الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ﴾ مُبْتَدَأٌ ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ أيْ: تُقْبَضُ أرْواحُهُمْ، فَإنَّ التَّوَفِّيَ هو القَبْضُ، يُقالُ: تَوَفَّيْتُ مالِي مِن فُلانٍ واسْتَوْفَيْتُهُ مِنهُ؛ أيْ: قَبَضْتُهُ وأخَذْتُهُ، وقَرَأ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - فِيما رَواهُ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْهُ والمُفَضَّلُ عَنْ عاصِمٍ: (يَتَوَفَّوْنَ) (p-149)بِفَتْحِ (الياءِ) أيْ: يَسْتَوْفُونَ آجالَهُمْ، فَعَلى هَذا يُقالُ لِلْمَيِّتِ مُتَوَفًّى بِمَعْنى مُسْتَوْفٍ لِحَياتِهِ، واسْتُشْكِلَ بِما حُكِيَ أنَّ أبا الأسْوَدِ كانَ خَلْفَ جِنازَةٍ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ: مَنِ المُتَوَفِّي؟ بِكَسْرِ الفاءِ، فَقالَ: اللَّهُ – تَعالى -، وكانَ هَذا أحَدَ الأسْبابِ لِعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - عَلى أنْ أمَرَهُ بِوَضْعِ كِتابِ النَّحْوِ، وأجابَ السَّكّاكِيُّ بِأنَّ سَبَبَ التَّخْطِئَةِ أنَّ السّائِلَ كانَ مِمَّنْ لَمَّ يَعْرِفْ وجْهَ صِحَّتَهُ، فَلَمْ يَصْلُحْ لِلْخِطابِ بِهِ ﴿مِنكُمْ﴾ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ مِن مَرْفُوعٍ يُتَوَفَّوْنَ، و(مِن) تَحْتَمِلُ التَّبْعِيضَ وبَيانَ الجِنْسِ والخِطابُ لِكافَّةِ النّاسِ بِتَلْوِينِ الخِطابِ، ﴿ويَذَرُونَ﴾ أيْ: يَتْرُكُونَ، ويُسْتَعْمَلُ مِنهُ الأمْرُ، ولا يُسْتَعْمَلُ اسْمُ الفاعِلِ ولا اسْمُ المَفْعُولِ، وجاءَ الماضِي عَلى شُذُوذِ ﴿أزْواجًا﴾ أيْ: نِساءً لَهم.
﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ﴾ خَبَرٌ عَنِ الَّذِينَ والرّابِطُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ لَهم أوْ بَعْدَهُمْ، ورَجَّحَ الأوَّلَ بِقِلَّةِ الإضْمارِ، وبِما في اللّامِ مِنَ الإيماءِ إلى أنَّ العِدَّةَ حَقُّ المُتَوَفّى، وقِيلَ: خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ؛ أيْ: أزْواجُهم يَتَرَبَّصْنَ، والجُمْلَةُ خَبَرُ (الَّذِينَ)، وبَعْضُ البَصْرِيِّينَ قَدَّرَ مُضافًا في صَدْرِ الكَلامِ؛ أيْ: أزْواجِ الَّذِينَ وهُنَّ نِساؤُهُمْ، وفِيهِ أنَّهُ لا يَبْقى لِـ ( يَذَرُونَ أزْواجًا ) فائِدَةً جَدِيدَةً يُعْتَدُّ بِها، ويُرْوى عَنْ سِيبَوَيْهِ: إنَّ (الَّذِينَ) مُبْتَدَأٌ والخَبَرُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: فِيما يُتْلى عَلَيْكم حُكْمُ الَّذِينَ إلَخْ، وحِينَئِذٍ يَكُونُ جُمْلَةُ (يَتَرَبَّصْنَ) بَيانًا لِذَلِكَ الحُكْمِ وفِيهِ كَثْرَةُ الحَذْفِ، وذَهَبَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ إلى أنَّ (الَّذِينَ) مُبْتَدَأٌ و(يَتَرَبَّصْنَ) خَبَرُهُ، والرّابِطُ حاصِلٌ بِمُجَرَّدِ عَوْدِ الضَّمِيرِ إلى الأزْواجِ؛ لِأنَّ المَعْنى يَتَرَبَّصُ الأزْواجُ اللّاتِي تَرَكُوهُنَّ، وقَدْ أجازَ الأخْفَشُ والكِسائِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، ولَوْلا أنَّ الجُمْهُورَ عَلى مَنعِهِ لَكانَ مِنَ الحُسْنِ بِمَكانٍ ﴿أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ لَعَلَّ ذَلِكَ العَدَدَ لِسِرِّ تَفَرُّدِ اللَّهِ - تَعالى - بِعِلْمِهِ أوْ عِلْمِهِ مَن شاءَ مِن عِبادِهِ، والقَوْلُ بِأنَّهُ لَعَلَّ المُقْتَضِي لِذَلِكَ أنَّ الجَنِينَ في غالِبِ الأمْرِ يَتَحَرَّكُ لِثَلاثَةِ أشْهُرٍ إنْ كانَ ذَكَرًا ولِأرْبَعَةٍ إنْ كانَ أُنْثى فاعْتُبِرَ أقْصى الأجَلَيْنِ، وزِيدَ عَلَيْهِ العَشَرَةُ اسْتِظْهارًا؛ إذْ رُبَّما تَضْعُفُ حَرَكَتُهُ في المُبادِي فَلا يُحِسُّ بِها مَعَ ما فِيهِ مِنَ المُنافاةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «”إنَّ أحَدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ - تَعالى - مَلَكًا بِأرْبَعِ كَلِماتٍ، فَيَكْتُبُ عَمَلَهُ وأجَلَهُ ورِزْقَهُ وشَقِيٌّ أوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ“؛» لِأنَّ ظاهِرَهُ أنَّ نَفْخَ الرُّوحِ بَعْدَ هَذِهِ المُدَّةِ مُطْلَقًا، لا يَرْوِي الغَلِيلَ ولا يَشْفِي العَلِيلَ، وتَأْنِّيثُ العَشْرِ قِيلَ: لِأنَّ التَّمْيِيزَ المَحْذُوفَ هو اللَّيالِي، وإلى ذَلِكَ ذَهَبَ رَبِيعَةُ ويَحْيى بْنُ سَعِيدٍ، وقِيلَ: بَلْ هو بِاعْتِبارِ اللَّيالِي؛ لِأنَّها غُرَرُ الشُّهُورِ، ولِذَلِكَ لا يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ في مِثْلِهِ ذَهابًا إلى الأيّامَ حَتّى إنَّهم يَقُولُونَ - كَما حَكى الفَرّاءُ - صُمْنا عَشْرًا مِن شَهْرِ رَمَضانَ، مَعَ أنَّ الصَّوْمَ إنَّما يَكُونُ في الأيّامِ، ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنْ لَبِثْتُمْ إلا عَشْرًا﴾ ثُمَّ ( إنْ لَبِثْتُمْ إلّا يَوْمًا ) وذَكَرَ أبُو حَيّانَ أنَّ قاعِدَةَ تَذْكِيرِ العَدَدِ وتَأْنِيثِهِ إنَّما هي إذا ذُكِّرَ المَعْدُودُ، وأمّا عِنْدَ حَذْفِهِ، فَيَجُوزُ الَأمْرانِ مُطْلَقًا، ولَعَلَّهُ أوْلى مِمّا قِيلَ، واسْتُدِلَّ بِالآيَةِ عَلى وُجُوبِ العِدَّةِ عَلى المُتَوَفّى عَنْها، سَواءٌ كانَ مَدْخُولًا بِها أوْ لا، وذَهَبَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما - إلى أنَّهُ لا عِدَّةَ لِلثّانِيَةِ، وهو مَحْجُوجٌ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَما تَرى، وشَمِلَتِ الآيَةُ المُسْلِمَةَ والكِتابِيَّةَ وذاتَ الأقْراءِ والمُسْتَحاضَةَ والآيِسَةَ والصَّغِيرَةَ والحُرَّةَ والأمَةَ، كَما قالَهُ الأصَمُّ، والحامِلَ وغَيْرَها، لَكِنَّ القِياسَ اقْتَضى تَنْصِيفَ المُدَّةِ لِلْأمَةِ، والإجْماعُ خَصَّ الحامِلَ عَنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُولاتُ الأحْمالِ أجَلُهُنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ وعَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ - وابْنِ عَبّاسٍ: أنَّها تَعْتَدُّ بِأقْصى الأجَلَيْنِ احْتِياطًا، وهو لا يُنافِي الإجْماعَ، بَلْ فِيهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضى الآيَتَيْنِ، واسْتَدَلَّ بَعْضُهم بِها عَلى أنَّ العِدَّةَ مِنَ المَوْتِ؛ حَيْثُ عَلِقَتْ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَبْلُغْها مَوْتُ الزَّوْجِ إلّا بَعْدَ مُضِيِّ العِدَّةِ حُكِمَ بِانْقِضائِها، وهو (p-150)الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ والشّافِعِيُّ في أحَدِ قَوْلَيْهِ، ويُؤَيِّدُهُ أنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لا عِلْمَ لَها يَكْفِي في انْقِضاءِ عَدَّتِها هَذِهِ المُدَّةَ، وقِيلَ: إنَّها ما لَمْ تَعْلَمْ بِوَفاةِ زَوْجِها لا تَنْقَضِي عِدَّتُها بِهَذِهِ الأيّامِ؛ لِما رُوِيَ: ”امْرَأةُ المَفْقُودِ امِرْأتُهُ حَتّى يَأْتِيَها تَبَيُّنُ مَوْتِهِ أوْ طَلاقُهُ“، ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ﴾ أيِ: انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيُّها القادِرُونَ عَلَيْهِنَّ، وقِيلَ: الخِطابُ لِلْأوْلِياءِ، وقِيلَ: لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ ﴿فِيما فَعَلْنَ في أنْفُسِهِنَّ﴾ مِمّا حَرُمَ عَلَيْهِنَّ في العِدَّةِ، وفي التَّقْيِيدِ إشارَةٌ إلى عِلَّةِ النَّهْيِ ﴿بِالمَعْرُوفِ﴾ أيْ: بِالوَجْهِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الشَّرْعُ ولا يُنْكِرُهُ، وقُيِّدَ بِهِ لِلْإيذانِ بِأنَّهُ لَوْ فَعَلْنَ خِلافَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ أنْ يَكْفُّوهُنَّ، فَإنْ قَصَّرُوا أثِمُوا ﴿واللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 234﴾ فَلا تَعْمَلُوا خِلافَ ما أُمْرِتُمْ بِهِ؛ والظّاهِرُ: أنَّ المُخاطَبَ بِهِ هو المُخاطَبُ في سابِقِهِ، وجَوَّزَ أنْ يَكُونَ خِطابًا لِلْقادِرِينَ مِنَ الأوْلِياءِ والأزْواجِ، فَيَكُونُ فِيهِ تَغْلِيبانِ؛ الخِطابُ عَلى الغَيْبَةِ، والذُّكُورُ عَلى الإناثِ، وفِيهِ تَهْدِيدٌ لِلطّائِفَتَيْنِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وعْدًا ووَعْيًا لَهُما.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یُتَوَفَّوۡنَ مِنكُمۡ وَیَذَرُونَ أَزۡوَ ٰجࣰا یَتَرَبَّصۡنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرࣲ وَعَشۡرࣰاۖ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡكُمۡ فِیمَا فَعَلۡنَ فِیۤ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











