الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٢ ] ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ﴾
يُخْبِرُ تَعالى عَنْ كَمالِ قُدْرَتِهِ وعَظِيمِ سُلْطانِهِ أنَّهُ الَّذِي بِقُدْرَتِهِ رَفَعَ السَّماواتِ، أيْ خَلَقَهُنَّ مُرْتَفَعاتٍ عَنِ الأرْضِ ارْتِفاعًا لا يُنالُ ولا يُدْرَكُ مَداهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها﴾ أيْ أساطِينَ، جَمْعُ عِمادٍ أوْ عَمُودٍ. وقَوْلُهُ تَعالى ﴿تَرَوْنَها﴾ إمّا اسْتِئْنافٌ لِلِاسْتِشْهادِ بِرُؤْيَتِهِمُ السَّماواتِ كَذَلِكَ، كَقَوْلِ الشّاعِرِ:
؎أنا بِلا سَيْفٍ ولا رُمْحٍ تَرانِي
أوْ صِفَةٌ لِـ (عَمَدٍ) جِيءَ بِها إبْهامًا؛ لِأنَّ لَها عَمَدًا غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ، وإلَيْهِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ، ورَجَّحَ ابْنُ كَثِيرٍ (p-٣٦٤٠)الأوَّلَ، وأنَّها لا عَمَدَ لَها، قالَ: وهَذا هو اللّائِقُ بِالسِّياقِ والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويُمْسِكُ السَّماءَ أنْ تَقَعَ عَلى الأرْضِ إلا بِإذْنِهِ﴾ [الحج: ٦٥] والأكْمَلُ أيْضًا في القُدْرَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ في سُورَةِ الأعْرافِ، وأنَّهُ يُمَرُّ كَما جاءَ مِن غَيْرِ تَكْيِيفٍ ولا تَشْبِيهٍ ولا تَعْطِيلٍ ولا تَمْثِيلٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ﴾ أيْ ذَلَّلَهُما لِما أرادَ مِنهُما مِن نَفْعِ العالَمِ السُّفْلِيِّ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى﴾ أيْ لِغايَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَنْقَطِعُ دُونَها سَيْرُهُ، وهو قِيامُ السّاعَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها﴾ [يس: ٣٨] وقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير: ١] ﴿وإذا الكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الإنفطار: ٢] والِاقْتِصارُ عَلى الشَّمْسِ والقَمَرِ؛ لِأنَّهُما أظْهَرُ الكَواكِبِ وأعْظَمُ مِن غَيْرِهِما، فَتَسْخِيرُ غَيْرِهِما يَكُونُ بِطَرِيقِ الأوْلى. وقَدْ جاءَ التَّصْرِيحُ بِتَسْخِيرِهِما مَعَ غَيْرِهِما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأمْرِهِ ألا لَهُ الخَلْقُ والأمْرُ﴾ [الأعراف: ٥٤] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ﴾ أيْ: أمْرَ العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ ويُصَرِّفُهُ ويَقْضِيهِ بِمَشِيئَتِهِ وحِكْمَتِهِ عَلى أكْمَلِ الأحْوالِ، لا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يُفَصِّلُ الآياتِ﴾ يَعْنِي: الآياتِ الدّالَّةَ عَلى وحْدَتِهِ وقُدْرَتِهِ ونُعُوتِهِ الجَلِيلَةِ. أيْ: يُبَيِّنُها في كُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ﴾ أيْ: لَعَلَّكم تُوقِنُونَ وتُصَدِّقُونَ بِأنَّ هَذا المُدَبِّرَ والمُفَصِّلَ، لا بُدَّ لَكم مِنَ المَصِيرِ إلَيْهِ، بِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ لِلْجَزاءِ؛ فَإنَّ مَن تَدَبَّرَ حَقَّ التَّدَبُّرِ؛ أيْقَنَ أنَّ مَن قَدَرَ عَلى إبْداعِ ما ذُكِرَ مِنَ الآياتِ العُلْوِيَّةِ؛ قَدَرَ عَلى الإعادَةِ والجَزاءِ!.
(p-٣٦٤١)لَطائِفُ
الأُولى: جُوِّزَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ﴾ أنْ يَكُونَ المَوْصُولُ خَبَرًا، وأنْ يَكُونَ صِفَةً، والخَبَرُ ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ﴾ ورَجَّحَ في (الكَشْفِ) الأوَّلَ، بِأنَّ قَوْلَهُ الآتِيَ ﴿وهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ﴾ [الرعد: ٣] عَطْفٌ عَلَيْهِ عَلى سَبِيلِ التَّقابُلِ بَيْنَ العُلْوِيّاتِ والسُّفْلِيّاتِ، وفي المُقابِلِ الخَبَرِيَّةُ مُتَعَيِّنَةٌ، فَكَذا هَذا لِيَتَوافَقا. والجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِي أُنْـزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ﴾ [الرعد: ١] وعَدَلَ عَنْ ضَمِيرِ الرَّبِّ إلى الجَلالَةِ لِتَرْشِيحِ التَّقْرِيرِ. كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ لا يَكُونُ المُنْزَلُ مِمَّنْ هَذِهِ أفْعالُهُ هو الحَقُّ؟ وتَعْرِيفُ الطَّرَفَيْنِ لِإفادَةِ أنَّهُ لا مُشارِكَ لَهُ فِيها؛ لا سِيَّما وقَدْ جَعَلَ صِلَةً لِلْمَوْصُولِ، وهَذا أشَدُّ مُناسَبَةً لِلْمَقامِ مِن جَعْلِهِ وصْفًا مُفِيدًا لِتَحْقِيقِ كَوْنِهِ مُدَبَّرًا مُفَصَّلًا، مَعَ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِما. والمَقْصُودُ بِالإفادَةِ قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكم بِلِقاءِ رَبِّكم تُوقِنُونَ﴾ فالمَعْنى: أنَّهُ فَعَلَها كُلَّها لِذَلِكَ.
الثّانِيَةُ: قالَ القاضِي: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿رَفَعَ السَّماواتِ﴾ إلَخْ دَلِيلٌ عَلى وُجُودِ الصّانِعِ الحَكِيمِ، فَإنَّ ارْتِفاعَها عَلى سائِرِ الأجْسامِ المُساوِيَةِ لَها في حَقِيقَةِ الجِرْمِيَّةِ، واخْتِصاصُها بِما يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لا بُدَّ وأنْ يَكُونَ بِمُخَصَّصٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ ولا جُسْمانِيٍّ، يُرَجِّحُ بَعْضَ المُمْكَناتِ عَلى بَعْضٍ بِإرادَتِهِ، وعَلى هَذا المِنهاجِ سائِرُ ما ذُكِرَ مِنَ الآياتِ.
الثّالِثَةُ: " يُدَبِّرُ" و" يُفَصِّلُ" يُقْرَآنِ بِالياءِ والنُّونِ. وهُما مُسْتَأْنِفانِ. أوِ الأوَّلُ حالٌ مِن ضَمِيرِ (سَخَّرَ) والثّانِي مِن ضَمِيرِ (يُدَبِّرُ) أوْ كِلاهُما مِن ضَمائِرِ الأفْعالِ المَذْكُورَةِ.
ولَمّا قَرَّرَ الشَّواهِدَ العُلْوِيَّةَ أرْدَفَها بِذِكْرِ الدَّلائِلِ السُّفْلِيَّةِ عَلى قُدْرَتِهِ وحِكْمَتِهِ. فَقالَ تَعالى:
{"ayah":"ٱللَّهُ ٱلَّذِی رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ بِغَیۡرِ عَمَدࣲ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلࣱّ یَجۡرِی لِأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۚ یُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ یُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاۤءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق