الباحث القرآني

﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْعٌ فاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾، أيْ: يَنْخَسَنَّكَ بِأنْ يَحْمِلَكَ بِوَسْوَسَتِهِ عَلى ما لا يَلِيقُ، فاطْلُبِ العِياذَةَ بِاللَّهِ مِنهُ وهي اللِّواذُ والِاسْتِجارَةُ، قِيلَ: لَمّا نَزَلَتْ ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ [الأعراف: ١٩٩] الآيَةَ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ: كَيْفَ والغَضَبُ، فَنَزَلَتْ، ومُناسَبَتُها لِما قَبْلَها ظاهِرَةٌ، وفاعِلُ يَنْزَغَنَّكَ هو نَزْغٌ عَلى حَدِّ قَوْلِهِمْ جَدَّ جَدُّهُ، أوْ عَلى إطْلاقِ المَصْدَرِ، والمُرادُ بِهِ نازَغَ، وخَتَمَ بِهاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ؛ لِأنَّ الِاسْتِعاذَةَ تَكُونُ بِالنِّسْيانِ، وتُجْدِي إلّا بِاسْتِحْضارِ مَعْناها، فالمَعْنى سَمِيعٌ لِلْأقْوالِ عَلِيمٌ بِما في الضَّمائِرِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الآيَةُ وصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى لِنَبِيِّهِ تَعُمُّ أُمَّتَهُ رَجُلًا رَجُلًا، ونَزْغُ الشَّيْطانِ عامٌّ في الغَضَبِ وتَحْسِينِ المَعاصِي واكْتِسابِ الغَوائِلِ وغَيْرِ ذَلِكَ، وفي مُصَنَّفِ أبِي عِيسى التِّرْمِذِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ لِلْمَلِكِ لَمَّةً وإنَّ لِلشَّيْطانِ لَمَّةً» وبِهَذِهِ الآيَةِ تَعَلَّقَ ابْنُ القاسِمِ في قَوْلِهِ: إنَّ الِاسْتِعاذَةَ عِنْدَ القِراءَةِ أعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ (p-٤٤٩)العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، انْتَهى. واسْتِنْباطُ ذَلِكَ مِنَ الآيَةِ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ جَرى مَجْرى التَّعْلِيلِ لِطَلَبِ الِاسْتِجارَةِ بِاللَّهِ، أيْ: لا تَسْتَعِذْ بِغَيْرِهِ، فَإنَّهُ هو السَّمِيعُ لِما تَقُولُ، أوِ السَّمِيعُ لِما تَقُولُهُ الكُفّارُ فِيكَ حِينَ يَرُومُونَ إغْضابَكَ، العَلِيمُ بِقَصْدِكَ في الِاسْتِعاذَةِ، أوِ العَلِيمُ بِما انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمائِرُهم مِنَ الكَيْدِ لَكَ، فَهو يَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ ويُجِيرُكَ مِنهم. ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ النَّزْغُ مِنَ الشَّيْطانِ أخَفُّ مِن مَسِّ الطّائِفِ مِنَ الشَّيْطانِ؛ لِأنَّ النَّزْغَ أدْنى حَرَكَةٍ، والمَسَّ الإصابَةُ، والطّائِفُ ما يَطُوفُ بِهِ ويَدُورُ عَلَيْهِ، فَهو أبْلَغُ لا مَحالَةَ، فَحالُ المُتَّقِينَ تَزِيدُ في ذَلِكَ عَلى حالِ الرَّسُولِ، وانْظُرْ لِحُسْنِ هَذا البَيانِ حَيْثُ جاءَ الكَلامُ لِلرَّسُولِ كانَ الشَّرْطُ بِلَفْظِ إنَّ المُحْتَمِلَةِ لِلْوُقُوعِ ولِعَدَمِهِ، وحَيْثُ كانَ الكَلامُ لِلْمُتَّقِينَ كانَ المَجِيءُ بِإذا المَوْضُوعَةِ لِلتَّحْقِيقِ، أوْ لِلتَّرْجِيحِ، وعَلى هَذا فالنَّزْغُ يُمْكِنُ أنْ يَقَعَ ويُمْكِنُ أنْ لا يَقَعَ، والمَسُّ واقِعٌ لا مَحالَةَ، أوْ يُرَجَّحُ وُقُوعُهُ، وهو إلْصاقُ البَشَرَةِ، وهو هُنا اسْتِعارَةٌ، وفي تِلْكَ الجُمْلَةِ أُمِرَ هو ﷺ بِالِاسْتِعاذَةِ، وهُنا جاءَتِ الجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً في ضِمْنِها الشَّرْطُ، وجاءَ الخَبَرُ تَذَكَّرُوا فَدَلَّ عَلى تَمَكُّنِ مَسِّ الطّائِفِ حَتّى حَصَلَ نِسْيانٌ فَتَذَكَّرُوا ما نَسُوهُ، والمَعْنى: تَذَكَّرُوا ما أمَرَ بِهِ تَعالى وما نَهى عَنْهُ، وبِنَفْسِ التَّذَكُّرِ حَصَلَ إبْصارُهم فاجَأهم إبْصارُ الحَقِّ والسَّدادِ، فاتَّبَعُوهُ وطَرُّوا عَنْهم مَسَّ الشَّيْطانِ الطّائِفِ، واتَّقَوْا قِيلَ: عامَّةٌ في كُلِّ ما يُتَّقى؛ وقِيلَ: الشِّرْكَ والمَعاصِيَ؛ وقِيلَ: عِقابَ اللَّهِ، وقَرَأ النَّحْوِيّانِ وابْنُ كَثِيرٍ: طَيْفٌ، فاحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِن طافَ يَطِيفُ طَيْفًا، أنْشَدَ أبُو عُبَيْدَةَ: ؎أنّى ألَمَّ بِكَ الخَيالُ يَطِيفُ ومَطافُهُ لَكَ ذِكْرَةٌ وشُعُوفُ واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ مُخَفَّفًا مِن طَيِّفٍ كَمَيِّتٍ ومَيْتٍ، أوْ كَلَيْنٍ مِن لَيِّنٍ؛ لِأنَّ طافَ المُشَدَّدَةَ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن طافَ يَطِيفُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن طافَ يَطُوفُ، وقَرَأ باقِي السَّبْعَةِ: طائِفٌ، اسْمَ فاعِلٍ مِن طافَ، وقَرَأ ابْنُ جُبَيْرٍ (طَيِّفٌ) بِالتَّشْدِيدِ، وهو فَيْعِلٌ، وإلى أنَّ الطَّيْفَ مَصْدَرٌ مالَ الفارِسِيُّ، جَعَلَ الطَّيْفَ كالخَطِرَةِ والطّائِفَ كالخاطِرِ، وقالَ الكِسائِيُّ: الطَّيْفُ اللَّمَمُ والطّائِفُ ما طافَ حَوْلَ الإنْسانِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وكَيْفَ هَذا وقَدْ قالَ الأعْشى: ؎وتُصْبِحُ عَنْ غَبِّ السَّرى وكَأنَّها ∗∗∗ ألَمَّ بِها مِن طائِفِ الجِنِّ أوْلَقُ انْتَهى، ولا يُتَعَجَّبُ مِن تَفْسِيرِ الكِسائِيِّ الطّائِفَ بِأنَّهُ ما طافَ حَوْلَ الإنْسانِ بِهَذا البَيْتِ؛ لِأنَّهُ يَصِحُّ (p-٤٥٠)فِيهِ مَعْنى ما قالَهُ الكِسائِيُّ؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ تَعَجُّبُهُ وإنْكارُهُ مِن حَيْثُ خُصِّصَ الإنْسانُ، والَّذِي قالَهُ الأعْشى تَشْبِيهٌ لِأنَّهُ قالَ: كَأنَّها، وإنْ كانَ تَعَجُّبُهُ مِن حَيْثُ فَسَّرَ بِأنَّهُ ما طافَ حَوْلَ الإنْسانِ، فَطائِفُ الجِنِّ يَصِحُّ أنْ يُقالَ: طافَ حَوْلَ الإنْسانِ، وشَبَّهَ هو النّاقَةَ في سُرْعَتِها ونَشاطِها وقَطْعِها الفَيافِيَ عَجِلَةً بِحالَتِها إذا ألَمَّ بِها أوْلَقَ مِن طائِفِ الجِنِّ، وقالَ أبُو زَيْدٍ: طافَ أقْبَلَ وأدْبَرَ يَطُوفُ طَوْفًا وطَوافًا، وأطافَ اسْتَدارَ القَوْمَ وأتاهم مِن نَواحِيهِمْ، وطافَ الخَيالُ ألَمَّ يَطِيفُ طَيْفًا، وزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أنَّهُ لَمْ يَقُلِ اسْمَ فاعِلٍ مِن طافَ الخَيالُ قالَ: لِأنَّهُ تَخَيُّلٌ لا حَقِيقَةٌ، وأمّا ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ﴾ [القلم: ١٩] فَلا يُقالُ فِيهِ طَيْفٌ؛ لِأنَّهُ اسْمُ فاعِلٍ حَقِيقَةً، انْتَهى، وقالَ حَسّانُ: ؎جِنِّيَّةٌ أرَّقَنِي طَيْفُها ∗∗∗ تَذْهَبُ صُبْحًا وتُرى في المَنامِ وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هَمّا بِمَعْنى النَّزْعِ، وقالَ السُّدِّيُّ: الطَّيْفُ الجُنُونُ، والطّائِفُ الغَضَبُ، وقالَ أبُو عَمْرٍو: هُما بِمَعْنى الوَسْوَسَةِ؛ وقِيلَ: هُما بِمَعْنى اللَّمَمِ والخَيالِ؛ وقِيلَ: الطَّيْفُ النَّخِيلُ، والطّائِفُ الشَّيْطانُ، وقالَ مُجاهِدٌ: الطَّيْفُ الغَضَبُ ويُسَمّى الجُنُونُ والغَضَبُ والوَسْوَسَةُ طَيْفًا؛ لِأنَّهُ لَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطانِ، وقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ والسُّدِّيُّ: إذا زَلُّوا تابُوا، وقالَ مُجاهِدٌ: إذا هَمُّوا بِذَنْبٍ ذَكَرُوا اللَّهَ فَتَرَكُوهُ، وقالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: إذا غَضِبَ كَظَمَ غَيْظَهُ، وقالَ مُقاتِلٌ: إذا أصابَهُ نَزْغٌ تَذَكَّرَ وعَرَفَ أنَّها مَعْصِيَةٌ نَزَعَ عَنْها مَخافَةَ اللَّهِ تَعالى، وقالَ أبُو رَوْقٍ: ابْتَهَلُوا، وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: عاذُوا بِذِكْرِ اللَّهِ؛ وقِيلَ: تَفَكَّرُوا فَأبْصَرُوا، وهَذِهِ كُلُّها أقْوالٌ مُتَقارِبَةٌ، وسَبَّ عِصامُ بْنُ المُصْطَلِقِ الشّامِيِّ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَبًّا مُبالِغًا وأباهُ؛ إذْ كانَ مُبْغِضًا لِأبِيهِ، فَقالَ الحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩]، إلى قَوْلِهِ: ﴿فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾، ثُمَّ قالَ: خَفِّضْ عَلَيْكَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي ولَكَ، ودَعا لَهُ في حِكايَةٍ فِيها طُولٌ، ظَهَرَ فِيها مِن مَكارِمِ أخْلاقِهِ وسَعَةِ صَدْرِهِ وحَوالَةِ الأشْياءِ عَلى القَدْرِ ما صَيَّرَ عِصامًا أشَدَّ النّاسِ حُبًّا لَهُ ولِأبِيهِ، وذَلِكَ بِاسْتِعْمالِهِ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ وأخْذٌ بِها، ومُبْصِرُونَ هُنا مِنَ البَصِيرَةِ لا مِنَ البَصَرِ، وقَرَأ ابْنُ الزُّبَيْرِ: مِنَ الشَّيْطانِ تَأمَّلُوا، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: إذا طافَ مِنَ الشَّيْطانِ طائِفٌ تَأمَّلُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ، ويَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ هَذا وقِراءَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلى أنَّ ذَلِكَ مِن بابِ التَّفْسِيرِ، لا عَلى أنَّهُ قُرْآنٌ لِمُخالَفَتِهِ سَوادَ ما أجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِن ألْفاظِ القُرْآنِ. ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ الضَّمِيرُ في وإخْوانِهِمْ عائِدٌ عَلى الجاهِلِينَ، أوْ عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾، وهم غَيْرُ المُتَّقِينَ؛ لِأنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَدُلُّ عَلى مُقابِلِهِ فَيُضْمَرُ ذَلِكَ المُقابِلُ لِدَلالَةِ مُقابِلِهِ عَلَيْهِ، وعَنى بِالإخْوانِ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ: الشَّياطِينَ، كَأنَّهُ قِيلَ: والشَّياطِينُ الَّذِينَ هم إخْوانُ الجاهِلِينَ، أوْ غَيْرِ المُتَّقِينَ يَمُدُّونَ الجاهِلِينَ، أوْ غَيْرَ المُتَّقِينَ في الغَيِّ، فالواوُ في يَمُدُّونَهم ضَمِيرُ الإخْوانِ، فَيَكُونُ الخَبَرُ جارِيًا عَلى مَن هو لَهُ، والضَّمِيرُ المَجْرُورُ والمَنصُوبُ لِلْكُفّارِ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ، وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودا جَمِيعًا عَلى الشَّياطِينِ، ويَكُونُ المَعْنى: وإخْوانُ الشَّياطِينِ في الغَيِّ بِخِلافِ الإخْوَةِ في اللَّهِ يَمُدُّونَ الشَّياطِينَ، أيْ: بِطاعَتِهِمْ لَهم وقَبُولِهِمْ مِنهم، ولا يَتَرَتَّبُ هَذا التَّأْوِيلُ عَلى أنْ يَتَعَلَّقَ في الغَيِّ بِالإمْدادِ؛ لِأنَّ الإنْسَ لا يَعُودُونَ الشَّياطِينَ، انْتَهى، ويُمْكِنُ أنْ يَتَعَلَّقَ في الغَيِّ عَلى هَذا التَّأْوِيلِ بِقَوْلِهِ: يَمُدُّونَهم عَلى أنْ تَكُونَ في لِلسَّبَبِيَّةِ، أيْ: يَمُدُّونَهم بِسَبَبِ غَوايَتِهِمْ، نَحْوَ: «دَخَلَتِ امْرَأةٌ النّارَ في هِرَّةٍ»، أيْ: بِسَبَبِ هِرَّةٍ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في الغَيِّ حالًا فَيَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أيْ: كائِنِينَ ومُسْتَقِرِّينَ في الغَيِّ، فَيَبْقى في الغَيِّ في مَوْضِعِهِ لا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: وإخْوانُهم، وقَدْ جَوَّزَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ، وعِنْدِي في ذَلِكَ نَظَرٌ، فَلَوْ قُلْتَ: مُطْعِمُكَ زَيْدٌ لَحْمًا، تُرِيدُ: مُطْعِمُكَ لَحْمًا زَيْدٌ، فَتَفْصِلُ بَيْنَ المُبْتَدَأِ ومَعْمُولِهِ بِالخَبَرِ لَكانَ في جَوازِهِ نَظَرٌ (p-٤٥١)لِأنَّكَ فَصَلْتَ بَيْنَ العامِلِ والمَعْمُولِ بِأجْنَبِيٍّ لَهُما مَعًا، وإنْ كانَ لَيْسَ أجْنَبِيًّا لِأحَدِهِما الَّذِي هو المُبْتَدَأُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَخْتَلِفَ الضَّمِيرُ فَيَكُونُ في وإخْوانِهِمْ عائِدٌ عَلى الشَّياطِينِ الدّالِّ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ، أوْ عَلى الشَّيْطانِ نَفْسِهِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ يُرادُ بِهِ الجِنْسُ، نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، المَعْنى الطَّواغِيتُ، ويَكُونُ في يَمُدُّونَهم عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، والواوُ في يَمُدُّونَهم عائِدَةٌ عَلى الشَّياطِينِ، وإخْوانُ الشَّياطِينِ يَمُدُّونَهُمُ الشَّياطِينُ، ويَكُونُ الخَبَرُ جَرى عَلى غَيْرِ مَن هو لَهُ؛ لِأنَّ الإمْدادَ مُسْنَدٌ إلى الشَّياطِينِ لا لِإخْوانِهِمْ، وهَذا نَظِيرُ قَوْلِهِ: ؎قَوْمٌ إذا الخَيْلُ جالُوا في كَواثِيها وهَذا الِاحْتِمالُ هو قَوْلُ الجُمْهُورِ، وعَلَيْهِ فَسَّرَ الطَّبَرِيُّ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو أوْجُهٌ؛ لِأنَّ إخْوانَهم في مُقابَلَةِ الَّذِينَ اتَّقَوْا، وقَرَأ نافِعٌ: يُمِدُّونَهم مُضارِعُ أمَدَّ، وباقِي السَّبْعَةِ يَمُدُّونَهم مِن مَدَّ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥]، وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: يُمادُّونَهم، مِن مادَّ عَلى وزْنِ فاعَلَ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: لا يُقْصِرُونَ مِن أقْصَرَ، أيْ: كَفَّ. قالَ الشّاعِرُ: ؎لَعَمْرُكَ ما قَلْبِي إلى أهْلِهِ بِحُرْ ∗∗∗ ولا مُقْصِرٌ يَوْمًا فَيَأْتِيَنِي بِقُرْ أيْ، ولا هو نازِعٌ عَمّا هو فِيهِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ وعِيسى بْنُ عُمَرَ، ثُمَّ لا يَقْصُرُونَ مِن قَصَرَ، أيْ: ثُمَّ لا يَنْقُصُونَ مِن إمْدادِهِمْ وغَوايَتِهِمْ، وقَدْ أبْعَدَ الزَّجّاجُ في دَعْواهُ أنَّ قَوْلَهُ: وإخْوانُهم، الآيَةَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا يَسْتَطِيعُونَ لَهم نَصْرًا ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٢]، ولا حاجَةَ إلى تَكَلُّفِ ذَلِكَ، بَلْ هو كَلامٌ مُتَناسِقٌ أخَذَ بَعْضُهُ بِعُنُقِ بَعْضٍ، لَمّا بَيَّنَ حالَ المُتَّقِينَ مَعَ الشَّياطِينِ بَيَّنَ حالَ غَيْرِ المُتَّقِينَ مَعَهم، وأنَّ أُولَئِكَ يَنْفُسُ ما يَمَسُّهم مِنَ الشَّيْطانِ ماسٌ أقْلَعُوا عَلى الفَوْرِ، وهَؤُلاءِ في إمْدادٍ مِنَ الغَيِّ وعَدَمِ نُزُوعٍ عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب