الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ﴾ قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 136.]]: لما ذكر أنهم لا يؤمنون، عرف الدليل الذي يوجب التصديق بالخالق، فقال: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ الآية، العمد [["تهذيب اللغة" (عمد) 3/ 2561.]]: الأساطين، ومنه قول النابغة [[عجز بيت للنابغة وصدره: وخيس الجن إني قد أذنت لهم انظر: "ديوانه" ص 13، و"المحرر الوجيز" 8/ 111، و"البحر المحيط" 5/ 357، و"الدر المصون" 7/ 10، و"تهذيب اللغة" (عمد) 3/ 2561، و"مختار الشعر الجاهلي" 152، و"اللسان" (عمد) 5/ 3097، وخيس: ذلل، تَدْمر: بلدة بالشام، الصفاح: حجارة عراض رقاق.]]: يَبْنُون تَدْمُر بالصُّفّاح [[في (أ)، (ب): (بالصفائح).]] والعَمَدِ وهو جمع عماد، يقال: عماد، وعُمَد، وعُمُد، مثل إهابٌ، وأهَبٌ وأُهُبٌ، قال ذلك أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 5/ 362.]] في قوله ﴿عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة: 9]، وقال الفراء [["معاني القرآن" 3/ 291، وفيه: جمعان للعمود.]]: العُمُد والعَمَد جمع العمود، مثل أديم وأُدُم، وأدَم، وقَضْم وقُضْم، قُضُم والعماد والعمود ما يعمد به الشيء، يقال: عمدت الحائط أعمده عمدًا، إذا دعمته فاعتمد الحائط على العماد، أي امتسك به، ومن هذا يقال: فلان عمدة قومه؛ إذا كانوا يعتمدونه فيما يحزبهم. وقوله تعالى: ﴿تَرَوْنَهَا﴾ فيه ثلاثة أقوال: أحدها أنه كلام مستأنف، والمعنى رفع السموات بغير عمد، ثم قال ﴿تَرَوْنَهَا﴾ أي: وأنتم ترونها كذلك مرفوعة بلا عمد [[ساقطة من (أ)، (ج).]]. قال ابن الأنباري [["الأضداد" ص 268، و"الوقف والابتداء" 2/ 730، 731، و"زاد المسير" 4/ 301.]]: أفاد بقوله "ترونها"، أنهم يرونها بلا دعامة ترفعها، ولا شيء يمسكها من الوقوع، أي الذي تشاهدون من هذا الأمر العظيم وتعاينونه بأبصاركم يغنيكم عن الإخبار وإقامة الدلائل، "فترونها" على هذا القول، خبر مستأنف، قال: ويجوز أن يكون ترونها متعلقًا بالسموات، والباء من صلته، وتلخيصه: (ترونها) بغير عمد، فالباء معناها التأخير بعد الرؤية، و"ترونها" على هذا في موضع نصب في التقدير على الحال من "السموات". لو صرف إلى الدائم لقيل: رأيتها [[كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب (رأيتموها).]] أنتم بغير عمد، وإذا جعلناه خبرًا مستأنفًا غير متعلق بالباء، كان الباء من صلة الرفع، وقد حصل في "ترونها" قولان، وهذا على قول من يقول: إن الله تعالى [[(تعالى): ساقطة من (ج).]] خلق السموات بلا عماد من تحتها. وهو قول ابن عباس [[الثعلبي 7/ 199 ب.]] فيما روى جويبر عن الضحاك عنه قال: يعني ليس من دونها دعامة، ولا فوقها علاقة، وهو قول قتادة [[الطبري 13/ 94، وعبد الرزاق 2/ 331، وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في "الدر" 4/ 601.]] وإياس بن معاوية [[الطبري 13/ 94، و"الدر المنثور" 4/ 81، والثعلبي 7/ 119 ب. وهو: إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني أبو واثلة، قاضي البصرة، تابعي ثقة فقيه يضرب به المثل في الذكاء والدهاء والعقل والفطنة والفصاحة. توفي سنة 122 هـ. انظر: "حلية الأولياء" 3/ 123، و"تهذيب التهذيب" 1/ 197.]]، ومقاتل [["تفسير مقاتل" 158ب، ولم أجده فيه.]] قال: من قائمات ليس لها عمد. والقول الثالث في (ترونها) أنه من نعت العمد، المعنى بغير عمد مرئية، وعلى هذا الجحد الداخل على العمد واقع في المعنى على الرُؤية، والتقدير: رفع السموات بعمد لا ترونها، والعرب قد تقدم الجحد من آخر الكلمةإلى أولها، ويكون ذلك جائزًا كما تقول: لا تكلمن بغير كلام يمله السامع. معناه: بكلام لا يمله السامع، ومنه [قول] ابن هرمة [[سبق تخريجه.]]: ولا أَرَاهَا [[في (ج): (ولال راها).]] تَزَالُ ظَالِمَةً ... يُحْدِثُ لي نَكْبَةً وتَنْكَأُهَا أراد: وأراها لا تزال ظالمة، وهذا التقدير على قول من قال: إن للسموات عمدًا ولكنا لا نراها، وهو قول ابن عباس [[الطبري 13/ 94، قال: بعمد لا ترونها، الرازي 18/ 232.]] في رواية، قال: لها عمد على قاف، وهو جبل من زبرجد محيط بالدنيا، ولكنكم لا ترون العمد، وهذا قول مجاهد [[الطبري 13/ 93، وابن أبي حاتم كما في "الدر" 4/ 600، و"زاد المسير" 4/ 81.]]. وأنكر قوم هذا التأويل، وقالوا: لو كان لها عمد لكانت ترى، والله -عز وجل- إنما دل هذا على قدرته من حيث لا يمكن لأحد أن يقيم جسمًا بغير عمد إلا هو، وما ذكرنا من الأقوال في (ترونها)، والتقديرات فيه، من كلام الفراء [["معاني القرآن" 2/ 57.]] والزجاج [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 136.]] وأبي بكر، وقال الزجاج في [["معاني القرآن وإعرابه" 4/ 195.]] نظم هذه الآية في سورة لقمان: من قال بعمد ترونها، يكون معنى (العمد) قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، وهي غير مرئية. وقوله تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ أي بالاستيلاء والاقتدار، ونفوذ السلطان، وأصله استواء التدبير، كما أن أجل القيام الانتصاب، ثم قال قائم بالتدبير، والمعنى: ثم استوى على العرش بالتدبير، للأجسام الذي قد كوّنها، فقوله ﴿ثُمَّ﴾ يدل على حدوث التدبير، والكلام في معنى الاستواء ماض بالاستقصاء في سورة البقرة [[عند قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [البقرة: 29]، وخلاصة ما ذكره أن للاستواء معاني، منها: 1 - أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته. 2 - أن يستوي من اعوجاج. 3 - بمعى أقبل. 4 - بمعنى عمد وقصد. 5 - صعد. 6 - استولى. 7 - علا. وقد رجح تأويل الاستواء على كل حال وقصد نفي الصفة كما هو مذهب الأشاعرة. وقد تقدم التعليق على ذلك مرارًا.]]. وقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ معنى التسخير التذليل، قال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 136.]]: كل مقهور مدبّر لا يملك لنفسه ما يخلصه من القهر، فذلك مسخّر، وقال غيره [[نقله في "التهذيب" (سخر) 2/ 1650 عن الليث.]]: أصله: سخرت السفينة، إذا أطاعت وطاب لها السير، وقد سخرها الله تسخيرًا، وأنشد [[لم أهتد إلى قائله وهو بلا نسبة في كتاب "العين" المنسوب إلى الخليل 4/ 156، و"التهذيب" (سخر) 2/ 1650، و"اللسان" (سخر) 4/ 1963.]]: سَوَاخِرٌ في سَواءِ اليَمِّ تَحْتَفزُ وتسخرت دابة فلان، ركبتها بغير أجر، ومعنى تسخير الشمس والقمر، تذليلها لما يراد منها، وهو قوله: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا. وهذا معنى قول ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 155، و"زاد المسير" 4/ 301، والقرطبي 9/ 279.]] في رواية عطاء، قال: يريد أن [[ليس في (ب).]] هذا كائن إلى يوم القيامة، وروي عنه [[الثعلبي 7/ 120 أ، القرطبى 9/ 279، الرازي 18/ 233.]] أنه قال: أراد بالأجل المسمى: انتهاؤهما في السير إلى درجاتهما ومنازلهما، وهو قول الكلبي [["زاد المسير" 7/ 19.]]، قال: للشمس منازل معلومة، كل يوم لها منزل تنزله، حتى تنتهي إلى آخر منازلها، فإذا انتهت إليه لم تجاوزه ثم ترجع، فهذا الأجل المسمى، وللقمر كذلك. وقوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْر﴾ معنى التدبير: تصريف الأمر على ما يقتضيه مستدبر حاله في عاقبته، والله تعالى يدبر الأمر بحكمته. ﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أي: يبين الآيات التي تدل على قدرته على البعث، وذلك أنهم كانوا يجحدون البعث، فأُعلموا أن الذي خلق السموات وأنشأ هذه الأشياء ولم تكن، قادرٌ على إعادتهم، وهو معنى قوله: {لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} قال ابن عباس [["تنوير المقباس" ص 155، وانظر: الطبري 13/ 95.]]: يقول لكي يا أهل مكة توقنون [[كذا في النسخ، ولعله خطأ من الناسخ وصحة الكلمة (توقنوا).]] بالبعث، وتعلموا أنه لا إله غيري.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب