الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ الآية، ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ معناه: يموتون ويُقْبَضُون. وأصلُ التَّوَفِّي: أخذُ الشيء وافيًا، يقال: تَوَفَّى الشيءَ واسْتَوفَاه، وتُوُفِّي فلانٌ وتَوَفَّى إذا مات، فمن قال تُوفي كان [[ساقطة من (ي).]] معناه قُبض وأُخِذَ، ومن قال: تَوَفَّى، معناه: تَوَفَّى أَجَلَه، واسْتَوْفَى أُكُلَه وعُمُرَه [[ينظر في توفي: "تهذيب اللغة" 15/ 584 - 587، "المفردات" 543، "لسان العرب" 15/ 400 - 401 (مادة: وفي).]]. وعلى هذا قراءة علي رضى الله عنه (يَتَوفون) بفتح الياء [[عزاها إليه ابن جني في "المحتسب" 1/ 125، وأبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 223.]]. ﴿وَيَذَرُونَ﴾ معناه: يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر، استغناء عنهما بترك تركًا، ومثله أيضًا: يدع في رفض مصدره وماضيه [[تنظر مادة وذر، في: "اللسان" 8/ 4805، "البحر المحيط" 2/ 220.]]. قال ابن المظفر: العربُ قد أماتت المصدر من يذر والفعل الماضي، واستعملته في الغابر [[هكذا في الأصل، وفي "اللسان" 8/ 4805، ووردت (الحاضر) في "تهذيب اللغة" 4/ 3866.]] والأمر، فإذا أرادوا المصدر قالوا: ذَرْه تَرْكًا [[نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3866.]]. وقال ابن السِّكِّيت: يقال: ذر ذا ودع، ولا يقالُ: وَذَرْتُه ولا ودعته، وأمَّا في الغابر [[هكذا في الأصل، وفي "اللسان" 8/ 4805، وصوابه: الحاضر، كما في "تهذيب اللغة" 4/ 3866، وهو المصدر الذي ينقل عنه الواحدي وابن منظور.]] فيقال: يذره ويدعه، ولا يقال: واذِرٌ ولا وادِعٌ، ولكن يقال: تركته فأنا تاركٌ [[نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" 4/ 3866. وينظر في المادة "المفردات" ص 533، "اللسان" 8/ 4805، "البحر المحيط" 2/ 220.]]. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ ابتداء، ولابد للابتداء من خبر يكون هو أو يكون له فيه ذكر. واختلف النحويون في خبر (الذين) هاهنا: فقال الأخفش: المعنى: يتربصن بعدهم [["معاني القرآن" 1/ 176، ونصه: فخبر (والذين يتوفون) يتربصن بعد موتهم، ولم يذكر بعد موتهم، كما يحذف بعض الكلام، تقول: ينبغي لهن أن يتربصن، فلما حذف ينبغي وقع يتربصن موقعها.]]. وقال المبرد: التقدير والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا أزواجهم يتربصن [[نقله عنه في "البحر المحيط" 2/ 222.]]. وقال الكسائي: المعنى: يتربصْنَ أزواجهم، فكنى الله عن الأزواج، فجاءت النون دالة على تأنيث المضمر [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 314 - 315، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 317، "البحر المحيط" 2/ 222.]]. وقال الفراء [[ساقط من (ي).]]: ترك الخبر عن (الذين) وأخبر عن الأزواج؛ لأن المعنى على ذلك، قال: والعرب تذكر اسمين ثم تترك الأول بلا خبر، وتخبر عن الثاني، وأغنى الإخبار عن الثاني الإخبار عن الأول، كذلك ههنا أخبر عن الأزواج وترك الذين. والمعنى عنده: وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن، وأنشد: لَعلِّي إن مَالَتْ بي الرِّيحُ مَيْلةً ... على ابن أبي ذِبَّانَ أن يَتَنَدَّما [[البيت لثابت بن كعب العتكي المعروف بثابت قطنة من أبيات قالها يرثي بها يزيد بن المُهَلِّب ينظر "تاريخ الطبري" 2/ 511، و"المخصص" 13/ 175. "البحر المحيط" 2/ 222 والبيت دون نسبة في "معاني القرآن" للفراء 1/ 150، "تفسير الطبري" 2/ 511، "معاني القرآن" و"إعرابه" للزجاج 1/ 315 والصاحبي في فقه اللغة ص 217 "تفسير الثعلبي" 2/ 1155، وأبو ذُبّان: كنية عبد الملك بن مروان؛ لأنه كان أبخراً لفسادٍ كان في فمه، وأراد بابنه: هشام بن عبد الملك. ينظر "لسان العرب" 3/ 1484 [ذبب].]] قال: المعنى: لعل ابن أبي ذِبان أن يتندم أن مالت بي الريح ميلة عليه [["معاني القرآن" للفراء 1/ 150 - 151، وذكر أبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 222 ردا عليه.]]، فأخبر عن الابن واكتفى بخبره من خبر الياء في لعلي [["معاني القرآن" للفراء 1/ 150 - 151 "معاني القرآن" للزجاج 1/ 351.]]. قال أبو إسحاق: وهذا القول غير جائز، لا يجوز أن يبتدأ بالاسم ولا يحدث عنه؛ لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، والذي هو الحق في هذه المسألة: أن ذكر الذين قد جرى ابتداء، وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الذين، كأنك قلت: يتربصن أزواجهم. قال: ومثل هذا من الكلام: الذي يموت ولخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى: ترث ابنتاه الثلثين [["معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج 1/ 315 - 316.]]. وهذا الذي ذكره أبو إسحاق هو قول أبي العباس بعينه، إلا أنه مَثَّل مثالًا لا يليق بما قدَّمه من الكلام والتقدير؛ لأنه مثل بالفعل والفاعل، وكان ينبغي أن يمثل بالمبتدأ والخبر، ألا ترى أنه قال: فصار الضمير الذي في يتربصن يعود على الأزواج مضافات إلى الذين، وإذا كان كذلك، وجب أن يكون ما يرجع إليه الضمير الذي في (يتربصن) يرتفع بالابتداء، وإذا ارتفع بالابتداء [[قوله: "وإذا ارتفع بالابتداء". ساقطة من (ي).]]، وجب أن يمثل بالابتداء، ليكون المثال مطابقًا للوصف، فيقول بدل قوله: يتربصن أزواجهم، أزواجهم يتربصن، وكذلك: الذي يموت ويخلف ابنتين يرثان الثلثين [[في (ش): (الثلث).]]. ثم قال: المعنى: يرث [[في (ش): (ترث).]] ابنتاه الثلثين، والمعنى: كذا من حيث [[في "الإغفال": والمعنى -لعمري- يقرض كذا.]] كان معنى الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر هاهنا واحدًا، إلا أن الأشبه بغرضه، والأولى أن يقول: ابنتاه يرثان الثلثين [[من الإغفال ص 518 - 519 بتصرف.]]، وهذا نقد عليه في اللفظ لا في المعنى. قال أبو علي الفارسي في تأويل هذه الآية: وتقدير المحذوف منها خلاف، فالواضح منها: أن الذين يرتفع بالابتداء، وإذا ارتفع بالابتداء فلا يخلو خبره من حكم خبر الابتداء، وهو أن يكون هو هو، أو يكون له فيه ذكر. ولا يجوز [[في "الإغفال" ص 520: ولا يجوز عندنا.]] أن يكون على هذا الظاهر الذي هو عليه، لخلوه من ضربي خبر الابتداء، فالذي يحتمله القول في ذلك: أن يكون المعنى: يتربصن بعدهم، على ما قاله أبو الحسن الأخفش [["معاني القرآن" للأخفش 1/ 372، وينظر"إعراب القرآن" للنحاس 1/ 371 "تفسير الثعلبي" 1/ 1156.]]، والمعنى على هذا [[اختصر الواحدي الكلام، وتمامه في "الإغفال" ص 520: وهذا قول أبي الحسن، أو أن يكون: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾. أخبرنا بهذا القول أبو بكر عن أبي العباس، وهذا هو الذي ذهب إليه أبو إسحاق أيضا، أو يكون ما ذهب إليه الكسائي من أن المعنى: يتربصن أزواجهم، ثم كنى عن الأزواج.]]، لأن المراد: أن أزواج المتوفين يتربصن عن التزوج بعدهم أربعة أشهر وعشرًا، وإذا كان المعنى عليه، جاز حذف هذا الذي يتعلق به هذا الراجع إلى المبتدأ من جملة الخبر [[اختصر الكلام، وتمامه في "الإغفال" ص 521: إذ الخبر إذا عرف جاز حذفه بأسره، فإذا جاز حذف جميعه جاز حذف بعضه.]]، يدل على جواز ذلك وحسنه: إجازة الناس: السمنُ مَنَوَانٍ بدرهم، والمعنى على: منوان منه بدرهم، لا يستقيم الكلام إلا بتقدير ذلك، لأن المنوين ليس بالسمن، إنما هو عبارة عن المقدار. وإذا كان كذلك فلابد [[في (ش) (ولابد).]] من راجع يرجع إليه، وجاز الحذف هاهنا في الجار والمجرور للعلم به والدلالة عليه واقتضاء الكلام [[ساقطة من (م) و (أ).]] [[في "الإغفال" ص 521 ورد الكلام هكذا: فإذا كان ذلك كذلك، فلابد من راجعين يرجع كل واحد منهما إلى كل واحد من المبتدأين، فالذي يرجع إلى الأول هو هذا الضمير المتصل بالجار المحذوف مع الجار، والذي يرجع إلى الثاني ما في الظرف، وجاز الحذف هنا في الجار والمجرور للعلم به، والدلالة عليه، واقتضاء الكلام له.]]. وهذه المعاني كلها قائمة في الآية، وإذا كان كذلك جاز تأويل أبي الحسن هذه المسألة التي لا خلاف في جوازها، وهذا القول أمثل من قول أبي العباس: أن التقدير: أزواجهم يتربصن، فحذف الأزواج، وحَذْفُ المبتدأ في كلامهم كثير، نحو: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ﴾ [الحج: 72] يعني: هو النار، وقوله: ﴿فَصَبُرُ جمَيلٌ﴾ [يوسف: 18]، لأن أبا العباس يقدر حذف مبتدأ مضاف، فيوالي بين الحذفين حذف المبتدأ، وحذف المضاف إليه مع اقتضاء الكلام لكل واحد منهما، أما اقتضاؤه للمبتدأ فلأن له خبرًا أسند إليه [[من قوله: (الكلام لكل واحد ...) ساقط من (ش).]] وهو قوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾، وأما اقتضاؤه للضمير فلأنه يرجع إلى قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ وليس إذا جاز حذف شيء جاز حذف شيئين، وليس حد حذف المبتدأ المضاف كحد حذف المبتدأ المفرد غير المضاف؛ لأن المضاف شيئان: المبتدأ والضمير. ولأبي العباس أن يقول: حذف المبتدأ المضاف يسوغ من حيث ساغ حذف المفرد، لأن المفرد إنما ساغ حذفه للدلالة عليه، والدلالة [[في (ش) و (ي) (فالدلالة).]] إذا قامت على حذف المضاف قيامها على حذف المفرد، وجب أن يكون جوازه كجوازه؛ لمشاركته المفرد فيما له جاز الحذف، وقيام الدلالة على حذف المضاف: أن الأزواج قد تقدم ذكرهن في الصلة، فإذا تقدم ذكرهن ساغ إضمارهن وحسن، ألا ترى أنه لو قيل له: أين زيد؟ ساغ أن يقول [[في (م) (يقول).]]: في السوق، ويضمر الاسم لجَرْي ذكره، وأما حذف المضاف إليه وهو الضمير في (أزواجهم) ولتقدم [[في (م) (ليقدم)، وفي (ي) و (أ) غير منقوط.]] ذكر ما يعود هذا الضمير إليه، وجري ذكره وجري ذكر الاسم مما [[في (أ) و (م) (فما).]] يسهل حذف الضمير العائد إليه، لدلالة المذكور عليه، فلا فصل إذن بين حذف المفرد والمضاف في باب الحسن والجواز، ألا ترى أنه قد جاء المضاف من المبتدأ محذوفًا كما جاء المفرد، وذلك كقوله: ﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ [آل عمران:196 - 197] والمعنى: تقلبهم متاع قليل، فقد رأيت المضاف حذف كما حذف المفرد [[من كلام أبي علي في الإغفال ص 526، بتصرف واختصار.]]، فهذان القولان أجود هذه الأقوال. وأما قول الكسائي فليس بالمتجه؛ لأن المبتدأ على قوله ليس يعود إليه ذكر، لا مثبت ولا محذوف، وليس تقديره كواحد من هذين التقديرين في المساغ، ألا ترى أن المثبت في الكلام لا يرجع منه إلى المبتدأ شيء، وقد استقل الفعل بفاعله في ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ وليس بهذه الجملة افتقار إلى ذلك الضمير الذي تقدره، لأن (يتربصن) مستقلة بالأزواج الظاهرة فلم يضمر عائدًا على المبتدأ، كما أضمر أبو الحسن وأبو العباس [[من كلام أبي علي في الإغفال ص 526 - 227، بتصرف كثير واختصار.]]. وأما قول الفراء: إنه [[في (ي) (فإنه).]] اعتمد على الثاني ورفض الأول، فبعيد من الصواب جدًا، ومن فساده أنه ينكسر عليه قوله، وذلك أنه يقول؛ إن الأول مرتفع بالثاني، فإذا اعتمد على الثاني ورفض الأول لم يكن له برافع، وإذا لم يكن له برافع [[قوله: وإذا لم يكن له برافع ساقطة من (ي).]] وجب أن لا يرتفع، فارتفاعه وظهور الرفع فيه يدفع ذلك ويمنع منه. والمبتدأ [[في (ي): (فالمبتدأ).]] إنما يذكر ويلقى إلى المخاطب ليسند إليه حديث [[في (ش): (حديثًا).]] يُفَاده [[في الإغفال: (بإفادة).]] المخاطب، وإذا كان كذلك، علمت أن رفضه خلاف الغرض الذي يقصد به، وهذا في المعنى فاسد مرذول، وليس في كلامهم (له) نظير [[من كلام أبي علي في "الإغفال" ص 528.]]، وما احتج به من البيت يجوز على حذف: أن يتندم لأجلي، لا على أنه ترك الأول [[ينظر: في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 317 - 318، "تفسير الثعلبي" 2/ 1154، "التبيان" ص 140، "البحر المحيط" 2/ 222. وذكر قول سيبويه، وحاصله: أن (الذين) مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: وفيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم، ومثله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: 38].]]. وقوله تعالى: ﴿وَعَشْراً﴾ بلفظ التأنيث، وأراد الأيام، وإنما كان كذلك تغليب الليالي على الأيام إذا [[في (ي): (فإذا).]] اجتمعن في التاريخ وغيره، وذلك أن ابتداء الشهر يكون بالليل، فلما كانت الليالي الأوائل غلبت، لأن الأوائل أقوى من الثواني [[ينظر: "الكتاب" لسيبويه، "تفسير الثعلبي" 2/ 1159، "شرح الكافية الشافية" 3/ 1690 - 1692، "الأصول" لابن السراج 2/ 428 - 429، "همع الهوامع" 2/ 148.]]. قال ابنُ السِّكِّيت: يقولون [[في (ي): (يقول).]]: صمنا خمسًا من الشهر، فيغلبون الليالي على الأيام، إذا لم يذكروا الأيام وإنما يقع الصيام على الأيام؛ لأن ليلة كل يوم قبله، فإذا أظهروا الأيام قالوا: صُمنا خمسة أيام [["لسان العرب" 2/ 1262 (مادة: خمس).]]. قال الزجاج: وإجماع أهل اللغة: سرنا خمسًا بين يوم وليلة [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 316.]]، وأنشدوا للجعدي: فَطَافَتْ ثَلاثًا بَيْن يَوْمٍ ولَيْلَةٍ ... وكان النَّكِيُر أن تُضيفَ وتَجْأَرا [[البيت في ديوانه ص 41، و"الكتاب: لسيبويه" 3/ 563، "تفسير الثعلبي" 2/ 1160و"الكتاب: لسيبويه" 3/ 563، "لسان العرب" 2/ 1262 (مادة: خمس) والشاعر يصف بقرة فقدت ولدها.]] وفيه وجه آخر لأصحاب المعاني: وهو أنه أنث العشر لأنه أراد الليالي، والعرب تذكر الليالي والمراد بها الأيام، كقولهم: خرجنا ليالي الفتنة، وخفنا ليالي إمارة الحجاج، وقال أبو عمرو بن العلاء: هربنا ليالي إمارة الحجاج. وإنما يُراد الأيام بلياليها، وهذا قريب من الأول [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 223 - 225.]]. وكان المبرد يقول: إنما أنث العشر لأن المراد به المدة، معناه: وعشر مدد، وتلك المدد كل مدة منها يوم وليلة، والليلة مع اليوم مدة معلومة من الدهر [[نقله في "تفسير الثعلبي" 2/ 1160، "المحرر الوجيز" 2/ 300، "البحر المحيط" 2/ 223.]]. وذهب بعض الفقهاء إلى ظاهر الآية فقال: إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشُر ليال حلت للأزواج، فتأول العشر لليالي، وإليه ذهب الأوزاعي وأبو بكر الأصم [[نقله ابن عطية في: "المحرر الوجيز" 2/ 300 - 301، والقرطبي 3/ 186، وأبو حيان في "البحر المحيط" 2/ 223.]]. ومعنى الآية: بيان عدة المتوفى عنها زوجها، وأنها تعتد من حين وفاة الزوج أربعة أشهر وعشرًا [[من: (ليال حلت). ساقط من (ش).]]، إلا أن تكون حاملًا، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، أو تكون أمة فإنها تعتد نصف عدة الحرة [[قال ابن العربي في "أحكام القرآن" 1/ 210: فإن كانت أمة فتعتد نصف عدة الحرة إجماعاً، إلا ما يحكى عن الأصم، وهذا الإجماع فيه نظر، فهذا ابن أبي شيبة في "مصنفه" 5/ 162 - 164 ينقل أن عدتها أربعة أشهر وعشرٌ عن علي وعمرو بن العاص وأبي عياض، وسعيد بن المسيب، والحسن وسعيد بن جبير والزهري وعمر بن عبد العزيز. وقد تعقب القرطبي في "تفسيره" 3/ 183 قول ابن العربي فقال: قول الأصم صحيح من حيث النظر، فإن الآيات الواردة في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة، فعدة الحرة والأمة سواء على هذا النظر، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة، وكما استوت الأمة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة والله أعلم.]]، وسنذكر في سورة الحج [[في (ي) (سورة الحجر).]] عند قوله: ﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: 5] الآية: لم اختصت عدة المتوفى عنها زوجها [[في (ي) (الزوج).]] بهذا العدد، إن شاء الله. وهذه الآية ناسخة [[سيأتي الحديث عن النسخ عند الآية الأخرى 240 من سورة البقرة.]] لقوله: ﴿مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: 240] وإن كانت هذه مكتوبة قبلها في المصحف، إذ ليس ترتيب المصحف على ترتيب النزول، بل ترتيب التلاوة والمصاحف ترتيب جبريل بأمر الله سبحانه وتعالى [[ينظر: "الإتقان" للسيوطي 1/ 175.]]. وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ يخاطب الأولياء [["تفسير الثعلبي" 2/ 1160، "تفسير البغوي" 1/ 281.]]، لأن الرجال قوامون على النساء، مأمورون بزجرهن عن مجاوزة حدود الله، فبين أنهن إذا انقضت عدتهن لا جناح على الأولياء في تخلية سبيلهن، ليفعلن في أنفسهن بالمعروف ما يردن من تزوج الأكفاء بإذن الأولياء، وهذا تفسير المعروف [[ينظر: "تفسير ابن كثير".]]، لأن التي تزوج نفسها سماها النبي ﷺ زانيةً [[روى ابن ماجه برقم (1882) كتاب: النكاح باب: لا نكاح إلا بولي والدارقطني 3/ 227 والبيهقي 7/ 110 عن أبي هريرة مرفوعًا: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنه الزانية هي التي تزوج نفسها وقد صحح الألباني الحديث دون الجملة الأخيرة منه؛ فإنها موقوفة على أبي هريرة كما في البيهقي. ينظر "إرواء الغليل" 6/ 248. وروى الترمذي (1103) كتاب: النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة عن ابن عباس مرفوعا: البغايا اللاتي يُنكحن أنفسهن بغير بينة. ثم أورده موقوفًا وقال: هذا أصح. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 7/ 125 وقال: والصواب موقوف والله أعلم.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب