الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ﴾ الآية، قال الكلبي وغيره من المفسرين [[الثعلبي 7/ 99 أ، الرازي 18/ 183.]]: لما خُرِّج الصواع من رحل أخي يوسف نكس إخوته رؤوسهم، وقالوا: ما رأينا كاليوم قط ولدت راحيل أخوين لصّين، فقال لهم أخوهم: والله ما سرقته ولا علم لي بمن وضعه في متاعي، وقيل إنه قال لهم: إن الذي وضع بضاعتكم في رحالكم هو الذي وضع السرقة في رحلي. والمفسرون مختلفون في أن يوسف هل كان أخبر أخاه بالكيد الذي يريد أن يكيده في حبسه عنده، فمنهم من يقول: كان قد أخبره بذلك، ومنهم من يقول: لم يخبره، وهذا معنى قوله ﴿قَالُوا﴾ أي: الإخوة ليوسف إن يسرق أي الصواع فقد سرق أخ له من قبل. قال عطاء عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 263.]]: يريدون يوسف، وكان يأخذ الطعام من مائدة أبيه سرًّا منهم فيتصدق به في المجاعة حتى فطن به إخوته، ونحو هذا قال وهب [[الثعلبي 7/ 99 ب، البغوي 4/ 263.]] في معنى السرق الذي وصفوا به يوسف، ومقاتل: عن الضحاك [["تفسير مقاتل" 156 ب.]] عن ابن عباس، وقال سعيد بن جبير [[و (¬6) الطبري 13/ 29، الثعلبي 7/ 99 أ، البغوي 4/ 263، ابن عطية 8/ 37، "زاد المسير" 4/ 263، القرطبي 9/ 239.]] وقتادة (¬6) سرق صنمًا كان لجده أبي أمه وكسره وألقاه على الطريق. وقال محمد بن إسحاق [[أخرجه ابن إسحاق عن مجاهد كما في "الدر" 4/ 53، وانظر: البغوي 4/ 263.]] ومجاهد [[الطبري 13/ 29، وابن أبي حاتم كما في "الدر" 4/ 53، الثعلبي 7/ 99 ب، و"زاد المسير" 4/ 263، القرطبي 9/ 239.]]: إن جدته خبأت في ثيابه منطقة كانت لإسحاق يتوارثونها بالكبر لتملكه بالسرق محبة لمقامه عندها.
قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 263.]]: وهو في هذه (كلها غير سارق في الحقيقة لكنه أتى) [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] ما يشبه السرق، فوصفه إخوته بذلك عند الغضب على جهة التشبيه والتمثيل، [وقد يوصف بالشيء على جهة التمثيل] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ي).]]، ولا يراد به الحقيقة، كما روي عن النبي ﷺ قال: "كذب إبراهيم ثلاث كذبات" [[أخرجه البخاري (3257)، (3358) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾، أخرجه مسلم (3269) في: كتاب الفضائل، باب: فضائل إبراهيم الخليل عليه السلام.]]. تأويله: قال قولًا يشبه الكذب في الظاهر، وهو صدق عند البحث.
وقوله تعالى: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ قال الفراء [["معاني القرآن" 2/ 52.]]: أسر الكلمة أي: أضمرها في نفسه ولم يظهرها.
قال ابن الأنباري [["زاد المسير" 4/ 264.]]: والكلمة التي أسرها في نفسه: أنتم شرٌّ مكانًا، وزاد من عنده: فأسرّ جوابَ الكلمة التي تكلّموا بها، وتلخيصه وأمرّ جوابها في نفسه فحذف المضاف.
وقال أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 123.]]: الكناية في "فأسرها" إضمار على شريطة التفسير لأن [قوله] [[ما بين المعقوفين بياض في (ب).]] (قال أنتم شر مكانًا) [بدل من الكناية في (فأسرها) المعنى: فأسر يوسف في نفسه قوله أنتم شرٌّ مكانًا] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (خ) وهو في (ب).]].
قال أبو علي [["الإغفال" 2/ 897.]] فيما استدرك عليه: اعلم أن الإضمار على شريطة التفسير يكون على ضربين:
أحدهما: أن يفسر بمفرد كقولنا: نعم رجلاً زيد، ففي نعم ضمير فاعلها ورجلًا المنصوب تفسير لذلك الفاعل المضمر، وأضمر الفاعل لتفسير هذا المذكور له ودلالته عليه، ومثل هذا قولهم: ربه رجلاً، فرجل تفسير المضمر في رب كما كان تفسير المضمر في نعم، فهذان مفردان مضمران على شريطة التفسير، مفسران بمظهرين منكورين ولم يعلم غيرهما، هذا كلامه هاهنا، وقد قال في "الإيضاح": وقالوا: ربه رجلاً، فأضمروا معه قبل الذكر على شريطة التفسير، كما فعلوا ذلك في: نعم رجلاً، وإنما أدخلت رُبَّ على هذا الضمير، وهي إنما تدخل على النكرات من أجل أن هذا الضمير ليس بمقصود قصده، فلما كان غير معين أشبه النكرة، وهذه الهاء على لفظ واحد، وان وليها المذكر أو الاثنان أو الجماعة فهي موحدة، على كل حال رجعنا في كلامه إلى هذه المسألة.
قال: والآخر أن يفسر بجملة، وأصل هذا يقع بالابتداء كقوله: ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأنبياء: 97]، و ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [لإخلاص: 1] المعنى القصة [[كذا في جميع النسخ وفي "الإغفال": "القصة أبصار الذين كفروا" 2/ 897.]] الذين كفروا شاخصة، والأمر الله أحد، ثم تدخل عوامل المبتدأ عليه نحو كان وأن، فينتقل هذا المضمر من الابتداء به كما ينتقل سائر المتبدآت كقوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا﴾ [طه: 74]، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ [الحج: 46] وتفسير المضمر على شريطة التفسير في كلا الموضعين [متصل بالجملة التي فيها الإضمار المشروط تفسيره متعلق بها، وليس يكون في أحد الموضعين] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ب)، (ج) وهو في (ي).]] خارجًا عن الجملة المتضمنة للمضمر الذي يشرط تفسيره، أما في المبتدأ وما دخل عليه فهو في موضع الخبر كما أريتك، وأما في الضرب الذي هو المفرد فمتعلق بما عمل في الاسم المضمر المفرد، ألا ترى أن (رجلا) في قولك: نعم رجلاً منتصب عن الفعل والفاعل، وإذا كان كذلك قد تبين لك أن المضمر على شريطة التفسير لا يكون إلا متعلقًا بالجملة الذي تتضمن [[في "الإغفال": "التي تتضمن المضمر" 2/ 899.]]، ولا يكون منقطعًا عنها ولا متعلقًا بجملة غيرها.
وإذا كان الأمر على ما وصفنا فالذي ذكره أبو إسحاق [["معاني القرآن وإعرابه" 3/ 123.]] في الآية: أنه إضمار على [شريطة التفسير] [[ما بين المعقوفين من (ي).]]، لا يستقيم لانفصال التفسير عن الجملة التي فيها الضمير الذي زعم أنه إضمار على شريطة التفسير، ووقوعها بعد جمل بعدها وانقطاعها منه، وهذا بين الفساد؛ لأنه لا نظير له ولا نجد شاهدًا عليه إلا دعوى لا دلالة معها، ألا ترى أن تفسير المضمر على شريطة التفسير ضربان: إما جملة تفسر مفردًا نحو: ﴿قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ﴾ وإما مفرد يفسر مفردًا من جملة [نحو: نعم رجلاً، وأما جملة تفسر مفردًا من جملة] [[ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج)، وهو في (ب).]]، فليس في القسمة ولا في الوجود، وإذا كان كذلك فلا اتجاه لهذا التأويل في الآية، فإن قلت: فعلام يحمل هذا الضمير في أسرها؟ قلنا يحتمل أن يكون إضمارًا للإجابة، كأنهم لما قالوا: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ أسر يوسف إجابتهم في نفسه في الوقت ﴿وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ﴾ في الحال إلى وقت ثان، وجاز إضمار ذلك؛ لأنه قد دل على إضمارها ما تقدم من مقالتهم، ويجوز أيضًا أن يكون إضمارًا للمقالة كأنه أسر يوسف مقالتهم، والمقالة والقول واحد في المعنى.
فإن قلت: كيف يسر هو مقالتهم؟ قيل: ليس معنى المقالة اللفظ، ولكن المعنى المقول، فيكون المصدر عبارة عن المقول، كما يقول [[في "الإغفال" 2/ 904، "يكون الخلق عبارة عن المخلوق".]] في الخلق، وضَرْب الأمير، ونَسْج اليمن، ومعنى أسرها: أوعاها ولم يطرحها وأكنها في نفسه، إرادة للتوبيخ عليها والمجازاة بها ونحو ذلك، فعلى هذا توجيه هذا الضمير لفساد ما ذكره أبو إسحاق عندنا [[إلى هنا انتهى النقل عن "الإغفال" 2/ 904 بتصرف واختصار.]]، انتهى كلامه.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾ هذا يدل على صحة ما ذكره أبو علي؛ لأنه كيف يصح أن يقول أسَرّ يوسف هذه الكلمة، وقد أخبر الله تعالى أنه قد قال ذلك، إلا أن يحمل على أنه قال ذلك في نفسه من غير إظهار، وفي ذلك عدول عن الظاهر. قال عطاء عن ابن عباس [["زاد المسير" 4/ 264، القرطبي 9/ 240.]]: يريد: "أنتم شر" فعلاً، طرحتم أخاكم في الجب [[(الجب): زيادة من (ي).]] وزعمتم [[في (ج): (وزعمكم).]] لأبيكم أن الذئب قتله وأنتم كاذبون، ثم بعتموه بعشرين درهما، وهذا الذي ذكره ابن عباس يتضمنه قوله: (أنتم شر مكانا) لا أنه واجه إخوته بكل هذا، وروى الضحاك عنه [["زاد المسير" 4/ 260.]] في قوله (أنتم شر مكانا) قال: شر صنيعا لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم.
وقال أهل المعاني [[ذكر هذا القول الثعلبي 7/ 100 أ، والطبري 16/ 200.]]: أنتم شر منزلًا عند الله ممن رميتموه بالسرقة لأنكم سرقتم من أبيكم أخاكم.
قوله تعالى: ﴿وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء [[القرطبي 9/ 240، وانظر: الرازى 18/ 185.]]: أراد أن سرقة يوسف كانت لله رضا، ويروى عنه [[القرطبي 9/ 240، وانظر: الرازى 4/ 264.]]، وهو قول الحسن [["تفسير كتاب الله العزيز" 2/ 280.]] وقتادة [[الطبري 16/ 200 الثعلبي 7/ 100، "زاد المسير" 4/ 264.]]: (والله أعلم بما تصفون) أنه كذب. وقال أبو إسحاق [["معانىِ القرآن وإعرابه " 3/ 123.]]: أي الله يعلم أسرق أخ له أم لا.
{"ayah":"۞ قَالُوۤا۟ إِن یَسۡرِقۡ فَقَدۡ سَرَقَ أَخࣱ لَّهُۥ مِن قَبۡلُۚ فَأَسَرَّهَا یُوسُفُ فِی نَفۡسِهِۦ وَلَمۡ یُبۡدِهَا لَهُمۡۚ قَالَ أَنتُمۡ شَرࣱّ مَّكَانࣰاۖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا تَصِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق