الباحث القرآني
فَأمّا التَّفْسِيرُ فَفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ بَيانٌ لِسُنَّةِ الطَّلاقِ، وأنْ يُوقِعَ في كُلِّ قُرْءِ طَلْقَةً، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ. والثّانِي: أنَّهُ بَيانٌ لِلطَّلاقِ الَّذِي يَمْلِكُ مَعَهُ الرَّجْعَةَ، قالَهُ عُرْوَةُ، وقَتادَةُ، وابْنُ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ في آَخَرِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ مَعْناهُ: فالواجِبُ عَلَيْكم إمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ، وهو ما يُعْرَفُ مِن إقامَةِ الحَقِّ في إمْساكِ المَرْأةِ. وقالَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ: المُرادُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾: الرَّجْعَةُ بَعْدَ الثّانِيَةِ. وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّ المُرادَ بِهِ الطَّلْقَةُ الثّالِثَةُ، قالَهُ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، ومُقاتِلٌ. والثّانِي: أنَّهُ الإمْساكُ عَنْ رَجْعَتِها حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها، قالَهُ الضَّحّاكُ، والسُّدِّيُّ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى مُحَمَّدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ الفَرّاءِ: وهَذا هو الصَّحِيحُ، أنَّهُ قالَ عُقَيْبَ الآَيَةِ: ﴿فَإنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ والمُرادُ بِهَذِهِ الطَّلْقَةِ: الثّالِثَةُ بِلا شَكٍّ، فَيَجِبُ إذَنْ أنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ عَلى تَرْكِها حَتّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُها، لِأنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلى الثّالِثَةِ، وجَبَ أنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ طَلَّقَها﴾ عَلى رابِعَةٍ، وهَذا لا يَجُوزُ.
(p-٢٦٤)* فَصْلٌ
الطَّلاقُ عَلى أرْبَعَةِ أضْرُبٍ:
واجِبٌ، ومَندُوبٌ إلَيْهِ، ومَحْظُورٌ، ومَكْرُوهٌ. فالواجِبُ: طَلاقُ المُؤْلِي بَعْدَ التَّرَبُّصِ، إذا لَمْ يَفِئْ، وطَلاقُ الحُكْمَيْنِ في شِقاقِ الزَّوْجَيْنِ، إذا رَأيا الفُرْقَةَ. والمَندُوبُ: إذا لَمْ يَتَّفِقا، واشْتَدَّ الشِّقاقُ بَيْنَهُما، لِيَتَخَلَّصا مِنَ الإثْمِ. والمَحْظُورُ: في الحَيْضِ، إذا كانَتْ مَدْخُولًا بِها، وفي طُهْرِ جامِعِها فِيهِ قَبْلَ أنْ تَطْهُرَ. والمَكْرُوهُ: إذا كانَتْ حالُهُما مُسْتَقِيمَةً، وكُلُّ واحِدٍ مِنهُما قَيِّمٌ بِحَقِّ صاحِبِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ نَزَلَتْ في «ثابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ، أتَتْ زَوْجَتُهُ إلى النَّبِيِّ، ﷺ، فَقالَتْ: واللَّهِ ما أعِيبُ عَلى ثابِتٍ في دِينٍ ولا خُلُقٍ، ولَكِنِّي [أكْرَهُ الكُفْرَ في الإسْلامِ ] لا أُطِيقُهُ بُغْضًا. فَقالَ لَها النَّبِيُّ ﷺ: "أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟" قالَتْ: نَعَمْ. فَأمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ، أنْ يَأْخُذَها، ولا يَزْدادَ.» رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ واخْتَلَفُوا في اسْمِ زَوْجَتِهِ، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: جَمِيلَةٌ. ونَسَبَها يَحْيى ابْنُ أبِي كَثِيرٍ، فَقالَ: جَمِيلَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، وكَنّاها مُقاتِلٌ، فَقالَ: أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. وقالَ آَخَرُونَ. إنَّما هي جَمِيلَةُ أُخْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. ورَوى يَحْيى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ رِوايَتَيْنِ. إحْداهُما: أنَّها حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ. والثّانِيَةُ: سَهْلَةُ بِنْتُ حَبِيبٍ.
(p-٢٦٥)وَهَذا الخُلْعُ أوَّلُ خَلْعٍ كانَ في الإسْلامِ. والخَوْفُ في الآَيَةِ بِمَعْنى: العِلْمُ: قالَ أبُو عُبَيْدٍ: مَعْنى قَوْلِهِ: (ألّا يَخافا): يُوقِنا. والحُدُودُ قَدْ سَبَقَ بَيانُ مَعْناها.
وَمَعْنى الآَيَةِ: أنَّ المَرْأةَ إذا خافَتْ أنْ تَعْصِيَ اللَّهَ في أمْرِ زَوْجِها لِبُغْضِها إيّاهُ، وخافَ الزَّوْجُ أنْ يَعْتَدِيَ عَلَيْها لِامْتِناعِها عَنْ طاعَتِهِ؛ جازَ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها الفِدْيَةَ، إذا طَلَبَتْ ذَلِكَ. هَذا عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ في فَتْحِ "ياءِ" (يَخافا) وقَرَأ الحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، وأبُو جَعْفَرٍ، وحَمْزَةُ، والأعْمَشُ: (يُخافا) بِضَمِّ الياءِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإنْ خِفْتُمْ﴾ قالَ قَتادَةُ: هو خِطابٌ لِلْوُلاةِ ﴿فَلا جُناحَ عَلَيْهِما﴾ عَلى المَرْأةِ ﴿فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ وعَلى الزَّوْجِ فِيما أخَذَ، لِأنَّهُ ثَمَنُ حَقِّهِ. وقالَ الفَرّاءُ: يَجُوزُ أنْ يُرادَ الزَّوْجُ وحْدُهُ، وإنْ كانا قَدْ ذُكِرا جَمِيعًا، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنهُما اللُّؤْلُؤُ والمَرْجانُ﴾ [ الرَّحْمَنِ: ٢٢ ] . وإنَّما يَخْرُجُ مِن أحَدِهِما. وقَوْلُهُ: ﴿نَسِيا حُوتَهُما﴾ [ الكَهْفِ: ٦١ ] وإنَّما نَسِيَ أحَدُهُما.
* فَصْلٌ
وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَأْخُذَ مِنها أكْثَرَ مِمّا أعْطاها؟ فِيهِ قَوْلانِ. أحَدُهُما: يَجُوزُ، وبِهِ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وعُثْمانُ، وعَلَيُّ، وابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، ومُجاهِدٌ، والنَّخَعِيُّ، والضَّحّاكُ، ومالِكٌ، والشّافِعِيُّ. والثّانِي: لا يَجُوزُ، وبِهِ قالَ سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، وعَطاءٌ، والشَّعْبِيُّ، وطاوُوسٌ، وابْنُ جُبَيْرٍ، والزُّهْرِيُّ، وأحَمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وقَدْ نُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ، والحَسَنِ أيْضًا. وهَلْ يَجُوزُ الخُلْعُ دُونَ السُّلْطانِ؟ قالَ عُمَرُ، وعُثْمانُ، وعَلَيٌّ، وابْنُ عُمَرَ، وطاوُوسٌ، وشُرَيْحٌ، والزُّهْرِيُّ: يَجُوزُ، وهو قَوْلُ جُمْهُورِ العُلَماءِ. وقالَ الحَسَنُ، وابْنُ سِيرِينَ، وقَتادَةُ: لا يَجُوزُ إلّا عِنْدَ السُّلْطانِ.
{"ayah":"ٱلطَّلَـٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِیحُۢ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ وَلَا یَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُوا۟ مِمَّاۤ ءَاتَیۡتُمُوهُنَّ شَیۡـًٔا إِلَّاۤ أَن یَخَافَاۤ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیۡهِمَا فِیمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق