الباحث القرآني

(p-٢٢١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الرَّعْدِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ . ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ قَدْ يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ السَّماءَ مَرْفُوعَةٌ عَلى عَمَدٍ، ولَكِنَّنا لا نَراها، ونَظِيرُ هَذِهِ الآيَةِ قَوْلُهُ أيْضًا في أوَّلِ سُورَةِ ”لُقْمانَ“: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وألْقى في الأرْضِ رَواسِيَ أنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [لقمان: ١٠] . واخْتَلَفَ العُلَماءُ في قَوْلِهِ: تَرَوْنَها عَلى قَوْلَيْنِ: أحَدُهُما أنَّ لَها عَمَدًا ولَكِنَّنا لا نَراها، كَما يُشِيرُ إلَيْهِ ظاهِرُ الآيَةِ، ومِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذا القَوْلُ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ، والحَسَنُ، وقَتادَةُ، وغَيْرُ واحِدٍ، كَما قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَرُوِيَ عَنْ قَتادَةَ أيْضًا أنَّ المَعْنى أنَّها مَرْفُوعَةٌ بِلا عَمَدٍ أصْلًا، وهو قَوْلُ إياسِ بْنِ مُعاوِيَةَ، وهَذا القَوْلُ يَدُلُّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُهُ تَعالى في سُورَةِ ”الحَجِّ“ أنَّهُ هو الَّذِي يُمْسِكُها أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ في قَوْلِهِ: ﴿وَيُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ إلّا بِإذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] . قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: فَعَلى هَذا يَكُونُ قَوْلُهُ: تَرَوْنَها تَأْكِيدًا لِنَفْيِ ذَلِكَ، أيْ هي مَرْفُوعَةٌ بِغَيْرِ عَمَدٍ كَما تَرَوْنَها كَذَلِكَ، وهَذا هو الأكْمَلُ في القُدْرَةِ اهـ. قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: الظّاهِرُ أنَّ هَذا القَوْلَ مِن قَبِيلِ السّالِبَةِ لا تَقْتَضِي وُجُودَ المَوْضُوعِ، والمُرادُ أنَّ المَقْصُودَ نَفْيُ اتِّصافِ المَحْكُومِ عَلَيْهِ بِالمَحْكُومِ بِهِ، وذَلِكَ صادِقٌ بِصُورَتَيْنِ: الأُولى: أنْ يَكُونَ المَحْكُومُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا، ولَكِنَّ المَحْكُومَ بِهِ مُنْتَفٍ عَنْهُ، كَقَوْلِكَ لَيْسَ الإنْسانُ بِحَجَرٍ، فالإنْسانُ مَوْجُودٌ والحَجَرِيَّةُ مُنْتَفِيَةٌ عَنْهُ. الثّانِيَةُ: أنْ يَكُونَ المَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَوْجُودٍ فَيُعْلَمَ مِنهُ انْتِفاءُ الحُكْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الأمْرِ المَوْجُودِيِّ، وهَذا النَّوْعُ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، كَما أوْضَحْناهُ في كِتابِنا ”دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ“، ومِثالُهُ في اللُّغَةِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ: ؎عَلى لاحِبٍ لا يَهْتَدِي بِمَنارِهِ إذا سافَهُ العَوْدُ النُّباطِيُّ جَرْجَرا (p-٢٢٢)أيْ لا مَنارَ لَهُ أصْلًا حَتّى يَهْتَدِيَ بِهِ، وقَوْلُهُ: ؎لا تُفْزِعُ الأرْنَبَ أهْوالُها ∗∗∗ ولا تَرى الضَّبَّ بِها يَنْجَحِرُ يَعْنِي: لا أرانِبَ فِيها ولا ضِبابَ. وَعَلى هَذا فَقَوْلُهُ: ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها﴾، أيْ: لا عَمَدَ لَها حَتّى تَرَوْها، والعَمَدُ: جَمْعُ عَمُودٍ عَلى غَيْرِ قِياسٍ، ومِنهُ قَوْلُ نابِغَةَ ذُبْيانَ: ؎وَخَيِّسِ الجِنِّ إنِّي قَدْ أذِنْتُ لَهم ∗∗∗ يَبْنُونَ تَدْمُرَ بِالصُّفّاحِ والعَمَدِ والصُّفّاحُ بِالضَّمِّ والتَّشْدِيدِ: الحَجَرُ العَرِيضُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب