الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾ الآية. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين قالوا: الله أجل وأعلى من [[(من) ساقط من (ب).]] أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية [[ذكره الواحدي في "أسباب النزول": ص 26، وأخرجه "الطبري" بسنده عن ابن عباس == ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ 1/ 177، وأخرجه أبن أبي حاتم عن السدي 1/ 68، وذكره ابن كثير 1/ 68، وذكره السيوطي في "الدر" عن ابن مسعود وناس من الصحابة 1/ 88.]]. وقال [[(الواو) ساقطة من (ب).]] الحسن وقتادة: لما ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه، وضرب للمشركين به المثل ضحكت اليهود وقالوا: ما يشبه هذا كلام الله، فأنزل الله هذه الآية [[ذكره الواحدي في "أسباب النزول": ص 26 - 27، وذكره ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن": ص 44 ولم ينسبه، وكذا الثعلبي بنحوه 1/ 59 أ. وأخرج ابن جرير عن قتادة وفيه: قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران ... إلخ، 1/ 177 - 178، ونحوه عند ابن أبي حاتم، وقال: روي نحوه عن الحسن 1/ 69. قال السيوطي في "لباب النقول" بعد أن ذكر قول قتادة: (وذكر المشركين لا يلائم كون الآية مدنية، وما أوردناه عن قتادة والحسن حكاه عنهما الواحدي بلا إسناد بلفظ: (قالت اليهود) وهو أنسب، "لباب النقول": ص 13، وانظر: ابن كثير 1/ 68، "زاد المسير" 1/ 54، "الكشاف" 1/ 236، "البحر" 1/ 120.]] قال أهل المعاني: قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾ خرج على لفظهم [[أي: لفظ اليهود أو المشركين الذين قالوا ذلك.]]، حيث قالوا: إن الله يستحي [[في (ب): (لا يستحيي).]] أن يضرب المثل بالذباب والعنكبوت [[ذكره الزمخشري في "الكشاف"، وجعله من باب (القابلة) "الكشاف" 1/ 236، " البحر" 1/ 121، 122.]]، كقوله: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: 13] لما قالوا: إنه سحر مفترى [[ورد هذا فيما حكاه الله من رد قوم موسى في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ [القصص:36].]]. وقال بعضهم: معنى [[(معنى) ساقط من (ب).]] قوله: ﴿لَا يَسْتَحْيِي﴾ هو أن الذي يستحيا منه ما يكون قبيحا في نفسه، ويكون لفعله عيب في فعله فأخبر الله سبحانه أن ضرب المثل منه ببعوضة فما فوقها ليس بقبيح ولا نقص ولا عيب، حتى يستحيا منه، فوضع: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَستَحِى أَن يَضرِبَ مَثَلاً﴾ موضع ذلك، كأنه قيل: إن ما يضربه الله من المثل بالبعوض [[في (أ) و (ج): (بالتعرض) وما في (ب) هو الصحيح.]] لا يستحيا منه [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 59 أ.]]، لأن حقيقة الاستحياء في وصفه لا يجوز، لأنه يخاف عيبا، ويستحيل في وصفه أن يحذر نقصًا [[ومن أجل هذا أول معنى الآية، وجميع الوجوه التي أوردها في تفسير الآية تأويل، وهذا وافق نهج المتكلمين في باب الصفات، الذين يستعملون تلك المقدمات العقلية لنفي بعض الصفات. أما السلف فإنهم يعتصمون بالنص في الإثبات والنفي، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله أثبتوه وما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله نفوه. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية": ص 178، "الرسالة التدمرية". ص 70، والأولى في معنى الآية ما ذكره "الطبري" قال: (.. معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يصف شبها لما شبه به الذي هو ما بين البعوضة إلى ما فوق البعوضة). "الطبري" 1/ 178 - 179، وقد نقل الواحدي عن "الطبري" قولاً آخر وادعى أن اختاره والأمر بخلاف ذلك كما سيأتي.]]. وقيل: معنى: ﴿لَا يَسْتَحْيِي﴾: لا يترك، لأن أحدنا إذا استحيا من شيء تركه [[ذكره ابن عطية 1/ 212، "القرطبي" 1/ 242، وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 54، والزمخشري (الكشاف) 1/ 263.]]، ومعناه أن الله لا يترك ضرب المثل ببعوضة فما فوقها إذا علم أن فيه عبرة لمن اعتبر، وحجة على من جحد [[في (ب) (حجه).]]. وقيل: معناه (لا يخشى) والخشية والاستحياء يقوم أحدهما مقام الآخر كقوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب: 37]، أي تستحي [[(تستحي) يتعدى بنفسه وبالجار وعداه الواحدي بنفسه، وهي عبارة "الطبري": (وتستحي الناس، والله أحق أن تستحيه ..) 1/ 179، انظر "البحر" 1/ 121.]] الناس] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] والله أحق أن تستحيي [[في (ب): (يستحيا منه).]] منه، وهذا اختيار محمد بن جرير [[لقد وهم الواحدي في زعمه أن هذا اختيار "الطبري"، وتبعه على هذا الوهم أبو حيان في "البحر" 1/ 121. قال "الطبري": (وأما تأويل قوله: (إن الله لا يستحي) فإن بعض المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى (إن الله لا يستحي): أن الله لا يخشى أن يضرب مثلاً ... فيقول: الاستحياء بمعنى الخشية، والخشية بمعنى الاستحياء ...). قال محمود شاكر: (... إن لفظ "الطبري" دال على أنه لم يحقق معناه ولم يرضه، ولم ينصره ...) 1/ 402، 403 (ط. شاكر). ثم قال محمود شاكر في موضع آخر: (هذا بقية تفسير الكلمة على مذهب من قال: إن الاستحياء بمعنى الخشية، لا ما أخذ به "الطبري"، "تفسير الطبري" صريح، بيّن في آخر الآية) 1/ 404. ونجد "الطبري" يقول في آخر الآية: (فقد تبين إذا بما وصفنا، أن معنى الكلام: إن الله لا يستحي أن يصف شبها لما شبه به الذي هو ما بين بعوضة إلى ما فوق البعوضة) 1/ 179. فلم نر "الطبري" يؤول (الاستحياء) بـ (الخشية) والله أعلم.]]. قال أهل اللغة: أصل الاستحياء من الحياة [[في (أ)، (ب): (الحيوة).]]، واستحيا الرجل لقوة الحياة فيه [[في (ب): (واستحيا الرجل لقلة الحياة، واستحيا الرجل لقوة الحياة فيه ...).]]، لشدة علمه بمواقع العيب [[في (ب): (الغيب).]]، فالحياء من قوة الحس ولطفه [[في (ب): (ولفظه).]] وقوة الحياة [[في (أ): (الحيوة).]] [[قال ابن فارس: (الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة) "مقاييس اللغة" (حي) 2/ 122، وانظر "تهذيب اللغة" (حي) 1/ 954، "الصحاح" (حيا) 6/ 2324، "اللسان" 2/ 1080، "مفردات الراغب": ص140، "التاج" (حي) 19/ 359، "الكشاف" 1/ 263.]]. وقوله تعالى: ﴿أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾ الضرب في المثل مستعار، ومعناه [[في (ب): (ومعناه السير للمثل).]] التسيير للمثل، والجعل لها [[كذا ورد في جميع النسخ ولعل الصواب (له).]] يسير في البلاد [[قال "الطبري": (يبين ويصف)، 1/ 179، وذكر ابن الجوزي عن ابن عباس: أن يذكر شبها. "زاد المسير" 1/ 54، وقيل ومعنى يضرب: يذكر، أو يصير. انظر. "تفسير ابن عطية" 1/ 212 - 213، "القرطبي" 1/ 208، "البحر" 1/ 122.]]، وذكرنا معنى المثل مستقصى فيما [[في (ب): (مما).]] تقدم [[عند قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ الآية [البقرة:17]، انظر: ص 186 - 188.]]. وقوله تعالى: ﴿مَا بَعُوضَةً﴾. النصب في بعوضة من جهتين [[ذكره الزجاج قال: (فأما إعراب (بعوضة) فالنصب من جهتين في قولنا وذكر بعض النحويين جهة ثالثة، فأما أجود هذِه الجهات فأن تكون (ما) زائدة مؤكدة ..) "معاني القرآن" 1/ 70.]]، أحدهما: أن تكون (ما) زائدة، كأنه قال: إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا، ومثلا بعوضة، و (ما) زائدة مؤكدة كقوله ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: 159] فـ (ما) في التوكيد بمنزلة (حق) إلا أنه لا إعراب لها. والخافض والناصب يتعداها إلى ما بعدها، ومعناها التوكيد فقط [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 70، وقد ذكره الفراء و"الطبري" واختارا غيره كما سيأتي، انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 21، و"الطبري" 1/ 179 - 180، وانظر الثعلبي 1/ 59 أ، "البيان في غريب إعراب القرآن" 1/ 65، "الإملاء" 1/ 16، "الكشاف" 1/ 264.]]. فإذا جعلت (ما) زائدة نصبت بعوضة على أنها المفعول الثاني (ليضرب) [[في (ب): (كيضرب).]]، لأن (يضرب) [هاهنا معناه: يجعل. هذا هو الاختيار عند البصريين [[انظر: "الطبري" 1/ 180، "معاني القرآن" للفراء 1/ 21. وفيه وجه آخر: وهو أن (بعوضة) بدل من (المثل)، انظر الثعلبي 1/ 59 أ، "الإملاء" 1/ 26، "البيان" 1/ 65، "الكشاف" 1/ 264، "تفسير ابن عطية" 1/ 152، قاله الزجاج 1/ 71.]]. الوجه الثاني: أن تكون (ما)] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] نكرة [[في (ب): (ذكره).]] بمنزلة شيء، فيكون المعنى: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً شيئاً من الأشياء، ثم أبدل بعوضة من شيء [[في (أ)، (ج): (شيئاً).]]، فقال: ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ وهذا [[في (ب): (فهذا).]] قول الفراء [[انظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 22، والقول الذي اختاره الفراء القول الآتي الذي نسبه الواحدي للكسائي، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 70، و"الطبري" 1/ 180، والثعلبي 1/ 59 أ.]]. وقال الكسائي: معناه: أن يضرب مثلاً ما بين بعوضة إلى ما فوقها، ثم حذف (بين) و (إلى) ونصب بعوضة بإسقاط الخافض. وفي [[(والواو) ساقطة من (ب).]] كلام العرب: (مطرنا ما زُبَالَة فالثعلبية) بمعنى ما بين زُبَالَة إلى الثعلبية [[(زبالة) و (الثعلبية) موضوعان معروفان من المنازل في الطريق بين الكوفة ومكة. انظر: "معجم ما استعجم" 1/ 341،2/ 693، "معجم البلدان" 2/ 78، 3/ 129.]]، ويقولون: (له عشرون ما ناقة فجملا) أي ما بين ناقة وجمل، وهو [[في "معاني القرآن" للفراء (وهي) 1/ 22، وكذا في "الطبري" 1/ 180.]] أحسن الناس ما قَرْناً فقَدَماً [[المعنى: ما بين القرن والقدم. ورد الكلام في "معاني القرآن" للفراء ولم ينسبه للكسائي 1/ 22، وذكره "الطبري" ولم يعزه، وعزاه محمود شاكر في حاشية "الطبري" للفراء 1/ 405، وفي الآية وجه آخر ذكره بعض المفسرين: وهو أن تكون (ما) بمعنى (الذي) و (بعوضة) مرفوع، لأنه خبر مبتدأ مقدر، أي: الذي هو بعوضة، وأنكر الزجاج هذا الوجه، لأنه لم يثبت قراءة، وإن كان صحيحاً في الإعراب. انظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 71. أما "الطبري" فاختار هذا الوجه، ولكن على نصب (بعوضة) وذكر لنصبها وجهين ... انظر "تفسير الطبري" 1/ 179، وانظر: "البيان" 1/ 66، وابن عطية 1/ 213.]]. وأنكر المبرد هذين القولين فقال: أما قول الفراء: إنه يجعل (ما) اسما تاما، وينصب بعوضة بدلا منه [[الفراء لم يرجح هذا القول، وإنما رجح القول الذي نسبه الواحدي للكسائي حيث قال: (الوجه الثالث: -وهو أحبها إليَّ- فأن تجعل المعنى على: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين البعوضة إلى ما فوقها ..)، "معاني القرآن" 1/ 22.]]، فإن القول في ذاك ما قال الخليل وسيبويه، قالا جميعاً: إن (من) و (ما) يكونان [[(يكونان) ساقطة من (ج).]] نكرتين، فيلزمهما الصفة كلزوم الصلة [[في (ب): (الصفة).]] إذا كانا معرفتين، تقول [[في (أ)، (ج): (يقول).]]: مررت بمن صالحٍ، أي: بإنسان صالح. ومررت بما حسنٍ، أي بشيء حسن. فلا يكونان نكرتين إلا بوصفهما. كما لا يكونان [[في (أ)، (ج): (يكونان) بسقوط (لا).]] معرفتين إلا بصلتهما [[انظر: "الكتاب" 2/ 105 - 107.]]. والفراء جعل (ما) وحدها اسما [[الفراء اختار غير هذا القول كما سبق، وانظر: "معاني القرآن" 1/ 22.]]، لأن البعوضة ليست بصفة. وقال سيبويه [[(سيبويه) ساقط من (ب).]] في قوله تعالى: ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق: 23] يجوز أن يكون (ما) نكرة، أي هذا شيء لدي عتيد، ويجوز أن يكون في معنى (الذي) [[انظر: "الكتاب" 2/ 106.]]. وأما قول الكسائي: (ما بين كذا إلى كذا) [[هذا الكلام في "معاني القرآن" ولم يعزه للكسائي، عزا إليه كلاما بمعناه قال: (قال الكسائي سمعت أعرابيًّا ورأى الهلال فقال: الحمد لله ما إهلالك إلى سَرارِك، يريد ما بين إهلالك إلى سرارك ... وحكا الكسائي عن بعض العرب: الشَّنَقُ ما خمسا إلى خمس وعشرين، يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين. والشَّنَقُ: ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل ..)، "معاني القرآن" للفراء 1/ 22، 23.]] فإنما يحكى هذا الكلام عن أعرابي وحده، وإن صح فوجهه غير ما ذكر، وهو أن يكون (ما) صلة، فيكون الكلام: (مطرنا [[في (ب) (فيكون) (الكلام مثل ما زبالة).]] زبالة فالثعلبية) كما تقول: أتيت الكوفة فالبصرة. ولو كان معناه (ما بين)، لم يكن المطر بزبالة ولا الثعلبية، لأن ما بينهما غيرهما، وإضمار (بين) فبعيد جداً. و (البعوض) صغار البق، الواحدة بعوضة، وذلك لأنها كبعض البق في الصغر [[انظر: "الصحاح" (بعض) 3/ 1066، "زاد المسير" 1/ 55، "القرطبي" 1/ 209، ورجح الدميري: أن البعوض غير البق، انظر: "حياة الحيوان" 1/ 179.]]. وقوله تعالى: ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ يعني ما هو أكبر منها، لأن البعوض نهاية في الصغر [[ذكره الفراء ورجحه، انظر "معاني القرآن" 1/ 20. "معاني القرآن" للزجاج 1/ 71، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 215، "تفسير الطبري" 1/ 180، أبي الليث 1/ 104، والثعلبي 1/ 59 أ، "الكاشف" 1/ 265.]]. قال ابن عباس: يعني الذباب والعنكبوت [[ذكر الثعلبي 1/ 59 أ، وأبو الليث 1/ 104، وابن قتيبة في "غريب القرآن" ولم يعزه لابن عباس: ص 27.]]، وهما فوق البعوض. [وقيل: أراد بما فوق البعوض] [[ما بين المعقوفين مكرر في (ب).]] الفيل، وذلك أن الله تعالى خلق للبعوضة من الأعضاء مثل ما خلق للفيل [[في (ب): (الفيل).]] على عظمه، وزاد للبعوض جناحين، ففي ضربه المثل به أعظم عبرة وأتم دلالة على كمال قدرته وتمام حكمته. وقال بعضهم: فما فوقها، يعني في الصغر، يريد فما هو أصغر منها [[ذكره الفراء في "معاني القرآن" 1/ 20، والزجاج في "المعاني" 1/ 71، والأخفش في "المعاني" 1/ 215، و"الطبري" 1/ 180، وضعفه، وذكره أبو الليث 1/ 104، وأبو عبيده في "المجاز" 1/ 35، وابن قتيبة في "المشكل": ص 27، وابن الأنباري في "الأضداد": ص 250، والزمخشري في "الكشاف" 1/ 265.]]، لأنه يقال: فلان فوق فلان في الحقارة والدناءة. واختار قوم هذا [[كأبي عبيدة في "المجاز" 1/ 35، وابن قتيبة في "المشكل": ص 27.]]، لأن الغرض المطلوب هاهنا الصغر. فإن قيل: إذا كانت البعوضة هي النهاية في الصغر، فلا معنى في [[في (ب): (فلا معنى فيما).]] (فما فوقها) في الصغر، قيل: ليس الأمر على ما قلتم، لأن ما دون البعوضة في الصغر متوهم معقول، وإن لم ير، كما قال: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)﴾ [الصافات: 65] [الصافات: 65] فالمشبه به معقول وإن لم ير، وكما قال الشاعر: وَمَسْنُونةٌ زُرْقٌ كَأنْيَابِ أغْوَالِ [[عجز بيت لامرئ القيس وصدره: أيقْتُلُنِي والمشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي المشرفي: السيف، (مسنونة زرق): سهام محددة الأزجه صافية، شبهها بأنياب الأغوال، تشنيعا ومبالغة في الوصف، والأغوال: الشياطين، وقيل: الحيات. انظر "ديوان امرئ القيس": ص 125، "تهذيب اللغة" (غال) 8/ 193، "المخصص" 8/ 11، "اللسان" (غول) 6/ 3318، "البحر المحيط" 2/ 304.]] ولم ير ناب الغول. ويؤكد هذا التأويل قول أبي عبيدة في هذه الآية وهو أنه [[في (ب): (أن).]] قال: (فما فوقها) يعني: فما دونها [["مجاز القرآن" 1/ 35.]]. و (فوق) من الأضداد، لأنه لا فوق [[في (ب): (لا فرق).]] إلا ويصلح أن يكون دون، لأن من فوقك [[في (ب): (فوق الصلح).]] يصلح أن يكون دون غيرك فذلك فوق [[(فوق) ساقط من (ب).]] من وجه ودون من وجه [[انظر: "الأضداد" لأبي حاتم: ص101، ولابن الأنباري: ص 250، وقد ذكر عن قطرب: (أن فوق تكن بمعنى: (دون) مع الوصف، كقول العرب: إنه لقليل وفوق القليل، ولا تكون بمعنى: (دون) مع الأسماء، كقول العرب: هذِه نملة وفوق النملة ...) ورد أقوال المفسرين الذين قالوا: إن (فوقا) في الآية بمعنى (دون)، وغلّطه ابن الأنباري في هذا ورد عليه. والأقرب أن (فوق) في الآية تكون بمعنى: أعظم، وبمعنى: دون، وهذا هو اختيار ابن الأنباري، وانظر: "المشكل" لابن قتيبة: ص 27، "البحر" 1/ 123، وابن كثير 1/ 69.]]. وإذا كان (فوق) بمعنى (دون) كان المعنى (فما دونها) أي: ما هو أصغر منها. وقد استشهد على استحسان ضرب المثل بالحقير [في] [[(في) إضافة من "الوسيط" للواحدي 1/ 66، لاستقامة السياق.]] كلام العرب بقول الفرزدق: ضَرَبَتْ عَلَيْكَ العَنْكَبوُتُ بِنَسْجِهَا ... وَقَضَى [[في (ب): (ومعن).]] عَلَيْكَ بِهِ الكِتَابُ المُنْزَلُ [[استشهد الواحدي بالبيت في "الوسيط" 1/ 66، وهو في "ديوان الفرزدق" 2/ 155، من قصيدة طويلة ضمن نقائضه مع جرير.]] وبقوله أيضاً: وَهَل شَيءٌ يَكُوُن أذَل بَيتَاً [[(بيتا) ساقط من (ب).]] ... مِنَ اليَرْبُوعِ يَحْتَفِرُ التُّرَابَا [[استشهد الواحدي بالبيت في "الوسيط" 1/ 66، وهو في "ديوان الفرزدق" 1/ 103.]] وقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ﴾. مدحهم الله بعلمهم أن المثل وقع في [[(في) ساقط من (ب).]] حقه [[قال "الطبري": يعرفون أن المثل الذي ضربه الله، لما ضربه له مثل، ثم ذكر عن الربيع وقتادة أن هذا المثل الحق من ربهم، وأنه كلام الله 1/ 181، وانظر "معاني القرآن" للزجاج 1/ 71/ "تفسير الثعلبي" 1/ 59 أ.]] وذم الكافرين بإعراضهم عن طريق الاستدلال وإنكارهم ما هو صواب وحكمة. وقوله تعالى: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾. قال أبو إسحاق: (ماذا) يجوز أن يكون (ما) و (ذا) اسماً واحداً، ويكون موضعها نصباً، المعنى: أي شيء أراد الله بهذا مثلًا؟ ويجوز أن يكون (ذا) مع (ما) بمنزلة (الذي) فيكون المعنى: ما الذي أراده [[في (ب): (أرا د).]] الله بهذا مثلا؟ فيكون (ما) رفعاً بالابتداء و (ذا) في معنى الذي وهو خبر الابتداء، انتهى كلامه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 42، وانظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي 1/ 32، "البيان" 1/ 66، "الإملاء" 1/ 26 ، وقد ذكر النحويون أن (ماذا) تأتي في ستة أوجه، لكن يجوز في الآية وجهان ذكرهما المؤلف ، انظر مغنى اللبيب 1/ 300 "البحر" 1/ 124، و"الدر المصون" 1/ 223.]]. وفائدة الوجهين يتبين في الجواب، فإنك إن جعلته اسمًا واحداً كان جوابه منصوبًا، وإن جعلت (ما) ابتداء و (ذا) خبره كان الجواب مرفوعا، مثاله أنَّ قائلا لو [[(لو) ساقطة من (ب).]] قال لك: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ قلت: البيانَ لحال [[في (أ)، (ج): (الحال) أتنبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.]] الذي ضرب له المثل، لأنك أبدلته من (ماذا) وهو نصب. وفي الوجه الثاني قلت: البيانُ بالرفع؛ لأن (ذا) محله رفع بخبر الابتداء [[انظر: "الكتاب" 2/ 417، 418، "الكشاف" 1/ 266، "البحر" 1/ 124،.]]. وجاء في القرآن بالتقديرين [[في (ب): (التقدير).]] جميعًا في قوله: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾ [النحل: 30]، و ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل:24] فعلى النصب كأنه قيل: أي شيء أنزل ربكم [[وعليه جاءت الآية الأولى: (قالوا خيرا).]]؟، وعلى الرفع [[وعليه جاءت الآية الثانية: (قالوا أساطير الأولين) انظر "الكتاب" 2/ 417.]]: أي شيء الذي [[(الذي) ساقط من (ب).]] أنزله [[في (ج): (أنزل).]] ربكم؟ واستشهد سيبويه [["الكتاب" 1/ 417.]] في الرفع بقول الشاعر: ألا تسألانِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ ... أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أمْ ضَلالٌ وَبَاطِلُ [[البيت مطلع قصيدة للبيد بن ربيعة، يرثي بها النعمان بن المنذر. النحب: النذر، يقول: ألا تسألان رجلًا مجتهداً في أمر الدنيا والسعي خلفها، كأنه أوجب على نفسه نذرا في ذلك، فهو يجري لقضاء ذلك النذر، أم هو ضلال وباطل من أمره. ورد البيت عند سيبوبه 2/ 417، "معاني القرآن" للفراء1/ 139، (المعاني الكبير) 3/ 1201، "جمل الزجاجي" ص 349، "المخصص" 14/ 103، "مغني اللبيب" 1/ 300، "شرح المفصل" 3/ 149، 4/ 23، "الخزانة" 2/ 252، 6/ 145، "الدر المصون" 1/ 229 (ديوان لبيد) ص 254، والشاهد (أنحب) حيث جاء مرفوعًا فدل على أن (ذا) في معني (الذي).]] وبقولهم: (عَمَّاذَا تَسْأَل) على أنهما بمنزلة اسم واحد ولو لم يكن كذلك لقالوا: (عم ذا تسأل) [[(عم ذا تسأل) بحذف ألف (ما) لأن (ما) إذا كانت استفهاما ودخل عليها حرف الجر حذفت ألفها، فلما ثبتت الألف دل على أنها مركبة مع (ذا)، انظر: "الكتاب" 2/ 418، "شرح المفصل" 3/ 150.]] وذكرنا هذه المسألة بأبلغ من هذا في الشرح، عند قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾ [البقرة:219]. وفي نصب قوله: ﴿مَثَلًا﴾ وجوه، أحدها: الحال [[اختلف في صاحب الحال، فقيل: اسم الإشارة، وقيل لفظ الجلالة (الله)، انظر "تفسير الثعلبي" 1/ 418، "المشكل" لمكي 1/ 231، وبن عطية 1/ 213، "البيان" 1/ 67، "البحر" 1/ 125، "الدر المصون" 1/ 231.]]، لأنه جاء بعد تمام الكلام كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا مبينا. والثاني: التمييز والتفسير للمبهم [[في (ب) (للمتهم).]]، وهو (هذا) كأنه قيل ماذا أراد الله بهذا من الأمثال [[انظر: "المشكل" لمكي1/ 33، وابن عطية 1/ 213، "البيان" 1/ 67، "الإملاء" 1/ 26، "البحر" 1/ 125، "الدر المصون" 1/ 231.]]. والثالث: القطع، كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا المثل [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 154، والثعلبي 1/ 95 أ، "البحر" 1/ 125، وقال أبو حيان: إن هذا مذهب الكوفيين، والمراد بالقطع: أنه يجوز أن يعرب بإعراب الاسم الذي قبله، فإذا لم تتبعه في الإعراب وقطعته عنه نصب على القطع، وقال: وهذا كله عند البصريين منصوب على الحال، ولم يثبت البصريون النصب على القطع، انظر: "الدر المصون" 1/ 231.]]؟ إلا أنه لما جاء نكرة [[في (ب): (ذكره).]] نصب على القطع عن إتباع المعرفة، وهذا مذهب الفراء وأحمد بن يحيى [[انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 154، "البحر" 1/ 125.]]، ومعناه: إن الذين كفروا يقولون: أي فائدة في ضرب المثل بهذا؟ فأضلهم الله سبحانه فقال: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [[قوله: (يهدي به كثيرا) ساقط من (أ)، (ج).]] أي: أراد الله بهذا المثل أن يضل به كثيرًا من الكافرين، وذلك [[في (ب): (وكذلك).]] أنهم ينكرونه ويكذبونه. ويهدي به كثيرًا من المؤمنين، لأنهم يعرفونه ويصدقون به [[انظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 59 ب.]]. قال [[في (ب): (كذلك قال الأزهري).]] الأزهري: (والإضلال) في كلام العرب ضد الهداية والإرشاد، يقال [[في (ب): (يقول).]]: أضللت فلانا، إذا وجهته للضلال عن الطريق فلم [[قوله: (فلم ترشده) ليس في "تهذيب اللغة".]] ترشده، وإياه أراد لبيد بقوله: مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخَيْرِ اهْتَدى ... نَاعِمَ البَالِ ومَنْ شَاءَ أَضَل [[البيت ورد في "تهذيب اللغة" (ضل) 3/ 2130، "اللسان" (ضلل) 5/ 2601، "ديوان لبيد مع شرحه" ص 174، "الوسيط" للواحدي 1/ 67.]] قال لبيد هذا في الجاهلية، فوافق قوله التنزيل: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [[في (ب): (تضل وتهدي).]] [[جزء من آية في النحل: 93، وسورة فاطر آية: 8]] [["تهذيب اللغة" (ضل) 3/ 2130، وانظر: "اللسان" (ضلل) 5/ 2601.]]. ولا يجوز أن يكون معنى الإضلال: الحكم والتسمية، لأن أحدنا إذا حكم بضلالة [[في (ب): (بضلال).]] إنسان لا يقال: أضله، وهذا لا يعرفه أهل اللغة [[يرد بهذا على المعتزلة الذين قالوا: إن الله لا يخلق الضلال، ومعناه الإضلال عندهم هنا: الحكم أو التسمية، أو أنه من إسناد الفعل إلى السبب كما قال الزمخشري في "الكشاف" 1/ 267. وعند أهل السنة: أن الله خالق العباد وخالق أفعالهم، انظر "تفسير أبي الليث" 1/ 105، وابن عطية 1/ 216 - 217، "الإنصاف" فيما تضمنه "الكشاف" من الاعتزال حاشية على "الكشاف" 1/ 267، "القرطبي" 1/ 209 - 210. قال ابن كثير: قال السدي في "تفسيره": عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: (يضل به كثيرا) يعني به المنافقين (ويهدي به كثيرا) يعني به المؤمنين فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لتكذيبهم .. ويهدي به بمعنى: المثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم لتصديقهم ..) ابن كثير 1/ 69 - 70.]]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. قال الليث: (الفسق) الترك لأمر الله، ومثله (الفسوق) [["تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788.]]. قال أبو عبيدة: وأصله في اللغة الجور والميل عن الطاعة، يقال: (فسق) إذا جار. وأنشد [["مجاز القرآن" 1/ 406، "تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، والخص من "التهذيب".]]: فواسِقًا عَنْ قَصْدِهِ [[في (ب): (أمره) وهي رواية وردت في "اللسان" (فسق) 6/ 3414.]] جَوَائِرا [[البيت لرؤبة كما في "مجاز القرآن" وقبله: يهوِين في نَجد وغورًا غائرا يصف إبلا منعدلة عن قصد نجد ورد البيت في "مجاز القرآن" 1/ 406، وفيه (قصدها) بدل (قصده) ومثله عند "الطبري" 15/ 261، وبمثل رواية الواحدي ورد في "الزاهر" 1/ 218، "تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2788، "اللسان" 6/ 3414، "القرطبي" 1/ 210.]] وقال الفراء (الفسق) [[(الفسق) ساقط من (ب)]] الخروج عن الطاعة، قال: والعرب تقول: فسقت الرطبة من قشرها، لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت (فويسقة) لخروجها من جحرها على الناس [["معاني القرآن" للفراء 2/ 147، وفيه قوله: (ففسق عن أمر ربه) أي: خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول: .. ونحوه في "التهذيب" (فسق).]]. وقال أبو العباس: (الفسوق) الخروج [["تهذيب اللغة" (فسق) 3/ 2778.]]. وقال أبو الهيثم: وقد يكون الفسوق شركًا، ويكون إثمًا [[في "التهذيب" وقال أبو الهيثم: الفسوق يكون الشرك ويكون الإثم (فسق) 3/ 2789، وانظر: "اللسان" (فسق) 6/ 3414.]]. والذي أريد به هاهنا الكفر [[انظر: "الطبري" 1/ 182، و"ابن كثير" 1/ 70، "زاد المسير" 1/ 56، و"القرطبي" 1/ 210.]] لقوله [[في (ب): (كقوله).]] تعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب