الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾:
نَسَخَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿مَتاعًا إلى الحَوْلِ غَيْرَ إخْراجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠]، وفي ذَلِكَ الوَقْتِ كانَتِ الوَصِيَّةُ لِلْأزْواجِ واجِبَةً، وهي النَّفَقَةُ إلى الحَوْلِ، ثُمَّ أُبْدِلَتِ الوَصِيَّةُ بِالمِيراثِ، إمّا رُبُعًا في حالَةٍ، أوْ ثُمُنًا في حالَةٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿مَتاعًا إلى الحَوْلِ﴾ [البقرة: ٢٤٠] نَسَخَتْها العِدَّةُ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ.
ولا خِلافَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ خاصَّةٌ في غَيْرِ الحامِلِ. (p-١٩٤)واخْتَلَفُوا في الحامِلِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها عَلى ثَلاثِ مَذاهِبَ:
فَقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: عِدَّتُها آخِرُ الأجَلَيْنِ.
وقالَ عُمَرُ وابْنُهُ، وزَيْدُ بْنُ ثابِتٍ، وأبُو هُرَيْرَةَ في آخَرِينَ: عِدَّتُها أنْ تَضَعَ حَمْلَها.
وقالَ الحَسَنُ: عِدَّتُها أنْ تَضَعَ حَمْلَها، وتَطْهُرَ مِن نِفاسِها، ولا تَتَزَوَّجُ وهي تَرى الدَّمَ.
فَأمّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَإنَّهُ ذَهَبَ إلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ يُوجِبُ الشُّهُورَ.
وقَوْلَهُ: ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] يُوجِبُ انْقِضاءَ العِدَّةِ بِوَضْعِ الحَمْلِ.
فَجَمَعَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ في إثْباتِ حُكْمِهِما في المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، وجَعَلَ انْقِضاءَ عِدَّتِها آخِرَ الأجَلَيْنِ، مِن وضْعِ الحَمْلِ أوْ مُضِيِّ الشُّهُورِ.
وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَن شاءَ باهَلْتُهُ، أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤] نَزَلَتْ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ . (p-١٩٥)فاتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلى أنَّ قَوْلَهُ: ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ﴾ [الطلاق: ٤] عامٌّ في المُطَلَّقَةِ والمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها، وإنْ كانَ مَذْكُورًا بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلاقِ، لِاعْتِبارِ الجَمِيعِ الحَمْلَ في انْقِضاءِ العِدَّةِ.
قالُوا جَمِيعًا: إنَّ مُضِيَّ الشُّهُورِ لا تَنْقَضِي بِهِ عَدَّتُها إذا كانَتْ حامِلًا، حَتّى تَضَعَ حَمْلُها، فَلا تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ مَعَهُ، ولَمْ يَخْتَلِفُوا في أنَّ عِدَّةَ الطَّلاقِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الحَمْلِ، مِن غَيْرِ ضَمِّ الأقْراءِ إلَيْها، وقَدْ كانَ جائِزًا أنْ يَكُونَ الحَمْلُ والأقْراءُ مَجْمُوعَيْنِ عِدَّةً لَها، بِأنْ لا تَنْقَضِيَ عِدَّتُها بِوَضْعِ الحَمْلِ، حَتّى تَحِيضَ ثَلاثَ حِيَضٍ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أنْ تَكُونَ عِدَّةُ الحامِلِ المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها في الحَمْلِ، غَيْرَ مَضْمُومٍ إلَيْهِ الشُّهُورُ.
وقالَ الأصَمُّ: إنَّ الآياتِ في عِدَّةِ الوَفاةِ والطَّلاقِ بِالأشْهُرِ والأقْراءِ عامَّةٌ في حَقِّ المَرْأةِ والأمَةِ، فَعِدَّةُ الحُرَّةِ والأمَةِ سَواءٌ.
وهَذا مَذْهَبٌ لَهُ وجْهٌ مِن حَيْثُ التَّوْقِيفُ، فَإنَّ العُمُوماتِ لا فَصْلَ فِيها بَيْنَ الحُرَّةِ والأمَةِ، وقَدِ اسْتَوَتِ الحُرَّةُ والأمَةُ في النِّكاحِ، إلّا أنَّ الَّذِي نَصِفُ تَلَقّاهُ مِن وُجُوبِ العِدَّةِ بِاعْتِبارِ الحُرْمَةِ، وحُرْمَةُ الأمَةِ دُونَ حُرْمَةِ الحُرَّةِ، وهَذا فِيهِ ضَعْفٌ لِاسْتِواءِ المُسْلِمَةِ والكافِرَةِ الحُرَّةِ في العِدَّةِ، ولِأنَّ العِدَّةَ وجَبَتْ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وحَقُّ الزَّوْجِ بِالإضافَةِ إلى الحُرَّةِ والأمَةِ واحِدٌ، وهَذا بَيِّنٌ، فَإنْ صَحَّ الخَبَرُ في قَوْلِهِ ﷺ:
«طَلاقُ الأمَةِ طَلْقَتانِ وعِدَّتُها حَيْضَتانِ» فَهو مُتَعَلِّقٌ، وإلّا فالمُتَعَلِّقُ ضَعِيفٌ.
واخْتَلَفَ السَّلَفُ في المُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها إذا لَمْ تَعْلَمْ بِمَوْتِهِ وبَلَغَها الخَبَرُ.
فَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وعَطاءٌ وجابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إنَّ عِدَّتَها مِن يَوْمِ (p-١٩٦)يَمُوتُ، وكَذَلِكَ الطَّلاقُ مِن يَوْمِ طَلَّقَ، وهو قَوْلُ فُقَهاءِ الأمْصارِ.
وقالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والحَسَنُ البَصْرِيُّ:
يَوْمَ يَأْتِيها الخَبَرُ في المَوْتِ، وفي الطَّلاقِ مِن يَوْمِ طَلَّقَ.
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالمَوْتِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿والمُطَلَّقاتُ﴾ [البقرة: ٢٢٨] يَدُلُّ عَلى أنَّ العِدَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالطَّلاقِ.
والَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَنِ اعْتَبَرَ بُلُوغَ الخَبَرِ، أنَّ عِدَّةَ الوَفاةِ قَضاءٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ، وإنَّما يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذا عَلِمَتْ واعْتَزَلَتْ وتَرَكَتِ الزِّينَةَ عَنِ اخْتِيارٍ، فَإذا لَمْ تَعْلَمْ فَلا يَتَحَقَّقُ هَذا المَعْنى، وهَذا بَيِّنٌ، إلّا أنَّها لَوْ عَلِمَتْ مَوْتَ الزَّوْجِ، فَلَمْ تَجْتَنِبِ الزِّينَةَ، انْقَضَتْ عِدَّتُها، فَعُلِمَ أنَّ المُعْتَبَرَ في ذَلِكَ تَقَضِّي الوَقْتِ.
فَأمّا السُّكْنى فَلِلْمُطَلَّقَةِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ [الطلاق: ٦] .
والمُتَوَفّى عَنْها زَوْجُها لَمْ يَذْكُرْ في القُرْآنِ سُكْناها.
وقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشّافِعِيِّ، فِيما إذا ماتَ عَنْها زَوْجُها وهي في مَنزِلٍ: فالَّذِي عَلَيْهِ الأكْثَرُونَ أنَّها لا تَخْرُجُ.
ونُقِلَ عَنِ الشّافِعِيِّ أنَّهُ قالَ: تَخْرُجُ وتَسْكُنُ أيَّ مَنزِلٍ شاءَتْ، إنَّما الإحْدادُ في الزِّينَةِ.
وقَدْ ورَدَ في الخَبَرِ «عَنْ أُخْتِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أنَّها اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ (p-١٩٧)اللَّهِ ﷺ في عِدَّةِ وفاةِ زَوْجِها أنْ تَرْجِعَ إلى أهْلِها مِن بَنِي عُذْرَةَ، فَقالَ لَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
”امْكُثِي حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ“» .
ولَيْسَ في لَفْظِ العِدَّةِ في كِتابِ اللَّهِ ما يَدُلُّ عَلى الإحْدادِ، إلّا أنَّ الإحْدادَ وجَبَ بِالسُّنَّةِ
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰجࣰا یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَعَشۡرࣰاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











