الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾، إنْ قالَ قائِلٌ: ما مَعْنى ذِكْرِ هَذا المَثَلِ بِعَقِبِ ما وعَدَ بِهِ أهْلَ الجَنَّةِ، وما أعَدَّ لِلْكافِرِينَ، قِيلَ: يَتَّصِلُ هَذا بِقَوْلِهِ: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أنْدادًا﴾ [البقرة: ٢٢]، لِأنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - قالَ: ﴿إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا﴾ [الحج: ٧٣]، وقالَ: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أوْلِياءَ كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١]، فَقالَ الكافِرُونَ: إنَّ إلَهَ مُحَمَّدٍ يَضْرِبُ الأمْثالَ بِالذُّبابِ، والعَنْكَبُوتِ، فَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها﴾، أيْ، لِهَؤُلاءِ الأنْدادِ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهم مِن دُونِ اللَّهِ، لِأنَّ هَذا في الحَقِيقَةِ مَثَلُ هَؤُلاءِ الأنْدادِ.
فَأمّا إعْرابُ ”بَعُوضَةً“، فالنَّصْبُ مِن جِهَتَيْنِ في قَوْلِنا، وذَكَرَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ جِهَةً ثالِثَةً، فَأمّا أجْوَدُ هَذِهِ الجِهاتِ فَأنْ تَكُونَ ”ما“، زائِدَةً مُؤَكِّدَةً، كَأنَّهُ قالَ: ”إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ بَعُوضَةً مَثَلًا، ومَثَلًا بَعُوضَةً“، و”ما“، زائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، اَلْمَعْنى: فَبِرَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ (p-١٠٤)حَقًّا ”، فَـ“ ما ”، في التَّوْكِيدِ بِمَنزِلَةِ“ حَقٌّ ”، إلّا أنَّهُ لا إعْرابَ لَها، والخافِضُ والنّاصِبُ يَتَخَطّاها إلى ما بَعْدَها، فَمَعْناها التَّوْكِيدُ، ومِثْلُها في التَّوْكِيدِ“ لا ”، في قَوْلِهِ: ﴿لِئَلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ﴾ [الحديد: ٢٩]، مَعْناهُ: لِأنْ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ، ويَجُوزَ أنْ يَكُونَ“ ما ”، نَكِرَةً، فَيَكُونَ المَعْنى:“ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ شَيْئًا مَثَلًا ”، وكَأنَّ“ بَعُوضَةً ”، في مَوْضِعِ وصْفِ شَيْءٍ، كَأنَّهُ قالَ:“ إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أنْ يَضْرِبَ مَثَلًا شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ، بَعُوضَةً فَما فَوْقَها ”، وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَعْناهُ: ما بَيْنَ بَعُوضَةٍ إلى ما فَوْقَها، والقَوْلانِ الأوَّلانِ قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ القُدَماءِ، والِاخْتِيارُ عِنْدَ جَمْعِ البَصْرِيِّينَ أنْ يَكُونَ“ ما ”لَغْوًا، والرَّفْعُ في“ بَعُوضَةً ”، جائِزٌ في الإعْرابِ، ولا أحْفَظُ مَن قَرَأ بِهِ، ولا أعْلَمُ هَلْ قَرَأ بِهِ أحَدٌ، أمْ لا، فالرَّفْعُ عَلى إضْمارِ“ هو ”، كَأنَّهُ قالَ:“ مَثَلًا الَّذِي هو بَعُوضَةٌ ”، وهَذا عِنْدَ سِيبَوَيْهِ ضَعِيفٌ، وعَنْهُ مَندُوحَةٌ، ولَكِنَّ مَن قَرَأ:“ تَمامًا عَلى الَّذِي أحْسَنُ ”- وقَدْ قُرِئَ بِهِ -، جازَ أنْ يَقْرَأ:“ مَثَلًا ما بَعُوضَةٌ ”، ولَكِنَّهُ في“ اَلَّذِي أحْسَنُ ”، أقْوى، لِأنَّ“ اَلَّذِي ”، أطْوَلُ، ولَيْسَ لِـ“ اَلَّذِي ”، مَذْهَبٌ غَيْرُ الأسْماءِ، وقالُوا في مَعْنى قَوْلِهِ:“ فَما فَوْقَها ”، قالُوا في ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، قالُوا:“ فَما فَوْقَها ”: أكْبَرَ مِنها، وقالُوا:“ فَما فَوْقَها ": في الصِّغَرِ، وبَعْضُ النَّحْوِيِّينَ يَخْتارُونَ الأوَّلَ، لِأنَّ البَعُوضَةَ كَأنَّها نِهايَةٌ في الصِّغَرِ فِيما يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ، والقَوْلُ الثّانِي مُخْتارُ أيْضًا، لِأنَّ المَطْلُوبَ هُنا، والغَرَضَ الصِّغَرُ، وتَقْلِيلُ المَثَلِ بِالأنْدادِ.
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، يَعْنِي صَدَّقُوا، ﴿فَيَعْلَمُونَ﴾، أنَّ هَذا المَثَلَ (p-١٠٥)حَقٌّ، ﴿وَأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلا﴾، أيْ: ما أرادَ بِالذُّبابِ، والعَنْكَبُوتِ مَثَلًا، فَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا﴾، أيْ: يَدْعُو إلى التَّصْدِيقِ بِهِ الخَلْقَ جَمِيعًا، فَيُكَذِّبُ بِهِ الكُفّارُ، فَيُضَلُّونَ بِهِ.
﴿وَما يُضِلُّ بِهِ إلا الفاسِقِينَ﴾، يَدُلُّ عَلى أنَّهُمُ المُضَلُّونَ بِهِ، ”وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا“، يُزادُ بِهِ المُؤْمِنُونَ هِدايَةً، لِأنَّ كُلَّما ازْدادُوا تَصْدِيقًا فَقَدِ ازْدادُوا هِدايَةً، والفاءُ دَخَلَتْ في جَوابِ ”أمّا“، في قَوْلِهِ: ”فَيَعْلَمُونَ“، لِأنَّ ”أمّا“، تَأْتِي بِمَعْنى الشَّرْطِ، والجَزاءِ، كَأنَّهُ إذا قالَ: ”أمّا زَيْدٌ فَقَدْ آمَنَ، وأمّا عَمْرٌو فَقَدْ كَفَرَ“، فالمَعْنى: مَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ فَقَدْ آمَنَ زَيْدٌ، ومَهْما يَكُنْ مِن شَيْءٍ فَقَدْ كَفَرَ عَمْرٌو، وقَوْلُهُ: ”ماذا“، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”ما“، و”ذا“، اِسْمًا واحِدًا، يَكُونُ مَوْضِعُهُما نَصْبًا، المَعْنى: أيُّ شَيْءٍ أرادَ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا؟ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”ذا“، مَعَ ”ما“، بِمَنزِلَةِ ”اَلَّذِي“، فَيَكُونَ المَعْنى: ما الَّذِي أرادَهُ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا؟ أوْ: أيُّ شَيْءٍ الَّذِي أرادَهُ اللَّهُ بِهَذا مَثَلًا؟ ويَكُونَ ”ما“، هُنا، رَفْعًا بِالِابْتِداءِ، و”ذا“، في مَعْنى ”اَلَّذِي“، وهو خَبَرُ الِابْتِداءِ، وإعْرابُ ”اَلْفاسِقِينَ“: نَصْبٌ، كَأنَّ المَعْنى: وما يَضِلُّ بِهِ أحَدٌ إلّا الفاسِقِينَ.
{"ayah":"۞ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَسۡتَحۡیِۦۤ أَن یَضۡرِبَ مَثَلࣰا مَّا بَعُوضَةࣰ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فَیَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ فَیَقُولُونَ مَاذَاۤ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلࣰاۘ یُضِلُّ بِهِۦ كَثِیرࣰا وَیَهۡدِی بِهِۦ كَثِیرࣰاۚ وَمَا یُضِلُّ بِهِۦۤ إِلَّا ٱلۡفَـٰسِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق