الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: والذين يتوفون منكم، من الرجال، أيها الناس، فيموتون، ويذرون أزواجا، يتربص أزواجهن بأنفسهن. [[في المخطوطة والمطبوعة: "يتربصن"، وهو في المخطوطة غير منقوط، والذي أثبته هو الصواب.]] * * * فإن قال قائل: فأين الخبر عن"الذين يتوفون"؟ قيل: متروك، لأنه لم يقصد قصد الخبر عنهم، وإنما قصد قصد الخبر عن الواجب على المعتدات من العدة في وفاة أزواجهن، فصرف الخبر عن الذين ابتدأ بذكرهم من الأموات، إلى الخبر عن أزواجهم والواجب عليهن من العدة، إذ كان معروفا مفهوما معنى ما أريد بالكلام. وهو نظير قول القائل في الكلام: [[في المخطوطة والمطبوعة: "هو نظير" بإسقاط الواو، والواجب إثباتها.]] "بعض جبتك متخرقة"، [[يعني أن حق الكلام كان أن يقول: "بعض جبنك متخرق"، بالتذكير خبرا عن"بعض"، فصرفه إلى"جبتك".]] في ترك الخبر عما ابتدئ به الكلام، إلى الخبر عن بعض أسبابه. وكذلك الأزواج اللواتي عليهن التربص، لما كان إنما ألزمهن التربص بأسباب أزواجهن، صرف الكلام عن خبر من ابتدئ بذكره، إلى الخبر عمن قصد قصد الخبر عنه، كما قال الشاعر: [[هو ثابت قطنة العتكي، واسمه" ثابت بن كعب". . ذهبت عينه في الحرب، فكان يحشوها بقطنة، وهو شاعر فارسي من شعراء خراسان في عهد الدولة الأموية، قال فيه حاجب الفيل: لا يعرف الناس منه غير قطنته ... وما سواها من الأنساب مجهول]] لعلي إن مالت بي الرٌيح ميلة ... على ابن أبي ذبان أن يتندما [[تاريخ الطبري ٨: ١٦٠، ومعاني القرآن للفراء ١: ١٥٠، والصاحبي: ١٨٥، وهو من قصيدة له يرثى بها يزيد بن المهلب، لما قتل في سنة ١٠٢ في خروجه على يزيد بن عبد الملك بن مروان، وهو"ابن أبي ذبان". و"أبو ذبان" كنية أبيه عبد الملك بن مروان، لأنهم زعموا أنه كان أبخر، فإذا دنت الذبان من فيه، ماتت لشدة بخره. ورواية الطبري في التاريخ: "فعلى"، ويقول قبله: أرقت ولم تأرق معي أم خالد ... وقد أرقت عيناي حولا مجرما على هالك هد العشيرة فقده، ... دعته المنايا فاستجاب وسلما على ملك، يا صاح، بالعقر جبنت ... كتائبه، واستورد الموت معلما أصيب ولم أشهد، ولو كنت شاهدا ... تسليت أن لم يجمع الحي مأتما وفي غير الأيام يا هند، فاعلمي، ... لطالب وتر نظرة إن تلوما فعلي، إن مالت. . . . . . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . وكان في المطبوعة والمخطوطة: "ابن أبي زبان" وهو خطأ كما ترى.]] فقال"لعلي"، ثم قال:"أن يتندما"، لأن معنى الكلام: لعل ابن أبي ذبان أن يتندم، [[في والمخطوطة والمطبوعة: "ابن أبي زبان" وهو خطأ.]] إن مالت بي الريح ميلة عليه= فرجع بالخبر إلى الذي أراد به، وإن كان قد ابتدأ بذكر غيره. ومنه قول الشاعر: ألم تعلموا أن ابن قيس وقتله ... بغير دم، دار المذلة حلت [[لم أعرف قائله، والبيت في معاني القرآن للفراء ١: ١٥٠، والصاحبي: ١٨٥، وروايتهما بني أسد إن ابن قيس وقتله]] فألغى"ابن قيس" وقد ابتدأ بذكره، وأخبر عن قتله أنه ذل. [[هذا الذي سلف أكثره نص الفراء في معاني القرآن ١: ١٥٠-١٥١، وفي معاني القرآن"فألقى ابن قيس"، والصواب ما في الطبري.]] * * * وقد زعم بعض أهل العربية أن خبر"الذين يتوفون" متروك، وأن معنى الكلام: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا، ينبغي لهن أن يتربصن بعد موتهم. وزعم أنه لم يذكر"موتهم"، كما يحذف بعض الكلام- وأن"يتربصن" رفع، إذ وقع موقع"ينبغي"، و"ينبغي" رفع. وقد دللنا على فساد قول من قال في رفع"يتربصن" بوقوعه موقع"ينبغي" فيما مضى، فأغنى عن إعادته. [[انظر ما سلف في الجزء ٥: ٤٧، ٤٨.]] * * * وقال آخر منهم: [[في المطبوعة: "وقال آخرون منهم"، والصواب ما في المخطوطة.]] إنما لم يذكر"الذين" بشيء، لأنه صار الذين في خبرهم مثل تأويل الجزاء:"من يلقك منا تصب خيرا"= الذي يلقاك منا تصيب خيرا. [[في المطبوعة: "من يلقك منا يصيب خيرا"، ثم"يصيب خيرا"، والصواب ما أثبته"تصب" في الجملة الأولى مجزومة، وبالتاء في أوله، ثم"تصيب" بالتاء في الثانية.]] قال: ولا يجوز هذا إلا على معنى الجزاء. * * * قال أبو جعفر: وفي البيتين اللذين ذكرناهما الدلالة الواضحة على القول في ذلك بخلاف ما قالا. [[في المطبوعة: "الدلالة الواضحة" وأثبت ما في المخطوطة.]] * * * قال أبوجعفر: وأما قوله:"يتربصن بأنفسهن"، فإنه يعني به: يحتبسن بأنفسهن [[انظر فيما سلف تفسير"التربص" ٤: ٤٥٦، ٥١٥.]] معتدات عن الأزواج، والطيب، والزينة، والنقلة عن المسكن الذي كن يسكنه في حياة أزواجهن- أربعة أشهر وعشرا، إلا أن يكن حوامل، فيكون عليهن من التربص كذلك إلى حين وضع حملهن. فإذا وضعن حملهن، انقضت عددهن حينئذ. * * * وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم مثل ما قلنا فيه: ٥٠٧١- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، فهذه عدة المتوفى عنها زوجها، إلا أن تكون حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها. ٥٠٧٢- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب في قول الله: [[في المخطوطة والمطبوعة: "عن قول الله"، والصواب ما أثبته.]] "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، قال ابن شهاب: جعل الله هذه العدة للمتوفى عنها زوجها، فإن كانت حاملا فيحلها من عدتها أن تضع حملها، وإن استأخر فوق الأربعة الأشهر والعشرة فما استأخر، لا يحلها إلا أن تضع حملها. * * * قال أبو جعفر: وإنما قلنا: عنى ب"التربص" ما وصفنا، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بما: - ٥٠٧٣- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة= وحدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة=، عن حميد بن نافع قال: سمعت زينب ابنة أم سلمة تحدث= قال أبو كريب: قال أبو أسامة: عن أم سلمة= أن امرأة توفى عنها زوجها واشتكت عينها، فأتت النبي صلي الله عليه وسلم تستفتيه في الكحل، فقال: لقد كانت إحداكن تكون في الجاهلية في شر أحلاسها، [[الأحلاس جمع حلس: وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة، وكل ما يبسط تحت حر المتاع ليقيه فهو حلس. وعنى به هنا: المرذول من ثيابها.]] فتمكث في بيتها حولا إذا توفي عنها زوجها، فيمر عليها الكلب فترميه بالبعرة! أفلا أربعة أشهر وعشرا"! [[الحديث ٥٠٧٣-"حميد بن نافع الأنصاري المدني": تابعي ثقة. روى عن أبي أيوب، وعبد الله بن عمر، وروى عن زينب بنت أم سلمة. وهو والد"أفلح بن حميد". ويقال له"حميد صفيراء". ففرق البخاري في الكبير ١ / ٢ / ٣٤٥ بين"حميد صفيراء، والد أفلح"، الراوي عن أبي أيوب وابن عمر، وبين"حميد" الراوي عن زينب، جعلهما اثنين تبعا لشيخه علي بن المديني، وروى هو عن شعبة أنهما واحد. وهو الصحيح الذي جزم به الإمام أحمد. فقد روى في المسند ٦: ٣٢٥ - ٣٢٦ (حلبي) حديث حميد بن نافع، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم حبيبة أم المؤمنين، ثم قال عقب الحديث"حميد بن نافع: أبو أفلح، وهو حميد صفيراء"، وهو الذي اقتصر عليه ابن سعد ٥: ٢٢٤، وابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٢٢٩-٢٣٠. و"صفيراء": لقب حميد. وهكذا رسم على الصواب في المسند، والتهذيب في ترجمة"أفلح"، والبخاري في ترجمة"حميد". ورسم في التهذيب في ترجمة"حميد": "صفير"، وهو تصحيف. ووقع في التهذيب أيضًا في ترجمة"حميد" أنه يروي عن"عبد الله بن عمرو" -وهو خطأ، صوابه - كما قلنا-"عبد الله بن عمر". والحديث سيأتي: ٥٠٧٩، بإسناد آخر، من حديث أم سلمة وحدها. وسيأتي بأسانيد أخر، في بعضها: "عن أم سلمة وأم حبيبة" وفي سائرها: "عن أم سلمة أو أم حبيبة" ٥٠٧٦- ٥٠٧٨، ٥٠٨٠. وسنذكرها في مواضعها، إن شاء الله. أما من الوجه الذي هنا -رواية شعبة عن حميد-: فرواه الطيالسي: ١٥٩٦، عن شعبة، بهذا الإسناد، نحوه. وكذلك رواه أحمد في المسند ٦: ٢٩١-٢٩٢ (حلبي) ، عن يحيى بن سعيد -وهو القطان- ثم رواه ٦: ٣١١، عن محمد بن جعفر، وعن حجاج -وهو ابن محمد المصيصي- ثلاثتهم عن شعبة، به، نحوه. ورواه البخاري ٩: ٤٣٢، و ١٠: ١٣١، مطولا ومختصرا، من طريقين عن شعبة. وكذلك رواه مسلم ١: ٤٣٤، من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة. وكذلك رواه ابن الجارود في المنتقى، ص: ٣٥٣-٣٥٤، من طريق يحيى وهو القطان، عن شعبة. وكذلك رواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٤٣٩، من طريق الطيالسي ويحيى بن أبي بكير - كلاهما عن شعبة. ورواه مالك في الموطأ، ص: ٥٩٦ - ٥٩٨، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أم سلمة، عن أمها -ثالث احاديث ثلاثة حدثت زينب بها حميد بن نافع- بمعناه ومن طريق مالك هذه، رواه الأئمة: فرواه عبد الرزاق في المصنف ٤: ٦٦-٦٧ (مخطوط مصور) والبخاري ٩: ٤٢٧-٤٢٨، ومسلم ١: ٤٣٣ - ٤٣٤، وأبو داود: ٢٢٩٩، والترمذي ٢: ٢٢٠، والنسائي ٢: ١١٤، وابن حبان في صحيحه (٢: ٩١-٩٢ مخطوطة التقاسيم، و ٦: ٤٥٧-٤٥٨ مخطوطة الإحسان) . وهو في المنتقى للمجد بن تيمية، برقم: ٣٨١١.]] ٥٠٧٤- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد قال، سمعت نافعا، عن صفية ابنة أبي عبيد: أنها سمعت حفصة ابنة عمر زوج النبي صلي الله عليه وسلم تحدث، عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث، إلا على زوج، فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا"= قال يحيى: والإحداد عندنا أن لا تطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا بورس ولا زعفران، [[الورس: نبت أصفر، يتخذ منه صبغ أصفر تصبغ به الثياب، ومنه ما يكون للزينة، كالزعفران.]] ولا تكتحل، ولا تزين. [[الحديثان: ٥٠٧٤، ٥٠٧٥ - هما حديث واحد، مطول ومختصر، بإسنادين. عبد الوهاب في الإسناد الأول: هو ابن عبد المجيد الثقفي. ويزيد -في الإسناد الثاني: هو ابن هرون. يحيى بن سعيد- في الإسنادين: هو الأنصاري. ونافع: هو مولى ابن عمر. صفية بنت أبي عبيد بن مسعود، الثقفية: وهي تابعية ثقة، من فضليات النساء، وذكرها بعضهم في الصحابة، ولا يصح، وهي زوج عبد الله بن عمر. وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب. وشتان بين الأخوين. ووقع في ترجمتها في التهذيب ١٢: ٤٣٠ أنه يروي عنها"نافع مولى ابن عباس". وهو سهو أو خطأ ناسخ. بل الذي يروي عنها هو"نافع مولى ابن عمر". ولها ترجمة في ابن سعد ٨: ٣٤٦ - ٣٤٧، والإصابة ٨: ١٣١. والحديث رواه مسلم ١: ٤٣٥، من طريق عبد الوهاب، عن يحيى. وهو الطريق الأول هنا. ولم يذكر لفظه كله. وكذلك رواه البيهقي ٧: ٤٣٨، من طريق عبد الوهاب، وذكر لفظه. ورواه أحمد في المسند ٦: ٢٨٦، عن يزيد بن هارون، وهو الطريق الثاني هنا.]] ٥٠٧٥- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا يحيى، عن نافع، عن صفية ابنة أبي عبيد، عن حفصة ابنة عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج. ٥٠٧٦- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، سمعت يحيى بن سعيد يقول، أخبرني حميد بن نافع: أن زينب ابنة أم سلمة أخبرته، عن أم سلمة -أو أم حبيبة- زوج النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم، فذكرت أن ابنتها توفي عنها زوجها، وأنها قد خافت على عينها= فزعم حميد عن زينب: أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر. [[الحديث: ٥٠٧٦- هو الحديث الماضي: ٥٠٧٣، إلا أنه هنا"عن أم سلمة أو أم حبيبة"، على الشك. وكذلك في الإسناد بعده: ٥٠٧٧، وسيأتي في الإسناد: ٥٠٨٠، أنه"عن أم سلمة وأم حبيبة" معا، دون شك فيه. أما روايته بالشك، بحرف"أو" - فلم أجدها قط. وأخشى أن يكون تحريفا من الناسخين. نعم روى الدارمي ٢: ١٦٧، قصة أخرى لأم حبيبة، في آخرها حديث"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة. . . " إلخ - رواه عن هاشم بن القاسم، عن شعبة، عن حميد بن نافع، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة. ثم رواه عقبه، بالإسناد نفسه إلى زينب"تحدث عن أمها، أو امرأة من أزواج النبي ﷺ، نحوه". ولكنه حديث آخر غير هذا الحديث، ولعل زينب شكت أيضًا في الرواية التي هنا، كما شكت في الرواية التي عند الدارمي. وكذلك رواه مسلم ١: ٤٣٤، عن ابن المثنى، عن ابن جعفر، عن شعبة، - في قصة أم حبيبة فقط، ثم قال حميد: "وحدثتنيه زينب عن أمها، وعن زينب زوج النبي ﷺ، أو عن امرأة عن بعض أزواج النبي ﷺ". ثم روي عن عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن شعبة: "عن حميد بن نافع بالحديثين جميعا، حديث أم سلمة في الكحل، وحديث أم سلمة وأخرى من أزواج النبي ﷺ. غير أنه لم تسمها زينب - نحو حديث محمد بن جعفر". وأيا ما كان، فإن هذا الشك لا يؤثر في صحة الحديث. والروايات الثابتة تدل على أنها روته عن أمها وأم حبيبة، كما سيأتي.]] . ٥٠٧٧- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع: أنه سمع زينب ابنة أم سلمة، تحدث عن أم حبيبة أو أم سلمة أنها ذكرت: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم قد توفي عنها زوجها، وقد اشتكت عينها، وهي تريد أن تكحل عينها، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة بعد الحول، وإنما هي أربعة أشهر وعشر= قال ابن بشار، قال يزيد، قال يحيى: فسألت حميدا عن رميها بالبعرة، قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا توفي عنها زوجها، عمدت إلى شر بيتها فقعدت فيه حولا فإذا مرت بها سنة ألقت بعرة وراءها. [[الحديث: ٥٠٧٧- هو الحديث السابق أيضًا، بإسناد آخر. ووقع في المطبوعة هنا"أو أم سلمة" على الشك، كالرواية السابقة. ولكني أوقن -هنا- أنه خطأ من ابن بشار، شيخ الطبري. فالحديث رواه مسلم ١: ٤٣٤، عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعمرو الناقد -كلاهما عن يزيد بن هارون. بهذا الإسناد. وفيه: "أنه سمع زينب بنت أبي سلمة تحدث عن أم سلمة وأم حبيبة، تذكران: أن امرأة. . . "- إلخ. فهذا صريح في الرواية عنهما معا، لا رواية عن إحداهما. وكذلك رواه ابن ماجه: ٢٠٨٤، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، نحو رواية مسلم. ويؤيده: أن النسائي رواه ٢: ١١٥، من طريق حماد، عن يحيى الأنصاري، عن حميد، عن زينب: "أن امرأة سألت أم سلمة وأم حبيبة. . . فقالتا: أتت امرأة إلى النبي ﷺ. . "]] ٥٠٧٨- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا شعبة، عن يحيى، عن حميد بن نافع بهذا الإسناد مثله [[الحديث: ٥٠٧٨- هو تكرار للحديث قبله، لم يذكر لفظه، وهو من رواية يزيد بن هارون، عن شعبة، عن يحيى الأنصاري، عن حميد. وأنا أخشى أن يكون في الإسناد تحريف من الناسخين، وأن يكون صوابه: "حدثنا شعبة، ويحيى". لأن الإسناد قبله، هو من رواية يزيد بن هارون عن يحيى مباشرة. فقد تكون الفائدة في تكرار هذا الإسناد: أن يكون ابن بشار سمعه من يزيد مرتين: مرة عن يحيى وحده، ومرة عن يحيى وشعبة. وإذا كان ما ثبت في المطبوعة صحيحا، كان ابن بشار سمعه هكذا، ويكون من المزيد في متصل الأسانيد.]] ٥٠٧٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، حدثنا ابن عيينة، عن أيوب بن موسى ويحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أم سلمة: أن امرأة أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي مات زوجها فاشتكت عينها، أفتكتحل؟ [[في المخطوطة: "أفتكحل".]] فقال، قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول، وإنما هي الآن أربعة أشهر وعشر! = قال، قلت: وما"ترمي بالبعرة على رأس الحول"؟ قال: كان نساء الجاهلية إذا مات زوج إحداهن، لبست أطمار ثيابها، [[الأطمار جمع طمر (بكسر فسكون) : وهو الثوب الخلق، والكساء البالي.]] وجلست في أخس بيوتها، فإذا حال عليها الحول أخذت بعرة فدحرجتها على ظهر حمار وقالت: قد حللت! [[الحديث: ٥٠٧٩- أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص: قرشي مكي ثقة حافظ فقيه. مذكور في نسب قريس للمصعب، ص: ١٨٣. وهذا الحديث تكرار للحديث: ٥٠٧٣، بأنه عن أم سلمة وحدها - كما قلنا هناك. وقد رواه النسائي ٢: ١١٥ - من طريق الليث بن سعد، عن أيوب بن موسى. ثم من طريق سفيان ابن عيينة، عن يحيى الأنصاري، به، نحوه، مطولا، ومختصرا.]] ٥٠٨٠- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن يونس قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا يحيى بن سعيد، عن حميد بن نافع، عن زينب ابنة أم سلمة، عن أمها أم سلمة وأم حبيبة زوجي النبي صلي الله عليه وسلم: أن امرأة من قريش جاءت إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: إن ابنتي توفي عنها زوجها، وقد خفت على عينها، وهي تريد الكحل؟ قال: قد كانت إحداكن ترمي بالبعرة على رأس الحول! وإنما هي أربعة أشهر وعشر! = قال حميد: فقلت لزينب: وما رأس الحول؟ قالت زينب: كانت المرأة في الجاهلية إذا هلك زوجها، عمدت إلى أشر بيت لها فجلست فيه، [[قوله: "أشر" على وزن"أفعل"، هكذا جاء هنا. وقال أهل اللغة: إنه لغة قليلة أو رديئة. وقد جاء في كثير من أمثالهم وكلامهم"أشر" و"شرى"، كأفضل وفضلى. ومنه قول امرأة من العرب: "أعيذك بالله من نفس حرى، وعين شرى" أي خبيثة، وفي المثل: "شراهن مراهن". وفي خبر العبادي قيل له: "أي حماريك أشر؟ " قال: "هذا ثم هذا".]] حتى إذا مرت بها سنة خرجت، ثم رمت ببعرة وراءها. [[الحديث: ٥٠٨٠- أحمد بن يونس: هو أحمد بن عبد الله بن يونس، مضى في: ٢١٤٤. وهذا الحديث تكرار -في المعنى- للحديث: ٥٠٧٣، وللأحاديث: ٥٠٧٦-٥٠٧٩. وقد رواه هنا أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية عن يحيى الأنصاري، وذكر فيه أنه"عن أم سلمة وأم حبيبة" معا. ولكن رواه النسائي ٢: ١١٥ -بنحوه- من طريق ابن أعين، وهو الحسن بن محمد بن أعين، عن زهير بن معاوية، بهذا الإسناد، من حديث"أم سلمة"، ولم يذكر فيه أم حبيبة.]] ٥٠٨١- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن عروة عن عائشة: أنها كانت تفتي المتوفى عنها زوجها، أن تحد على زوجها حتى تنقضي عدتها، ولا تلبس ثوبا مصبوغا ولا معصفرا، ولا تكتحل بالإثمد، ولا بكحل فيه طيب وإن وجعت عينها، ولكن تكتحل بالصبر وما بدا لها من الأكحال سوى الإثمد مما ليس فيه طيب، ولا تلبس حليا، وتلبس البياض ولا تلبس السواد. [[الخبر: ٥٠٨١- هذا أثر من فتوى عائشة وكلامها. ولكن تدل على صحة فتواها الأحاديث الصحاح. وهذا إسناده إليها صحيح. ولم أجده في شيء من المراجع غير هذا الموضع. المعصفر: هو الثوب المصبوغ بالعصفر. والإثمد: هو الكحل، أو حجر يتخذ منه الكحل، وهو أسود إلى الحمرة. والصبر (بفتح الصاد وكسر الباء) : عصارة شجر، وهو مر، يتخذ منه الدواء.]] ٥٠٨٢- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر في المتوفى عنها زوجها: لا تكتحل، ولا تطيب، ولا تبيت عن بيتها، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب تجلبب به. [[قوله: "تبيت عن بيتها" أي تبيت بعيدة عن بيتها وتنتقل إلى غيره. والعصب: برود من اليمن، يعصب غزلها -أي يجمع ويشد- ثم يصبغ وينسج، فيأتي موشيا، لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ. تجلببت المرأة: لبست جلبابها، وهو ملاءتها التي تشتمل بها.]] ٥٠٨٣- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا ابن جريج، عن عطاء قال: بلغني عن ابن عباس قال: تنهى المتوفى عنها زوجها أن تزين وتطيب. ٥٠٨٤- حدثنا نصر بن علي قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال: إن المتوفى عنها زوجها لا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تمس طيبا، ولا تكتحل، ولا تمتشط= وكان لا يرى بأسا أن تلبس البرد. * * * وقال آخرون: إنما أمرت المتوفى عنها زوجها أن تربص بنفسها عن الأزواج خاصة، فأما عن الطيب والزينة والمبيت عن المنزل، فلم تنه عن ذلك، ولم تؤمر بالتربص بنفسها عنه. * ذكر من قال ذلك: ٥٠٨٥- حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن: أنه كان يرخص في التزين والتصنع، ولا يرى الإحداد شيئا. [[تصنعت المرأة تصنعا: تزينت وتجملت وعالجت وجهها وغيره حتى يحسن.]] ٥٠٨٦- حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، لم يقل تعتد في بيتها، تعتد حيث شاءت. ٥٠٨٧- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا إسماعيل قال، حدثنا ابن جريج، عن عطاء قال، قال ابن عباس: إنما قال الله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، ولم يقل تعتد في بيتها، فلتعتد حيث شاءت. * * * واعتل قائلو هذه المقالة بأن الله تعالى ذكره، إنما أمر المتوفى عنها بالتربص عن النكاح، وجعلوا حكم الآية على الخصوص= وبما: - ٥٠٨٨- حدثني به محمد بن إبراهيم السلمي قال، حدثنا أبو عاصم، وحدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا أبو عامر = قالا جميعا، حدثنا محمد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: تسلبي ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت. [[الحديث: ٥٠٨٨- محمد بن إبراهيم بن صدران الأزدي السلمي: ثقة، وثقه أبو داود وغيره. وقد ينسب إلى جده، ولذلك ترجمه ابن أبي حاتم ٣ / ٢ / ١٩٠ في اسم"محمد بن صدران". "السلمي": هكذا ثبت هنا، وكذلك في التقريب، وضبطه بفتح السين، وكذلك ثبت في نسخة بهامش التهذيب، وفي التهذيب والخلاصة"السليمي"، ونص صاحب الخلاصة على أنه بإثبات الياء. ولكني لا أطمئن إلى ضبطه. وشيخه أبو عاصم: هو النبيل، الضحاك بن مخلد. وأبو عامر -في الإسناد الثاني: هو العقدي، عبد الملك بن عمرو. محمد بن طلحة بن مصرف -بفتح الصاد وتشديد الراء المكسورة- اليامي: ثقة، أخرج له الشيخان. وبعضهم تكلم فيه بما لا يجرحه. عبد الله بن شداد بن الهاد: نسب أبوه إلى جده، فهو"شداد بن أسامة بن عمرو"، و"عمرو": هو الهاد. قال ابن سعد: "وإنما سمي الهادي، لأنه كان توقد ناره ليلا للأضياف، ولمن سلك الطريق". وعبد الله بن شداد: من كبار التابعين القدماء الثقات، ولد في حياة رسول الله ﷺ، حتى ذكره بعضهم في الصحابة. وله ترجمتان في ابن سعد ٥: ٤٣-٤٤، و ٦: ٨٦-٨٧، وفي الإصابة ٥: ٦٠-٦١، ١٤٥. وأمه"سلمى بنت عميس"، أخت أسماء بنت عميس، فهو يروي هذا الحديث عن خالته. وأسماء بنت عميس: صحابية جليلة. وهي أخت ميمونة بنت الحارث -أم المؤمنين- لأمها. تزوجت أسماء جعفر بن أبي طالب، فقتل عنها، ثم تزوجت أبا بكر الصديق، ثم علي بن أبي طالب. وولدت لهم جميعا. وهي أم محمد بن أبي بكر الصديق. والحديث رواه ابن سعد في الطبقات ٨: ٢٠٦، في ترجمة أسماء -رواه عن عفان بن مسلم، وإسحاق بن منصور، كلاهما عن محمد بن طلحة. ووقع فيه "تسلمى" بالميم بدل الباء. وأنا أرجح أنه خطأ من الناسخين لا من الرواة، وسيأتي أن هذا الخطأ وقع لابن حبان، لكن من الرواة. ورواه أحمد في المسند، بمعناه، ٦: ٣٦٩، ٤٣٨، عن يزيد بن هارون، عن أبي كامل ويزيد بن هارون وعفان - ثلاثتهم عن محمد بن طلحة. ورواه الطحاوي في معاني الآثار ٢: ٤٤ بخمسة أسانيد إلى محمد بن طلحة. ورواه البيهقي ٧: ٤٣٨، من طريق مالك بن إسماعيل، عن محمد بن طلحة، بهذا الإسناد. ثم قال: "لم يثبت سماع عبد الله من أسماء، وقد قيل فيه: عن أسماء. فهو مرسل. ومحمد بن طلحة ليس بالقوى"!! وهو تعليل ضئيل متهافت. تعقبه فيه ابن التركماني في الجوهر النقي. ورواه ابن حزم في المحلى ١٠: ٢٨٠، من وجهين آخرين، عن عبد الله بن شداد، مرسلا، ورده بعلة الإرسال. ولكن ثبت وصله عن غير روايته. وذكره المجد في المنتقى: ٣٨١٩، ٣٨٢٠، من روايتي المسند. ولم ينسبه إلى غيره. ولم يرو في واحد من الكتب الستة، على اليقين من ذلك. فهو من الزوائد عليها. ولكني لم أجده في مجمع الزوائد، بعد طول البحث، في أقرب المظان من أبوابه وأبعدها. وذكره الحافظ في الفتح ٩: ٤٢٩، ووصفه بأنه"قوي الإسناد". وقال: "أخرجه أحمد، وصححه ابن حبان". ونسبه أيضًا للطحاوي. ثم قال: "قال شيخنا في شرح الترمذي: ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث، لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بن أبي طالب بالاتفاق، وهي والدة أولاده: عبد الله، ومحمد، وعون، وغيرهم. قال: بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز". وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة، وقد أجمعوا على خلافه، ثم ذهب يجمع بينه وبين الأحاديث التي يعارضها، بآراء بعضها قد يقبل، وبعضها فيه تكلف غير مستساغ. وأجود ما قال العلماء في ذلك -عندنا- ما ذهب إليه الطبري هنا في الفقرة الثالثة بعد الحديث: ٥٠٩٠. وقريب منه ما قال المجد بن تيمية في المنتقى: "وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية". وقال الحافظ، في آخر كلامه، في شأن رواية ابن حبان: "وأغرب ابن حبان، فساق الحديث بلفظ: تسملي، بالميم بدل الموحدة! وفسره بأنه أمرها بالتسليم لأمر الله!! ولا مفهوم لتقييدها بالثلاث، بل الحكمة فيه كون القلق يكون في ابتداء الأمر أشد، فلذلك قيدها بالثلاث! هذا معنى كلامه، فصحف الكلمة وتكلف لتأويلها! وقد وقع في رواية البيهقي وغيره: فأمرني رسول الله ﷺ أن أتسلب ثلاثا. فتبين خطؤه". تسلبت المرأة: لبست السلاب (بكسر السين) : وهي ثياب الحداد السود، تلبسها في المأتم.]] ٥٠٨٩- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو نعيم وابن الصلت، عن محمد بن طلحة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الله بن شداد، عن أسماء عن النبي صلي الله عليه وسلم بمثله. * * * قالوا: فقد بين هذا الخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم: أن لا إحداد على المتوفى عنها زوحها، وأن القول في تأويل قوله:"يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، إنما هو يتربصن بأنفسهن عن الأزواج دون غيره. * * * قال أبو جعفر: وأما الذين أوجبوا الإحداد على المتوفى عنها زوجها، وترك النقلة عن منزلها الذي كانت تسكنه يوم توفي عنها زوجها، فإنهم اعتلوا بظاهر التنزيل، وقالوا: أمر الله المتوفى عنها أن تربص بنفسها أربعة أشهر وعشرا، فلم يأمرها بالتربص بشيء مسمى في التنزيل بعينه، بل عم بذلك معاني التربص. قالوا: فالواجب عليها أن تربص بنفسها عن كل شيء، إلا ما أطلقته لها حجة يجب التسليم لها. قالوا: فالتربص عن الطيب والزينة والنقلة، مما هو داخل في عموم الآية، كما التربص عن الأزواج داخل فيها. قالوا: وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم الخبر بالذي قلنا في الزينة والطيب، أما في النقلة فإن: - ٥٠٩٠- أبا كريب حدثنا قال، حدثنا يونس بن محمد، عن فليح بن سليمان، عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته، عن الفريعة ابنة مالك، أخت أبي سعيد الخدري، قالت: قتل زوجي وأنا في دار، فاستأذنت رسول الله صلي الله عليه وسلم في النقلة، فأذن لي. ثم ناداني بعد أن توليت، فرجعت إليه، فقال: يا فريعة، حتى يبلغ الكتاب أجله. [[الحديث ٥٠٩٠- يونس بن محمد بن مسلم، الحافظ البغدادي المؤدب: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. فليح -بالتصغير- بن سليمان بن أبي المغيرة المدني: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. تكلم فيه ابن معين وغيره. والراجح توثيقه. وقال الحاكم: "اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره". و"فليح" لقب غلب عليه، واسمه"عبد الملك". سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة: ثقة لا يختلف فيه، كما قال ابن عبد البر. وهو تابعي روى عن أنس بن مالك. وتكلم فيه ابن حزم في المحلى بما لا يضره، زعم أنه"غير مشهور الحال"، ومرة أنه"مضطرب في اسمه، غير مشهور الحال"، ومرة أنه"غير مشهور العدالة"! انظر المحلى ٣: ٢٧٣، و ٤: ١٣٨، و ١٠: ٣٠٢. وفي المطبوعة هنا"سعيد" بدل"سعد". وهو خطأ قديم، وقع في الموطأ، ص: ٥٩١. وليس اختلاف رواية، ولا خطأ من مالك. إنما هو من يحيى بن يحيى راوي الموطأ، ومن رواة آخرين تبعوه. قال ابن عبد البر في التقصي، رقم: ١٢٣ هكذا قال يحيى: سعيد بن إسحاق، وتابعه بعضهم. وأكثر الرواة يقولون فيه: سعد بن إسحاق. وهو الأشهر، وكذا قال شعبة وغيره". وعلى الصواب"سعد"- رواه الشافعي في الرسالة والأم عن مالك. وكذلك رواه عنه سويد بن سعد، في روايته الموطأ. وكذلك رواه عنه محمد بن الحسن في الموطأ. عمة سعد بن إسحاق: هي"زينب بنت كعب بن عجرة الأنصارية"، وهي تابعية ثقة. بل ذكرها بعضهم في الصحابة. انظر الإصابة ٨: ٩٧-٩٨، وابن سعد ٨: ٣٥٢. ووقع هنا في المطبوعة"عن عمته الفريعة"، بحذف"عن" بعد كلمة"عمته". وهو خطأ ناسخ أو طابع. فإن زينب عمة سعد هي زوجة أبي سعيد الخدري، وأما الفريعة فإنها أخت أبي سعيد، كما في نص الحديث. و"الفريعة بنت مالك بن سنان": صحابية قديمة معروفة، شهدت بيعة الرضوان. رضي الله عنها. وهذا الحديث هنا مختصر. وقد جاء بأسانيد صحاح، من رواية سعد بن إسحاق، عن عمته، عن الفريعة -مختصرا ومطولا. ويكفي أن نذكر مواضع روايته، فيما وصل إلينا: فرواه مالك في الموطأ، مطولا، ص: ٥٩١، عن"سعد بن إسحاق". وذكر فيه خطأ باسم"سعيد"، كما بينا من قبل. ورواه الشافعي في الرسالة: ١٢١٤ (بتحقيقنا) ، وفي الأم ٥: ٢٠٨-٢٠٩، ومحمد بن الحسن في موطئه، ص: ٢٦٨، وسويد بن سعيد في موطئه، ص: ١٢٣-١٢٤ (مخطوط مصور) - كلهم عن مالك، عن سعد بن إسحاق. ورواه الدارمي ٢: ١٦٨، وابن سعد ٨: ٢٦٨، وأبو داود: ٢٣٠٠، والترمذي ٢: ٢٢٤-٢٢٥، والبيهقي ٧: ٤٣٤، وابن حبان في صحيحه ٦: ٤٤٧-٤٤٨ (من مخطوطة الإحسان) ، وابن حزم في المحلى ١٠: ٣٠١- كلهم من طريق مالك، به. ورواه الطيالسي: ١٦٦٤، وعبد الرزاق في المصنف ٤: ٦٠-٦١ (مخطوط مصور) ، وأحمد في المسند ٦: ٣٧٠، ٤٢٠-٤٢١ (حلبي) ، وابن سعد ٨: ٢٦٧-٢٦٨، والترمذي ٢: ٢٢٥، والنسائي ٢: ١١٣، وابن ماجه: ٢٠٣١، وابن الجارود، ص: ٣٤٩-٣٥٠، وابن حبان ٦: ٤٤٩، والحاكم ٢: ٢٠٨، والبيهقي ٧: ٤٣٤-٤٣٥، بأسانيد كثيرة، مطولا ومختصرا، من طريق سعد بن إسحاق، عن عمته، عن الفريعة. وصححه الترمذي، ومحمد بن يحيى الذهلي، فيما حكاه عنه الحاكم، والذهبي. وذكره السيوطي ١: ٢٨٩-٢٩٠ نسبه إلى كثير ممن أشرنا إليهم.]] * * * قالوا: فبين رسول الله صلي الله عليه وسلم صحة ما قلنا في معنى تربص المتوفى عنها زوجها، [وبطل] ما خالفه. [[الزيادة بين القوسين لا بد منها لسياق الكلام. والمطبوعة والمخطوطة سواء في نصهما هنا.]] قالوا: وأما ما روي عن ابن عباس: فإنه لا معنى له، بخروجه عن ظاهر التنزيل والثابت من الخبر عن الرسول صلي الله عليه وسلم. قالوا: وأما الخبر الذي روي عن أسماء ابنة عميس، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم من أمره إياها بالتسلب ثلاثا، ثم أن تصنع ما بدا لها - فإنه غير دال على أن لا حداد على المرأة، [[في المطبوعة: "أن لا إحداد"، وهما سواء. "حدت المرأة تحد حدا وحدادا" و"أحدت تحد إحدادا". لبست الحداد (بكسر الحاء) ، وهو ثياب المأتم السود. "الحداد" اسم ومصدر.]] بل إنما دل على أمر النبي صلي الله عليه وسلم إياها بالتسلب ثلاثا، ثم العمل بما بدا لها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه، مما لم يكن زينة ولا مطيبا، [[في المطبوعة: "ولا تطيبا". والصواب ما أثبته من المخطوطة.]] لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلب، وذلك كالذي أذن صلي الله عليه وسلم للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن، فإن ذلك لا من ثياب زينة ولا من ثياب تسلب. وكذلك كل ثوب لم يدخل عليه صبغ بعد نسجه مما يصبغه الناس لتزيينه، فإن لها لبسه، لأنها تلبسه غير متزينة الزينة التي يعرفها الناس. * * * قال أبوجعفر: فإن قال لنا قائل: وكيف قيل:"يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، ولم يقل: وعشرة؟ وإذ كان التنزيل كذلك: أفبالليالي تعتد المتوفى عنها العشر، أم بالأيام؟ قيل: بل تعتد بالأيام بلياليها. فإن قال: فإذ كان ذلك كذلك، فكيف قيل:"وعشرا"؟ ولم يقل: وعشرة؟ والعشر بغير"الهاء" من عدد الليالي دون الأيام؟ فإن أجاز ذلك المعنى فيه ما قلت، [[في المطبوعة: "فإن أجاز ذلك المغني"، والصواب ما أثبت من المخطوطة.]] فهل تجيز:"عندي عشر"، وأنت تريد عشرة من رجال ونساء؟ قلت: ذلك جائز في عدد الليالي والأيام، وغير جائز مثله في عدد بني آدم من الرجال النساء. وذلك أن العرب في الأيام والليالي خاصة، إذا أبهمت العدد، غلبت فيه الليالي، حتى إنهم فيما روي لنا عنهم ليقولون:"صمنا عشرا من شهر رمضان"، لتغليبهم الليالي على الأيام. وذلك أن العدد عندهم قد جرى في ذلك بالليالي دون الأيام. فإذا أظهروا مع العدد مفسره، [[المفسر: هو المميز. والتفسير: التمييز، انظر ما سلف ٢: ٣٣٨ تعليق: ١ / م ٣: ٩٠ تعليق: ١]] أسقطوا من عدد المؤنث"الهاء"، وأثبتوها في عدد المذكر، كما قال تعالى ذكره: ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [سورة الحاقة: ٧] ، فأسقط"الهاء" من"سبع" وأثبتها في"الثمانية". وأما بنو آدم، فإن من شأن العرب إذا اجتمعت الرجال والنساء، ثم أبهمت عددها: أن تخرجه على عدد الذكران دون الإناث. وذلك أن الذكران من بني آدم موسوم واحدهم وجمعه بغير سمة إناثهم، وليس كذلك سائر الأشياء غيرهم. وذلك أن الذكور من غيرهم ربما وسم بسمة الأنثى، كما قيل للذكر والأنثى"شاة"، وقيل للذكور والإناث من البقر:"بقر"، وليس كذلك في بني آدم. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ١٥١-١٥٢، فهذا من كلامه بغير لفظه.]] * * * فإن قال: فما معنى زيادة هذه العشرة الأيام على الأشهر؟ قيل: قد قيل في ذلك، فيما: - ٥٠٩١- حدثنا به ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله:"والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا"، قال: قلت: لم صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح في العشر. ٥٠٩٢- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو عاصم، عن سعيد، عن قتادة قال: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: [[في المطبوعة والمخطوطة: "يعني تعالى ذكره بقوله"، والسياق يقتضي ما أثبت.]] فإذا بلغن الأجل الذي أبيح لهن فيه ما كان حظر عليهن في عددهن من وفاة أزواجهن- وذلك بعد انقضاء عدهن، ومضي الأشهر الأربعة والأيام العشرة="فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"، يقول: فلا حرج عليكم أيها الأولياء -أولياء المرأة- فيما فعل المتوفى عنهن حينئذ في أنفسهن، من تطيب وتزين ونقله من المسكن الذي كن يعتددن فيه، ونكاح من يجوز لهن نكاحه="بالمعروف"، يعني بذلك: على ما أذن الله لهن فيه وأباحه لهن. [[انظر ما سلف في تفسير"المعروف" ٥: ٧٦ والمراجع هناك في التعليق.]] . * * * وقد قيل: إنما عنى بذلك النكاح خاصة. وقيل إن معنى قوله:"بالمعروف" إنما هو النكاح الحلال. * ذكر من قال ذلك: ٥٠٩٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"، قال: الحلال الطيب. ٥٠٩٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد:"فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"، قال: المعروف النكاح الحلال الطيب. ٥٠٩٥- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، قال ابن جريج، قال مجاهد: قوله:"فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"، قال: هو النكاح الحلال الطيب. ٥٠٩٦- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: هو النكاح. ٥٠٩٧- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل، عن ابن شهاب:"فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف"، قال: في نكاح من هويته، إذا كان معروفا. [[في المطبوعة"هويته" بالجمع والنون، وأثبت ما في المخطوطة.]] * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) ﴾ قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك:"والله بما تعملون"، أيها الأولياء، في أمر من أنتم وليه من نسائكم، من عضلهن وإنكاحهن ممن أردن نكاحه بالمعروف، ولغير ذلك من أموركم وأمورهم، ="خبير"، يعني ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منه شيء. [[انظر ما سلف في معنى"خيبر" في فهارس اللغة، ومباحث العربية. * * * وقد انتهى هنا التقسيم القديم للنسخة التي نقلت عنها مخطوطتنا، وفيها ما نصه: "وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا على الأصل بلغت القراءة والسماع من أوله بقراءة محمد بن أحمد بن عيسى السعدي، لأخيه علي وأحمد بن عمر الجهاري (؟ ؟) ونصر بن الحسين الطبري، على القاضي أبي الحسن الخصيبي، عن أبي محمد الفرغاني، عن أبي جعفر الطبري، وقابل به بكتاب القاضي الخصيبي، فصحت، وذلك في شعبان سنة ثمان وأربعمائة".]] * * * [[هذا نص أول التقسيم القديم: "بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب