الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ قال أهل التفسير: أتت امرأةٌ عائشة، فشكت أن زوجها يطلقها ويسترجعها، يضارُّها بذلك، وكان الرجل في الجاهلية إذا طلق امرأته ثم راجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك، وإن طلقها ألف مرة، فذكرت ذلك عائشة [[في (ش): (عائشة ذلك).]] لرسول الله ﷺ، فنزلت: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ [[رواه الترمذي (1192) كتاب: الطلاق، باب: 16، والحاكم 2/ 307، وصححه البيهقي 7/ 333، والواحدي في "أسباب النزول" 81 عن عائشة بنحوه، ورواه مالك في "الموطأ" في الطلاق، باب جامع الطلاق 2/ 588، وعنه الشافعي في "الأم" 5/ 258، والطبري 2/ 456، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 418 عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا، والمرسل أصح كما قال الترمذي 3/ 497، والبيهقي 7/ 333، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي داود برقم 2195، والنسائي 6/ 212.]].
فحُصِرَ الطلاق، وجعل حدّه ثلاثة، فذكر في هذه الآية طلقتين، وذكر الثالثة في الآية الأخرى، وهو قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ﴾ الآية [["تفسير الثعلبي" 2/ 1083.]].
والمرة من المرور والمرِّ أيضًا، يقال: المَرّةُ الأُولى، والمَرُّ [[في (م) و (ش): (المرة).]] الأوَّلُ. وقال أهل المعاني: الآية مختصرة معناها: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان [["تفسيرالثعلبي" 2/ 1084.]].
وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكُ﴾ الإِمْسَاكُ: خلاف الطلاق، والَمِسَاك والمَسَكَة اسمان منه، يقال: أنه لذو مَسَكَةٍ ومَسَاكَةٍ إذا كان بخيلا.
قال الفراء: يقال: إنه ليسيء [[في (ش): (لشيء).]] مَسَاكَ غلمانِه، وفيه مُسْكَةُ من خيرٍ، أي: قوة وتَمَاسُك، ومَسَكٌ من قوة ومَسَاكَة، وإنه لَمسِيْكٌ [[في (ي) و (ش): (لمسك).]] بين المَسَاكَة [[في (ي) (الماسكة).]] [[ينظر في مسك: "تهذيب اللغة" 4/ 3397، "المفردات" ص 471، "اللسان" 4202 - 4205.]].
وهو مرتفع بمحذوف يتقدمه، أي: فالواجب إذا راجعها بعد الطلقتين إمساك بمعروف، أو فعليه إمساك بمعروف [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 307، و"المحرر الوجيز" 2/ 277.]].
ومعنى (بمعروف) أي: ما يعرف من إقامة الحق [[في (ي) (الحد).]] في إمساك المرأة [[ينظر: "المحرر الوجيز" 2/ 277.]].
وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ معنى التسريح في اللغة: الإِرسَال، وتَسْريحُ الشَّعْر، تخليصُك بعضَه من بعض، وسَرَحَ الماشيةَ سَرْحًا: إذا أرسلها ترعى، وناقة سُرُحٌ: سهلة السير لانطلاقها فيه [[ينظر في سرح: "تهذيب اللغة" 1665 - 1668. وذكر الراغب أن التسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل، كالطلاق في كونه مستعارًا من إطلاق الإبل.]]. واختلفوا في معنى قوله: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فقال عطاء والسُدّي [[رواه عنه الطبري 2/ 460 بمعناه، وذكره في "الدر المنثور" 1/ 495 - 496.]] والضحاك [[رواه عنه الطبري 2/ 460.]]: هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة، يريد: إن كان من شأنه [[في (ي) و (ش) (شأنها).]] رجعتها وإمساكها، وإلّا فلا يرتجعها ويسرحها بإحسان كي يسلم من الإثم.
وقيل: قوله: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ أراد به: الطلقة الثالثة، روي ذلك عن النبي ﷺ، أن رجلًا قال له: أسمعُ الله يقول: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ فأين الثالثة؟ قال: قوله: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ﴾ هو الثالثة [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 337، وأبو داود في "المراسيل" ص 189، وسعيد بن منصور 1/ 384، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 259، والطبري في "تفسيره" 2/ 458، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 2/ 419، والبيهقي 7/ 340 عن أبي رزين، وهذا مرسل؛ لأن أبا رزين تابعي، ورواه الدارقطني في "السنن" 4/ 4، والبيهقي 7/ 340 عن أنس، قال البيهقي: وروي عن قتادة عن أنس وليس بشيء؛ وقال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى 3/ 195: قد أسند هذا عن إسماعيل بن سميع عن أنس، وعن قتادة عن أنس، والمرسل أصح. وقال ابن القطان كما في بيان الوهم والإيهام 2/ 316: وعندي أن هذين الحديثين صحيحان.]].
وقال صاحب النظم: قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ إلى قوله: ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ ظاهره يقتضي أنه خبر، وتأويله في الباطن شرط وجزاء، على نظم: من طلق امرأته مرتين فليمسك بعدهما بمعروف، أو ليسرحها بإحسان، ومثله مما جاء على لفظ الخبر ومعناه الشرط: قوله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)﴾ [الدخان: 12] معناه: إن كشفت آمنَّا، وقال في الجواب: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ [الدخان: 15] ظاهره خبر وتأويله: إن كشفنا تعودوا [[ينظر: "البحر المحيط" 2/ 195.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ لا يجوز للزوج أن يأخذ من امرأته شيئًا مما أعطاها من المهر وما نحلها وتفضل عليها ليطلقها؛ لأنه ملك بضعها واستمتع بها في مقابلة ما أعطاها، فلا بجوز أن يأخذ منها شيئًا إلا في الخلع [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1085 - 1086.]].
وهو قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبيّ [[جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول الخزرجية، وقد وقع الخلاف هل المختلعة بنت عبد الله المنافق أو أخته؟ واسمها جميلة أيضا، فذهب ابن سعد وابن منده إلى أن المختلعة هي جميلة بنت عبد الله، وذهب أبو نعيم وابن عبد البر إلى أنهما واحدة، وأن المختلعة هي جميلة بنت أبي، وصوب الحافظ ابن حجر أنهما اثنتان، وأن ثابتا تزوج أخت عبد الله فاختلعت منه، ثم تزوج الثانية ففارقها. ينظر "الطبقات الكبرى" 8/ 382، "فتح الباري" 6/ 398.]]، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس [[في (ش) (سماس).]] [[ثابت بن قيس بن شماس بن زهير الخزرجي الأنصاري، خطيب الأنصار، شهد أحدا وما بعدها، وبشره النبي ﷺ بالجنة في قصة معروفة، رواها البخاري (3613) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة، قتل يوم اليمامة شهيدا بعد أن أبلى بلاء حسنا. ينظر "سنن الترمذي" 5/ 667، و"الاستيعاب" 1/ 276.]]، كانت تبغضه أشد البغض كان يحبها أشد حُبٍّ، فأتت رسول الله ﷺ وقالت: فرق بيني وبينه، فإني أبغضه، فقال ثابت: يا رسول الله مرها فلترد عليَّ الحديقة التي أعطيتها، فقال لها: "ما تقولين"؟ قالت: نعم وأزيده، قال: "لا، حديقته فقط". وقال لثابت: "خذ منها ما أعطَيتَها، وخَلِّ سَبِيلَها"، ففعل، فكان أول خلع في الإسلام [[القصة رواها البخاري (5273) كتاب: الطلاق، باب: الخلع وكيف الطلاق فيه، والنسائي 6/ 169 كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في الخلع، وأبو داود (2229) كتاب: الطلاق، باب: في الخلع، والترمذي (1185) كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في الخلع، والطبري في "تفسيره" 2/ 461، "تفسير الثعلبي" 2/ 1086، ولفظ الواحدي مختصر منه، وقد روى أبو داود والنسائي في الموضعين السابقين == وغيرهما: أن المختلعة هي حبيبة بنت سهل، قال الحافظ في "الفتح" 6/ 399: والذي يظهر أنهما قضيتان وقعتا لامرأتين؛ لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين.]].
ومعنى قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ أي: يَعْلَما، وإنما كان الخوف بمعنى العِلْم؛ لأن الخَوفَ مُضَارعٌ للظَّنِّ، وحكى الفراء: أن [[في (م) (ساقطة).]] العرب تقول للرجل: قد خرجَ غُلامُك بغير إِذْنك، فيقول له: قد خِفْتُ ذاك، يريد [[ساقطة من (ي).]]: قد ظَنَنْتُه وتَوَهّمْتُه، وأنشد:
أتاني [[في (ي) (وأتاني).]] كلامٌ عن نُصَيبٍ يقولُه ... وما خِفْتُ يا سَلّام أنكَ عَائِبي [[البيت لأبي الغول علياء بن جوشن من بني قطن، ينظر "الشعر والشعراء" ص 278،
"والنوادر في اللغة" لأبي زيد ص 46، وذكره الفراء والطبري دون نسبة 5/ 61.]] [["معاني القرآن" للفراء 1/ 146.]]
أراد: وما ظَنَنْتُ، والظَّنُّ بمعنى العِلْم صحيح، كذلك الخوف.
وحكى الزجاج عن أبي عبيدة، قال: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ إلا أن يوقنا [["مجاز القرآن" 1/ 74، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 307 - 308، وقال النحاس 1/ 315: وقول من قال: يخافا، بمعنى يوقنا، لا يعرف. ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة.]]، وذلك أن في الخوف طرفًا من العلم، لأنك تخاف ما تعلم، وما لا تعلم لا تخافه، فجاز أن يكون بمعنى العلم، كما أن الظن لما كان فيه طرفٌ من العِلْم جاز أن يكون علمًا [[ينظر في بيان أن الخوف يكون بمعنى الظن والعلم: "مشكل القرآن" لابن قتببة ص191، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 308، "الحجة" 2/ 328، "تفسير الثعلبي" == 2/ 1090، "البحر المحيط" 1/ 197، وقال: والأولى بقاء الخوف على بابه، وهو أن يراد به الحذر من الشيء فيكون المعنى: إلا أن يعلم أو يظن أو يوقن أو يحذر كل واحد منهما بنفسه أن لا يقيم حقوق الزوجية لصاحبه حسبما يجب فيجوز الأخذ.]].
ومعنى الآية: أن المرأة إذا خافت أن تعصي الله في أمر زوجها بغضًا له، وخاف الزوج إذا لم تطعه امرأته أن يعتدي [[في (ش): (يتعدى).]] عليها، حل له أن يأخذ الفدية منها [[ساقطة من (أ) و (م).]] إذا دعت إلى ذلك [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 1092.]].
ويكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإن أخذ أكثر من ذلك صح الخلع ولم ينقض [[في (ي): (ينقص).]] [[ينظر: "الموطأ" 2/ 565، و"الأم" 5/ 211، و"الإشراف" 3/ 213، و"الكافي" لابن عبد البر 2/ 593، "فتح الباري" 9/ 397.]]، وهو مذهب ابن عباس [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 471.]] وابن عُمر [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 471، وعزاه في "الدر" 1/ 674 إلى مالك والشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن نافع.]] ورجاء بن حيوة [[هو: رجاء بن حيوة الكندي، أبو المقدام، ويقال: أبو نصر الفلسطيني، ثقة فقيه، شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، لازم عمر بن عبد العزيز، توفي سنة 112هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص208 (1920)، "الأعلام" 3/ 17.]] [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 471، وعزاه في "الدر" بمعناه 1/ 674 إلى عبد ابن حميد عن حميد الطويل.]]: أنه يجوز أن يأخذ زيادة من المهر.
ومذهب علي [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 469.]]، والحسن [[في (ش): (الحسين).]] [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 470.]]، وأبي حذيفة وعطاء [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 469، وعزاه في " الدر" 1/ 673 إلى عبد بن حميد والبيهقي.]]، والزهري [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 470.]] والشعبي [[رواه عنه الطبري في "تفسيره" 2/ 469.]]: أنه يأخذ المهر فقط. وليست هذه الحالة حالة بعث الحكمين؛ لأن المرأة معترفة هاهنا بمنع حق الزوج وكراهتها [[ساقطة من (ش).]] صحبته، وإنما الحكمان إذا اشتبه المتعدي منهما، وموضعه في سورة النساء. والخلع فسخ بلا طلاق عند ابن عباس [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 485 - 487، وسعيد بن منصور 1/ 384، وقال الإمام أحمد كما في "الإشراف" 3/ 214: ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس.]]، وهو قول الشافعي في القديم، وقوله في الجديد [[ينظر: "مختصر المزني" 8/ 290، "تفسير الثعلبي" 2/ 1095، و"تكملة المجموع شرح المهذب" 17/ 14.]]: إن الخُلع [[من قوله: بلا طلاق .. ساقطة من (ي).]] تطليقة بائنة، إلّا أن ينوي [[في (ش): (يقوي).]] أكثر منها، وهو قول عثمان رضى الله عنه [[رواه عبد الرزاق في "المصنف" 6/ 483، وسعيد بن منصور 1/ 482، وابن أبي شيبة في "المصنف" 5/ 109 من طريق جهمان عن عثمان. وروى النسائي 6/ 186، كتاب: الطلاق، باب: عدة المختلعة، وابن ماجه (2058) كتاب: == الطلاق، باب: عدة المختلعة، عن الربيع بنت معوذ، قالت: اختلعت من زوجي فجئت عثمان فقال: تمكثي حتى تحيضي حيضة، وهذا يدل على أن عثمان يرى أن الخلع فسخ وليس بطلاق كما رجحه الخطابي في "معالم السنن" 2/ 256، وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كما في "زاد المعاد" 5/ 198، ضعفوا الرواية الأولى عنه.]].
وقرأ حمزة ﴿يُخَافَا﴾ بضم اليَاءِ [[وقرأ الباقون (يُخافا) بفتح الياء. ينظر "السبعة" 183، "الحجة" 2/ 328.]]. وخَاف يتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، فإن عديته إلى مفعول ثان ضَعَّفْتَ العين، أو [[في (ي) و (ش) (و).]] اجتلبتَ حرفَ الجر، كقولك: خَوَّفْتُ زيدًا أمرًا، واجتلاب حرف الجر كقوله:
لو خَافَكَ اللهُ عَليه حَرَّمَهُ [[من رجز نسبه في "اللسان"، مادة: روح، لسالم بن دارة، وقبله: يا أسدي لم أكلته لِمَه. وذكره في "الحجة" 2/ 229، وفي "الإنصاف" 257، والعيني 4/ 555، والأشموني 4/ 117.]]
فحرف الجر في موضع المفعول الثاني. وحمزة بنى الفعل للمفعول به وهو الزوجان، وقدر الجار ليتعدى إلى [[ساقطة من (ي).]] المفعول الآخر، الذي هو ﴿أَن يُقِيمَا﴾، فلابد من تقدير الجار في قراءة من [[ساقطة من (ي).]] ضم الياء، لأن الفعل قد أسند إلى المفعول، فلا يتعدى إلى المفعول الآخر إلا بالجار، ولا يحتاج في قراءة العامة إلى تقدير الجار، ثم يكون قوله: ﴿أن يقيما﴾ على هذه القراءة في محل الجر بالجار المقدر، على مذهب الخليل والكسائي، وفي محل النصب، على قول غيرهما، لأنه لما حذف الجار وصل الفعل إلى المفعول الثاني، مثل: أستغفر الله ذنبًا [[تقدم تخريج البيت [البقرة: 115].]] ........
وأمرتك الخيرَ [[تقدم تخريج البيت [البقرة: 83].]] .........
وهذا كما ذكرنا في قوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ [البقرة: 224]، وعلى قراءة العامة يكون في محل النصب لا غير؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقدير الجار، وعاب الفراء قراءةَ حمزة، فقال: أراد أن يعتبر قراءة عبد الله (إلا أن يخافوا) فلم يصبه؛ لأن الخوف في قراءة عبد الله واقع على أن، وفي قراءة حمزة على الرجل والمرأة [[ينظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 146.]]، فقال من نصر حمزة: إن بلغ الفراء ما يقوله بروايةٍ عن حمزة: أنه أراد اعتبار قراءة عبد الله، فهو كما قال، وإلا فإذا اتجه قراءَتُهُ على وجه صحيحٍ لم يَجُزْ أن ينسب إليه الخطأ، وقد قال عمر - رضي الله عنه -: لا تَحمِلْ فِعْلَ أخيك على القبيح ما وجدت له في الحَسَن مذهبًا [[ما تقدم كله ملخص من كلام أبي علي في "الحجة" 2/ 328 - 333.]].
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ كان من حق النظم أن يكون فإن خافا (يعنى الزوجين، ليشاكل قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾، وفي قراءة حمزة (فإن خِيْفَا) ليشاكلَ قراءته (يُخَافا)، إلا أنه لا يلزم هذا، لأمرين:
أحدهما: أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ ثم قال: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)﴾ [الروم: 39] ونظائره كثيرة.
وخاطب في هذه الآية الجماعة بعد ما أخبر عن اثنين؛ لأنّ ضمير الاثنين في ﴿يَخَافَاَ﴾ ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنما يراد به أن كل من هذا شأنه فهذا حكمه.
والآخرُ: أن قولَه: (فإن خفتم) خطابٌ [[ساقطة من (ي).]] لولاة الأمر والفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة، وقد خاطب الله تعالى في هذه الآية الجميعَ بقوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ ثم رجع إلى الزوجين فقال: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾، ثم رجع إلى المخاطبين بالجمع بينهم وبين الزوجين [[من قوله: فقال .. ساقطة من (ش).]] في لفظ واحد فقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا﴾ [[من "الحجة" 2/ 331 - 332 بتصرف.]].
ومثل هذا النظم قد جاء في الشعر، قال:
أبا واصلٍ [[في (أ): (واصلى).]] فاكْسُوهُما حُلَّتَيْهِما ... فإنكما إن تَفْعَلا فَتَيَانِ [[البيت لم أهتد لقائله ولا من ذكره.]]
نادى مفردًا ثم جمع بقوله: فاكسوهما، ثم ثنى [[في (أ) و (م): (كنى).]].
ومعنى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا﴾ أي: عَلِمْتُم وغَلَب على ظنكم، (أن لا يقيما حدود الله) في حسن العشرة وجميل الصحبة ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ المرأةُ نفسَها من الزوج.
وإنما قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ والمقصودُ رفعُ الحرجِ عن الزوجِ في استرجاع المَهْرِ عند الخُلْع، لأنه لو خصَّ الرجلَ بالذكر لأوهم ذلك أنها عاصية بالنشوز والافتداء بالمال، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير حق، فأدخلت في الذِّكْر ليزول هذا الوهم، وفيه وجوه سوى هذا ذكرناها في قوله: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 203] [[ينظر "معاني القرآن" للفراء 1/ 147، "تفسير الطبري" 2/ 466 - 465، "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 315، "تفسير الثعلبي" 2/ 1093 - 1094.]].
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الآية. يريد: ما حده الله من شرائع الدين [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 308، "تفسير الثعلبي" 2/ 1096.]]. وذكرنا معنى الحد فيما تقدم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية، قال عطاء: يريد: من يأخذ من أمرأته شيئًا وليست تريد أن تختلع منه، ويضارها ليأخذ منها شيئًا.
{"ayah":"ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ وَلَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُوا۟ مِمَّاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ شَیۡـًٔا إِلَّاۤ أَن یَخَافَاۤ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَا فِیمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق