الباحث القرآني

﴿فَبَدَأ بِأوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِن وِعاءِ أخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ ما كانَ لِيَأْخُذَ أخاهُ في دِينِ المَلِكِ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَن نَشاءُ وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿قالُوا إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ فَأسَرَّها يُوسُفُ في نَفْسِهِ ولَمْ يُبْدِها لَهم قالَ أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا واللَّهُ أعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ (p-٣٣٢)قِيلَ: قالَ لَهم: مَن وُكِّلَ بِهِمْ: لا بُدَّ مِن تَفْتِيشِ أوْعِيَتِكم، فانْصَرَفَ بِهِمْ إلى يُوسُفَ، فَبَدَأ بِتَفْتِيشِ أوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ بِنْيامِينَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، وتَمْكِينِ الحِيلَةِ، وإبْقاءِ ظُهُورِها حَتّى بَلَغَ وِعاءَهُ، فَقالَ: ما أظُنُّ هَذا أخَذَ شَيْئًا، فَقالُوا: واللَّهِ ما تَتْرُكُهُ حَتّى تَنْظُرَ في رَحْلِهِ، فَإنَّهُ أطْيَبُ لِنَفْسِكَ وأنْفُسِنا، فاسْتَخْرَجُوهُ مِنهُ. وقَرَأ الحَسَنُ: (مِن وُعاءِ) بِضَمِّ الواوِ، وجاءَ كَذَلِكَ عَنْ نافِعٍ، وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ: (مِن إعاءِ) بِإبْدالِ الواوِ المَكْسُورَةِ هَمْزَةً، كَما قالُوا: إشاحٌ وإسادَةٌ في وِشاحٍ ووِسادَةٍ، وذَلِكَ مُطَّرَدٌ في لُغَةِ هُذَيْلٍ، يُبَدِّلُونَ مِنَ الواوِ المَكْسُورَةِ الواقِعَةِ أوَّلًا هَمْزَةً، وأنَّثَ في قَوْلِهِ: (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) عَلى مَعْنى السِّقايَةِ، أوْ لِكَوْنِ الصُّواعِ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ: يُؤَنَّثُ الصُّواعُ مِن حَيْثُ سُمِّيَ سِقايَةً، ويُذَكَّرُ مِن حَيْثُ هو صاعٌ، وكَأنَّ أبا عُبَيْدٍ لَمْ يَحْفَظْ تَأْنِيثَ الصُّواعِ، وقِيلَ: الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها) عائِدٌ عَلى السَّرِقَةِ، (كَذَلِكَ) أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ الكَيْدِ العَظِيمِ ﴿كِدْنا لِيُوسُفَ﴾ يَعْنِي: عَلَّمْناهُ إيّاهُ، وأوْحَيْنا بِهِ إلَيْهِ. وقالَ الضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ: (كِدْنا) صَنَعْنا، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأضافَ اللَّهُ تَعالى الكَيْدَ إلى ضَمِيرِهِ، لَمّا أخْرَجَ القَدْرَ الَّذِي أباحَ لِيُوسُفَ أخَذَ أخِيهِ مَخْرَجَ ما هو في اعْتِيادِ النّاسِ كَيْدٌ، وفَسَّرَ ابْنُ عَبّاسٍ ﴿فِي دِينِ المَلِكِ﴾ بِسُلْطانِهِ، وفَسَّرَهُ قَتادَةُ بِالقَضاءِ والحُكْمِ. انْتَهى وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿ما كانَ لِيَأْخُذَ أخاهُ في دِينِ المَلِكِ﴾ تَفْسِيرٌ لِلْكَيْدِ وبَيانٌ لَهُ؛ لِأنَّهُ كانَ في دِينِ مَلِكِ مِصْرَ، وما كانَ يَحْكُمُ بِهِ في السّارِقِ أنْ يَغْرَمَ مِثْلَيْ ما أخَذَ إلّا أنْ يُلْزَمَ ويُسْتَعْبَدَ ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ إلّا بِمَشِيئَتِهِ وإذْنِهِ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: والِاسْتِثْناءُ حِكايَةٌ حالَ التَّقْدِيرِ: إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ ما وقَعَ مِن هَذِهِ الحِيلَةِ، انْتَهى، والَّذِي يَظْهَرُ أنَّهُ اسْتِثْناءٌ مُنْقَطِعٌ أيْ: لَكِنْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ أخَذَهُ في دِينٍ غَيْرِ المَلِكِ، وهو دِينُ آلِ يَعْقُوبَ: أنَّ الِاسْتِرْقاقَ جَزاءُ السّارِقِ. وقَرَأ الكُوفِيُّونَ وابْنُ مُحَيْصِنٍ: (نَرْفَعُ) بِنُونٍ (دَرَجاتٍ) مُنَوَّنًا (مَن نَشاءُ) بِالنُّونِ، وباقِي السَّبْعَةِ كَذَلِكَ، إلّا أنَّهم أضافُوا دَرَجاتٍ، وقَرَأ يَعْقُوبُ بِالياءِ في (يَرْفَعُ ويَشاءُ) أيْ: يَرْفَعُ اللَّهُ دَرَجاتٍ مَن يَشاءُ رَفْعَ دَرَجاتِهِ، وقَرَأ عِيسى البَصْرَةِ: (نَرْفَعُ) بِالنُّونِ (دَرَجاتٍ) مُنَوَّنًا (مَن يَشاءُ) بِالياءِ. قالَ صاحِبُ اللَوامِحِ: وهَذِهِ قِراءَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْها تِلاوَةً وجُمْلَةً، وإنْ لَمْ يُمْكِنْ إنْكارُها، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَرَأ الجُمْهُورُ (نَرْفَعُ) عَلى ضَمِيرِ المُعَظِّمِ وكَذَلِكَ (نَشاءُ) . وقَرَأ الحَسَنُ وعِيسى ويَعْقُوبُ: بِالياءِ؛ أيْ: اللَّهُ تَعالى، انْتَهى. ومَعْناهُ في العِلْمِ كَما رَفَعْنا دَرَجَةَ يُوسُفَ فِيهِ، و(عَلِيمٌ) صِفَةُ مُبالَغَةٍ، وقَوْلُهُ: (ذِي عِلْمٍ) أيْ: عالِمٍ. فالمَعْنى أنَّ فَوْقَهُ أرْفَعَ مِنهُ دَرَجَةً في عِلْمِهِ، وهَذا مَعْنى قَوْلِ الحَسَنِ وقَتادَةَ وابْنِ عَبّاسٍ، وعَنْ أنَّ العَلِيمَ هو اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ، قِيلَ: رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ عَجِيبٍ، فَتَعَجَّبَ مِنهُ رَجُلٌ مِمَّنْ حَضَرَ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. فَقالَ لَهُ (p-٣٣٣)ابْنُ عَبّاسٍ: بِئْسَ ما قُلْتَ، إنَّما العَلِيمُ اللَّهُ، وهو فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ: وفَوْقَ كُلِّ ذِي عالِمٍ، فَخَرَجَتْ عَلى زِيادَةِ ذِي، أوْ عَلى أنَّ قَوْلَهُ عالِمٌ مَصْدَرٌ بِمَعْنى عِلْمٍ كالباطِلِ، أوْ عَلى أنَّ التَّقْدِيرَ: وفَوْقَ كُلِّ ذِي شَخْصٍ عالِمٌ. رُوِيَ أنَّ إخْوَةَ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - لَمّا رَأوْا إخْراجَ الصُّواعِ مِن رَحْلِ أخِيهِمْ بِنْيامِينَ قالُوا: يا بِنْيامِينُ بْنُ راحِيلَ قَبَّحَكَ اللَّهُ، ولَدَتْ أُمُّكَ أخَوَيْنِ لِصَّيْنِ، كَيْفَ سَرَقْتَ هَذِهِ السِّقايَةَ ؟ فَرَفَعَ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ وقالَ: واللَّهِ ما فَعَلْتُ، فَقالُوا: فَمَن وضَعَها في رَحْلِكَ ؟ قالَ: الَّذِي وضَعَ البِضاعَةَ في رِحالِكم. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ما مَعْناهُ: رُمُوا بِالسَّرِقَةِ تَوْرِيَةً عَمّا جَرى مَجْرى السَّرِقَةِ مِن فِعْلِهِمْ بِيُوسُفَ (وإنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ) فَرْضٌ لِانْتِفاءِ بَراءَتِهِمْ، وفَرْضُ التَّكْذِيبِ لا يَكُونُ تَكْذِيبًا عَلى أنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ كَما صَرَّحَ بِالتَّسْرِيقِ لَكانَ لَهُ وجْهٌ، لِأنَّهم قالُوا: ﴿وتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ [يوسف: ١٧] والكَيْدُ حُكْمُ الحِيَلِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي يَتَوَصَّلُ بِها إلى مَصالِحَ ومَنافِعَ دِينِيَّةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿وخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤] فَيَتَخَلَّصُ مِن جِلْدِها ولا يَحْنَثُ، وقَوْلُ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -: هي أُخْتِي لِتَسْلَمَ مِن يَدِ الكافِرِ، وعَلِمَ اللَّهُ في هَذِهِ الحِيلَةِ الَّتِي لَقَّنَها لِيُوسُفَ مَصالِحَ عَظِيمَةً، فَجَعَلَها سَلَمًا وذَرِيعَةً إلَيْها، فَكانَتْ حَسَنَةً جَمِيلَةً، انْتَهى. وقَوْلُهم: ﴿إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ﴾ لا يَدُلُّ عَلى الجَزْمِ بِأنَّهُ سَرَقَ، بَلْ أخْرَجُوا ذَلِكَ مَخْرَجَ الشَّرْطِ؛ أيْ: إنْ كانَ وقَعَتْ مِنهُ سَرِقَةٌ فَهو يَتَأسّى مِمَّنْ سَرَقَ قَبْلَهُ، فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ، والتَّعْلِيقُ عَلى الشَّرْطِ عَلى أنَّ السَّرِقَةَ في حَقِّ بِنْيامِينَ وأخِيهِ لَيْسَ مَجْزُومًا بِها، كَأنَّهم قالُوا: إنْ كانَ هَذا الَّذِي رُمِيَ بِهِ بِنْيامِينُ حَقًّا فالَّذِي رُمِيَ بِهِ يُوسُفُ مِن قَبْلُ حَقٌّ، لَكِنَّهُ قَوِيَ الظَّنُّ عِنْدَهم في حَقِّ يُوسُفَ بِما ظَهَرَ لَهم أنَّهُ جَرى مِن بِنْيامِينَ، ولِذَلِكَ قالُوا: إنَّ ابْنَكَ سَرَقَ. وقِيلَ: حَقَّقُوا السَّرِقَةَ في جانِبِ بِنْيامِينَ وأخِيهِ بِحَسَبِ ظاهِرِ الأمْرِ، فَكَأنَّهم قالُوا: إنْ كانَ قَدْ سَرَقَ فَغَيْرَ بِدْعٍ مِنِ ابْنَيْ راحِيلَ؛ لِأنَّ أخاهُ يُوسُفَ قَدْ كانَ سَرَقَ، فَعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ قَوْلُهم إنْحاءً عَلى يُوسُفَ وبِنْيامِينَ، وقِيلَ: التَّقْدِيرُ فَقَدْ قِيلَ عَنْ يُوسُفَ إنَّهُ سَرَقَ، وقَوْلُهم هَذا هو بِحَسَبِ الظّاهِرِ والإخْبارِ بِأمْرٍ جَرى لِتَزُولَ المَعَرَّةُ عَنْهم، وتَخْتَصَّ بِالشَّقِيقَيْنِ، وتَنْكِيرُ (أخٍ) في قَوْلِهِ: ﴿فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِن قَبْلُ﴾ لِأنَّ الحاضِرِينَ لا عِلْمَ لَهم بِهِ، وقالُوا لَهُ: لِأنَّهُ كانَ شَقِيقَهُ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّ السَّرِقَةَ الَّتِي نُسِبَتْ هي أنَّ عَمَّتَهُ رَبَّتْهُ وشَبَّ، وأرادَ يَعْقُوبُ أخْذَهُ، فَأشْفَقَتْ مِن فِراقِهِ فَأخَذَتْ مِنطَقَةَ إسْحاقَ، وكانَتْ مُتَوارَثَةً عِنْدَهم، فَنَطَقَتْهُ بِها مِن تَحْتِ ثِيابِهِ ثُمَّ صاحَتْ وقالَتْ: فَقَدْتُ المِنطَقَةَ فَفَتَّشَتْ فَوُجِدَتْ عِنْدَ يُوسُفَ، فاسْتَرَقَّتْهُ حَسْبَما كانَ في شَرْعِهِمْ وبَقِيَ عِنْدَها حَتّى ماتَتْ، فَصارَ عِنْدَ أبِيهِ، وقالَ قَتادَةُ وابْنُ جُبَيْرٍ: أمَرَتْ أُمُّهُ أنْ يَسْرِقَ صَنَمًا، وفي كِتابِ الزَّجّاجِ: مِن ذَهَبٍ لِأبِيها فَسَرَقَهُ وكَسَرَهُ، وكانَ ذَلِكَ مِنها تَغْيِيرًا لِلْمُنْكَرِ، وقالَ ابْنُ إدْرِيسَ عَنْ أبِيهِ: إنَّما أكَلَ بَنُو يَعْقُوبَ طَعامًا، فَأخَذَ يُوسُفُ عَرْقًا فَنَحّاهُ. وقِيلَ: كانَ في البَيْتِ غاقٌ أوْ دَجاجَةٌ، فَأعْطاها السّائِلَ، وقَرَأ أحْمَدُ بْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ وابْنُ أبِي شُرَيْحٍ عَنِ الكِسائِيِّ، والوَلِيدُ بْنُ حَسّانَ عَنْ يَعْقُوبَ وغَيْرُهم: (فَقَدْ سُرِّقَ) بِالتَّشْدِيدِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ؛ بِمَعْنى نُسِبَ إلى السَّرِقَةِ، بِمَعْنى جُعِلَ سارِقًا ولَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ حَقِيقَةً، والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (فَأسَرَّها) يُفَسِّرُهُ سِياقُ الكَلامِ؛ أيْ: الحَزازَةُ الَّتِي حَدَثَتْ في نَفْسِهِ مِن قَوْلِهِمْ كَما فَسَّرَهُ في قَوْلِ حاتِمٍ: لَعَمْرُكَ ما يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتى إذا حَشْرَجَتْ نَفْسٌ وضاقَ بِها الصَّدْرُ. وقِيلَ: أسَرَّ المُجازاةَ، وقِيلَ: الحُجَّةُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: اخْتارَ عَلى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ تَفْسِيرَهُ ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ وإنَّما أُنِّثَ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ جُمْلَةٌ أوْ كَلِمَةٌ عَلى تَسْمِيَتِهِمُ الطّائِفَةَ مِنَ الكَلامِ كَلِمَةً، كَأنَّهُ قِيلَ: فَأسَرَّ الجُمْلَةَ أوِ الكَلِمَةَ الَّتِي هي قَوْلُهُ، وقَرَأ عَبْدُ اللَّهِ وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: (فَأسَرَّهُ) بِضَمِيرِ تَذْكِيرٍ. قالَ (p-٣٣٤)الزَّمَخْشَرِيُّ: يُرِيدُ القَوْلَ أوِ الكَلامَ، انْتَهى والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ: ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ خِطابُهم بِهَذا القَوْلِ في الوَجْهِ، فَكَأنَّهُ أسَرَّ كَراهِيَةَ مَقالَتِهِمْ، ثُمَّ وبَّخَهم بِقَوْلِهِ: ﴿أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ وفِيهِ إشارَةٌ إلى تَكْذِيبِهِمْ وتَقْوِيَةٌ أنَّهم تَرَكُوا أنْ يَشْفَعُوا بِأنْفُسِهِمْ، وعَدَلُوا إلى الشَّفاعَةِ بِأبِيهِ الشَّيْخِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - . وقالَ قَوْمٌ: لَمْ يَقُلْ يُوسُفُ هَذا الكَلامَ لَهم مُواجَهَةً، إنَّما قالَهُ في نَفْسِهِ، وهو تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: الَّذِي أسَرَّ في نَفْسِهِ، وهو قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ المُتَقَدِّمُ، ومَعْنى ﴿شَرٌّ مَكانًا﴾ أيْ: مَنزِلَةً في السَّرِقَةِ؛ لِأنَّكم سارِقُونَ بِالصِّحَّةِ لِسَرِقَتِكم أخاكم مِن أبِيكم. ومَعْنى ﴿أعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ يَعْنِي: هو أعْلَمُ بِما تَصِفُونَ مِنكم؛ لِأنَّهُ عالِمٌ بِحَقائِقِ الأُمُورِ، وكَيْفَ كانَتْ سَرِقَةُ أخِيهِ الَّتِي أحَلْتُمْ سَرِقَتَهُ عَلَيْهِ، ورُوِيَ أنْ رُوبِيلَ غَضِبَ ووَقَفَ شَعْرُهُ حَتّى خَرَجَ مِن ثِيابِهِ، فَأمَرَ يُوسُفُ ابْنًا لَهُ يَمَسُّهُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَقالَ رُوبِيلُ: لَقَدْ مَسَّنِي أحَدٌ مِن ولَدِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ أنَّهم تَشاوَرُوا في مُحارَبَةِ يُوسُفَ وكانُوا أهْلَ قُوَّةٍ لا يُدانُونَ في ذَلِكَ، فَلَمّا أحَسَّ يُوسُفَ بِذَلِكَ قامَ إلى رُوبِيلَ فَلَبَّبَهُ وصَرَعَهُ، فَرَأوْا مِن قُوَّتِهِ ما اسْتَعْظَمُوهُ وعِنْدَ ذَلِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب