الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا﴾ يَعْنِي: إخْوَةَ يُوسُفَ ﴿إنْ يَسْرِقْ﴾ يَعْنُونَ بِنْيامِينَ " فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ " يَعْنُونَ يُوسُفَ. قالَ المُفَسِّرُونَ: عُوقِبَ يُوسُفُ ثَلاثَ مَرّاتٍ، قالَ لِلسّاقِي: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ فَلَبِثَ في السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ، وقالَ لِلْعَزِيزِ: ﴿لِيَعْلَمَ أنِّي لَمْ أخُنْهُ بِالغَيْبِ﴾ فَقالَ لَهُ جِبْرِيل: ولا حِينَ هَمَمْتَ ؟ فَقالَ: ﴿وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ وقالَ لِإخْوَتِهِ: ﴿إنَّكم لَسارِقُونَ﴾، فَقالُوا: ﴿إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ﴾ . (p-٢٦٣)وَفِي ما عَنَوْا بِهَذِهِ السَّرِقَةِ سَبْعَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ يَسْرِقُ الطَّعامَ مِن مائِدَةِ أبِيهِ في سِنِي المَجاعَةِ، فَيُطْعِمُهُ لِلْمَساكِينِ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ سَرَقَ مِكْحَلَةً لِخالَتِهِ، رَواهُ أبُو مالِكٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّالِثُ: أنَّهُ سَرَقَ صَنَمًا لِجَدِّهِ أبِي أُمِّهِ، فَكَسَرَهُ وألْقاهُ في الطَّرِيقِ، فَعَيَّرَهُ إخْوَتُهُ بِذَلِكَ، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، ووَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، وقَتادَةُ. والرّابِعُ: أنَّ عَمَّةَ يُوسُفَ - وكانَتْ أكْبَرَ ولَدِ إسْحاقَ - كانَتْ تَحْضُنُ يُوسُفَ وتُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَلَمّا تَرَعْرَعَ، طَلَبَهُ يَعْقُوبُ، فَقالَتْ: ما أقْدِرُ أنْ يَغِيبَ عَنِّي، فَقالَ: واللَّهِ ما أنا بِتارِكِهِ، فَعَمَدَتْ إلى مِنطَقَةِ إسْحاقَ، فَرَبَطَتْها عَلى يُوسُفَ تَحْتَ ثِيابِهِ، ثُمَّ قالَتْ: لَقَدْ فَقَدْتُ مِنطَقَةَ إسْحاقَ، فانْظُرُوا مَن أخَذَها، فَوَجَدُوها مَعَ يُوسُفَ، فَأخْبَرَتْ يَعْقُوبَ ذَلِكَ، وقالَتْ: واللَّهِ إنَّهُ لِي أصْنَعُ فِيهِ ما شِئْتُ، فَقالَ: أنْتِ وذاكَ، فَما قَدَرَ عَلَيْهِ يَعْقُوبُ حَتّى ماتَتْ، فَذاكَ الَّذِي عَيَّرَهُ بِهِ إخْوَتُهُ، رَواهُ ابْنُ أبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجاهِدٍ. والخامِسُ: أنَّهُ جاءَهُ سائِلٌ يَوْمًا، فَسَرَقَ شَيْئًا، فَأعْطاهُ السّائِلَ، فَعَيَّرُوهُ بِذَلِكَ. وفي ذَلِكَ الشَّيْءِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّهُ كانَ بَيْضَةً، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: أنَّهُ شاةٌ، قالَهُ كَعْبٌ. والثّالِثُ: دَجاجَةٌ، قالَهُ سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. والسّادِسُ: أنَّ بَنِي يَعْقُوبَ كانُوا عَلى طَعامٍ، فَنَظَر يُوسُفُ إلى عِرْقٍ، فَخَبَّأهُ، فَعَيَّرُوهُ بِذَلِكَ، قالَهُ عَطِيَّة العَوْفِيُّ، وإدْرِيسُ الأوْدِيُّ. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: ولَيْسَ في هَذِهِ الأفْعالِ كُلِّها ما يُوجِبُ السَّرِقَةَ، لَكِنَّها تُشْبِهُ السَّرِقَةَ، فَعَيَّرَهُ إخْوَتُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الغَضَبِ. (p-٢٦٤)والسّابِعُ: أنَّهم كَذَبُوا عَلَيْهِ فِيما نَسَبُوهُ إلَيْهِ، قالَهُ الحَسَنُ. وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: ﴿فَقَدْ سَرَقَ﴾ بِضَمِّ السِّينِ وكَسْرِ الرّاءِ وتَشْدِيدِها. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأسَرَّها يُوسُفُ في نَفْسِهِ﴾ في هاءِ الكِنايَةِ ثَلاثَةُ أقْوالٍ: أحَدُها: أنَّها تَرْجِعُ إلى الكَلِمَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ بَعْدَ هَذا، وهي قَوْلُهُ: ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾، رَوى هَذا المَعْنى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّها تَرْجِعُ إلى الكَلِمَةِ الَّتِي قالُوها في حَقِّهِ، وهي قَوْلُهم: ﴿فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ﴾، وهَذا مَعْنى قَوْلِ أبِي صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، فَعَلى هَذا يَكُونُ المَعْنى: أسَرَّ جَوابَ الكَلِمَةِ فَلَمْ يُجِبْهم عَلَيْها. والثّالِثُ: أنَّها تَرْجِعُ إلى الحُجَّةِ، المَعْنى: فَأسَرَّ الِاحْتِجاجَ عَلَيْهِمْ في ادِّعائِهِمْ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: شَرٌّ صَنِيعًا مِن يُوسُفَ لِما قَدِمْتُمْ عَلَيْهِ مِن ظُلْمِ أخِيكم وعُقُوقِ أبِيكم، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ. والثّانِي: شَرٌّ مُنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ، ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واللَّهُ أعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: تَقُولُونَ، قالَهُ مُجاهِدٌ. والثّانِي: بِما تَكْذِبُونَ، قالَهُ قَتادَةُ. قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: واللَّهُ أعْلَمُ أسَرَقَ أخٌ لَهُ، أمْ لا؟ . وذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّهُ لَمّا اسْتَخْرَجَ الصُّواعَ مِن رَحْلِ أخِيهِ، نَقَرَ الصُّواعَ، ثُمَّ أدْناهُ مِن أُذُنِهِ، فَقالَ: إنَّ صُواعِي هَذا يُخْبِرُنِي أنَّكم كُنْتُمُ اثْنَي عَشَرَ رَجُلًا، وأنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِأخٍ لَكم فَبِعْتُمُوهُ، فَقالَ بِنْيامِينُ: أيُّها المَلِكُ، سَلْ صُواعَك عَنْ أخِي، أحَيٌّ هو ؟ فَنَقَرَهُ، ثُمَّ قالَ: (p-٢٦٥)هُوَ حَيٌّ، وسَوْفَ تَراهُ، فَقالَ: سَلْ صُواعَكَ، مَن جَعَلَهُ في رَحْلِي ؟ فَنَقَرَهُ، وقالَ: إنَّ صُواعِي هَذا غَضْبانُ، وهو يَقُولُ: كَيْفَ تَسْألُنِي عَنْ صاحِبِي وقَدْ رَأيْتَ مَعَ مَن كُنْتُ ؟ فَغَضِبَ رُوبِيلُ، وكانَ بَنُو يَعْقُوبَ إذا غَضِبُوا لَمْ يُطاقُوا، فَإذا مَسَّ أحَدُهُمُ الآخَرَ ذَهَبَ غَضَبُهُ، فَقالَ: واللَّهِ أيُّها المَلِكُ لَتَتْرُكَنّا، أوْ لَأصِيحَنَّ صَيْحَةً لا يَبْقى بِمِصْرَ امْرَأةٌ حامِلٌ إلّا ألْقَتْ ما في بَطْنِها، فَقالَ يُوسُفُ لِابْنِهِ: قُمْ إلى جَنْبٍ رُوبِيلَ فامْسَسْهُ، فَفَعَلَ الغُلامُ، فَذَهَبَ غَضَبُهُ، فَقالَ رُوبِيلُ: ما هَذا ؟! إنَّ في هَذا البَلَدِ مِن ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ ؟ قالَ يُوسُفُ: ومَن يَعْقُوبُ ؟ فَقالَ: أيُّها المَلِكُ، لا تَذْكُرْ يَعْقُوبَ، فَإنَّهُ إسْرائِيلُ اللَّهِ بْنُ ذَبِيحِ اللَّهِ بْنِ خَلِيلِ اللَّهِ. فَلَمّا لَمْ يَجِدُوا إلى خَلاصِ أخِيهِمْ سَبِيلًا، سَألُوهُ أنْ يَأْخُذَ مِنهم بَدِيلًا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها العَزِيزُ إنَّ لَهُ أبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ أيْ: في سِنِّهِ، وقِيلَ: في قَدْرِهِ، ﴿فَخُذْ أحَدَنا مَكانَهُ﴾ أيْ: تَسْتَعْبِدُهُ بَدَلًا عَنْهُ. ﴿إنّا نَراكَ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: فِيما مَضى. والثّانِي: إنْ فَعَلْتَ. ﴿قالَ مَعاذَ اللَّهِ﴾ قَدْ سَبَقَ تَفْسِيرُهُ [يُوسُفَ:٣٣] والمَعْنى: أعُوذُ بِاللَّهِ أنْ نَأْخُذَ بَرِيئًا بِسَقِيمٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب