الباحث القرآني

وقَوْلُهُ تَعالى في شَأْنِ المُنافِقِينَ وإخْبارُهُ عَنْهم بِإظْهارِ الإيمانِ لِلْمُسْلِمِينَ مِن غَيْرِ عَقِيدَةٍ وإظْهارِ الكُفْرِ لِإخْوانِهِمْ مِنَ الشَّياطِينِ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ وما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ والَّذِينَ آمَنُوا وما يَخْدَعُونَ﴾ [البقرة: ٩] إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وإذا خَلَوْا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إنّا مَعَكم إنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: ١٤] يُحْتَجُّ بِهِ في اسْتِتابَةِ الزِّنْدِيقِ الَّذِي اطُّلِعَ مِنهُ عَلى إسْرارِ الكُفْرِ مَتى أظْهَرَ الإيمانَ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى أخْبَرَ عَنْهم بِذَلِكَ، ولَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِمْ، وأمَرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَبُولِ ظاهِرِهِمْ دُونِ ما عَلِمَهُ هو تَعالى مِن حالِهِمْ وفَسادِ اعْتِقادِهِمْ وضَمائِرِهِمْ. ومَعْلُومٌ أنَّ نُزُولُ هَذِهِ الآياتِ بَعْدَ فَرْضِ القِتالِ؛ لِأنَّها نَزَلَتْ بِالمَدِينَةِ، وقَدْ كانَ اللَّهُ تَعالى فَرَضَ قِتالَ المُشْرِكِينَ بَعْدَ الهِجْرَةِ ولِهَذِهِ الآيَةِ نَظائِرُ في سُورَةِ بَراءَةٍ وسُورَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ وغَيْرِهِما في ذِكْرِ المُنافِقِينَ وقَبُولِ ظاهِرِهِمْ دُونَ حَمْلِهِمْ عَلى أحْكامِ سائِرِ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ أُمِرْنا بِقِتالِهِمْ وإذا انْتَهَيْنا إلى مَواضِعِها ذَكَرْنا أحْكامَها واخْتِلافَ النّاسِ في الزِّنْدِيقِ واحْتِجاجَ مَن يَحْتَجُّ بِها في ذَلِكَ، وهو يَظْهَرُ مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «أُمِرْتُ أنْ (p-٣٠)أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّها، وحِسابُهم عَلى اللَّهِ» وأنْكَرَ عَلى أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ حِينَ قَتَلَ في بَعْضِ السَّرايا رَجُلًا قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، حِينَ حَمَلَ عَلَيْهِ لِيَطْعَنَهُ، فَقالَ: «هَلّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ» يَعْنِي أنَّهُ مَحْمُولٌ عَلى حُكْمِ الظّاهِرِ دُونَ عَقْدِ الضَّمِيرِ، ولا سَبِيلَ لَنا إلى العِلْمِ بِهِ. قالَ أبُو بَكْرٍ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ آمَنّا بِاللَّهِ وبِاليَوْمِ الآخِرِ وما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ الإيمانَ لَيْسَ هو الإقْرارَ دُونَ الِاعْتِقادِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ أخْبَرَ عَنْ إقْرارِهِمْ بِالإيمانِ ونَفى عَنْهم سَمْتَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وما هم بِمُؤْمِنِينَ﴾ ويُرْوى عَنْ مُجاهِدٍ أنَّهُ قالَ: في أوَّلِ البَقَرَةِ أرْبَعُ آياتٍ في نَعْتِ المُؤْمِنِينَ، وآيَتانِ في نَعْتِ الكافِرِينَ، وثَلاثَ عَشْرَةَ آيَةً في نَعْتِ المُنافِقِينَ. والنِّفاقُ اسْمٌ شَرْعِيُّ جَعَلَهُ سِمَةً لِمَن يُظْهِرُ الإيمانَ ويُسِرُّ الكُفْرَ، خُصُّوا بِهَذا الِاسْمِ لِلدَّلالَةِ عَلى مَعْناهُ وحُكْمِهِ، وإنْ كانُوا مُشْرِكِينَ إذْ كانُوا مُخالِفِينَ لِسائِرِ المُبادِينَ بِالشِّرْكِ في أحْكامِهِمْ. وأصْلُهُ في اللُّغَةِ مِن نافِقاءِ اليَرْبُوعِ، وهو الجُحْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنهُ إذا طُلِبَ؛ لِأنَّ لَهُ أجْحِرَةٌ يَدْخُلُ بَعْضُها عِنْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ يُراوِغُ الَّذِي يُرِيدُ صَيْدَهُ فَيَخْرُجُ مِن جُحْرٍ آخَرَ قَدْ أعَدَّهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب