الباحث القرآني

(p-٤٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨ ] ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ وما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ أصْلُ ناسٍ أُناسٌ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ تَخْفِيفًا، وحَذْفُها مَعَ لامِ التَّعْرِيفِ كاللّازِمِ. ويَشْهَدُ لِأصْلِهِ إنْسانٌ، وأُناسٌ، وأناسِيٌّ، وإنْسٌ، وسُمُّوا لِظُهُورِهِمْ وأنَّهم يُؤْنِسُونَ أيْ: يُبْصِرُونَ - كَما سُمِّيَ الجِنُّ لِاجْتِنانِهِمْ - ولِذَلِكَ سُمُّوا بَشَرًا. وقِيلَ: اشْتِقاقُهُ مِنَ الأُنْسِ - ضِدِّ الوَحْشَةِ - لِأنَّ الإنْساْنَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ. والأوَّلُ أظْهَرُ. واعْلَمْ أنَّ صِفاتِ المُنافِقِينَ إنَّما نَزَلَتْ في السُّوَرِ المَدَنِيَّةِ. لِأنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيها نِفاقٌ، فَلَمّا هاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المَدِينَةِ، وكانَ بِها الأنْصارُ مِنَ الأوْسِ والخَزْرَجِ، وكانُوا في جاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الأصْنامَ عَلى طَرِيقَةِ مُشْرِكِي العَرَبِ. وبِها اليَهُودُ - مِن أهْلِ الكِتابِ- وهم ثَلاثُ قَبائِلَ: بَنُو قَيْنُقاعٍ - حُلَفاءُ الخَزْرَجِ - وبَنُو النَّضِيرِ وبَنُو قُرَيْظَةَ - حُلَفاءُ الأوْسِ - فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ، وأسْلَمَ مَن أسْلَمَ مِنَ الأنْصارِ مِن قَبِيلَتَيِ الأوْسِ والخَزْرَجِ، وقَلَّ مَن أسْلَمَ مِنَ اليَهُودِ -إلّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ولَمْ يَكُنْ إذْ ذاكَ نِفاقٌ أيْضًا، لِأنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ شَوْكَةٌ تُخافُ؛ بَلْ قَدْ كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وادَعَ اليَهُودَ وقَبائِلَ كَثِيرَةً -مِن أحْياءِ العَرَبِ حَوالَيِ المَدِينَةِ- فَلَمّا كانَتْ وقْعَةُ بَدْرٍ العُظْمى، وأظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ، وأعَزَّ الإسْلامَ وأهْلَهُ، قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ -وكانَ رَأْسًا في المَدِينَةِ، وهو مَنَ الخَزْرَجِ، وكانَ ابْنَ سَيِّدِ الطّائِفَتَيْنِ في الجاهِلِيَّةِ؛ وكانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلى أنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ، فَجاءَهُمُ الخَبَرُ، وأسْلَمُوا، واشْتَغَلُوا عَنْهُ، فَبَقِيَ في نَفْسِهِ مِنَ الإسْلامِ وأهْلِهِ، فَلَمّا كانَتْ وقْعَةُ بَدْرٍ، قالَ: هَذا أمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ. فَأظْهَرَ الدُّخُولَ في الإسْلامِ، ودَخَلَ مَعَهُ طَوائِفُ - مِمَّنْ هو عَلى طَرِيقَتِهِ ونِحْلَتِهِ - وآخَرُونَ مِن أهْلِ الكِتابِ؛ فَمِن ثَمَّ وُجِدَ النِّفاقُ في أهْلِ المَدِينَةِ، ومَن حَوْلَها مِنَ الأعْرابِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب