الباحث القرآني

ولَمّا تَمَّ ذَلِكَ، كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ انْتِزاعَ أخِيهِمْ مِنهم - بَعْدَ تِلْكَ المَواثِيقِ الَّتِي أكَّدُوها لِأبِيهِمْ - لِداهِيَةٍ تَطِيشُ لَها الحُلُومُ، فَماذا كانَ فِعْلُهم عِنْدَها؟ فَقِيلَ: ”قالُوا“ تَسْلِيَةً لِأنْفُسِهِمْ ودَفْعًا لِلْعارِ عَنْ خاصَّتِهِمْ ﴿إنْ يَسْرِقْ﴾ فَلَمْ يَجْزِمُوا بِسَرِقَتِهِ، لِعِلْمِهِمْ بِأمانَتِهِ، وظَنِّهِمْ هَذا الصُّواعَ دَسَّ في رَحْلِهِ وهو لا يَشْعُرُ، كَما دَسَّتْ بِضاعَتُهم في رِحالِهِمْ (p-١٧٩)وإنَّما أوْهى ظَنَّهم هَذا سُكُوتُ أخِيهِمْ عَنِ الِاعْتِذارِ بِهِ، عَلى أنَّهُ قَدْ ورَدَ أنَّهم لامُوهُ فَقالَ لَهُمْ: وضَعَهُ في رَحْلَيِ الَّذِي وضَعَ البِضاعَةَ في رِحالِهِمْ ﴿فَقَدْ سَرَقَ أخٌ﴾ أيْ شَقِيقٌ ﴿لَهُ﴾ ولَمّا كانَ ما ظَنُّوهُ كَذَلِكَ في زَمَنٍ يَسِيرٍ، أدْخَلُوا الجارَ فَقالُوا: ﴿مِن قَبْلُ﴾ يَعْنُونَ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وذَلِكَ أنَّهُ قِيلَ: إنَّ عَمَّتَهُ كانَتْ لا تَصْبِرُ عَنْهُ، وكانَ أبُوهُ لا يَسْمَحُ بِمُكْثِهِ عِنْدَها، لِأنَّهُ لا يَصْبِرُ عَنْهُ، فَحَزَمَتْهُ مِن تَحْتِ ثِيابِهِ بِمِنطَقَةِ أبِيها إسْحاقَ عَلَيْهِ السَّلامُ وكانَتْ عِنْدَها، ثُمَّ قالَتْ: فَقَدْتُ مِنطِقَةَ أبِي، فاكْشِفُوا أهْلَ البَيْتِ، فَوَجَدُوها مَعَ يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَمَحَ يَعْقُوبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَئِذٍ لَها بِبَقائِهِ عِنْدَها ﴿فَأسَرَّها﴾ أيْ إجابَتُهم عَنْ هَذِهِ القَوْلَةِ القَبِيحَةِ ﴿يُوسُفُ في نَفْسِهِ﴾ عَلى تَمَكُّنِهِ مِمّا يُرِيدُ بِهِمْ مِنَ الِانْتِقامِ. ولَمّا كانَ رُبَّما ظَنَّ ظانٌّ أنَّهُ بَكَتْهم بِها بَعْدَ ذَلِكَ، نَفى هَذا الظَّنُّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَمْ يُبْدِها﴾ أيْ أصْلًا ﴿لَهُمْ﴾ فَكَأنَّهُ قِيلَ: فَما قَوْلَتُهُ الَّتِي أسَرَّها في نَفْسِهِ؟ فَقِيلَ: ﴿قالَ أنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا﴾ أيْ مِن يُوسُفَ وأخِيهِ، لِأنَّ ما نُسِبَ إلَيْهِما مِنَ الشَّرِّ إنَّما هو ظاهِرًا لِأمْرِ خَيْرٍ اقْتَضاهُ، وأمّا أنْتُمْ فَفِعْلَتُكم بِيُوسُفَ شَرُّ مَقْصُودٍ مِنكم ظاهِرًا وباطِنًا، ونِسْبَةُ الشَّرِّ إلى (p-١٨٠)مَكانِهِمْ أعْظَمَ مِن نِسْبَتِهِ إلَيْهِمْ، وإنَّما قَدَّمَ الإخْبارَ بِالإسْرارِ مَعَ اقْتِرانِهِ بِالإضْمارِ قَبْلَ الذِّكْرِ، لِئَلّا يَظُنُّ بادِئَ بَدْءٍ أنَّهم سَمِعُوا ما وصَفَهم بِهِ مِنَ الشَّرِّ ﴿واللَّهُ﴾ أيِ الَّذِي لَهُ الإحاطَةُ الكامِلَةُ ﴿أعْلَمُ بِما تَصِفُونَ﴾ مِنكُمْ، وأنَّهُ لَيْسَ كَما قُلْتُمْ؛ والوَصْفُ: كَلِمَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِن أصْلِ [مِنَ] الأُصُولِ لِتَجْرِيَ عَلى مَذْكُورٍ فَتَفَرَّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ النَّقِيضِ كالفَرْقِ بَيْنَ العالِمِ والجاهِلِ ونَحْوِهِما،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب