى الجُمْلَةِ. وأصْلُ ناسٍ: أُناسٌ حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ تَخْفِيفًا، وحَذْفُها مَعَ لامِ التَعْرِيفِ كاللازِمِ، لا يَكادُ يُقالُ: الأُناسُ. ويَشْهَدُ لِأصْلِهِ: إنْسانٌ، وأناسِيُّ، وإنْسٌ. وسَمَّوْا بِهِ لِظُهُورِهِمْ، وأنَّهم يُؤْنِسُونَ، أيْ: يُبْصِرُونَ، كَما سُمِّيَ الجِنُّ لِاجْتِنانِهِمْ. ووَزْنُ ناسٍ فَعالٍ، لِأنَّ الزِنَةَ عَلى الأُصُولِ، فَإنَّكَ تَقُولُ: وزْنُ قِ افْعَلْ، ولَيْسَ مَعَكَ إلّا العَيْنُ. وهو مِن أسْماءِ الجَمْعِ، ولامُ التَعْرِيفِ فِيهِ لِلْجِنْسِ. ومَن مَوْصُوفَةٌ، ويَقُولُ: صِفَةٌ لَها، كَأنَّهُ قِيلَ: ومِنَ الناسِ ناسٌ يَقُولُونَ كَذا، وإنَّما خَصُّوا الإيمانَ بِاللهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ، وهو الوَقْتُ الَّذِي لا حَدَّ لَهُ، وهو الأبَدُ الدائِمُ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ. وإنَّما سُمِّيَ بِالآخِرِ لِتَأخُّرِهِ عَنِ الأوْقاتِ المُنْقَضِيَةِ، أوِ الوَقْتِ المُحَدَّدِ مِنَ النُشُورِ إلى أنْ يَدْخُلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأهْلُ النارِ النارَ، لِأنَّهم أوْهَمُوا في هَذا المَقالِ أنَّهم أحاطُوا بِجانِبَيِ الإيمانِ أوَّلِهِ وآخِرِهِ، وهَذا لِأنَّ حاصِلَ المَسائِلِ الِاعْتِقادِيَّةِ يَرْجِعُ إلى مَسائِلِ المَبْدَأِ، وهِيَ: العِلْمُ بِالصانِعِ وصِفاتِهِ وأسْمائِهِ، ومَسائِلِ المَعادِ، وهِيَ: العِلْمُ بِالنُشُورِ، والبَعْثِ مِنَ القُبُورِ، والصِراطِ، والمِيزانِ، وسائِرِ أحْوالِ الآخِرَةِ. وفي تَكْرِيرِ الباءِ إشارَةٌ إلى أنَّهُمُ ادَّعَوْا كُلَّ واحِدٍ مِنَ الإيمانَيْنِ عَلى صِفَةِ الصِحَّةِ والِاسْتِحْكامِ. إنَّما طابَقَ قَوْلَهُ: ﴿وَما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ -وَهُوَ في ذِكْرِ شَأْنِ الفاعِلِ لا الفِعْلِ- قَوْلَهُمْ: ﴿آمَنّا بِاللهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ﴾ وهو في ذِكْرِ شَأْنِ الفِعْلِ لا الفاعِلِ، لِأنَّ المُرادَ إنْكارُ ما ادَّعَوْهُ (p-٤٨)وَنَفْيُهُ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ، وهُوَ: إخْراجُ ذَواتِهِمْ مِن أنْ تَكُونَ طائِفَةً مِنَ المُؤْمِنِينَ، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُرِيدُونَ أنْ يَخْرُجُوا مِنَ النارِ وما هم بِخارِجِينَ مِنها﴾ [المائِدَةُ: ٣٧] فَهو أبْلَغُ مِن قَوْلِكَ: وما يَخْرُجُونَ مِنها. وأطْلَقَ الإيمانَ في الثانِي بَعْدَ تَقْيِيدِهِ في الأوَّلِ، لِأنَّهُ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ التَقْيِيدُ، ويُتْرَكَ لِدَلالَةِ المَذْكُورِ عَلَيْهِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ نَفْيُ أصْلِ الإيمانِ وفي ضِمْنِهِ نَفْيُ المَذْكُورِ أوَّلًا، والآيَةُ تَنْفِي قَوْلُ الكَرّامِيَّةِ: إنَّ الإيمانَ هو الإقْرارُ بِاللِسانِ لا غَيْرُ، لِأنَّهُ نَفى عَنْهُمُ اسْمَ الإيمانِ مَعَ وُجُودِ الإقْرارِ مِنهُمْ، وتُؤَيِّدُ قَوْلَ أهْلِ السُنَّةِ: إنَّهُ إقْرارٌ بِاللِسانِ وتَصْدِيقٌ بِالجَنانِ. ودَخَلَتِ الباءُ في خَبَرِ ما مُؤَكِّدَةٌ لِلنَّفْيِ، لِأنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِهِ السامِعُ عَلى الجَحْدِ إذا غَفَلَ عَنْ أوَّلِ الكَلامِ. ومِن مُوَحَّدِ اللَفْظِ، فَلِذا قِيلَ: يَقُولُ وجَمَعَ ﴿وَما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ نَظَرًا إلى مَعْناهُ.
{"ayah":"وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











