الباحث القرآني

﴿الطَّلاقُ مَرَّتانِ﴾ أيِ التَّطْلِيقُ الرَّجْعِيُّ اثْنانِ لِما رُوِيَ « (أنَّهُ ﷺ سُئِلَ أيْنَ الثّالِثَةُ؟ فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ﴿أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ )» . وقِيلَ مَعْناهُ التَّطْلِيقُ الشَّرْعِيُّ تَطْلِيقَةً بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ عَلى التَّفْرِيقِ، ولِذَلِكَ قالَتِ الحَنَفِيَّةُ: الجَمْعُ بَيْنَ الطَّلْقَتَيْنِ والثَّلاثِ بِدْعَةٌ. ﴿فَإمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾ بِالمُراجَعَةِ وحُسْنِ المُعاشَرَةِ، وهو يُؤَيِّدُ المَعْنى الأوَّلَ. ﴿أوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسانٍ﴾ بِالطَّلْقَةِ الثّالِثَةِ، أوْ بِأنْ لا يُراجِعَها حَتّى تَبِينَ، وعَلى المَعْنى الأخِيرِ حُكْمُ مُبْتَدَأٍ وتَخْيِيرٌ مُطْلَقٌ عَقَّبَ بِهِ تَعْلِيمَهم كَيْفِيَّةَ التَّطْلِيقِ. ﴿وَلا يَحِلُّ لَكم أنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ أيْ مِنَ الصَّدَقاتِ. رُوِيَ « (أنَّ جَمِيلَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ، كانَتْ تُبْغِضُ زَوْجَها ثابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَأتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: لا أنا ولا ثابِتٌ لا يَجْمَعُ رَأْسِي ورَأْسَهُ شَيْءٌ، واللَّهِ ما أعِيبُهُ في دِينٍ ولا خُلُقٍ ولَكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ في الإسْلامِ، وما أُطِيقُهُ بَعْضًا إنِّي رَفَعْتُ جانِبَ الخِباءِ فَرَأيْتُهُ أقْبَلَ في جَماعَةٍ مِنَ الرِّجالِ، فَإذا هو أشُدُّهم سَوادًا وأقْصَرُهم قامَةً وأقْبَحَهم وجْهًا) . فَنَزَلَتْ فاخْتَلَعَتْ مِنهُ بِحَدِيقَةٍ كانَ أصْدَقَها إيّاها.» والخِطابُ مَعَ الحُكّامِ وإسْنادُ الأخْذِ والإيتاءُ إلَيْهِمْ لِأنَّهُمُ الآمِرُونَ بِهِما عِنْدَ التَّرافُعِ. وقِيلَ إنَّهُ خِطابٌ لِلْأزْواجِ وما بَعْدَهُ خِطابٌ لِلْحُكّامِ وهو يُشَوِّشُ النَّظْمَ عَلى القِراءَةِ المَشْهُورَةِ. إلّا أنْ يَخافا أيِ الزَّوْجانِ. وقُرِئَ « يَظُنّا» وهو يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الخَوْفِ بِالظَّنِّ. ﴿ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ﴾ يَتْرُكُ إقامَةَ أحْكامِهِ مِن مَواجِبِ الزَّوْجِيَّةِ. وقَرَأ حَمْزَةُ ويَعْقُوبُ « يَخافا» عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ وإبْدالِ أنْ بِصِلَتِهِ مِنَ الضَّمِيرِ بَدَلُ الِاشْتِمالِ. وقُرِئَ « تَخافا» و « تُقِيما» بِتاءِ الخِطابِ. فَإنْ خِفْتُمْ أيُّها الحُكّامُ. ﴿ألا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيما افْتَدَتْ بِهِ﴾ عَلى الرَّجُلِ في أخْذِ ما افْتَدَتْ بِهِ نَفْسَها واخْتَلَعَتْ، وعَلى المَرْأةِ في إعْطائِهِ. ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ إشارَةٌ إلى ما حَدَّ مِنَ الأحْكامِ. فَلا تَعْتَدُوها فَلا تَتَعَدَّوْها بِالمُخالَفَةِ. ﴿وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾ تَعْقِيبٌ لِلنَّهْيِ بِالوَعِيدِ مُبالَغَةً في التَّهْدِيدِ، واعْلَمْ أنَّ ظاهِرَ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ الخُلْعَ لا يَجُوزُ مِن غَيْرِ كَراهَةٍ وشِقاقٍ، ولا بِجَمِيعِ ما ساقَ الزَّوْجُ إلَيْها فَضْلًا عَنِ الزّائِدِ، ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ «أيُّما امْرَأةٍ سَألَتْ زَوْجَها طَلاقًا مِن غَيْرِ بَأْسٍ، فَحَرامٌ عَلَيْها رائِحَةُ الجَنَّةِ» . وَما رُوِيَ «أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قالَ لِجَمِيلَةَ: « أتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقالَتْ: أرُدُّها وأزِيدُ عَلَيْها، فَقالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أمّا الزّائِدُ فَلا» . والجُمْهُورُ اسْتَكْرَهُوهُ ولَكِنْ نَفَّذُوهُ فَإنَّ المَنعَ عَنِ العَقْدِ لا يَدُلُّ عَلى فَسادِهِ، وأنَّهُ يَصِحُّ بِلَفْظِ المُفاداةِ، فَإنَّهُ تَعالى سَمّاهُ افْتِداءً. واخْتُلِفَ في أنَّهُ إذا جَرى بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلاقِ هَلْ هو فَسْخٌ أوْ طَلاقٌ، ومَن جَعَلَهُ فَسْخًا احْتَجَّ بِقَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب