الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم: هو دلالة على عدد الطلاق الذي يكون للرجل فيه الرجعة على زوجته، والعدد الذي تبين به زوجته منه.
* * *
* ذكر من قال إن هذه الآية أنزلت لأن أهل الجاهلية وأهل الإسلام قبل نزولها لم يكن لطلاقهم نهاية تبين بالانتهاء إليها امرأته منه ما راجعها في عدتها منه، فجعل الله تعالى ذكره لذلك حدًّا، حرَّم بانتهاء الطلاق إليه على الرجل امرأتَه المطلقة، إلا بعد زوج، وجعلها حينئذ أملك بنفسها منه. [[عند هذا الموضع انتهى التقسيم القديم في النسخة التي نقلت عنها نسختنا العتيقة ويلي هذا ما نصه:
"وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرًا
على الأصل
بلغ السماعُ من أوله لمحمد وعلى ابني أحمد بن عيسى السعدي وأحمد بن عمر الجهاري (؟؟) ونصر بن الحسين الطبري، ومحمد بن علي الأبهري بقراءة محمد بن أحمد بن عيسى على الإمام أبي الحسن الخصيبي وهو ينظر في كتابه، عن أبي محمد الفرغاني عن أبي جعفر الخصيبي في شعبان سنة ثمان وأربعمئة"]]
* * *
* [[ابتداء هذا التقسيم:
"بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ يَسِّرْ"]] ذكر الأخبار الواردة بما قلنا في ذلك:
٤٧٧٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل يطلق ما شاء ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته، فغضب رجل من الأنصار على امرأته، فقال لها: لا أقربُك ولا تحلّين مني. قالت له: كيف؟ قال: أطلِّقك، حتى إذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قال: فشكت ذلك إلى النبي ﷺ، فأنزل الله تعالى ذكره:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف"الآية.
٤٧٨٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن أبيه، قال رجل لامرأته على عهد النبي ﷺ: لا أؤيك، ولا أدَعك تحلّين. فقالت له: كيف تصنع؟ قال: أطلقك، فإذا دنا مُضِىُّ عدتك راجعتُك، فمتى تحلّين؟ فأتت النبي ﷺ، فأنزل الله:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فاستقبله الناس جديدًا، من كان طلق ومن لم يكن طلق. [[الحديثان: ٤٧٧٩، ٤٧٨٠- هما في معنى واحد بإسنادين إلى هشام بن عروة وهما مرسلان لأن عروة بن الزبير تابعي. وقد ثبت الحديث وصح موصولا كما سنذكر إن شاء الله.
وجرير- في الإسناد الأول: هو ابن عبد الحميد الضبي. وابن إدريس- في الإسناد الثاني: هو عبد الله بن إدريس الأودي.
والحديث رواه الترمذي ٢: ٢١٩ عن أبي كريب محمد بن العلاء -شيخ الطبري في الإسناد الثاني- بهذا الإسناد. ولم يذكر لفظه أحاله على الرواية الموصولة، كما سيأتي.
ورواه أيضًا -بنحوه- مالك في الموطأ ص: ٥٨٨ عن هشام بن عروة عن أبيه. مرسلا وكذلك رواه الشافعي عن مالك. (مسند الشافعي بترتيب الشيخ عابد السندي ٢: ٣٤) .
ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ٣٣٣ من طريق الشافعي عن مالك.
ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن جعفر بن عون عن هشام مرسلا. كما نقله عنه ابن كثير ١: ٥٣٧- ٥٣٨ وكذلك رواه البيهقي ٧: ٤٤٤ من طريق أبي أحمد محمد بن عبد الواب. عن جعفر ابن عون.
وكذلك رواه ابن أبي حاتم -في تفسيره- عن هارون بن إسحاق عن عبدة بن سليمان عن هشام ابن عروة عن أبيه مرسلا. نقله عنه ابن كثير ١: ٥٣٧.
وأما الرواية الموصولة: فإنه رواه الترمذي ٢: ٢١٨- ٢١٩ عن قتيبة بن سعيد عن يعلى بن ابن شيب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -بنحوه- مرفوعًا متصلا.
ورواه الحاكم ٢: ٢٧٩- ٢٨٠ من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب عن يعلى بن شيب به، نحوه وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يتكلم أحد في يعقوب بن حميد بحجة". وتعقبه الذهبي فقال: "قد ضعفه غير واحد"! وهذا عجب من الحافظ الذهبي كأن الحديث انفرد بوصله يعقوب هذ، حتى يقرر الخلاف بين توثيقه وتضعيفه، وأمامه في الترمذي رواية قتيبة عن يعلى!!
ورواه أيضًا البيهقي ٧: ٣٣٣ من طريق يعقوب بن حميد عن يعلى به. ثم قال: ورواه أيضًا قتيبة بن سعيد والحميدى عن يعلى بن شبيب وكذلك قال محمد بن إسحاق بن يسار بمعناه وروى نزول الآية فيه- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة".
ورواية ابن إسحاق -التي أشار إليها البيهقي- ذكرها ابن كثير ١: ٥٣٨ من رواية ابن مردويه من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة".
وذكر ابن كثير أيضًا -قبل ذلك بأسطر- أنه رواه ابن مردويه"من طريق محمد بن سليمان عن يعلى بن شبيب مولى الزبير، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. فذكره بنحوه ما تقدم". يريد رواية عبد بن حميد عن جعفر بن عون.
فهذان ثقتان روياه عن هشام بن عروة مرفوعًا والرفع زيادة تقبل من الثقة كما هو معروف. ولا يعل المرفوع بالموقوف بل يكون الموقوف ميدا للمرفوع ومؤكدًا لصحته.
فيعلى بن شبيب الأسدي مولى آل الزبير: ثقة: ذكره ابن حبان في الثقات. وترجمه البخاري في الكبير ٢٠ / ٤٠ / ٢٠ / ٤١٨ - ٤١٩ وابن أبي حاتم في ٤/٢/٣٠١- فلم يذكرا فيه جرحا. وقد رواه الأسدي. الملقب"لوين".
ومحمد بن إسحاق بن يسار: ثقة لا حجة لمن تكلم فيه.]]
٤٧٨١ - حدثنا محمد بن يحيى قال، أخبرنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، كان أهل الجاهلية كان الرجل يطلِّق الثلاث والعشر وأكثر من ذلك، ثم يراجعُ ما كانت في العِّدة، فجعل الله حد الطلاق ثلاث تطليقات. [[قوله: "كان أهل الجاهلية، كان الرجل. . . " قد مضى برقم: ٤٧٥١ في حديث قتادة أيضًا بنفس هذا الإسناد -مثل هذا التعبير العربي الفصيح، كما أشرنا إليه في التعليق ص: ٥٢٢]]
٤٧٨٢ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، كان أهل الجاهلية يطلِّق أحدهم امرأته ثم يراجعها، لا حَّد في ذلك، هي امرأته ما راجعها في عدتها، [[في المخطوطة: "ما داحقها في عدتها" تصحيف فيما أظن ولكن كيف يجيء مثل هذا التصحيف من كاتب!!]] فجعل الله حد ذلك يصير إلى ثلاثة قروء، وجعل حدَّ الطلاق ثلاث تطليقات.
٤٧٨٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:" الطلاق مرتان"، قال كان الطلاق- قبل أن يجعل الله الطلاق ثلاثًا- ليس له أمد يطلق الرجل امرأته مائة، ثم إن أراد أن يراجعها قبل أن تحلّ، كان ذلك له، وطلق رجلٌ امرأته، حتى إذا كادت أن تحلّ ارتجعها، ثم استأنفَ بها طلاقًا بعد ذلك ليضارّها بتركها، حتى إذا كان قبل انقضاء عدتها راجعها. وصنع ذلك مرارًا، فلما علم الله ذلك منه، جعل الطلاق ثلاثًا، مرتين، ثم بعد المرتين إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان.
٤٧٨٤ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، أما قوله: " الطلاق مرتان"، فهو الميقات الذي يكون عليها فيه الرجعة.
٤٧٨٥ - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله:" الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فيطلقها تطليقتين، فإن أراد أن يراجعها كانت له عليها رجعة، فإن شاء طلقها أخرى، فلم تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره.
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية على هذا الخبر الذي ذكرنا عدد الطلاق الذي لكم أيها الناس فيه على أزواجكم الرجعة= إذا كن مدخولا بهن= تطليقتان. ثم الواجب على من راجع منكم بعد التطليقتين، إمساكٌ بمعروف، أو تسريح بإحسان، لأنه لا رجعة له بعد التطليقتين إن سرحها فطلقها الثالثة.
* * *
وقال آخرون إنما أنزلت هذه الآية على نبيّ الله ﷺ تعريفًا من الله تعالى ذكره عبادَه سنة طلاقهم نساءهم إذا أرادوا طلاقهن- لا دلالةً على العدد الذي تبين به المرأة من زوجها. [[في المطبوعة: "لا دلالة على القدر" تصحيف وتحريف، والصواب من المخطوطة.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٧٨٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله:" الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: يطلقها بعد ما تطهر من قبل جماع، ثم يدعها حتى تطهر مرة أخرى، ثم يطلقها إن شاء، ثم إن أراد أن يراجعها راجعها، ثم إن شاء طلقها، وإلا تركها حتى تتم ثلاث حيض وتبينُ منه به. [[الأثر: ٤٧٨٦ -أخرجه النسائي في السنن ٦: ١٤٠ بغير هذا اللفظ وكذلك البيهقي في السنن ٧: ٣٣٢ وابن ماجه ١: ٦٥١.]]
٤٧٨٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" قال: إذا طلق الرجل امرأته تطليقتين، فليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها، أو يسرحها بإحسان فلا يظلمها من حقها شيئًا.
٤٧٨٨ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، قال: يطلق الرجل امرأته طاهرًا من غير جماع، فإذا حاضت ثم طهرت فقد تم القرء، ثم يطلق الثانية كما يطلق الأولى، إن أحب أن يفعل، [[في المخطوطة والمطبوعة: "فإن أحب أن يفعل" بزيادة الفاء وهو لا يستقيم.]] فإذا طلق الثانية ثم حاضت الحيضة الثانية فهما تطليقتان وقرءان، [[قوله: /"وقرءان" هو مثنى"قرء".]] ثم قال الله تعالى ذكره في الثالثة:" إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان"، فيطلقها في ذلك القرء كله إن شاء حين تجمع عليها ثيابها. [[في المخطوطة"تجمع عليه" وهو خطأ. يقال: جمعت علي ثيابي إذ لبست الثياب التي تبرز بها إلى الناس من إزار ورداء وعمامة. وجمعت المرأة ثيابها: لبست الدرع والملحقة والخمار. وكني بقوله: "جمعت عليها ثيابها" عن غسلها من حيضتها ولبسها ثيابها في طهر.]]
٤٧٨٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بنحوه- إلا أنه قال: فحاضت الحيضة الثانية، كما طلق الأولى، فهذان تطليقتان وقرءان، ثمّ قال: الثالثة- وسائرُ الحديث مثل حديث محمد بن عمرو، عن أبى عاصم.
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الآية على قول هؤلاء: سنة الطلاق التي سننتها وأبحتها لكم إن أردتم طلاقَ نسائكم، أن تطلقوهن ثنتين في كل طهر واحدة، ثمّ الواجب بعد ذلك عليكم: إما أن تمسكوهنّ بمعروف، أو تسرحوهن بإحسان.
* * *
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بظاهر التنزيل ما قاله عروة وقتادة ومن قال مثل قولهما من أن الآية إنما هي دليل على عدد الطلاق الذي يكون به التحريم، وبُطولُ الرجعة فيه، والذي يكون فيه الرجعة منه. وذلك أن الله تعالى ذكره قال في الآية التي تتلوها: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ ، فعرَّف عباده القدرَ الذي به تحرُم المرأة على زوجها إلا بعد زوجٍ- ولم يبين فيها الوقتَ الذي يجوز الطلاق فيه، والوقتَ الذي لا يجوز ذلك فيه، فيكون موجَّهًا تأويلُ الآية إلى ما روي عن ابن مسعود ومجاهد ومن قال بمثل قولهما فيه.
* * *
وأما قوله:" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، فإنّ في تأويله وفيما عُني به اختلافًا بين أهل التأويل.
فقال بعضهم: عنى الله تعالى ذكره بذلك الدلالة على اللازم للأزواج المطلقات اثنتين [[في المخطوطة: "اللازم للأزواج المطلقات اثنتين" وفي المطبوعة: "اللازم للأزواج المطلقات" والذي أثبته أجود العبارات الثلاث.]] بعد مراجعتهم إياهن من التطليقة الثانية- من عشرتهن بالمعروف، أو فراقهن بطلاق. [[في المخطوطة: "أو بفراقهن" بزيادة"باء" لا محل لها هنا.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٧٩٠ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قلت لعطاء:"الطلاق مرتان"، قال: يقول عند الثالثة: إما أن يمسك بمعروف، وإما أن يسرح بإحسان. وغيره قالها [[في المطبوعة: "وغيرها قالها" والصواب من المخطوطة - ويعني: وغيره قال هذه المقالة، ثم ذكر مقالة مجاهد في تأويل الآية. هذا ما رأيت إلا أن يكون في الكلام تصحيف.]] قال: وقال مجاهد: الرجل أملك بامرأته في تطليقتين من غيره، فإذا تكلم الثالثة فليست منه بسبيل، وتعتدّ لغيره.
٤٧٩١ - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين قال، أتى النبي ﷺ رجل فقال: يا رسول الله أرأيت قوله:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" فأين الثالثة؟ قال رسول الله ﷺ:"إمساكٌ بمعروف، أو تسريحٌ بإحسان" هي الثالثة".
٤٧٩٢ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، قالا حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين قال، جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله،"الطلاق مرتان"، فأين الثالثة؟ قال:"إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان".
٤٧٩٣ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن إسماعيل، عن أبي رزين قال، قال رجل: يا رسول الله، يقول الله:" الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف" فأين الثالثة؟ قال:"التسريح بإحسان". [[الأحاديث: ٤٧٩١- ٤٧٩٣ كلها حديث واحد بأسانيد ثلاثة. وهو حديث مرسل ضعيف كما سنذكر إن شاء الله.
* سفيان في الإسناد الثاني: هو الثوري كما في الإسناد الثالث.
* إسماعيل بن سميع -بضم السين مصغرًا- الحنفي: ثقة مأمون كما قال ابن معين. ومن تكلم فيه فإنما تكلم من أجل أنه كان يرى رأي الخوارج.
* أبو رزين -بفتح الراء وكسر الزاي: هو الأسدي أسد خزيمة واسمه"مسعود" وهو تابعي كوفي ثقة. وبعضهم يقول: "مسعود بن مالك" فيشتبه براو آخر اسمه"مسعود بن مالك بن معبد" مولى سعيد بن جبير وهو متأخر عن أبي رزين. وقد حققنا ذلك مفصلا في المسند: ٣٥٥١، ٧٤٣٢م، وفي الاستدراك فيه: ٧٠٧.
* و"أبو رزين الأسدي" هذا تابعي كما قلنا. وهو غير"أبي رزين العقيلي" ذاك صحابي اسمه"لقيط بن عامر" مضت ترجمته: ٣٢٢٣.
* والإسناد: ٤٧٩٣- هو في تفسير عبد الرزاق ص: ٢٨- ٢٩. وفيه: "أسمع الله يقول" بدل"يقول الله" وكذلك هو في المصنف لعبد الرزاق ج ٣ ص ٣٠١.
* والحديث ذكره ابن كثير ١: ٥٣٨- ٥٣٩ من رواية بن أبي حاتم. وعبد بن حميد وسعيد ابن منصور وابن مردويه- بأسانيدهم، كلهم عن أبي رزين بنحوه مرسلا. وكذلك رواه البيهقي ٧: ٣٤٠ بإسناده من رواية سعيد بن منصور.
* وهم الحافظ ابن كثير -رحمه الله- وهمًا شديدًا إذ نسب هذا الحديث المرسل لرواية المسند فقال: "ورواه الإمام أحمد أيضًا".
* والحديث ذكره السيوطي ١: ٢٧٧ وزاد نسبته لوكيع. وأبي داود في ناسخه وابن المنذر والنحاس.
* وسيقول أبو جعفر بعد قليل مشيرا إلى هذا الحديث: "فإن اتباع الخبر عن رسول الله ﷺ أولى بنا من غيره". وهذا ذهاب منه إلى الاحتجاج بالحديث المرسل. وهو مذهب يختاره بعض اهل العلم.
* وقد رددت على أبي جعفر -رحمه الله- في كتاب نظام الطلاق في الإسلام في الفقرة: ٢٩ بعد أن ذكرت كلامه- فقلت: "ونعم إن الخبر عن رسول الله ﷺ أولى بنا من غيره وعلى العين والرأس ما ورد عنه عليه الصلاة والسلام إذا كان صحيحًا ثابتًا. ولكن خبر أبي رزين هذا غير صحيح فإنه مرسل غير موصول. لأن أبا رزين الأسدي تابعي وليس صحابيًا. والمرسل لا حجة فيه، لأنه عن راو مجهول ثم إنه خبر باطل المعنى جدًا. وحاشا رسول الله ﷺ أن يفسر الطلقة الثالثة بهذا، وهي ثابتة في الآية التي بعدهافي سياق الكلام: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره) . وإلا كانت طلقة رابعة. وهو خلاف المعلوم من الدين بالضرورة".]]
٤٧٩٤ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد:" أو تسريح بإحسان" قال في الثالثة.
٤٧٩٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة قال: كان الطلاق ليس له وقت حتى أنزل الله:" الطلاق مرتان" قال: الثالثة:" إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان".
* * *
وقال آخرون منهم: بل عنى الله بذلك الدلالة على ما يلزمهم لهن بعد التطليقة الثانية من مراجعة بمعروف أو تسريح بإحسان، بترك رجعتهن حتى تنقضي عدتهن، فيصرن أملك لأنفسهن. وأنكروا قول الأولين الذين قالوا: إنه دليل على التطليقة الثالثة.
* ذكر من قال ذلك:
٤٧٩٦ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله: ذلك:" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، إذا طلق واحدة أو اثنتين، إما أن يمسك ="ويمسك": يراجع = بمعروف، وإما سكت عنها حتى تنقضي عدتها فتكون أحق بنفسها.
٤٧٩٧ - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك:" أو تسريح بإحسان" والتسريحُ: أن يدعها حتى تمضي عدتها. [[الأثر: ٤٧٩٧-"علي بن عبد الأعلى" لم أجد في شيوخ الطبري من يسمى"علي ابن عبد الأعى" وسيأتي في الأثر: ٤٧٩٩"علي بن عبد الأعلى المحاربي" ورقم: ٤٨٠٤. والذي يكثر الرواية عنه في التفسير هو"محمد بن عبد الأعلى الصنعاني فلا أدري ما الصواب.]]
٤٧٩٨ - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:" الطلاق مرّتان فإمساك بمعروف أو تصريح بإحسان"، قال: يعني تطليقتين بينهما مراجعة، فأمر أن يمسك أو يسرّح بإحسان. قال: فإن هو طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره.
* * *
قال أبو جعفر: وكأن قائلي هذا القول الذي ذكرناه عن السدي والضحاك ذهبوا إلى أنّ معنى الكلام: الطلاق مرتان، فإمساك في كل واحدةٍ منهما لهن بمعروف، أو تسريحٌ لهن بإحسان.
وهذا مذهب مما يحتمله ظاهرُ التنزيل، لولا الخبرُ الذي ذكرته عن النبي ﷺ، الذي رواه إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين، فإنّ اتباع الخبر عن رسول الله ﷺ أولى بنا من غيره.
فإذْ كان ذلك هو الواجب، فبيِّنٌ أن تأويلَ الآية: الطلاقُ الذي لأزواج النساء على نسائهم فيه الرجعة، مرتان. ثم الأمرُ بعد ذلك إذا راجعوهن في الثانية، إما إمساكٌ بمعروف، وإما تسريح منهم لهن بإحسان بالتطليقة الثالثة حتى تبينَ منهم، فيبطل ما كان لهم عليهنّ من الرجعة، ويصرن أملك بأنفسهن منهن. [[في المطبوعة: "أملك لأنفسهن" وأثبت ما في المخطوطة.]]
* * *
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وما ذلك الإمساك الذي هو بمعروف؟ قيل: هو ما:-
٤٧٩٩ - حدثنا به علي بن عبد الأعلى المحاربي قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:" فإمساك بمعروف"، قال: المعروف: أن يحسن صحبتها. [[الأثر: ٤٧٩٩- انظر التعليق السالف على الأثر رقم: ٤٧٩٧.]]
٤٨٠٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"فإمساك بمعروف"، قال: ليتق الله في التطليقة الثالثة، فإما أن يمسكها بمعروف فيحسن صحابتها.
* * *
فإن قال: فما التسريح بإحسان؟
قيل: هو ما:-
٤٨٠١ - حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" أو تسريح بإحسان"، قيل: يسرحها، ولا يظلمها من حقها شيئًا. [[الأثر: ٤٨٠٠، ٤٨٠١- هما بعض الأثر السالف رقم: ٤٧٨٧. وفي المطبوعة والمخطوطة في رقم: ٤٨٠١"قيل: يسرحها. . . " والصواب ما أثبت.]]
٤٨٠٢ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، قال: هو الميثاق الغليظ. [[سيأتي تفسير"الميثاق الغليظ" بعد قليل في رقم: ٤٨٠٥.]]
٤٨٠٣ - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" أو تسريح بإحسان" قال: الإحسان: أن يوفيها حقها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها.
٤٨٠٤ - حدثنا علي بن عبد الأعلى قال، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك:" أو تسريحٌ بإحسان"، قال: التسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي عِدَّتها، ويعطيها مهرًا إن كان لها عليه إذا طلَّقها. فذلك التسريح بإحسان، والمتعة على قَدْر الميسرة.
٤٨٠٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس في قوله:" وأخذن منكم ميثاقًا غليظًا"قال قوله:" فإمساك بمعروف أو تسريحٌ بإحسان".
* * *
فإن قال: فما الرافع للإمساك والتسريح؟
قيل: محذوف اكتُفي بدلالة ما ظهر من الكلام من ذكره، ومعناه: الطلاق مرتان، فالأمر الواجبُ حينئذ به إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان. وقد بينا ذلك مفسرًا في قوله: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ﴾ [سورة البقرة: ١٧٨] فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. [[انظر ما سلف ٣: ٣٧٢.]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا"، ولا يحل لكم أيها الرجال، أن تأخذوا من نسائكم، إذا أنتم أردتم طلاقهن- لطلاقكم وفراقكم إياهن [[في المطبوعة: "بطلاقكم" بالباء والصواب من المخطوطة.]] شيئا مما أعطيتموهن من الصداق، وسقتم إليهن، بل الواجب عليكم تسريحهن بإحسان، وذلك إيفاؤهن حقوقهن من الصداق والمتعة وغير ذلك مما يجب لهن عليكم"إلا أن يخافا إلا يقيما حدود الله".
* * *
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم:"إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، وذلك قراءة معظم أهل الحجاز والبصرة بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: ﴿إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله﴾ .
٤٨٠٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني ثور، عن ميمون بن مهران قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة. قال: فذكرت ذلك لأيوب، فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة، فقرأناه فإذا فيه: ﴿إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله، فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره﴾ .
* * *
والعرب قد تضع"الظن" موضع"الخوف"،"والخوف" موضع"الظن" في كلامها، لتقارب معنييهما، [[هذا بيان فلما تصيبه في كتب اللغة وانظر معاني القرآن للفراء ١: ١٤٥- ١٤٦ ففيه بيان أوفى.]] كما قال الشاعر: [[هو أبو الغول الطهوي وهو شاعر إسلامي كان في الدولة المروانية.]]
أتاني كلام عن نصيب يقوله ... وما خفت يا سلام أنك عائبي [[البيت في نوادر أبي زيد: ٤٦ ومعاني القرآن للفراء ١: ١٤٦ وسيأتي في التفسير ٥: ٤٠ (بولاق) ولم أجد خبر"نصيب" و"سلام" وربما كان نصيب هذا هو أبو الحجناء نصيب الأسود مولى عبد العزيز بن مروان. فإن أبا الغول، كما أسلفت شاعر إسلامي كان في الدولة المروانية وهجا حمادا (الأغاني ٥: ١٦٢) وقال له أيضًا فيما روى أبو زيد في نوادره ص: ٤٦.
ولقد ملأت على نصيب جلده بمساءة إن الصديق يعاتب]]
بمعنى: ما ظننت.
* * *
وقرأه آخرون من أهل المدينة والكوفة: ﴿إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله﴾ .
فأما قارئ ذلك كذلك من أهل الكوفة، [[هو الإمام الكوفي الحبر حمزة بن حبيب الزياتأحد القراء السبعة.]] فإنه ذكر عنه أنه قرأه كذلك [[الذي ذكر هذا هو الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٦ ولكن عبارة الفراء تدل على أنه ظن ذلك واستخرجه لا أن حمزة قرأها كذلك يقينا غير شك. ونص الفراء: "وأما ما قال فإنه إن كان أراد اعتبار قراءة عبد الله فلم تصبه- والله أعلم". فإن يكن الطبري أخذه عن الفراء فهذا كلام الفراء وإن اخذه من غيره فهو ثقة فيما ينقل.]] اعتبارا منه بقراءة ابن مسعود، وذكر أنه في قراءة ابن مسعود: ﴿إلا أن تخافوا ألا يقيما حدود الله﴾ . وقراءة ذلك كذلك، اعتبارا بقراءة ابن مسعود التي ذكرت عنه، خطأ وذلك أن ابن مسعود إن كان قرأه كما ذكر عنه، فإنما أعمل الخوف في"أن" وحدها، وذلك غير مدفوعة صحته، كما قال الشاعر: [[هو أبو محجن الثقفي.]]
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها [[ديوانه: ٢٣ ومعاني القرآن للفراء ١: ١٤٦ والخزانة ٣: ٥٥٠ وغيرها كثير وخبر أبي محجن في الخمر وحبها مشهور.]] ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها [[هذا البيت شاهد للنحاة على تخفيف"أن" لوقوعها بعد الخوف بمعنى العلم واليقين واسمها ضمير شأن محذوف، أو ضمير متكلم وجملة"لا أذوقها" في محل رفع، خبرها.]]
فأما قارئه:" إلا أن يخافا" بذلك المعنى، فقد أعمل في متروكة تسميته، [[يعني أن الفعل قد عمل في نائب الفاعل وفي جملة"أن المخففة من"أن" كما سيظهر من بيان كلامه. وقد بين ذلك أيضًا الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٦- ١٤٧.]] وفي"أن"- فأعمله في ثلاثة أشياء: المتروك الذي هو اسم ما لم يسم فاعله، وفي"أن" التي تنوب عن شيئين، [[يعني بقوله: "أن التي تنوب عن شيئين" أنها في موضع المفعولين، تسد مسدهما.]] ولا تقول العرب في كلامها:" ظنا أن يقوما".
ولكن قراءة ذلك كذلك صحيحة، على غير الوجه الذي قرأه من ذكرنا قراءته كذلك، اعتبارا بقراءة عبد الله الذي وصفنا، ولكن على أن يكون مرادا به إذا قرئ كذلك: إلا أن يخاف بأن لا يقيما حدود الله- أو على أن لا يقيما حدود الله، فيكون العامل في"أن" غير"الخوف"، ويكون"الخوف"، عاملا فيما لم يسم فاعله. [[هذا كله قد بينه الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٦- ١٤٧ كما أسلفنا.]] وذلك هو الصواب عندنا من القراءة [[في المطبوعة: "في القراءة" والأجود ما في المخطوطة.]] لدلالة ما بعده على صحته، وهو قوله:" فإن خفتم ألا يقيما حدود الله"، فكان بينا أن الأول بمعنى: إلا أن تخافوا أن لا يقيما حدود الله.
* * *
فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله، حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟
قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق، ويخاف على زوجها - بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له - تركه أداء الواجب لها عليه. فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه، والحال التي أباح النبي ﷺ لثابت بن قيس بن شماس أخذ ما كان آتى زوجته إذ نشزت عليه، بغضا منها له، كما:-
٤٨٠٧ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، قرأت على فضيل، عن أبي حريز أنه سأل عكرمة، هل كان للخلع أصل؟ قال: كان ابن عباس يقول: إن أول خلع كان في الإسلام، أخت عبد الله بن أبي، أنها أتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله لا يجمع رأسي ورأسه شيء أبدا! إني رفعت جانب الخباء، فرأيته أقبل في عدة، فإذا هو أشدهم سوادا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجها! قال زوجها: يا رسول الله، إني أعطيتها أفضل مالي! حديقة، فإن ردت على حديقتي! قال:"ما تقولين؟ " قالت: نعم، وإن شاء زدته! قال: ففرق بينهما. [[الحديث: ٤٨٠٧- المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي: ثقة روى عنه الأئمة: ابن مهدي وعبد الرزاق وأحمد وإسحاق وغيرهم.
فضيل- بالتصغير: هو ابن ميسرة الأزدي العقيلي وهو ثقة وثقه ابن معين وغيره.
أبو حريز: هو عبد الله بن الحيسين الأزدي البصري، قاضي سجستان وهو مختلف فيه، والحق أنه ثقة وثقه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما.
و"أبو حريز": بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاي معجمة. ووقع في المطبوعة وابن كثير وفتح الباري"أبو جرير" وهو تصحيف ووقع في الإصابة"ابن جرير" وهو خطأ إلى خطأ.
وهذا الحديث صحيح الإسناد. وقد نقله ابن كثير ١: ٥٤٢ عن هذا الموضع. وذكره السيوطي ١: ٢٨٠- ٢٨١ ولم ينسباه لغير الطبري ونقله الحافظ في الفتح ٩: ٣٥١ قال: "وفي رواية معتمر بن سليمان. . . " فذكر نحوه مع شيء من الاختلاف في اللفظ. فدل على أنه نقله من رواية أخرى. ولكنه لم يبين من خرجه كعادته. سها رحمه الله. وأشار إليه في الإصابة ٨: ٤٠ في السطر ٣ وما بعده. منسوبا للطبري فقط.
وقد ثبت نحو معناه من حديث ابن عباس. رواه البخاري ٩: ٣٤٩- ٣٥٢. بأسانيد. ونقله ابن كثير عن روايات البخاري ١: ٥٤١- ٥٤٢ ثم قال: "وهذا الحديث من أفراد البخاري من هذا الوجه". ثم نقل نحوه من رواية الإمام أبي عبد الله بن بطة بإسناده عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس. ثم ذكر أنه رواه ابن مردويه في تفسيره، وابن ماجه ثم قال: "وهو إسناد جيد مستقيم". ورواية ابن ماجه - هي في السنن برقم: ٢٠٥٦.
وقوله: "أخت عبد الله بن أبي": هي جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين. وهي أخت عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول الصحابي الجليل. نسبت هي وأخوها إلى جدهما اختصارا. وهذا هو الصحيح الذي رجحه الحافظ وغيره.
ولم يذكر في هذه الرواية -في الطبري- اسم زوجها الذي اختلعت منه، وهو ثابت بن قيس بن شماس كما دلت على ذلك الروايات الأخر. وقد ولدت لزوجها ثابت هذا ابنه محمد بن ثابت وهو مترجم في الإصابة ٦: ١٥٢ وابن سعد ٥: ٥٨- ٥٩. وقد جزم بأن أمه هي جميلة بنت عبد الله ابن أبي". وقد أبت أمه أن ترضعه بما أبغضت أباه فجاء به إلى رسول الله ﷺ"فبزق في فيه وحنكه وسماه محمدا. وقال: اختلف به فإن الله رازقه. فأتيته اليوم الأول والثاني والثالث فإذا امرأة من العرب تسأل عن ثابت بن قيس فقلت: ما تريدين منه؟ أنا ثابت. فقالت: أريت في منامي كأني أرضع ابنا له يقال له: محمد فقال: فأنا ثابت وهذا ابني محمد. قال: وإذا درعها يعتصر من لبنها". رواه الحاكم في المستدرك ٢: ٢١٠- ٢١١ وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي وهو إسناد صحيح متصل لأن السياق يدل على أن محمدا هذا سمعه من أبيه وحدث به عنه. وقد ذكره الحافظ في ترجمته في الإصابة، بنحو من هذا.
وهو ييد أن المختلعة من ثابت هي جميلة هذه.
ووقع في المطبوعة: "فلتردد على حديقتي". والصواب ما أثبتنا: "فإن ردت علي حديقتي". صححناه من المخطوطة وابن كثير والسيوطي. وجواب الشرط محذوف كما هو ظاهر. وهذا فصيح كثير في كلام البلغاء.
وانظر: ٤٨١٠.]]
٤٨٠٨ - حدثني محمد بن معمر قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا أبو عمرو السدوسي، عن عبد الله- يعني ابن أبي بكر-، عن عمرة عن عائشة: أن حبيبة بنت سهل كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، [[في المطبوعة: "بنت سهل" وأثبت ما في المخطوطة.]] فضربها فكسر نغضها، فأتت رسول الله ﷺ بعد الصبح، فاشتكته، فدعا رسول الله ثابتا، فقال: خذ بعض مالها وفارقها. قال: ويصلح ذاك يا رسول الله؟ قال: نعم. قال، فإني أصدقتها حديقتين، وهما بيدها. فقال النبي ﷺ:"خذهما وفارقها. ففعل. [[الحديث: ٤٨٠٨- أبو عامر: هو العقدي. عبد الملك بن عمرو.
أبو عمرو السدوسي: هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام المدني وهو ثقة. قال أبو سلمة التبوذكي: "ما رأيت كتابا أصح من كتابه". وذكره ابن حبان في الثقات. ولم يعرفه ابن معين حق معرفته كما حكى عنه ابن أبي حاتم وضعفه النسائي. ولكن ترجمه البخاري في الكبير ٢/١/٤٣٨ فلم يذكر فيه حرجا. وهذا كاف في توثيقه خصوصا وقد أخرج له مسلم في صحيحه.
ولم يجزم البخاري بأن سعيد بن سلمة هو أبو عمرو راوي هذا الحديث، فقال: "وقال أبو عامر: حدثنا أبو عمرو السدوسي المدني. فلا أدري هو هذا أم غيره؟ ".
وترجم في التهذيب في الأسماء ٤: ٤١- ٤٢ وفي الكنى ١٢: ١٨١- ١٨٢ وأثبت الحافظ بالدلائل القوية أنهما راو واحد كما سيتبين من التخريج إن شاء الله.
عبد الله: هو ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم.
والحديث رواه أبو داود: ٢٢٢٨ عن محمد بن معمر -شيخ الطبري فيه- بهذا الإسناد.
وذكره ابن كثير ١: ٥٤١ عن أبي داود والطبري. ثم قال: "وأبو عمرو السدوسي: هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام".
وذكره الحافظ في التهذيب ٤: ٤١- ٤٢ موجزا من رواية أبي داود ثم قال: "وروى هذا الحديث أحمد بن محمد بن شعيب الرجالي عن محمد بن معمر عن أبي عامر العقدي عن سعيد بن سلمة عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده. فدلت هذه الرواية على أن أبا عمرو المذكور في رواية أبي داود-: هو سعيد بن سلمة". ثم قال: "وسيأتي في الكنى ما يقرر أنهما واحد" ثم قال في"الكنى" من التهذيب ١٢: ١٨١- ١٨٢: "روى أبو محمد بن صاعد في الجزء الخامس من حديثه. حدثنا محمد ابن معمر القيسي حدثنا أبو عامر العقدي حدثنا أبو عمرو السدوسي هو سعيد بن سلمة. حدثنا هشام بن علي السيرافي بالبصرة حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام حدثني عبد الله بن أبي بكر- فذكر ذلك الحديث بعينه. فتعين أن أبا عمرو المديني السدوسي المذكور هو سعيد بن سلمة".
ورواه أيضًا البيهقي ٧: ٣١٥ من طريق هشام بن علي، عن عبد الله بن رجاء: "أخبرنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام حدثنا عبد الله بن أبي بكر. . . " فذكره بزيادة في آخره.
وهذه الطريق مثل الطريق التي حكاها الحافظ آنفًا عن أبي محمد بن صاعد وهي تيد ما قاله وقلناه.
وذكره السيوطي ١: ٢٨٠، وزاد نسبته لعبد الرزاق ولم أجده في التفسير ولا في المنصف لعبد الرزاق ولعله خفي على موضعه في واحد منهما.
قوله"فكسر نغصها"- النغص، بضم النون وسكون الغين المعجمة وآخره ضاد معجمة: العظم الرقيق على طرف الكتف. وهذا هو الصواب في هذا الحرف هنا. وثبت في المطبوعة"بعضها" وكذلك في النسخ المطبوعة من سنن أبي داود إلا في نسخة بهامش طبعة الهند ذكرت على الصواب. وهو الصحيح الثابت في مخطوطة الشيخ عابد السندي واضحة مضبوطة لا تحتمل تصحيفا. وييد ذلك ويقويه: أن رواية البيهقي"فكسر يدها" وأما كلمة"بعضها"- فإنها قلقة في هذا الموضع غير مستساغة.
وانظر الحديث التالي لهذا.]]
٤٨٠٩ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا روح قال، حدثنا مالك، عن يحيى، عن عمرة أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصارية: أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله ﷺ رآها عند بابه بالغلس، فقال رسول الله ﷺ من هذه؟ قالت: أنا حبيبة بنت سهل، لا أنا ولا ثابت بن قيس!! = لزوجها= فلما جاء ثابت قال له رسول الله ﷺ: وهذه حبيبة بنت سهل تذكر ما شاء الله أن تذكر! . فقالت حبيبة: يا رسول الله، كل ما أعطانيه عندي. فقال رسول الله ﷺ: خذ منها. فأخذ منها، وجلست في بيتها. [[الحديث: ٤٨٠٩- ابن بشار: هو محمد بن بشار شيخ الطبري وأصحاب الكتب الستة مضت ترجمته في: ٣٠٤ ووقع في المطبوعة"أبو يسار"!! وهو تصحيف قبيح. صحح من المخطوطة. روح: هو ابن عبادة.
يحيى- شيخ مالك: هو الأنصاري. النجاري مضت ترجمته: ٢١٥٤ ووقع هناك في ترجمته"البخاري" وهو خطأ مطبعي. ومضى على الصواب في: ٣٣٩٥. وهو"يحيى بن سعيد بن قيس بن عمرو بن سهل بن ثعلبة". فتكون"بيبة بنت سهل بن ثعلبة" صاحبة الحديث والقصة- عمة جده"قيس بن عمرو".
والحديث في الموطأ ص: ٥٦٤. ورواه الشافعي عن مالك في الأم ٥: ١٠١، ١٧٩.
ورواه أحمد في المسند ٦: ٤٣٣- ٤٣٤ (حلبي) عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك. ورواه أبو داود ٢٢٢٧، عغن القعنبي عن مالك ورواه النسائي ٢: ١٠٤ من طريق ابن القاسم عن مالك ورواه ابن حبان في صحيحه ٦: ٤٣٦- ٤٣٧ (من مخطوطة الإحسان) من طريق أبي مصعب أحمد بن أبي بكر، عن مالك ورواه البيهقي ٧: ٣١٢- ٣١٣ من طريق أبي داود.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (مخطوط مصور) ج ٤ في الورقة: ١٧ عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد به.
ورواه الشافعي في الأم -في الموضعين عقب روايته عن مالك- عن سفيان بن عيينة عن يحيى ابن سعيد.
ورواه ابن سعد في الطبقات ٨: ٣٢٦ في ترجمة"حبيبة"- عن يزيد بن هرون عن يحيى بن سعيد عن عمرة: "أن حبيبة بنت سهل. . . " فذكره مرسلا.
ثم رواه عن عارم بن الفضل عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد -فذكره معضلا حذف منه التابعية والصحابية وقد تبين من الروايات السابقة أن هذا والذي قبله متصلان على ما في ظاهرهما من الانقطاع. وذكره متصلا ابن كثير ١: ٥٤١ والسيوطي ١: ٢٨٠.]]
٤٨١٠ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسن بن واقد، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن جميلة بنت أبي ابن سلول، أنها كانت عند ثابت بن قيس فنشزت عليه، فأرسل إليها النبي ﷺ، فقال:"يا جميلة، ما كرهت من ثابت؟ قالت: والله ما كرهت منه دينا ولا خلقا، إلا أني كرهت دمامته! فقال لها: أتردين الحديقة" قالت: نعم! فردت الحديقة وفرق بينهما. [[الحديث: ٤٨١٠- يحيى بن واضح: هو أبو تميلة مضت ترجمته في: ٣٩٢.
الحسين بن واقد المروزي قاضي مرو: ثقة وثقه ابن معين وأثنى عليه أحمد. وقال فيه ابن المبارك: "ومن لنا مثل الحسين". ووقع في المطبوعة"الحسن" وهو خطأ بين. ثابت: هو البناني.
عبد الله بن رباح الأنصاري: تابعي ثقة، وثقه ابن سعد والنسائي وغيرهما وقال ابن خراش: "وهو رجل جليل".
وهذا الإسناد صحيح. ولم أجده إلا عند الطبري هنا وعند ابن عبد البر في الاستيعاب فرواه ابن عبد البر ص: ٧٣٢- ٧٣٣ عن عبد الوارث بن سفيان عن قاسم بن أصبغ عن أحمد بن زهير عن محمد بن حميد الرازي -شيخ الطبري هنا- بهذا الإسناد.
وقد تبين من هذه الأحاديث الأربعة: ٤٨٠٧- ٤٨١٠ ومن غيرها من الروايات الصحيحة -الاختلاف فيمن اختلعت من ثابت بن قيس بن شماس: أهي جميلة بنت عبد الله بن أبي سلول أم حبيبة بنت سهل؟ فالراجح أنهما كلتاهما اختلعتا منه. وهو الذي رجحه الحافظ في الفتح ٩: ٣٥٠ وارتضاه. قال: "والذي يظهر أنهما قصتان وقعتا لامرأتين. لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين".
وانظر الإصابة ٨: ٣٩- ٤٠، ٤٢، ٤٩.]]
* * *
قال أبو جعفر: وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في شأنهما- أعني في شأن ثابت بن قيس وزوجته هذه.
٤٨١١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، نزلت هذه الآية في ثابت بن قيس وفي حبيبة قال، وكانت اشتكته إلى رسول الله ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: تردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم! فدعاه رسول الله ﷺ فذكر ذلك له، فقال: ويطيب لي ذلك؟ قال:"نعم"، قال ثابت: قد فعلت فنزلت:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها".
* * *
وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في معنى"الخوف" منهما أن لا يقيما حدود الله.
فقال بعضهم: ذلك هو أن يظهر من المرأة سوء الخلق والعشرة لزوجها، فإذا ظهر ذلك منها له، حل له أن يأخذ ما أعطته من فدية على فراقها.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨١٢ - حدثني علي بن داود قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قبلها، فتدعوك إلى أن تفتدي منك، فلا جناح عليك فيما افتدت به.
٤٨١٣ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، قال ابن جريح: أخبرني هشام بن عروة أن عروة كان يقول: لا يحل الفداء حتى يكون الفساد من قبلها، ولم يكن يقول:"لا يحل له"، حتى تقول:"لا أبر لك قسما، ولا اغتسل لك من جنابة".
٤٨١٤ - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج قال، أخبرني عمرو بن دينار قال، قال جابر بن زيد: إذا كان الشر من قبلها حل الفداء. [[في المطبوعة: "إذا كان النشز" كأنه ظنه مصدر"نشز" ولكن المصدر"نشوز" لا غير وهذا وهم من الطابع. أما المخطوطة ففيها ما أثبته وهو الصواب المحض.]]
٤٨١٥- حدثنا الربيع بن سليمان قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة أن أباه كان يقول إذا كان سوء الخلق وسوء العشرة من قبل المرأة فذاك يحل خلعها.
٤٨١٦ - حدثني علي بن سهل قال، حدثنا محمد بن كثير، عن حماد، عن هشام، عن أبيه أنه قال: لا يصلح الخلع، حتى يكون الفساد من قبل المرأة.
٤٨١٧ - حدثنا عبد الحميد بن بيان القناد قال، حدثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في امرأة قالت لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة! قال: ما هذا- وحرك يده-"لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا"!! إذا كرهت المرأة زوجها فليأخذه وليتركها.
٤٨١٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الوهاب قال، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها، فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكما من أهله وحكما من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: تفعل بها كذا وتفعل بها كذا! ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا وتفعل به كذا. فأيهما كان أظلم رده السلطان وأخذ فوق يده، وإن كانت ناشزا أمره أن يخلع.
٤٨١٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:" الطلاق مرتان فإمساك بمعروف" إلى قوله:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به". قال: إذا كانت المرأة راضية مغتبطة مطيعة، فلا يحل له أن يضربها، حتى تفتدي منه. فإن أخذ منها شيئا على ذلك، فما أحذ منها فهو حرام، وإذا كان النشوز والبغض والظلم من قبلها، فقد حل له أن يأخذ منها ما افتدت به.
٤٨٢٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري في قوله:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، قال: لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن تؤتى ذلك منها، [[في المطبوعة: إلا أن يرى ذلك" وهي لا شيء. وفي المخطوطة: "إلا أن لك لوني" غير منقوطة وهذا صواب قراءتها إن شاء الله.]] فأما أن يكون يضارها حتى تختلع، فإن ذلك لا يصلح، ولكن إذا نشزت فأظهرت له البغضاء، وأساءت عشرته، فقد حل له خلعها.
٤٨٢١ - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، قال: الصداق" إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله" - وحدود الله أن تكون المرأة ناشزة، فإن الله أمر الزوج أن يعظها بكتاب الله، فإن قبلت وإلا هجرها، والهجران أن لا يجامعها ولا يضاجعها على فراش واحد، ويوليها ظهره ولا يكلمها، فإن أبت غلظ عليها القول بالشتيمة لترجع إلى طاعته، [[في المطبوعة: "غلظ عليها" والجيد من المخطوطة ما أثبته.]] فإن أبت فالضرب ضرب غير مبرح، فإن أبت إلا جماحا فقد حل له منها الفدية.
* * *
وقال آخرون: بل"الخوف" من ذلك: أن لا تبر له قسما، ولا تطيع له أمرا، وتقول: لا أغتسل لك من جنابة، ولا أطيع لك أمرا فحينئذ يحل له عندهم أخذ ما آتاها على فراقه إياها.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٢٢ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه قال، قال الحسن: إذا قالت:"لا أغتسل لك من جنابة، ولا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا"، فحينئذ حل الخلع.
٤٨٢٣ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الأعلى قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن قال، إذا قالت المرأة لزوجها: لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولا أقيم حدا من حدود الله"، فقد حل له مالها.
٤٨٢٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن محمد بن سالم قال، سألت الشعبي، قلت: متى يحل للرجل أن يأخذ من مال امرأته؟ قال: إذا أظهرت بغضه وقالت:"لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا".
٤٨٢٥ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي أنه كان يعجب من قول من يقول: لا تحل الفدية حتى تقول:"لا أغتسل لك من جنابة". وقال: إن الزاني يزني ثم يغتسل! .
٤٨٢٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم في الناشز قال، إن المرأة ربما عصت زوجها، ثم أطاعته، ولكن إذا عصته فلم تبر قسمه، فعند ذلك تحل الفدية.
٤٨٢٧ - حدثني موسى قال، [[في المطبوعة: "حدثني يونس" وهو خطأ محض والصواب من المخطوطة وهو مع ذلك إسناد دائر في التفسير لا يختلف عليه.]] حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، لا يحل له أن يأخذ من مهرها شيئا=" إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، فإذا لم يقيما حدود الله، فقد حل له الفداء، وذلك أن تقول:"والله لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أكرم لك نفسا، ولا أغتسل لك من جنابة"، فهو حدود الله، فإذا قالت المرأة ذلك فقد حل الفداء للزوج أن يأخذه ويطلقها.
٤٨٢٨ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام قال، حدثنا عنبسة، عن علي بن بذيمة، عن مقسم في قوله: ﴿ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يفحشن﴾ [سورة النساء: ١٩] ، في قراءة ابن مسعود، قال إذا عصتك وآذتك، فقد حل لك ما أخذت منها. [[الأثر: ٤٨٢٨- سيأتي هذا الأثر بنصه وإسناده في تفسير سورة النساء ٤: ٢١٢ (بولاق) وقد كان في المخطوطة والمطبوعة هنا". . . ببعض ما آتيتموهن يقول إلا أن يفحش" وزيادة"يقول" من النساخ والصواب من ذلك الموضع من تفسير آية النساء. وسيأتي هناك: "إذ عضلتك وآذتك" والصواب ما هنا.]]
٤٨٢٩ - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد في قوله:" ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا"، قال: الخلع، قال: ولا يحل له إلا أن تقول المرأة:" لا أبر قسمه ولا أطيع أمره"، فيقبله خيفة أن يسيء إليها إن أمسكها، ويتعدى الحق. [[في المطبوعة: "أو يتعدى الحق" والصواب من المخطوطة.]]
* * *
وقال آخرون: بل" الخوف" من ذلك أن تبتدئ له بلسانها قولا أنها له كارهة. [[في المطبوعة: "أن تبتذله بلسانها" جعل مكان"تبتدئ له""تبتذله" كأن الناسخ أدمج الكلمتين وأخرج منهما كلمة واحدة. وفي المخطوطة: "سرى" غير منقوطة ولو قرئت: "تنبري" لكان صوابا أيضًا.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٣٠ - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، قال: حدثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن أيوب بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح، قال: يحل الخلع أن تقول المرأة لزوجها:" إني لأكرهك، وما أحبك، ولقد خشيت أن أنام في جنبك ولا أؤدي حقك" - وتطيب نفسا بالخلع. [[في المطبوعة: "وتطيب نفسك" خطأ صرف والصواب من المخطوطة. ويعني أن تقول المرأة ذلك للرجل ثم تطيب هي نفسا بالخلع.]]
* * *
وقال آخرون: بل الذي يبيح له أخذ الفدية، أن يكون خوف أن لا يقيما حدود الله منهما جميعا لكراهة كل واحد منهما صحبة الآخر.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٣١ - حدثنا حميد بن مسعدة قال: حدثنا بشر بن المفضل قال: حدثنا داود، عن عامر = حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن داود، قال: قال عامر =: أحل له مالها بنشوزه ونشوزها.
٤٨٣٢ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: قال ابن جريج، قال طاوس: يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره، ولم يكن يقول قول السفهاء:" لا أبر لك قسما"، ولكن يحل له الفداء ما قال الله تعالى ذكره:" إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله"، فيما افترض لكل واحد منهما على صاحبه في العشرة والصحبة.
٤٨٣٣ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: سمعت القاسم بن محمد يقول:" إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله" قال: فيما افترض الله عليهما في العشرة والصحبة.
٤٨٣٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، قال: لا يحل الخلع حتى يخافا أن لا يقيما حدود الله في العشرة التي بينهما.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه - في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه - منهما جميعا، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن، ومن قال في ذلك قولهما؛ لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته، عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله.
* * *
فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت فالواجب أن يكون حراما على الرجل قبول الفدية منها إذا كان النشوز منها دونه، حتى يكون منه من الكراهة لها مثل الذي يكون منها؟ [[في المطبوعة: "منها له" بزيادة"له" وأثبت ما في المخطوطة.]] قيل له: إن الأمر في ذلك بخلاف ما ظننت، وذلك أن في نشوزها عليه داعية له إلى التقصير في واجبها ومجازاتها بسوء فعلها به، وذلك هو المعنى الذي يوجب للمسلمين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله. فأما إذا كان التفريط من كل واحد منهما في واجب حق صاحبه قد وجد وسوء الصحبة والعشرة قد ظهر للمسلمين، فليس هناك للخوف موضع، إذ كان المخوف قد وجد. وإنما يخاف وقوع الشيء قبل حدوثه، فأما بعد حدوثه فلا وجه للخوف منه ولا الزيادة في مكروهه. [[هذا من الفهم والبصر بطبائع البشر، قد علم الله أبا جعفر كيف يقول في تفسير الكتاب وكيف ينتزع الحجة على الصواب من كل وجه يكون البيان عنه دقيقا عسيرا على من لم يوقفه الله لفهمه وإدراكه.]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى:" فإن خفتم ألا يقيما حدود الله" - التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها، حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما تضييعها. [[في المطبوعة: "بصنيعها" وهو كلام فاسد بلا معنى مفهوم. وكان في المخطوطة"بصنيعها" غير منقوطة فقرأها من قرأها بلا روية. وقوله"تضييعها" مفعول به للمصدر وهو"الخوف" والمعنى من أجل الخوف عليهما أن يضيعا حدود الله.]] فقال بعضهم: هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه، وأذاها له بالكلام.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٣٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:" فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به" قال: هو تركها إقامة حدود الله، واستخفافها بحق زوجها، [[في المطبوعة: "واستخفافها. . ز" بزيادة"الواو" والصواب من المخطوطة وهو تفسير لقوله: "تركها إقامة حدود الله" كأن عاد فقال: "وتركها إقامة حدود الله استخفافها. . . "]] وسوء خلقها، فتقول له:" والله لا أبر لك قسما، ولا أطأ لك مضجعا، ولا أطيع لك أمرا"، فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية.
٤٨٣٦ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبى بن أبي زائدة، عن يزيد بن إبراهيم، عن الحسن في قوله:" فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به" قال: إذا قالت:" لا اغتسل لك من جنابة"، حل له أن يأخذ منها. [[الأثر: ٤٨٣١-"يزيد بن إبراهيم التستري" أبو سعيد البصري التميمي روى عن الحسن وابن سيرين. وابن أبي مليكة وعطاء وقتادة وغيرهم. وروى عنه وكيع وبهز بن أسد وعبد الرحمن ابن مهدي وأبو داود الطيالسي وغيرهم وهو ثقة ثبت من أوسط أصحاب الحسن وابن سيرين. مات سنة ١٦١.]]
٤٨٣٧ - حدثني المثنى، قال: حدثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: حدثنا يونس، عن الزهري قال: يحل الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله، وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فإن خفتم أن لا يطيعا الله.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٣٨ - حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن عامر:" فإن خفتم ألا يقيما حدود الله" قال: أن لا يطيعا الله.
٤٨٣٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: الحدود: الطاعة.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله ما أوجب الله عليهما من الفرائض، [[في المطبوعة: "فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله ما اوجب" بزيادة"حدود الله" بين شقي الكلام والصواب من المخطوطة.]] فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه، من العشرة بالمعروف، والصحبة بالجميل، فلا جناح عليهما فيما افتدت به.
وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي، وما رويناه عن الحسن والزهري، لأن من الواجب للزوج على المرأة - إطاعته فيما أوجب الله طاعته فيه، [[في المطبوعة: ". . . على المرأة إطاعته" وهو تغيير لا موجب له، وأثبت ما في المخطوطة.]] وأن لا تؤذيه بقول، [[في المطبوعة: " وأن لا تؤذيه بقول"، بزيادة" أن"ليستقيم لهم ما درجوا عليه من العبارة. وأبو جعفر يحسن أن يبين عن نفسه.]] ولا تؤذيه بقول [[الأثر ٥٩١٩ "محمد بن محمد العطار "، لعله محمد بن محمد بن عمر بن الحكم يعرف بابن العطار ترجم له الخطيب في تاريخه ٣: ٢٠٣، ٢٠٤ مات سنة ٢٦٨. هذا إذا لم يكن في اسمه تحريف ويكون هو " محمد بن مخلد العطار " مترجم في تاريخ بغداد ٣: ٣٠. و"أحمد" هو: أحمد بن إسحاق الأهوازي شيخ الطبري، مضت ترجمته في رقم: ١٧٧، ١٨٤١ أو لعله أحمد بن يوسف التغلبي، كما سيأتي في رقم: ٥٩٥٤ وهو الأرجح عندي. "وأبو وائل" هو " أبو وائل القاص المرادي الصنعاني اليماني" روى عن هانئ مولى عثمان. مترجم في الكبير ٤ / ٢ ٤٥٢. ويقال هو نفسه " عبد الله بن بحير الصنعاني القاص"، روى عن هانئ أيضًا مترجم في ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٥، والتهذيب. وهذا الأثر في الدر المنثور ١: ٣٢٣.]] ، تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها. [[في المطبوعة: ". . . أمرها بإدامتها" ثم"أما معنى إدامة حدود الله" وهو خطأ ظاهر في هذا الموضع.]]
* * *
وأما معنى" إقامة حدود الله"، فإنه العمل بها، والمخالفة عليها، وترك تضييعها- وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته. [[انظر ما سلف في تفسير"إقامة الصلاة" ١: ٢٤١، و"حدود الله" ٣: ٥٤٦، ٥٤٧]]
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾
قال أبو جعفر: يعني قوله تعالى ذكره بذلك: فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق، وألزمه له من فرض، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، ولا حرج عليهما= فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها [[في المخطوطة: "على موافق زوجها إياها" كلمة غير منقوطة ولا مقروءة كأنها كانت"على مفارقة" ثم أفسدها ناسخ. والذي في المطبوعة جيد أيضًا.]] ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه. [[انظر ما سلف في تفسير"الجناح" بالإثم والحرج ٣: ٢٣٠، ٢٣١/ وهذا الجزء ٤: ١٦٢، ١٦٣]]
* * *
فإن قال قائل: وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرار من الرجل بها فيما افتدت به نفسها، [[في المخطوطة والمطبوعة: "حتى افتدت" وهو لا يستقيم والذي يدل عليه سياق الآية وسياق الكلام أن تكون"فيما افتدت". كما أثبت وسياق الكلام: "وهل كانت المرأة حرجة. . . فيما افتدت به نفسها""لو كان الضرار من الرجل بها".
وأما قوله: "حرجة" فهي: آثمة. وقد مضى آنفًا ما علقته على استعمال أبي جعفر والباقلاني هذه الصفة وأنها صواب وإن عدها أهل اللغة خطأ انظر ما سلف ٢: ٤٢٣ تعليق: ١/ ثم هذا الجزء ٤: ٢٢٤ تعليق ١/ ثم أيضًا ص: ٤٧٥ تعليق ٢/ ثم ما سيأتي في هذه الصفحة والصفحات التالية.]] فيكون"لا جناح عليهما" فيما أعطته من الفدية على فراقها [[في المطبوعة: "فيكون لا جناح عليها" بإفراد الضمير في"عليها" وهو خطأ مفسد لمعنى الكلام كما سيتبين ذلك في شرح السؤال في التعليق التالي. والصواب من المخطوطة.]] إذا كان النشوز من قبلها. [[رحم الله أبا جعفر: لشد ما وثق بتتبع كان قارئ لكل ما يقول حتى إنه ليغمض أحيانا إغماضا يشق على المرء إذا لم يتتبع آثاره في النظر والتفكير. وهذا الاعتراض الذي ساقه في صيغة سؤال محتاج إلى بيان يكشف عن معناه وعن معنى جوابه إن شاء الله.
فهذا السؤال مبني على سؤال آخر وهو: كيف قيل: "لا جناح عليهما" بالتثنية و"الجناح" على الرجل وحده في أخذه شيئا مما آتى امرأته من مهر أو صداق. "فهذا الجناح" هو إتيانه ما حرم الله عليه إتيانه من الأخذ فكيف جمع بينهما في وضع"الجناح" والجناح على أحدهما دون الآخر؟
ولا يجوز ان يجمع بينهما في وضع"الجناح" وإسقاطه حتى يكون على المرأة"جناح" في الإعطاء كجناح الرجل في الأخذ. فإذا صح أنه محرم على المرأة إعطاء زوجها في حال من الأحوال صح عندئذ أن يجمع بينهما في وضع"الجناح" فيقال: "فلا جناح عليهما" في الأخذ والإعطاء.
فمن أجل ذلك سأل هذا السائل عن المرأة إذا أعطت زوجها من مالها في الحال التي يكون ضرار الرجل فيها داعية إلى"الإعطاء" أتكون آثمة بإعطائها ما أعطت أم غير آثمة؟ فإذا صح أنها آثمة بالإعطاء في حال ضرار الرجل بها، جاز عندئذ أن يجمع بينهما فيقال في حال نشوزها: "لا جناح عليهما" في الأخذ والإعطاء.
* * *
هذا ولم أجد أحدا تناول هذا السؤال بالتفصيل والبيان كما تناوله أبو جعفر. وقد سأل مثل هذا السؤال أو قريبا منه الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٧ وأجاب عنه بجواب سيرده الطبري فيما بعد. وتناوله الشافعي مختصرا من وجه آخر في الأم ٥: ١٧٩ ولكن جوابه عنه غير واضح ولا محكم أما الطبري فقد انفرد بها الاستقصاء الدقيق لوجوه الفدية وإثم الرجل في الأخذ وإثم المرأة في الإعطاء.]]
قيل: لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا حق عليها في ذهاب حق لها - لما حل لها إعطاؤه ذلك، إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها. لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها، وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا في حق لها تخاف ذهابه، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه. فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها، [[في المطبوعة: "فكذلك وضع الجناح" وهو خطأ والصواب من المخطوطة.]] وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس، ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم.
وهي= إذا أعطته على هذا الوجه= باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى= أولى إن شاء الله من الجناح والحرج، [[سياق عبارته"وهي. . . باستحقاق الأجر. . . أولى من الجناح والحرج".]] ولذلك قال تعالى ذكره:" فلا جناح عليهما" فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها، وعنه فيما قبض منها إذ كانت معطية على المعنى الذي وصفنا، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم. [[في المخطوطة: "طلب السلامة لنفسه ولها في أورالها" غير معجمة ولا بينة المعنى وتركت ما في المطبوعة لأنه مطابق للسياق.]]
وقد يتجه قوله:" فلا جناح عليهما" وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله ﷺ لامرأة ثابت بن قيس بن شماس= وذلك لكراهتها أخلاق زوجها، أو دمامة خلقه، وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض- ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها- كان حراما عليها أن تعطي على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا، لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها. [[في المطبوعة: "معصية منها لله" بالزيادة وأثبت ما في المخطوطة.]] وتلك هي المختلعة - إن خولعت على ذلك الوجه - التي روي عن النبي ﷺ أنه سماها"منافقة"، كما:
٤٨٤٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثني المعتمر بن سليمان، عن ليث، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله ﷺ، عن النبي ﷺ أنه قال:"أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس، حرم الله عليها رائحة الجنة". [[الحديث: ٤٨٤٠- ليث: هو ابن أبي سليم. أبو إدريس: هو الخولاني عائذ الله ابن عبد الله ثقة من كبار التابعين القدماء الفقهاء. وليث لم يسمع هذا الحديث منه، كما يظهر من الإسناد التالي لهذا بينهما روايان.
والحديث في حقيقته حديثان وسيأتي تخريج كل منهما.]]
وقال:"المختلعات هن المنافقات"
٤٨٤١ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مزاحم بن دواد بن علية، عن أبيه، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي الخطاب عن أبي زرعة، عن أبي إدريس، عن ثوبان مولى رسول الله، عن رسول الله ﷺ قال: والمختلعات هن المنافقات" [[الحديث: ٤٨٤١- مزاحم بن ذواد بن علبة: حسن الحديث على الأقل. بل هو ثقة. قال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به" وقال النسائي: "لا بأس به" وترجمه البخاري في الكبير ٤/٢/٢٣ فلم يذكر فيه جرحا.
أبوه"ذاود بن علبة": مضت ترجمته في شرح: ٨٥١.
أبو الخطاب: ترجمه ابن أبي حاتم ٤/٢/٣٦٥ وسأل أباه عنه، فقال: "هو مجهول". وسأل أبو زرعة فقال: "لا أعرفه" وذكره البخاري في الكنى رقم: ٢٢٠ ولم يذكر فيه جرحا فهو حسن الحديث على الأقل.
أبو زرعة: رجح الحافظ في التهذيب في ترجمة أبي الخطاب ١٢: ٨٦- ٨٧ أنه"أبو زرعة بن عمرو بن جرير" التابعي الثقة- تبعا لابن مندة وابن عبد البر وذكر أنهما تبعا في ذلك ابن أبي حاتم إذ قال في ترجمة أبي الخطاب أنه"روى عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير". وحقا قد قال ذلك ابن أبي حاتم ولكن سها الحافظ عن أنه تراجع عن ذلك في ترجمة"أبي زرعة" فقط دون نسب ٤/٢/٣٧٤ فذكر أنه روى عن أبي إدريس عن ثوبان وانه روى عنه أبو الخطاب. وذكر أنه سأل أباه: "من أبو زرعة هذا؟ فقال: مجهول" وقد ذكره البخاري في الكنى رقم: ٢٨٣ ولم يذكر فيه جرحا أيضًا.
والحديث رواه الترمذي ٢: ٢١٦- ٢١٧ عن أبي كريب شيخ الطبري هنا - بهذا الإسناد.
ثم قال: "هذاحديث غريب من هذا الوجه. وليس إسناده بالقوي".
وانظر الحديثين الآتيين: ٤٨٤٣، ٤٨٤٤.]]
٤٨٤٢ - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حفص بن بشر، قال: حدثنا قيس بن الربيع، عن أشعث بن سوار، عن الحسن، عن ثابت بن يزيد، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله ﷺ: إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات. [[الحديث: ٤٨٤٢- حفص بن بشر: لم أجد له ترجمة إلا في ابن أبي حاتم ١/٢/١٧٠ قال: "روى عن يعقوب القمي روى عنه أبو كريب". ولم يذكر فيه جرحا.
قيس بن الربيع الأسدي الكوفي: مختلف فيه، ورجحنا توثيقه في المسند: ٦٦١، ٧١١٥. وقد وثقه الثوري وشعبة وغيرهما. الحسن: هو البصري.
ثابت بن يزيد: هكذا هو هنا وفي ابن كثير نقلا عن الطبري. ولم أستطع أن أجزم بشيء فيه، فليس في رجال الكتب الستة من يسمى بهذا في هذه الطبقة طبقة التابعين الذين يروى عنهم مثل الحسن البصري.
وهناك"ثابت بن يزيد الخولاني": ترجمه البخاري في الكبير ١/٢/١٧٢ وابن أبي حاتم ١/١/٤٥٩- ٤٦٠. وهو يروي عن ابن عمر وقال بعضهم"عن ابن عمه عن ابن عمر". وهو الصحيح فهذا متأخر قليلا. ومن المحتمل أن يكون هو الذي هنا. فقد ترجمه الحافظ في لسان الميزان ٢: ٨٠ ووصفه بأنه"المصري" وذكر أنه روى عن أبي هريرة وعن ابن عباس. وأنه ذكره ابن حبان في الثقات. ومن المعروف أن عقبة بن عامر ولى إمرة مصر سنة ٤٤- ٤٧ من قبل معاوية وعاش بها إلى أن مات ودفن بالمقطم رضي الله عنه وأرخ موته سنة ٥٨. فهو مقارب لوفاة أبي هريرة وابن عباس.
وهناك آخر لم يذكر نسبه. ترجم باسم"ثابت الطائفي"- عند البخاري ١/٢/١٦٥ وابن أبي حاتم ١/١/٤٦١. وذكر كلاهما أنه"رأى جابر بن عبد الله أتى عقبة بن عامر" فسأله عن حديث.
والحديث نقله ابن كثير ١: ٥٤٠ عن الطبري، ولم ينسبه لغيره. وقال: "غريب من هذا الوجه ضعيف". وذكره السيوطي أيضًا ١: ٢٨٣ ولم ينسبه لغير الطبري.
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ج٥ ص٥، وقال: "رواه الطبراني. وفيه قيس بن الربيع وثقه الثوري وشعبة وفيه ضعف. وبقية رجاله رجال الصحيح". هكذا قال! ولا أدري أخطأ هو أم صواب؟ فإن كان إسناد الطبراني فوق قيس بن الربيع كإسناد الطبري- كان خطأ غريبا. فإن ثابت ابن يزيد لم نعرف من هو كما ترى! وليس في رجال الصحيح بهذا الاسم إلا"ثابت بن يزيد الأحول" روى له أصحاب الكتب الستة، ولكنه متأخر جدا عن هذه الطبقة، مات سنة ١٦٩. أي بعد عقبة بن عامر بأكثر من مائة سنة وعشر سنين وبعد الحسن البصري بنحو ستين سنة.
وقوله" المنتزعات": الظاهر أن معناها معنى"المختلعات": كأنها تنتزع نفسها من عقد الزواج ومن سلطان الزوج عليها. وهذا الحرف ثابت هكذا في جميع المراجع لهذا الحديث، إلا مخطوطة الطبري ففيها"المتبرعات"! ولا معنى لها في هذا السياق، فهي تصحيف.
وهناك حديث في هذا المعنى فيه حرف قريب من هذا: رواه أبو نعيم في الحلية ٨: ٣٧٥- ٣٧٦، من طريق محمد بن هارون الحضرمي -أبي حامد- عن الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن وكيع عن الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله -هو ابن مسعود- مرفوعا: "المختلعات والمتبرجات هن المنافقات". فهذا الحرف"المتبرجات" لعله محرف عن"المنتزعات" فإني لا أثق بتصحيح طبعة كتاب الحلية. وقد وقع في إسناد الحديث نفسه فيها خطأ آخر، ثبت فيه"حدثنا فليح" بدل"حدثنا وكيع"! في حين أن كلام أبي نعيم عقبه يدل على الصواب، إذ قال: "غريب من حديث الأعمش والثوري، تفرد به وكيع".
وهذا الحديث نفسه -أعني حديث ابن مسعود- رواه الخطيب في تاريخ بغداد ٣: ٣٥٨ في ترجمة"أبي حامد محمد بن هارون" -من طريق الدارقطني عن محمد بن هارون عن حسين بن علي بن الأسود، عن وكيع -بهذا الإسناد مرفوعا: "المختلعات هن المنافقات". بدون ذكر"المتبرجات" وقال الخطيب: "قال لي الحسن: قال الدارقطني: ما حدث به غير أبي حامد".
وأصح من هذه الروايات كلها ما رواه أحمد في المسند: ٩٣٤٧ (٢: ٤١٤ حلبي) من حديث الحسن عن أبي هريره. مرفوعا: "المختلعات والمنتزعات هن المنافقات". وهو حديث صحيح بينا صحته وفصلنا القول في تخريجه في المسند في شرح الحديث: ٧١٣٨ج ١٢ص ١١٤- ١١٦.]]
٤٨٤٣ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب= وحدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية = قالا جميعا: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان: أن رسول الله ﷺ قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة. [[الحديث: ٤٨٤٣- هذا الإسناد فيه مجهول وقد تبين من الإسناد التالي أنه"أبو أسماء الرحبي". وهكذا رواه أحمد في المسند ٥: ٢٧٧ (حلبي) عن ابن عليه، بهذا الإسناد وكذلك رواه الترمذي ٢: ٢١٧ عن محمد بن بشار عن عبد الوهاب الثقفي، به. وهو الطريق الأول للطبري هنا في هذا الإسناد. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".]]
٤٨٤٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، عن رسول الله ﷺ نحوه. [[الحديث: ٤٨٤٤- هذا إسناد صحيح. أبو أسماء الرحبي: هو عمرو بن مرثد الدمشقي وهو تابعي ثقة.
* والحديث رواه أحمد في المسند ٥: ٢٨٣ (حلبي) عن عبد الرحمن -وهو ابن مهدي- عن حماد بن زيد.
* ورواه أبو داود: ٢٢٢٦ عن سليمان بن حرب وابن ماجه: ٢٠٥٥، من طريق محمد بن الفضل والحاكم ٢: ٢٠٠ من طريق سليمان بن حرب والبيهقي ٧: ٣١٦ عن الحاكم من طريق ابن حرب- كلهم عن حماد بن زيد بهذا الإسناد. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.
* ورواه البيهقي أيضًا ٧: ٣١٦ من طريق موسى بن إسماعيل التبوذكي عن وهيب عن أيوب به. وهذا أيضًا إسناد صحيح.
* وذكره الحافظ في الفتح ٩: ٣٥٤ وقال: "رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان".
* وأشار إليه الترمذي عقب الإسناد السابق الذي فيه المبهم فقال: "ويروى هذا الحديث عن أيوب عن أبي قلابة، عن أبي أسماء عن ثوبان".]]
* * *
فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح= وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة ومنه ما يكون عليهما ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح= قيل في الوجه: الذي لا حرج عليهما فيه لا جناح، [[في المطبوعة والمخطوطة: "لا جناح" بغير واو العطف والصواب ما أثبت.]] إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها=:"لا جناح عليهما فيما افتدت به" من الوجه الذي أبيح لهما، وذلك، أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه.
* * *
قال أبو جعفر: وقد زعم بعض أهل العربية أن في ذلك وجهين: [[الذي زعم ذلك هو الفراء في معاني القرآن ١: ١٤٧- ١٤٨. والذي ساقه الطبري مختصر مقاله الفراء.]] أحدهما أن يكون مرادا به: فلا جناح على الرجل فيما افتدت به المرأة دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا كما قال في"سورة الرحمن": ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [سورة الرحمن: ٢٢] وهما من الملح لا من العذب، قال: ومثله. ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [سورة الكهف: ٦١] ، وإنما الناسي صاحب موسى وحده. قال: ومثله في الكلام أن تقول:"عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما" وإنما تركب إحداهما. وتستقي على الأخرى، [[في المطبوعة: "وأسقى. . . وتسقى" والصواب من المخطوطة ومعاني القرآن للفراء.]] وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها في الكلام.
قالوا: والوجه الآخر أن يشتركا جميعا في أن لا يكون عليهما جناح، إذ كانت تعطي ما قد نفي عن الزوج فيه الإثم. اشتركت فيه، [[في معاني القرآن: "أشركت فيه" بالبناء للمجهول، وهي أجود.]] لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم، احتاجت إلى مثل ذلك.
* * *
قال أبو جعفر: فلم يصب الصواب في واحد من الوجهين، ولا في احتجاجه فيما احتج به من قوله: [[في المخطوطة والمطبوعة: "احتج به قوله" والصواب زيادة"من".]] ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ .
فأما قوله:" فلا جناح عليهما" فقد بينا وجه صوابه، وسنبين وجه قوله:" يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان"في موضعه إذا أتينا عليه إن شاء الله تعالى. وإنما خطأنا قوله ذلك، لأن الله تعالى ذكره قد أخبر عن وضعه الحرج عن الزوجين إذا افتدت المرأة من زوجها على ما أذن، وأخبر عن البحرين أن منهما يخرج اللؤلؤ والمرجان، فأضاف إلى اثنين. فلو جاز لقائل أن يقول:"إنما أريد به الخبر عن أحدهما، فيما لم يكن مستحيلا أن يكون عنهما"، جاز في كل خبر كان عن اثنين - غير مستحيلة صحته أن يكون عنهما - أن يقال:"إنما هو خبر عن أحدهما".
وذلك قلب المفهوم من كلام الناس والمعروف من استعمالهم في مخاطباتهم، وغير جائز حمل كتاب الله تعالى ووحيه جل ذكره على الشواذ من الكلام وله في المفهوم الجاري بين الناس وجه صحيح موجود.
* * *
قال أبو جعفر: ثم أختلف أهل التأويل في تأويل قوله:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به" أمعني به: أنهما موضوع عنهما الجناح في كل ما افتدت به المرأة نفسها من شيء أم في بعضه؟
فقال بعضهم: عنى بذلك:"فلا جناح عليهما فيما افتدت به" من صداقها الذي كان آتاها زوجها الذي تختلع منه. واحتجوا في قولهم ذلك بأن آخر الآية مردود على أولها، وأن معنى الكلام: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتيتموهن. قالوا: فالذي أحله الله لهما من ذلك -عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله- هو الذي كان حظر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك. واحتجوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله ﷺ إنما أمر امرأته إذ نشزت عليه، أن ترد ما كان ثابت أصدقها، وأنها عرضت الزيادة فلم يقبلها النبي ﷺ.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٤٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع أنه كان يقول: لا يصلح له أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها، ويقول: إن الله يقول:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به" منه، يقول: من المهر - وكذلك كان يقرؤها:"فيما افتدت به منه". [[الأثر: ٤٨٤٥- سيأتي نقض الطبري لما قاله الربيع وزيادته في الآية ما ليس منها في ص٥٨٢، ٥٨٣.]]
٤٨٤٦ - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: حدثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعي، قال: سمعت عمرو بن شعيب وعطاء بن أبي رباح والزهري يقولون في الناشز: لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها.
٤٨٤٧ - حدثنا علي بن سهل، قال: حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، عن عطاء، قال: الناشز لا يأخذ منها إلا ما ساق إليها.
٤٨٤٨ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء أنه كره أن يأخذ في الخلع أكثر مما أعطاها.
٤٨٤٩ - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أشعث، عن الشعبي، قال: كان يكره أن يأخذ الرجل من المختلعة فوق ما أعطاها، وكان يرى أن يأخذ دون ذلك.
٤٨٥٠ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن الشعبي، قال: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
٤٨٥١ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: اخبرنا إسماعيل بن سالم، عن الشعبي أنه كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها - يعني المختلعة.
٤٨٥٢ - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا عن الحكم بن عتيبة، قال: كان علي رضي الله عنه يقول: لا يأخذ من المختلعة فوق ما أعطاها.
٤٨٥٣ - حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن الحكم أنه قال في المختلعة: أحب إلي أن لا يزداد.
٤٨٥٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن حميد أن الحسن كان يكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
٤٨٥٥ - حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن مطر أنه سأل الحسن - أو أن الحسن سئل - عن رجل تزوج امرأة على مائتي درهم، فأراد أن يخلعها، هل له أن يأخذ أربعمائة؟ فقال: لا والله، ذاك أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها! .
٤٨٥٦ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الحسن يقول: لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها = قال معمر: وبلغني عن علي أنه كان يرى أن لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
٤٨٥٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن ابن المسيب، قال: ما أحب أن يأخذ منها كل ما أعطاها حتى يدع لها منه ما يعيشها.
٤٨٥٨ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرازق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس أن أباه كان يقول في المفتدية: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها.
٤٨٥٩ - حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: لا يحل للرجل أن يأخذ من امرأته أكثر مما أعطاها.
* * *
وقال آخرون: بل عنى بذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من قليل ما تملكه وكثيره. واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية، وأنه غير جائزة إحالة ظاهر عام - إلى باطن خاص إلا بحجة يجب التسليم لها. [[في المطبوعة: "غير جائز إحالة. . . " بدلوه ليطابق ما درجوا عليه. والصواب من المخطوطة.]] قالوا: ولا حجة يجب التسليم لها بأن الآية مراد بها بعض الفدية. دون بعض من أصل أو قياس، فهي على ظاهرها وعمومها.
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٦٠ - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب عن كثير مولى سمرة: أن عمر أتي بامرأة ناشز، فأمر بها إلى بيت كثير الزبل ثلاثا، ثم دعا بها فقال: كيف وجدت؟ قالت: ما وجدت راحة منذ كنت عنده إلا هذه الليالي التي حبستني! فقال لزوجها: اخلعها ولو من قرطها. [[الأثر: ٤٨٦٠- البيهقي ٧: ٣١٥، والمحلى ١٠: ٢٤٠. وقوله: "ولو من قرطها" أي: ولو لم يكن لها مال غير قرطها فخذه واخلعها.]]
٤٨٦١ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن كثير مولى سمرة، قال: أخذ عمر بن الخطاب امرأة ناشزا فوعظها، فلم تقبل بخير، فحبسها في بيت كثير الزبل ثلاثة أيام = وذكر نحو حديث ابن علية.
٤٨٦٢ - حدثنا ابن بشار ومحمد بن يحيى، قالا حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن حميد بن عبد الرحمن: أن امرأة أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فشكت زوجها، فقال: إنها ناشز؟ فأباتها في بيت الزبل، فلما أصبح قال لها: كيف وجدت مكانك! قالت: ما كنت عنده ليلة أقر لعيني من هذه الليلة! فقال: خذ ولو عقاصها. [[الأثر: ٤٨٦٢-"حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري" روى عن أبيه وعمر وعثمان وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. روى عنه ابنه عبد الرحمن والزهري وقتادة وغيرهم. وقيل: "إنه لم ير عمر ولم يسمع منه شيئا" وموته يدل على ذلك، ولعله قد سمع من عثمان لأنه كان خاله. وكان ثقة كثير الحديث. توفي سنة ٩٥ وهو ابن ثلاث وسبعين سنة". وقال ابن سعد: "سمعت من يقول إنه توفي سنة ١٠٥". قال ابن حجر: "وهو قول الفلاس وأحمد بن حنبل وأبي إسحاق الحربي" ثم قال: "وإن صح ذلك على تقدير صحة ما ذكر من سنه فروايته عن عمر منقطعة قطعا، وكذا عن عثمان وأبيه والله أعلم".
والعقاص: خيط تشد به المرأة أطراف ذوائبها. من"عقصت المرأة شعرها": إذا ضفرته. والضفيرة هي العقيصة. و"العقاص" أيضًا: المداري (جمع) - أو: المدري (مفرد) والمدري: شيء يعمل من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط، وأطول منه، يسرح به الشعر المتبلد. يستعمله من لم يكن له مشط. وقد جاء في شعر امرئ القيس: غدائره مستشزرات إلى العلى ... تضل العقاص في مثنى ومرسل
ويروى"يضل العقاص" على معنى إفراده. وانظر التعليق على الأثر رقم: ٤٨٧١.]]
٤٨٦٣ - حدثنا نصر بن علي، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع: أن مولاة لصفية اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه إلا من ثيابها، فلم يعب ذلك ابن عمر. [[الأثر: ٤٨٦٣- الموطأ: ٥٦٥ والمحلى ١٠: ٢٤٠ والبيهقي ٧: ٣١٥ وما سيأتي رقم: ٤٨٧٤ وغيرها.]]
٤٨٦٤ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى ومحمد بن المثنى، قالا حدثنا معتمر، قال: سمعت عبيد الله يحدث، عن نافع، قال: ذكر لابن عمر مولاة له اختلعت من زوجها بكل مال لها، فلم يعب ذلك عليها ولم ينكره.
٤٨٦٥ - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا هشيم، عن حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب: أنه كان لا يرى بأسا أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. ثم تلا هذه الآية:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به".
٤٨٦٦ - حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال في الخلع: خذ ما دون عقاص شعرها، وإن كانت المرأة لتفتدي ببعض مالها. [[الآثار: ٤٨٦٦- ٤٨٦٩- هذا الأثر ذكره ابن الأثير في النهاية بلفظ آخر، قال: "وفي حديث النخعي: الخلع تطليقه بائنة وهو ما دون عقاص الرأس. يريد: أن المختلعة كان له أن يأخذ ما دون شعرها من جميع ملكها". هكذا في النهاية وفي نقل لسان العرب عنه"ما دون شعرها". وتفسير"العقاص" هنا بأنه"الشعر" غريب جدا لا أدري هل يجوز أن يخلط عالم جليل كابن الأثير هذا الخلط! فيكون معنى قول إبراهيم النخعي الآتي في الآثار التالية: "خذ منها ولو عقاصها" -أي: خذ منها ولو شعرها!! ولعل في الكلام سقطا فيكون: "أن يأخذ ما دون رباط شعرها" ولكن نقل صاحب اللسان نص ما في النهاية شبهة في ترجيح هذا الرأي. وكأن ابن الأثير غفل عن معنى"دون" في هذا الموضع فزل عالم. وقوله: "ما دون عقاص شعرها" معناه: ما هو أقل من العقاص أو أنقص منه. وانظر الأثر الآتي رقم: ٤٨٧٠ ففي لفظه شفاء هذا المعنى إن شاء الله.]]
٤٨٦٧ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع ما دون عقاص الرأس. [[في المطبوعة: "بما دون" فأثبت ما في المخطوطة.]]
٤٨٦٨ - حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم أنه قال في المختلعة: خذ منها ولو عقاصها.
٤٨٦٩ - حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، قال: الخلع بما دون عقاص الرأس، وقد تفتدي المرأة ببعض مالها.
٤٨٧٠ - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل: أن الربيع ابنة معوذ بن عفراء حدثته قالت: كأن لي زوج يقل علي الخير إذا حضرني، ويحرمني إذا غاب. قالت: فكانت مني زلة يوما، فقلت: أختلع منك بكل شيء أملكه! قال: نعم! قال: ففعلت قالت: فخاصم عمي معاذ بن عفراء إلى عثمان بن عفان، فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه- أو قالت: ما دون عقاص الرأس. [[الأثر: ٤٨٧٠- رواه البيهقي في السنن ٧: ٣١٥ بغير هذا اللفظ من طريق يزيد ابن زريع عن روح عن عبد الله بن محمد بن عقيل. و"عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب" روى عن أبيه وخاله محمد بن الحنفية وابن عمر وأنس وجابر والربيع بنت معوذ وغيرهم من الصحابة. ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل المدينة وقال: "كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه، وكان كثير العلم". وقال يعقوب: "صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا". مات سنة ١٤٥ و"الربيع" (بضم الراء وفتح الباء، وكسر الياء المشددة) على وزن التصغير.]]
٤٨٧١ - حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: لا بأس بما خلعها به من قليل أو كثير، ولو عقصها. [[قوله: "ولو عقصها". في المخطوطة كسرة تحت العين، كأنه بكسر العين وسكون القاف وكأنه واحد"العقاص" ولم أجد ذلك في مكان وهو قريب على غرابته. ولكني ضبطته بضمتين، على أنه جمع"عقاص".]]
٤٨٧٢ - حدثني المثنى، قال: حدثنا حبان بن موسى، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا حجاج، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إن شاء أخذ منها أكثر مما أعطاها.
٤٨٧٣ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس: ليأخذ منها حتى قرطها- يعني في الخلع.
٤٨٧٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا مطرف بن عبد الله، قال: أخبرنا مالك بن أنس، عن نافع، عن مولاة لصفية ابنة أبي عبيد: أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر. [[الأثر: ٤٨٧٤- في الموطأ: ٥٦٥ وانظر التعليق على الأثر: ٤٨٦٣.]]
٤٨٧٥ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا حميد، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب أنه تلا هذه الآية:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به" قال: يأخذ أكثر مما أعطاها. [[الأثر: ٤٨٧٥- انظر الأثر السالف رقم: ٤٨٦٥.]]
٤٨٧٦ - حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يزيد وسهل بن يوسف وابن أبي عدي، عن حميد، قال: قلت لرجاء بن حيوه: إن الحسن يقول في المختلعة: لا يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول:" ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا" قال رجاء: فإن قبيصة بن ذؤيب كان يرخص أن يأخذ أكثر مما أعطاها، ويتأول:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به"
* * *
وقال آخرون: هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ [سورة النساء: ٢٠]
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٧٧ - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا عقبة بن أبي الصهباء قال: سألت بكرا عن المختلعة أيأخذ منها شيئا؟ قال لا! وقرأ:" وأخذن منكم ميثاقا غليظا".
٤٨٧٨ - حدثني المثنى، قال: حدثنا الحجاج، قال: حدثنا عقبة بن أبي الصهباء، قال: سألت بكر بن عبد الله عن رجل تريد امرأته منه الخلع، قال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا. قلت: يقول الله تعالى ذكره في كتابه:" فلا جناح عليهما فيما افتدت به"؟ قال: هذه نسخت. قلت: فإني حفظت؟ قال: حفظت في"سورة النساء" [[في الناسخ والمنسوخ وفي القرطبي"فأين جعلت" وهي أشبه بالصواب وكذلك ينبغي أن تكون الأخرى"جعلت" فيكون نصهما: "فأين جعلت؟ قال: جعلت في سورة النساء".]] قول الله تعالى ذكره: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] [[الأثران: ٤٨٧٧، ٤٨٧٨- في الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس: ٦٨ وأحكام القرآن للجصاص ١: ٣٩٢ والقرطبي ٣: ١٣٩ وسيأتي أول الأثرين في تفسير سورة النساء ٤: ٢١٦ (بولاق) . وفي إسناده هنا"عقبة بن أبي المهنا" وهو تصحيف. و"عقبة بن أبي الصهباء أبو خريم" ترجم له في الجرح والتعديل ٣/ ١/٣١٢ وميزان الاعتدال ٢: ٢٠٥. قال ابن أبي حاتم: "بصري: روى عن سالم ونافع. روى عنه زيد بن حباب وأبو الوليد وأبو سلمة. سمعت أبي يقول ذلك. قال أبو محمد: روى عن العلاء بن بدر. روى عنه معتمر بن سليمان وأبو داود الطيالسي وأبو عمر الحوضي. أخبرنا عبد الرحمن قال: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى ابن معين قال: عقبة بن أبي الصهباء ثقة. أخبرنا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن عقبة بن أبي الصهباء قال: محله الصدق فهو أوثق من عقبة الأحم". وزاد في ميزان الاعتدال أنه: "باهلي" مولى لباهلة ونقل عن أحمد بن حنبل أنه صالح الحديث. هذا ولم أجد كما ترى، وهو ما جاء في التاريخ الكبير، في كتاب الكنى: ٤٤ وفي الجرح والتعديل ٤/٢/٣٩٤: "أبو الصهباء البصري. روى عن بكر بن عبد الله. روى عنه معن بن عيسى. سمعت أبي يقول ذلك" قاله ابن أبي حاتم.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: إذا خيف من الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله - على سبيل ما قدمنا البيان عنه- فلا حرج عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، من قليل ما تملكه وكثيره مما يجوز للمسلمين أن يملكوه، وإن أتى ذلك على جميع ملكها. لأن الله تعالى ذكره لم يخص ما أباح لهما من ذلك على حد لا يجاوز، بل أطلق ذلك في كل ما افتدت به. غير أني أختار للرجل = استحبابا لا تحتيما [[في المخطوطة: "لا تحريما" ليست بشيء وما في المطبوعة هو الصواب. والتحتيم: الإيجاب حتم عليه الأمر حتما: أوجبه.]] إذا تبين من امرأته أن افتداءها منه لغير معصية لله، [[في المطبوعة: "لغير معصية الله" والصواب ما في المخطوطة.]] بل خوفا منها على دينها= أن يفارقها بغير فدية ولا جعل. فإن شحت نفسه بذلك، [[في المخطوطة: "سحت" مهملة وشح بالشيء يشح فهو شحيح: ضن وبخل.]] فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها.
* * *
فأما ما قاله بكر بن عبد الله، من أن هذا الحكم في جميع الآية منسوخ بقوله: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾ فقول لا معنى له، فنتشاغل بالإبانة عن خطئه لمعنيين: أحدهما: إجماع الجميع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المسلمين، على تخطئته وإجازة أخذ الفدية من المفتدية نفسها لزوجها، وفي ذلك الكفاية عن الاستشهاد على خطئه بغيره.
والآخر: أن الآية التي في"سورة النساء" إنما حرم الله فيها على زوج المرأة أن يأخذ منها شيئا مما آتاها، [[في المطبوعة: "بأن أراد الرجل" وفي المخطوطة: "فإن أراد" والصواب ما أثبت.]] بأن أراد الرجل استبدال زوج بزوج من غير أن يكون هنالك خوف من المسلمين عليهما مقام أحدهما على صاحبه أن لا يقيما حدود الله، [[في المطبوعة: "بمقام أحدهما على صاحبه" صواب جيد. وقوله: "ولا نشوز" معطوف على قوله: "خوف".]] ولا نشوز من المرأة على الرجل. وإذا كان الأمر كذلك، فقد ثبت أن أخذ الزوج من امرأته مالا على وجه الإكراه لها والإضرار بها حتى تعطيه شيئا من مالها على فراقها حرام، [[في المطبوعة: "فقد بينا أن أخذ الزوج. . . " وهو خطأ محض والسياق يقتضي غيره ثم إنه لم يذكر شيئا من ذلك فيما سلف. أما في المخطوطة: "فقد سا" والألف الأخيرة قصيرة عن أشباهها. وأحب أن أثبت هنا أن ناسخ المخطوطة قد عجل في الصفحات السابقة والصفحات التالية عجلة شديدة حتى تبين ذلك في خطه تبينا ظاهرا. ولذلك كثر الخطأ والاشتباه فيما يكتب.]] ولو كان ذلك حبة فضة فصاعدا. [[الحبة: ميزان من موازينهم. هو: زنة حبة شعير متوسطة لم تقشر وقد قطع من طرفيها ما امتد (رسالة النقود للمقريزي: ٣) .]]
وأما الآية التي في"سورة البقرة" فإنها إنما دلت على إباحة الله تعالى ذكره له أخذ الفدية منها في حال الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله بنشوز المرأة، وطلبها فراق الرجل، ورغبته فيها. فالأمر الذي أذن به للزوج في أخذ الفدية من المرأة في"سورة البقرة" [[في المخطوطة: "أذن به للزوج أخذ الفدية" بحذف"في" والإذن هنا الإباحة.]] ضد الأمر الذي نهى من أجله عن أخذ الفدية في"سورة النساء"، كما الحظر في"سورة النساء"، غير الإطلاق والإباحة في"سورة البقرة". [[في المطبوعة والمخطوطة: "غير الطلاق والإباحة" والصواب ما أثبت ولم أجد"الطلاق" مصدرا بمعنى الإباحة. وكأن الناسخ ظن أن أبا جعفر يريد أن آية سورة البقرة فيها ذكر لفظ"الطلاق" وأما التي في سورة النساء فليس فيها لفظ"الطلاق" فيكون ذلك غريبا جدا، ولطيفا أيضًا!! ومراد الطبري أن الذي في سورة البقرة هو نشوز المرأة والذي في سورة النساء هو ضرار الرجل، والذي في البقرة إباحة وإطلاق، والذي في النساء حظر ومنع.]] فإنما يجوز في الحكمين أن يقال أحدهما ناسخ [[في المخطوطة والمطبوعة: "فإنما يجوز" والفاء هنا لا معنى لها، بل هي اختلال. وقد أسلفنا ما في كتابة الناسخ هنا من عجلة وسهو شديد.]] إذا اتفقت معاني المحكوم فيه، ثم خولف بين الأحكام فيه باختلاف الأوقات والأزمنة.
وأما اختلاف الأحكام باختلاف معاني المحكوم فيه في حال واحدة ووقت واحد، فذلك هو الحكمة البالغة، والمفهوم في العقل والفطرة، وهو من الناسخ والمنسوخ بمعزل.
* * *
وأما الذي قاله الربيع بن أنس [[انظر الأثر السالف رقم: ٤٨٤٥.]] من أن معنى الآية: فلا جناح عليهما فيما افتدت به منه - يعني بذلك: مما آتيتموهن - فنظير قول بكر في دعواه نسخ قوله: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به" بقوله:" وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا" لادعائه في كتاب الله ما ليس موجودا في مصاحف المسلمين رسمه.
ويقال لمن قال بقوله: قد قال من قد علمت من أئمة الدين: إنما معنى ذلك: فلا جناح عليهما فيما افتدت به من ملكها= فهل من حجة تبين بها منهم غير الدعوى؟ [[في المطبوعة"تبين تهافتهم" من قولهم"بين الشيء يبين" بتشديد الياء. ومعنى الجملة لا يتفق في سياق هذا الكلام. وفي المخطوطة"تبين بها منهم" غير منقوطة فقرأتها على أصح وجوه المعنى الذي يوافق السياق. وبان منهم يبين: افترق وامتاز. يقول: فهل من حجة تجعل بينك وبينهم فرقا غير الدعوى؟ فهم يحتجون بأن هذا ظاهر الآية، وأنت تدعى أن في الآية خصوصا! فأية حجة في هذا تجعل لك ميزة عليهم؟]] فقد احتجوا بظاهر التنزيل، وادعيت فيه خصوصا! ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله. وقد بينا الأدلة بالشواهد على صحة قول من قال: للزوج أن يأخذ منها كل ما أعطته المفتدية، التي أباح الله لها الافتداء - في كتابنا ﴿كتاب اللطيف﴾ فكرهنا إعادته في هذا الموضع.
* * *
[[مما يدل على ان الناسخ في هذا المكان كان عجلا غير متأن كما أسلفنا من شواهد خطه، من كثرة الخطأ في نقله، أنه كتب نص الآية هنا"تلك حدود الله فلا تقربوها"!!]]
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، قلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته.
وإنما عنى تعالى ذكره بقوله:" تلك حدود الله فلا تعتدوها"، هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت: من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله:" تلك حدود الله"، مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى.
ثم قال لهم تعالى ذكره: هذه الأشياء -التي بينت لكم حلالها من حرامها-"حدودي"= يعني به: معالم فصول ما بين طاعتي ومعصيتي=، فلا تعتدوها= يقول: فلا تتحاوزوا ما أحللته لكم إلى ما حرمته عليكم، وما أمرتكم به إلى ما نهيتكم عنه، ولا طاعتي إلى معصيتي، [[انظر معنى"الخدود""والتعدي والعدوان" في فهرس اللغة من الأجزاء السالفة.]] فإن من تعدى ذلك = يعني من تخطاه وتجاوزه = إلى ما حرمت عليه أو نهيته، فإنه هو الظالم- وهو الذي فعل ما ليس له فعله، ووضع الشيء في غير موضعه. وقد دللنا فيما مضى على معنى"الظلم" وأصله بشواهده الدالة على معناه، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. [[انظر ما سلف ١: ٥٢٣-٥٢٤/٢: ١٠١- ١٠٢، ٣٦٩، ٥١٩.]]
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن خالفت ألفاظ تأويلهم ألفاظ تأويلنا، غير أن معنى ما قالوا في ذلك [يؤول] إلى معنى ما قلنا فيه. [[في المطبوعة: ". . . ما قالوا في ذلك إلى معنى. . . " وأثبت الزيادة بين القوسين لأن موضعها في المخطوطة بياض فرجحت أن تكون الكلمة الناقصة هي هي، كما أثبتها.]]
* ذكر من قال ذلك:
٤٨٧٩ - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" تلك حدود الله فلا تعتدوها" يعني بالحدود: الطاعة.
٤٨٨٠ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:" تلك حدود الله فلا تعتدوها" يقول: من طلق لغير العدة فقد اعتدى وظلم نفسه،"ومن يتعد حدود الله، فأولئك هم الظالمون".
* * *
قال أبو جعفر: وهذا الذي ذكر عن الضحاك لا معنى له في هذا الموضع، لأنه لم يجر للطلاق في العدة ذكر، فيقال:"تلك حدود الله"، وإنما جرى ذكر العدد الذي يكون للمطلق فيه الرجعة، والذي لا يكون له فيه الرجعة دون ذكر البيان عن الطلاق للعدة.
{"ayah":"ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ وَلَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُوا۟ مِمَّاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ شَیۡـًٔا إِلَّاۤ أَن یَخَافَاۤ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَا فِیمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق