الباحث القرآني
* (فائدة)
ربما يظن بعض الناس أن عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال فإذا طلع فجر الليلة العاشرة انقضت العدة.
ووقع في التنبيه: "وإن كانت أمة اعتدت بشهرين وخمس ليال" ويقوي هذا الوهم حذف التاء من العشر وإنما يحذف مع المؤمن نحو سبع ليال وثمانية أيام.
وجواب هذا أن المعدود إذا ذكر مع عدده فالأمر كما ذكر تحذف التاء مع المؤنث وتثبت مع المذكر وإذا ذكر العدد دون معدوده المذكر جاز فيه الوجهان حذف التاء وذكرها حكاه الفراء وابن السكيت وغيرهما وعلي هذا جاء قوله: "من صام رمضان واتبعه بست من شوال" ولم يقل: "بستة" وقوله تعالى: ﴿يَتَخافَتُونَ بَيْنَهم إنْ لَبِثْتُمْ إلاّ عَشْرًا﴾ فهذه أيام بدليل ما بعدها وعلى هذا فلا تنقضي العدة حتى تغيب شمس اليوم العاشر وما وقع في التنبيه فغلط والله تعالى أعلم. ووقع له هذا في باب العدد وباب الاستبراء.
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في وُجُوبِ إحْدادِ المَرْأةِ عَلى زَوْجِها أكْثَرَ مِمّا تَحُدُّ عَلى أبِيها]
وَأمّا قَوْلُهُ: " ومَنعُ المَرْأةِ مِن الإحْدادِ عَلى أُمِّها وأبِيها فَوْقَ ثَلاثٍ، وأوْجَبَهُ عَلى زَوْجِها أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا وهو أجْنَبِيٌّ " فَيُقالُ: هَذا مِن تَمامِ مَحاسِنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وحِكْمَتِها ورِعايَتِها لِمَصالِحِ العِبادِ عَلى أكْمَلِ الوُجُوهِ؛ فَإنَّ الإحْدادَ عَلى المَيِّتِ مِن تَعْظِيمِ مُصِيبَةِ المَوْتِ الَّتِي كانَ أهْلُ الجاهِلِيَّةِ يُبالِغُونَ فِيها أعْظَمَ مُبالَغَةٍ، ويُضِيفُونَ إلى ذَلِكَ شَقَّ الجُيُوبِ، ولَطْمَ الخُدُودِ، وحَلْقَ الشُّعُورِ، والدُّعاءَ بِالوَيْلِ والثُّبُورِ، وتَمْكُثُ المَرْأةُ سَنَةً في أضْيَقِ بَيْتٍ وأوْحَشْهُ لا تَمَسُّ طِيبًا ولا تَدْهُنُ ولا تَغْتَسِلُ إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا هو تَسَخُّطٌ عَلى الرَّبِّ تَعالى وأقْدارِهِ، فَأبْطَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِرَحْمَتِهِ ورَأْفَتِهِ سُنَّةَ الجاهِلِيَّةِ، وأبْدَلَنا بِها الصَّبْرَ والحَمْدَ والِاسْتِرْجاعَ الَّذِي هو أنْفَعُ لِلْمُصابِ في عاجِلَتِهِ وآجِلَتِهِ؛ ولَمّا كانَتْ مُصِيبَةُ المَوْتِ لا بُدَّ أنْ تُحْدِثُ لِلْمُصابِ مِن الجَزَعِ والألَمِ والحُزْنِ ما تَتَقاضاهُ الطِّباعُ سَمَحَ لَها الحَكِيمُ الخَبِيرُ في اليَسِيرِ مِن ذَلِكَ، وهو ثَلاثَةُ أيّامٍ تَجِدُ بِها نَوْعَ راحَةٍ وتَقْضِي بِها وطَرًا مِن الحُزْنِ، كَما رَخَّصَ لِلْمُهاجِرِ أنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا، وما زادَ عَلى الثَّلاثِ فَمَفْسَدَتُهُ راجِحَةٌ، فَمَنَعَ مِنهُ، بِخِلافِ مَفْسَدَةِ الثَّلاثِ فَإنَّها مَرْجُوحَةٌ مَغْمُورَةٌ بِمَصْلَحَتِها، فَإنَّ فِطامَ النُّفُوسِ عَنْ مَأْلُوفاتِها بِالكُلِّيَّةِ مِن أشَقِّ الأُمُورِ عَلَيْها، فَأُعْطِيَتْ بَعْضَ الشَّيْءِ لِيَسْهُلَ عَلَيْها تَرْكُ الباقِي، فَإنَّ النَّفْسَ إذا أخَذَتْ بَعْضَ مُرادِها قَنَعَتْ بِهِ، فَإذا سُئِلَتْ تَرْكَ الباقِي كانَتْ إجابَتُها إلَيْهِ أقْرَبَ مِن إجابَتِها لَوْ حُرِّمَتْ بِالكُلِّيَّةِ.
وَمَن تَأمَّلَ أسْرارَ الشَّرِيعَةِ وتَدَبَّرَ حُكْمَها رَأى ذَلِكَ ظاهِرًا عَلى صَفَحاتِ أوامِرِها ونَواهِيها، بادِيًا لِمَن نَظَرُهُ نافِذٌ؛ فَإذا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا عَوَّضَهم عَنْهُ بِما هو خَيْرٌ لَهم مِنهُ وأنْفَعُ، وأباحَ لَهم مِنهُ ما تَدْعُو حاجَتُهم إلَيْهِ لِيُسَهِّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ، كَما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ بَيْعَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وأباحَ لَهم مِنهُ العَرايا، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ النَّظَرَ إلى الأجْنَبِيَّةِ، وأباحَ لَهم مِنهُ نَظَرَ الخاطِبِ والمُعامِلِ والطَّبِيبِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أكْلَ المالِ بِالمُغالَباتِ الباطِلَةِ كالنَّرْدِ والشِّطْرَنْجِ وغَيْرِهِما، وأباحَ لَهم أكْلَهُ بِالمُغالَباتِ النّافِعَةِ كالمُسابَقَةِ والنِّضالِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ لِباسَ الحَرِيرِ، وأباحَ لَهم مِنهُ اليَسِيرَ الَّذِي تَدْعُو الحاجَةُ إلَيْهِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كَسْبَ المالِ بِرِبا النَّسِيئَةِ، وأباحَ لَهم كَسْبَهُ بِالسَّلَمِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ في الصِّيامِ وطْءَ نِسائِهِمْ وعَوَّضَهم عَنْ ذَلِكَ بِأنْ أباحَهُ لَهم لَيْلًا؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ بِالنَّهارِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الزِّنا وعَوَّضَهم بِأخْذِ ثانِيَةٍ وثالِثَةٍ ورابِعَةٍ ومِن الإماءِ ما شاءُوا؛ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غايَةَ التَّسْهِيلِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْسامَ بِالأزْلامِ وعَوَّضَهم عَنْهُ بِالِاسْتِخارَةِ ودُعائِها ويا بُعْدَ ما بَيْنَهُما، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ نِكاحَ أقارِبِهِمْ وأباحَ لَهم مِنهُ بَناتَ العَمِّ والعَمَّةِ والخالِ والخالَةِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ وطْءَ الحائِضِ وسَمَحَ لَهم في مُباشَرَتِها وأنْ يَصْنَعُوا بِها كُلَّ شَيْءٍ إلّا الوَطْءَ فَسَهَّلَ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُ غايَةَ السُّهُولَةِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الكَذِبَ وأباحَ لَهم المَعارِيضَ الَّتِي لا يُحْتاجُ مِن عُرْفِها إلى الكَذِبِ مَعَها ألْبَتَّةَ، وأشارَ إلى هَذا ﷺ بِقَوْلِهِ: «إنّ في المَعارِيضِ مَندُوحَةً عَنْ الكَذِبِ» وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الخُيَلاءَ بِالقَوْلِ والفِعْلِ وأباحَها لَهم في الحَرْبِ لِما فِيها مِن المَصْلَحَةِ الرّاجِحَةِ المُوافِقَةِ لِمَقْصُودِ الجِهادِ، وحَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ ذِي نابٍ مِن السِّباعِ ومِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ وعَوَّضَهم عَنْ ذَلِكَ بِسائِرِ أنْواعِ الوُحُوشِ والطَّيْرِ عَلى اخْتِلافِ أجْناسِها وأنْواعِها، وبِالجُمْلَةِ فَما حَرَّمَ عَلَيْهِمْ خَبِيثًا ولا ضارًّا إلّا أباحَ لَهم طَيِّبًا بِإزائِهِ أنْفَعَ لَهم مِنهُ، ولا أمَرَهم بِأمْرٍ إلّا وأعانَهم عَلَيْهِ فَوَسِعَتْهم رَحْمَتُهُ ووَسِعَهم تَكْلِيفُهُ.
والمَقْصُودُ أنَّهُ أباحَ لِلنِّساءِ - لِضَعْفِ عُقُولِهِنَّ وقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ - الإحْدادَ عَلى مَوْتاهُنَّ ثَلاثَةَ أيّامٍ، وأمّا الإحْدادُ عَلى الزَّوْجِ فَإنَّهُ تابِعٌ لِلْعِدَّةِ وهو مِن مُقْتَضَياتِها ومُكَمِّلاتِها، فَإنَّ المَرْأةَ إنّما تَحْتاجُ إلى التَّزَيُّنِ والتَّجَمُّلِ والتَّعَطُّرِ، لِتَتَحَبَّبَ إلى زَوْجِها، وتَرِدُ لَها نَفْسُهُ، ويَحْسُنُ ما بَيْنَهُما مِن العِشْرَةِ، فَإذا ماتَ الزَّوْجُ واعْتَدَّتْ مِنهُ وهي لَمْ تَصِلْ إلى زَوْجٍ آخَرَ، فاقْتَضى تَمامَ حَقِّ الأوَّلِ وتَأْكِيدَ المَنعِ مِن الثّانِي قَبْلَ بُلُوغِ الكِتابِ أجَلَهُ أنْ تُمْنَعَ مِمّا تَصْنَعُهُ النِّساءُ لِأزْواجِهِنَّ، مَعَ ما في ذَلِكَ مِن سَدِّ الذَّرِيعَةِ إلى طَمَعِها في الرِّجالِ وطَمَعِهِمْ فِيها بِالزِّينَةِ والخِضابِ والتَّطَيُّبِ، فَإذا بَلَغَ الكِتابُ أجَلَهُ صارَتْ مُحْتاجَةً إلى ما يَرْغَبُ في نِكاحِها، فَأُبِيحَ لَها مِن ذَلِكَ ما يُباحُ لِذاتِ الزَّوْجِ، فَلا شَيْءَ أبْلَغَ في الحُسْنِ مِن هَذا المَنعِ والإباحَةِ، ولَوْ اقْتَرَحَتْ عُقُولُ العالَمِينَ لَمْ تَقْتَرِحْ شَيْئًا أحْسَنَ مِنهُ.
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في التَّفْرِيقِ بَيْنَ عِدَّةِ المَوْتِ والطَّلاقِ]
وَأمّا تَفْرِيقُهُ في العِدَّةِ بَيْنَ المَوْتِ والطَّلاقِ، وعِدَّةِ الحُرَّةِ وعِدَّةِ الأمَةِ، وبَيْنَ الِاسْتِبْراءِ والعِدَّةِ، مَعَ أنَّ المَقْصُودَ العِلْمُ بِبَراءَةِ الرَّحِمِ في ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذا إنّما يَتَبَيَّنُ وجْهُهُ إذا عُرِفَتْ الحِكْمَةُ الَّتِي لِأجْلِها شُرِعَتْ العِدَّةُ وعُرِفَ أجْناسُ العِدَدِ وأنْواعُها.
فَأمّا المَقامُ الأوَّلُ فَفي شَرْعِ العِدَّةِ عِدَّةُ حِكَمٍ: مِنها العِلْمُ بِبَراءَةِ الرَّحِمِ، وأنْ لا يَجْتَمِعَ ماءُ الواطِئَيْنِ فَأكْثَرُ في رَحِمٍ واحِدٍ، فَتَخْتَلِطُ الأنْسابُ وتَفْسُدُ وفي ذَلِكَ مِن الفَسادِ ما تَمْنَعُهُ الشَّرِيعَةُ والحِكْمَةُ.
وَمِنها تَعْظِيمُ خَطَرِ هَذا العَقْدِ، ورَفْعُ قَدْرِهِ، وإظْهارُ شَرَفِهِ.
وَمِنها تَطْوِيلُ زَمانِ الرَّجْعَةِ لِلْمُطْلَقِ؛ إذْ لَعَلَّهُ أنْ يَنْدَمَ ويَفِيءَ فَيُصادِفُ زَمَنًا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِن الرَّجْعَةِ.
وَمِنها قَضاءُ حَقِّ الزَّوْجِ، وإظْهارُ تَأْثِيرِ فَقْدِهِ في المَنعِ مِن التَّزَيُّنِ والتَّجَمُّلِ، ولِذَلِكَ شَرَعَ الإحْدادَ عَلَيْهِ أكْثَرَ مِن الإحْدادِ عَلى الوالِدِ والوَلَدِ.
وَمِنها الِاحْتِياطُ لِحَقِّ الزَّوْجِ، ومَصْلَحَةِ الزَّوْجَةِ، وحَقِّ الوَلَدِ، والقِيامِ بِحَقِّ اللَّهِ الَّذِي أوْجَبَهُ؛ فَفي العِدَّةِ أرْبَعَةُ حُقُوقٍ، وقَدْ أقامَ الشّارِعُ المَوْتَ مَقامَ الدُّخُولِ في اسْتِيفاءِ المَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ فَإنَّ النِّكاحَ مُدَّتُهُ العُمْرُ، ولِهَذا أُقِيمُ مَقامَ الدُّخُولِ في تَكْمِيلِ الصَّداقِ، وفي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ عِنْدَ جَماعَةٍ مِن الصَّحابَةِ ومِن بَعْدِهِمْ كَما هو مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ وأحْمَدَ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ؛ فَلَيْسَ المَقْصُودُ مِن العِدَّةِ مُجَرَّدُ بَراءَةِ الرَّحِمِ، بَلْ ذَلِكَ مِن بَعْضِ مَقاصِدِها وحِكَمِها.
المَقامُ الثّانِي في أجْناسِها، وهي أرْبَعَةٌ في كِتابِ اللَّهِ، وخامِسٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: الجِنْسُ الأوَّلُ: أُمُّ بابِ العِدَّةِ، ﴿وَأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٤]
الثّانِي: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤]
الثّالِثُ: ﴿والمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]
الرّابِعُ: ﴿واللائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِسائِكم إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ﴾ [الطلاق: ٤]
الخامِسُ: قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ:
«لا تُوطَأُ حامِلٌ حَتّى تَضَعَ، ولا حائِلٌ حَتّى تَسْتَبْرِئَ بِحَيْضَةٍ»
وَمُقَدَّمُ هَذِهِ الأجْناسِ كُلِّها الحاكِمُ عَلَيْها كُلِّها وضْعُ الحَمْلِ، فَإذا وُجِدَ فالحُكْمُ لَهُ، ولا التِفاتَ إلى غَيْرِهِ، وقَدْ كانَ بَيْنَ السَّلَفِ نِزاعٌ في المُتَوَفّى عَنْها أنَّها تَتَرَبَّصُ أبْعَدَ الأجَلَيْنِ، ثَمَّ حَصَلَ الِاتِّفاقُ عَلى انْقِضائِها بِوَضْعِ الحَمْلِ؛ وأمّا عِدَّةُ الوَفاةِ فَتَجِبُ بِالمَوْتِ، سَواءٌ دَخَلَ بِها أوْ لَمْ يَدْخُلْ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ القُرْآنِ والسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ واتِّفاقُ النّاسِ؛ فَإنَّ المَوْتَ لَمّا كانَ انْتِهاءَ العَقْدِ وانْقِضاءَهُ اسْتَقَرَّتْ بِهِ الأحْكامُ: مِن التَّوارُثِ، واسْتِحْقاقِ المَهْرِ، ولَيْسَ المَقْصُودُ بِالعِدَّةِ ها هُنا مُجَرَّدَ اسْتِبْراءِ الرَّحِمِ كَما ظَنَّهُ بَعْضُ الفُقَهاءِ؛ لِوُجُوبِها قَبْلَ الدُّخُولِ، ولِحُصُولِ الِاسْتِبْراءِ بِحَيْضَةٍ واحِدَةٍ، ولِاسْتِواءِ الصَّغِيرَةِ والآيِسَةِ وذَواتِ القُرُوءِ في مُدَّتِها، فَلَمّا كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ قالَتْ طائِفَةٌ: هي تَعَبُّدٌ مَحْضٌ لا يُعْقَلُ مَعْناهُ، وهَذا باطِلٌ لِوُجُوهٍ:
مِنها: أنَّهُ لَيْسَ في الشَّرِيعَةِ حُكْمٌ واحِدٌ إلّا ولَهُ مَعْنًى وحِكْمَةٌ يَعْقِلُهُ مَن عَقَلَهُ ويَخْفى عَلى مَن خَفِيَ عَلَيْهِ.
وَمِنها: أنَّ العِدَدَ لَيْسَتْ مِن بابِ العِباداتِ المَحْضَةِ؛ فَإنَّها تَجِبُ في حَقِّ الصَّغِيرَةِ والكَبِيرَةِ والعاقِلَةِ والمَجْنُونَةِ والمُسْلِمَةِ والذِّمِّيَّةِ، ولا تَفْتَقِرُ إلى نِيَّةٍ.
وَمِنها: أنَّ رِعايَةَ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ والوَلَدِ والزَّوْجِ الثّانِي ظاهِرٌ فِيها؛ فالصَّوابُ أنْ يُقالَ: هي حَرِيمٌ لِانْقِضاءِ النِّكاحِ لَمّا كَمُلَ، ولِهَذا تَجِدُ فِيها رِعايَةً لِحَقِّ الزَّوْجِ وحُرْمَةً لَهُ، ألا تَرى أنَّ النَّبِيَّ ﷺ كانَ مِن احْتِرامِهِ ورِعايَةِ حُقُوقِهِ تَحْرِيمُ نِسائِهِ بَعْدَهُ، ولَمّا كانَتْ نِساؤُهُ في الدُّنْيا هُنَّ نِساؤُهُ في الآخِرَةِ قَطْعًا، لَمْ يَحِلَّ لِأحَدٍ أنْ يَتَزَوَّجَ بِهِنَّ بَعْدَهُ، بِخِلافِ غَيْرِهِ؛ فَإنَّ هَذا لَيْسَ مَعْلُومًا في حَقِّهِ، فَلَوْ حُرِّمَتْ المَرْأةُ عَلى غَيْرِهِ لَتَضَرَّرَتْ ضَرَرًا مُحَقَّقًا بِغَيْرِ نَفْعٍ مَعْلُومٍ، ولَكِنْ لَوْ تَأيَّمَتْ عَلى أوْلادِها كانَتْ مَحْمُودَةً عَلى ذَلِكَ.
وَقَدْ كانُوا في الجاهِلِيَّةِ يُبالِغُونَ في احْتِرامِ حَقِّ الزَّوْجِ وتَعْظِيمِ حَرِيمِ هَذا العَقْدِ غايَةَ المُبالَغَةِ مِن تَرَبُّصِ سَنَةٍ في شَرِّ ثِيابِها وحَفْشِ بَيْتِها، فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهم ذَلِكَ بِشَرِيعَتِهِ الَّتِي جَعَلَها رَحْمَةً وحِكْمَةً ومَصْلَحَةً ونِعْمَةً، بَلْ هي مِن أجْلِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ عَلى الإطْلاقِ، فَلَهُ الحَمْدُ كَما هو أهْلُهُ.
وَكانَتْ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا عَلى وفْقِ الحِكْمَةِ والمَصْلَحَةِ؛ إذْ لا بُدَّ مِن مُدَّةٍ مَضْرُوبَةٍ لَها، وأوْلى المُدَدِ بِذَلِكَ المُدَّةُ الَّتِي يُعْلَمُ فِيها بِوُجُودِ الوَلَدِ وعَدَمِهِ؛ فَإنَّهُ يَكُونُ أرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ أرْبَعِينَ عَلَقَةً، ثُمَّ أرْبَعِينَ مُضْغَةً فَهَذِهِ أرْبَعَةُ أشْهُرٍ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ في الطَّوْرِ الرّابِعِ، فَقُدِّرَ بِعَشَرَةِ أيّامٍ لِتَظْهَرَ حَياتُهُ بِالحَرَكَةِ إنْ كانَ ثَمَّ حَمْلٌ.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰجࣰا یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَعَشۡرࣰاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق