الباحث القرآني

قَوْلُهُ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ لَمّا عَدَّدَ اللَّهُ ما عَدَّدَهُ مِن أحْوالِ المُشْرِكِينَ وتَسْفِيهِ رَأْيِهِمْ وضَلالِ سَعْيهِمْ: أمَرَ رَسُولَهُ ﷺ بِأنْ يَأْخُذَ العَفْوَ مِن أخْلاقِهِمْ، يُقالُ: أخَذْتُ حَقِّي عَفْوًا أيْ: (p-٥٢١)سَهْلًا، وهَذا نَوْعٌ مِنَ التَّيْسِيرِ الَّذِي كانَ يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أنَّهُ كانَ يَقُولُ: «يَسِّرُّوا ولا تُعَسِّرُوا وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّرُوا» . والمُرادُ بِالعَفْوِ هُنا ضِدُّ الجَهْدِ، وقِيلَ: المُرادُ: خُذِ العَفْوَ مِن صَدَقاتِهِمْ ولا تُشَدِّدْ عَلَيْهِمْ فِيها وتَأْخُذَ ما يَشُقُّ عَلَيْهِمْ، وكانَ هَذا قَبْلَ نُزُولِ فَرِيضَةِ الزَّكاةِ ﴿وأْمُرْ بِالعُرْفِ﴾ أيْ بِالمَعْرُوفِ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ " بِالعُرُفِ " بِضَمَّتَيْنِ، وهُما لُغَتانِ، والعُرْفُ والمَعْرُوفُ والعارِفَةُ: كُلُّ خَصْلَةٍ حَسَنَةٍ تَرْتَضِيها العُقُولُ وتَطْمَئِنُّ إلَيْها النُّفُوسُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎مَن يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ لا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ والنّاسِ ﴿وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ أيْ إذا أقَمْتَ الحُجَّةَ في أمْرِهِمْ بِالمَعْرُوفِ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَأعْرِضْ عَنْهم ولا تُمارِهِمْ ولا تُسافِهْهم مُكافَأةً لِما يَصْدُرُ مِنهم مَنِ المِراءِ والسَّفاهَةِ، قِيلَ: وهَذِهِ الآيَةُ هي مِن جُمْلَةِ ما نُسِخَ بِآيَةِ السَّيْفِ، قالَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ وعَطاءٌ، وقِيلَ: هي مُحْكَمَةٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ، . قَوْلُهُ: ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ﴾ النَّزْغُ الوَسْوَسَةُ وكَذا النَّغْزُ والنَّخْسُ. قالَ الزَّجّاجُ: النَّزْغُ أدْنى حَرَكَةٍ تَكُونُ، ومِنَ الشَّيْطانِ أدْنى وسْوَسَةٍ، وأصْلُ النَّزْغِ: الفَسادُ، يُقالُ: نَزَغَ بَيْنَنا: أيْ أفْسَدَ، وقِيلَ: النَّزْغُ: الإغْواءُ، والمَعْنى مُتَقارِبٌ، أمَرَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - نَبِيَّهُ ﷺ إذا أدْرَكَ شَيْئًا مِن وسْوَسَةِ الشَّيْطانِ أنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ، وقِيلَ: " إنَّهُ لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كَيْفَ يا رَبِّ بِالغَضَبِ " فَنَزَلَتْ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾». عِلَّةٌ لِأمْرِهِ بِالِاسْتِعاذَةِ أيِ اسْتَعِذْ بِهِ والتَجِئْ إلَيْهِ، فَإنَّهُ يَسْمَعُ ذَلِكَ مِنكَ ويَعْلَمُ بِهِ. وجُمْلَةُ ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا﴾ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ ما قَبْلَها: أيْ إنَّ شَأْنَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ وحالَهم هو التَّذَكُّرُ لِما أمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الِاسْتِعاذَةِ بِهِ والِالتِجاءِ إلَيْهِ عِنْدَ أنْ يَمَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ وإنْ كانَ يَسِيرًا. قَرَأ أهْلُ البَصْرَةِ " طَيْفٌ " وكَذا أهْلُ مَكَّةَ. وقَرَأ أهْلُ المَدِينَةِ والكُوفَةِ " طائِفٌ " . وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، " طَيِّفٌ " بِالتَّشْدِيدِ. قالَ النَّحّاسُ: كَلامُ العَرَبِ في مِثْلِ هَذا طَيْفٌ بِالتَّخْفِيفِ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مَن طافَ يَطِيفُ. قالَ الكِسائِيُّ: هو مُخَفَّفٌ مِثْلُ مَيِّتٍ ومَيْتٍ. قالَ النَّحّاسُ: ومَعْناهُ في اللُّغَةِ ما يُتَخَيَّلُ في القَلْبِ أوْ يُرى في النَّوْمِ، وكَذا مَعْنى طائِفٍ. قالَ أبُو حاتِمٍ: سَألْتُ الأصْمَعِيَّ عَنْ " طَيِّفٍ " فَقالَ: لَيْسَ في المَصادِرِ فَيْعِلٌ. قالَ النَّحّاسُ: لَيْسَ هو مَصْدَرًا ولَكِنْ يَكُونُ بِمَعْنى طائِفٍ، وقِيلَ: الطَّيْفُ والطّائِفُ مَعْنَيانِ مُخْتَلِفانِ، فالأوَّلُ: التَّخَيُّلُ، والثّانِي: الشَّيْطانُ نَفْسُهُ، فالأوَّلُ: مِن طافَ الخَيالُ يَطُوفُ طَيْفًا، ولَمْ يَقُولُوا مِن هَذا طائِفٌ. قالَ السُّهَيْلِيُّ: لِأنَّهُ تَخَيُّلٌ لا حَقِيقَةَ لَهُ، فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِن رَبِّكَ﴾ ( القَلَمِ: ١٩ ) فَلا يُقالُ فِيهِ طَيْفٌ لِأنَّهُ اسْمُ فاعِلٍ حَقِيقَةً. قالَ الزَّجّاجُ: طُفْتُ عَلَيْهِمْ أطُوفُ، فَطافَ الخَيالُ يَطِيفُ. قالَ حَسّانٌ: ؎فَدَعْ هَذا ولَكِنْ مَن لَطَيْفٍ ∗∗∗ يُؤَرِّقُنِي إذا ذَهَبَ العِشاءُ وسُمِّيَتِ الوَسْوَسَةُ طَيْفًا لِأنَّها لَمَّةٌ مِنَ الشَّيْطانِ تُشْبِهُ لَمَّةَ الخَيالِ ﴿فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ بِسَبَبِ التَّذَكُّرِ: أيْ مُنْتَبِهُونَ، وقِيلَ: عَلى بَصِيرَةٍ. وقَرَأ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، " تَذَّكَّرُوا " بِتَشْدِيدِ الذّالِ. قالَ النَّحّاسُ: ولا وجْهَ لَهُ في العَرَبِيَّةِ. قَوْلُهُ: ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ قِيلَ: المَعْنى: وإخْوانُ الشَّياطِينِ وهُمُ الفُجّارُ مِن ضُلّالِ الإنْسِ عَلى أنَّ الضَّمِيرَ في إخْوانِهِمْ يَعُودُ إلى الشَّيْطانِ المَذْكُورِ سابِقًا، والمُرادُ بِهِ الجِنْسُ، فَجازَ إرْجاعُ ضَمِيرِ الجَمْعِ إلَيْهِ ﴿يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ أيْ تُمِدُّهُمُ الشَّياطِينُ في الغَيِّ وتَكُونُ مَدَدًا لَهم، وسُمِّيَتُ الفُجّارُ مِنَ الإنْسِ إخْوانَ الشَّياطِينِ لِأنَّهم يَقْبَلُونَ مِنهم ويَقْتَدُونَ بِهِمْ، وقِيلَ: إنَّ المُرادَ بِالإخْوانِ الشَّياطِينُ، وبِالضَّمِيرِ الفُجّارُ مِنَ الإنْسِ، فَيَكُونُ الخَبَرُ جارِيًا عَلى مَن هو لَهُ. وقالَ الزَّجّاجُ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والمَعْنى: والَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ لَكم نَصْرًا ولا أنْفُسَهم يَنْصُرُونَ ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ لِأنَّ الكُفّارَ إخْوانُ الشَّياطِينِ، ﴿ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ الإقْصارُ: الِانْتِهاءُ عَنِ الشَّيْءِ: أيْ لا تُقَصِّرُ الشَّياطِينُ في مَدِّ الكُفّارِ في الغَيِّ، قِيلَ: إنَّ " في الغَيِّ " مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ وقِيلَ: بِالإخْوانِ، والغَيُّ: الجَهْلُ. قَرَأ نافِعٌ " يُمِدُّونَهم " بِضَمِّ حَرْفِ المُضارَعَةِ وكَسْرِ المِيمِ. وقَرَأ الباقُونَ بِفَتْحِ حَرْفِ المُضارَعَةِ وضَمِّ المِيمِ، وهُما لُغَتانِ: يُقالُ: مَدَّ وأمَدَّ. قالَ مَكِّيٌّ: ومَدَّ أكْثَرُ. وقالَ أبُو عُبَيْدٍ وجَماعَةٌ مِن أهْلِ اللُّغَةِ: فَإنَّهُ يُقالُ إذا كَثَّرَ شَيْءٌ شَيْئًا بِنَفْسِهِ مَدَّهُ، وإذا كَثَّرَهُ بِغَيْرِهِ، قِيلَ: أمَدَّهُ نَحْوُ ﴿يُمْدِدْكم رَبُّكم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ المَلائِكَةِ﴾ ( آلِ عِمْرانَ: ١٢٥ ) وقِيلَ: يُقالُ مَدَدْتُ في الشَّرِّ وأمْدَدْتُ في الخَيْرِ. وقَرَأ عاصِمٌ الجَحْدَرَيُّ " يُمادُونَهم في الغَيِّ " . وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ " ثُمَّ لا يَقصُرُونَ " بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الصّادِ وتَخْفِيفِ القافِ. قَوْلُهُ: ﴿وإذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها﴾ اجْتَبى الشَّيْءَ بِمَعْنى جَباهُ لِنَفْسِهِ: أيْ جَمَعَهُ أيْ هَلّا اجْتَمَعْتَها افْتِعالًا لَها مِن عِنْدِ نَفْسِكَ ؟ وقِيلَ: المَعْنى: اخْتَلَقْتَها، يُقالُ: اجْتَبَيْتُ الكَلامَ: انْتَحَلْتُهُ واخْتَلَقْتُهُ واخْتَرَعْتُهُ إذا جِئْتَ بِهِ مِن عِنْدِ نَفْسِكَ، كانُوا يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذا تَراخى الوَحْيُ هَذِهِ المَقالَةَ، فَأمَرَهُ اللَّهُ بِأنْ يُجِيبَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ﴾ أيْ لَسْتُ مِمَّنْ يَأْتِي بِالآياتِ مِن قِبَلِ نَفْسِهِ كَما تَزْعُمُونَ ﴿قُلْ إنَّما أتَّبِعُ ما يُوحى إلَيَّ مِن رَبِّي﴾ فَما أوْحاهُ إلَيَّ وأنْزَلَهُ عَلَيَّ أبْلَغْتُهُ إلَيْكم، وبَصائِرُ: جُمَعُ بَصِيرَةٍ، أيْ: هَذا القُرْآنُ المُنَزَّلُ عَلَيَّ هو ﴿بَصائِرُ مِن رَبِّكُمْ﴾ يَتَبَصَّرُ بِها مَن قَبِلَها، وقِيلَ: البَصائِرُ الحُجَجُ والبَراهِينُ. وقالَ الزَّجّاجُ: البَصائِرُ الطُّرُقُ ﴿وهُدًى ورَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ مَعْطُوفٌ عَلى بَصائِرَ، أيْ: هَذا القُرْآنُ هو بَصائِرُ وهُدًى يَهْتَدِي بِهِ المُؤْمِنُونَ ورَحْمَةٌ لَهم. قَوْلُهُ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ أمَرَهُمُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - بِالِاسْتِماعِ لِلْقُرْآنِ والإنْصاتِ لَهُ عِنْدَ قِراءَتِهِ لِيَنْتَفِعُوا بِهِ ويَتَدَبَّرُوا ما فِيهِ مِنَ الحِكَمِ والمَصالِحِ، قِيلَ: هَذا الأمْرُ خاصٌّ بِوَقْتِ الصَّلاةِ عِنْدَ قِراءَةِ الإمامِ، ولا يَخْفاكَ أنَّ اللَّفْظَ أوْسَعُ مِن هَذا، والعامُّ لا يُقْصَرُ عَلى سَبَبِهِ، فَيَكُونُ الِاسْتِماعُ والإنْصاتُ عِنْدَ قِراءَةِ (p-٥٢٢)القُرْآنِ في كُلِّ حالَةٍ وعَلى أيِّ صِفَةٍ مِمّا يَجِبُ عَلى السّامِعِ، وقِيلَ: هَذا خاصٌّ بِقِراءَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهِ ولا وجْهَ لِذَلِكَ، ﴿لَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ أيْ تَنالُونَ الرَّحْمَةَ وتَفُوزُونَ بِها بِامْتِثالِ أمْرِ اللَّهِ - سُبْحانَهُ - ثُمَّ أمَرَهُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أنْ يَذْكُرَهُ في نَفْسِهِ، فَإنَّ الإخْفاءَ أدْخَلُ في الإخْلاصِ وأدْعى لِلْقَبُولِ، قِيلَ: المُرادُ بِالذِّكْرِ هُنا ما هو أعَمُّ مِنَ القُرْآنِ وغَيْرِهِ مِنَ الأذْكارِ الَّتِي يُذْكَرُ اللَّهُ بِها. وقالَ النَّحّاسُ: لَمْ يُخْتَلَفْ في مَعْنى ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ﴾ أنَّهُ الدُّعاءُ، وقِيلَ: هو خاصٌّ بِالقُرْآنِ: أيِ اقْرَأِ القُرْآنَ بِتَأمُّلٍ وتَدَبُّرٍ و﴿تَضَرُّعًا وخِيفَةً﴾ مُنْتَصِبانِ عَلى الحالِ، أي مُتَضَرِّعًا وخائِفًا، والخِيفَةُ: الخَوْفُ، وأصْلُها خِوفَةٌ قُلِبَتِ الواوُ ياءً لِانْكِسارِ ما قَبْلَها. وحَكى الفَرّاءُ أنَّهُ يُقالُ في جَمْعِ خِيفَةٍ خِيَفٌ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: والخِيفَةُ الخَوْفُ والجَمْعُ خِيَفٌ، وأصْلُهُ الواوُ، أي: خَوْفٌ ﴿ودُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ﴾ أيْ دُونَ المَجْهُورِ بِهِ مِنَ القَوْلِ وهو مَعْطُوفٌ عَلى ما قَبْلَهُ، أيْ مُتَضَرِّعًا، وخائِفًا، ومُتَكَلِّمًا بِكَلامٍ هو دُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ، و﴿بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ " اذْكُرْ " أيْ: أوْقاتِ الغَدَواتِ وأوْقاتِ الأصائِلِ، والغُدُوُّ: جَمْعُ غُدْوَةٍ، والآصالُ: جَمْعُ أصِيلٍ، قالَهُ الزَّجّاجُ والأخْفَشُ، مِثْلُ يَمِينٍ وأيْمانٍ، وقِيلَ: الآصالُ جَمْعُ أُصُلٍ، والأُصُلُ جَمْعُ أصِيلٍ فَهو عَلى هَذا جَمْعُ الجَمْعِ، قالَهُ الفَرّاءُ. قالَ الجَوْهَرِيُّ: الأصِيلُ الوَقْتُ مِن بَعْدِ العَصْرِ إلى المَغْرِبِ، وجَمْعُهُ أُصُلٌ وآصالٌ وأصائِلُ كَأنَّهُ جَمْعُ أصِيلَةٍ. قالَ الشّاعِرُ: ؎لَعَمْرِي لَأنْتَ البَيْتُ أكْرَمُ أهْلُهُ ∗∗∗ وأقْعَدُ في أفَنائِهِ بِالأصائِلِ ويُجْمَعُ أيْضًا عَلى أُصْلانٍ مِثْلَ بَعِيرٍ وبُعْرانٍ، وقَرَأ أبُو مِجْلَزٍ " والإيصالِ " وهو مَصْدَرٌ. وخَصَّ هَذَيْنِ الوَقْتَيْنِ لِشَرَفِهِما، والمُرادُ دَوامُ الذِّكْرِ لِلَّهِ ﴿ولا تَكُنْ مِنَ الغافِلِينَ﴾ أيْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. ﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ﴾ المُرادُ بِهِمُ المَلائِكَةُ، قالَ القُرْطُبِيُّ: بِالإجْماعِ. قالَ الزَّجّاجُ: وقالَ " عِنْدَ رَبِّكَ " واللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِكُلِّ مَكانٍ لِأنَّهم قَرِيبُونَ مِن رَحْمَتِهِ، وكُلُّ قَرِيبٍ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - فَهو عِنْدَهُ. وقالَ غَيْرُهُ: لِأنَّهم في مَوْضِعٍ لا يَنْفُذُ فِيهِ إلّا حُكْمُ اللَّهِ، وقِيلَ: إنَّهم رُسُلُ اللَّهِ كَما يُقالُ عِنْدَ الخَلِيفَةِ جَيْشٌ كَثِيرٌ، وقِيلَ: هَذا عَلى جِهَةِ التَّشْرِيفِ والتَّكْرِيمِ لَهم، ومَعْنى ﴿ويُسَبِّحُونَهُ﴾ يُعَظِّمُونَهُ ويُنَزِّهُونَهُ عَنْ كُلِّ شَيْنٍ ﴿ولَهُ يَسْجُدُونَ﴾ أيْ يَخْصُّونَهُ بِعِبادَةِ السُّجُودِ الَّتِي هي أشْرَفُ عِبادَةٍ، وقِيلَ: المُرادُ بِالسُّجُودِ الخُضُوعُ والذِّلَّةُ، وفي ذِكْرِ المَلَأِ الأعْلى تَعْرِيضٌ لِبَنِي آدَمَ. وقَدْ أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي شَيْبَةَ، والبُخارِيُّ، وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ، والنَّحّاسُ، في ناسِخِهِ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في الدَّلائِلِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ في قَوْلِهِ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ الآيَةَ قالَ: ما نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ إلّا في اخْتِلافِ النّاسِ»، وفي لَفْظٍ: «أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَأْخُذَ العَفْوَ مِن أخْلاقِ النّاسِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ في الأوْسَطِ وأبُو الشَّيْخِ، والحاكِمِ وصَحَّحَهُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ في قَوْلِهِ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ قالَ: أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أنْ يَأْخُذَ العَفْوَ مِن أخْلاقِ النّاسِ» . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قالَ: " «لَمّا أنْزَلَ اللَّهُ ﴿خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بِالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما هَذا يا جِبْرِيلُ ؟ قالَ: لا أدْرِي حَتّى أسْألَ العالِمَ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: إنَّ اللَّهَ أمَرَكَ أنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وتُعْطِيَ مَن حَرَمَكَ، وتَصِلَ مَن قَطَعَكَ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ قالَ: «لَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ المَطْلَبِ قالَ: واللَّهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنهم، فَجاءَهُ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الآيَةِ» . وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ عائِشَةَ في قَوْلِهِ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ قالَ: ما عَفا لَكَ مِن مَكارِمِ الأخْلاقِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ قالَ: خُذْ ما عَفا مِن أمْوالِهِمْ، ما أتَوْكَ بِهِ مِن شَيْءٍ فَخُذْهُ، وهَذا قَبْلَ أنْ تَنْزِلَ " بَراءَةٌ " بِفَرائِضِ الصَّدَقَةِ وتَفْصِيلِها. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، والنَّحّاسُ، في ناسِخِهِ عَنِ السُّدِّيِّ، في الآيَةِ قالَ: الفَضْلُ مِنَ المالِ نَسَخَتْهُ الزَّكاةُ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قالَ: لَمّا نَزَلَ ﴿خُذِ العَفْوَ﴾ الآيَةَ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ بِالغَضَبِ يا رَبُّ ؟ فَنَزَلَ ﴿وإمّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ﴾». . وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ قالَ: هُمُ المُؤْمِنُونَ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي الدُّنْيا وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ﴿إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ﴾ قالَ: الغَضَبُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: الطَّيْفُ الغَضَبُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ السُّدِّيِّ، في قَوْلِهِ: ﴿تَذَكَّرُوا﴾ قالَ: إذا زَلُّوا تابُوا. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في الآيَةِ قالَ الطّائِفُ: اللَّمَّةُ مِنَ الشَّيْطانِ. ﴿تَذَكَّرُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ يَقُولُ: فَإذا هم مُنْتَهُونَ عَنِ المَعْصِيَةِ آخِذُونَ بِأمْرِ اللَّهِ عاصُونَ لِلشَّيْطانِ ﴿وإخْوانُهُمْ﴾ قالَ: إخْوانُ الشَّياطِينِ ﴿يَمُدُّونَهم في الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ قالَ: لا الإنْسُ يُمْسِكُونَ عَمّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئاتِ، ولا الشَّياطِينُ تُمْسِكُ عَنْهم و﴿وإذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها﴾ يَقُولُ: لَوْلا أحْدَثْتَها لَوْلا تَلَقَّيْتَها فَأنْشَأْتَها. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْهُ ﴿وإخْوانُهم يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ قالَ: هُمُ الجِنُّ يُوحُونَ إلى أوْلِيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ ﴿ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ يَقُولُ: لا يَسْأمُونَ ﴿وإذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها﴾ يَقُولُ: هَلّا افْتَعَلْتَها مِن تِلْقاءِ نَفْسِكَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ عَساكِرَ، «عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ في قَوْلِهِ: ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ﴾ الآيَةَ قالَ: نَزَلَتْ في رَفْعِ الأصْواتِ وهم خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الصَّلاةِ» . وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في الآيَةِ قالَ: يَعْنِي في الصَّلاةِ المَفْرُوضَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قالَ: «صَلّى النَّبِيُّ ﷺ فَقَرَأ خَلْفَهُ قَوْمٌ فَخَلَطُوا، (p-٥٢٣)فَنَزَلَتْ ﴿وإذا قُرِئَ القُرْآنُ﴾ الآيَةَ»، فَهَذِهِ في المَكْتُوبَةِ. قالَ: وإنْ كُنّا لَمْ نَسْتَمِعْ لِمَن يَقْرَأْ بِالأخْفى مِنَ الجَهْرِ. وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ مُجاهِدٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ نَحْوَهُ. وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، والبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ أيْضًا، وقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ السَّلَفِ، وصَرَّحُوا بِأنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ في قِراءَةِ الصَّلاةِ مِنَ الإمامِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، عَنِ الحَسَنِ في الآيَةِ قالَ: عِنْدَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، وعِنْدَ الذِّكْرِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في الآيَةِ قالَ: في الصَّلاةِ وحِينَ يَنْزِلُ الوَحْيُ. وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْهُ في الآيَةِ أنَّهُ قالَ: هَذا في الصَّلاةِ. وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ، وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ قَتادَةَ، في قَوْلِهِ: ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ﴾ الآيَةَ قالَ: أمَرَهُ اللَّهُ أنْ يَذْكُرَهُ، ونَهاهُ عَنِ الغَفْلَةِ، أمّا بِالغُدُوِّ فَصَلاةُ الصُّبْحِ، والآصالِ بِالعَشِيِّ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ أبِي صَخْرٍ قالَ: الآصالُ ما بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ في الآيَةِ قالَ: لا تَجْهَرُ بِذاكَ ﴿بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ بِالبَكْرِ والعَشِيِّ. وأخْرُجُ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ ﴿بِالغُدُوِّ﴾ قالَ: آخِرُ الفَجْرِ صَلاةُ الصُّبْحِ، والآصالُ آخِرُ العَشِيِّ صَلاةُ العَصْرِ، والأحادِيثُ والآثارُ عَنِ الصَّحابَةِ في سُجُودِ التِّلاوَةِ، وعَدَدِ المَواضِعِ الَّتِي يُسْجَدُ فِيها، وكَيْفِيَّةِ السُّجُودِ وما يُقالُ فِيهِ مُسْتَوْفاةٌ في كُتُبِ الحَدِيثِ والفِقْهِ فَلا نُطَوِّلُ بِإيرادِ ذَلِكَ هاهُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب