الباحث القرآني

﴿وإخْوانُهُمْ﴾ أيْ: إخْوانُ الشَّياطِينِ الَّذِينَ لَمْ يَتَّقُوا. وذَلِكَ مَعْنى الأُخُوَّةِ بَيْنَهُمْ، وهو مُبْتَدَأٌ (p-149)وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿يَمُدُّونَهم في الغَيِّ﴾ خَبَرُهُ، والضَّمِيرُ المَرْفُوعُ لِلشَّياطِينِ والمَنصُوبُ لِلْمُبْتَدَأِ، أيْ: تُعاوِنُهم الشَّياطِينُ في الضَّلالِ؛ وذَلِكَ بِأنْ يُزَيِّنُوهُ لَهم ويَحْمِلُوهم عَلَيْهِ، والخَبَرُ عَلى هَذا جارٍ عَلى غَيْرِ مَن هو لَهُ وفي أنَّهُ: هَلْ يَجِبُ إبْرازُ الضَّمِيرِ أوَّلًا يَجِبُ في مِثْلِ ذَلِكَ خِلافٌ بَيْنِ أهْلِ القَرْيَتَيْنِ كالصِّفَةِ المُخْتَلَفِ فِيها بَيْنَهُمْ، وقِيلَ: إنَّ الضَّمِيرَ الأوَّلَ لِلْإخْوانِ والثّانِيَ لِلشَّياطِينِ، والمَعْنى: وإخْوانُ الشَّياطِينِ يَمُدُّونَ الشَّياطِينَ بِالِاتِّباعِ والِامْتِثالِ، وعَلى هَذا يَكُونُ الخَبَرُ جارِيًا عَلى مَن هو لَهُ، والجارُّ والمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِما عِنْدَهُ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الفاعِلِ أوْ مِنَ المَفْعُولِ. وقَرَأ نافِعٌ: (يُمِدُّونَهُمْ) بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ المِيمِ مَنِ الإمْدادِ، والجُمْهُورُ عَلى فَتْحِ الياءِ وضَمِّ المِيمِ. قالَ أبُو عَلِيٍّ في الحُجَّةِ بَعْدَ نَقْلِ ذِكْرِ ذَلِكَ: وعامَّةُ ما جاءَ في التَّنْزِيلِ مِمّا يُحْمَدُ ويُسْتَحَبُّ أمْدَدْتُ عَلى أفْعَلْتُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنَّما نُمِدُّهم بِهِ مِن مالٍ وبَنِينَ﴾ ﴿وأمْدَدْناهم بِفاكِهَةٍ﴾ و﴿أتُمِدُّونَنِ بِمالٍ﴾ وما كانَ بِخِلافِهِ عَلى مَدَدْتُ قالَ تَعالى: ﴿ويَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ وهَكَذا يَتَكَلَّمُونَ بِما يَدُلُّ عَلى أنَّ الوَجْهَ فَتْحُ الياءِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُ، ووَجْهُ قِراءَةِ نافِعٍ أنَّهُ مِثْلُ: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ و﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى﴾ وقَرَأ الجَحْدَرِيُّ: (يُمادُّونَهُمْ) مِن بابِ المُفاعَلَةِ وهي هُنا مَجازِيَّةٌ كَأنَّهم كانَ الشَّياطِينُ يُعِينُونَهم بِالإغْراءِ وتَهْوِينِ المَعاصِي عَلَيْهِمْ وهَؤُلاءِ يُعِينُونَ الشَّياطِينَ بِالِاتِّباعِ والِامْتِثالِ ﴿ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ﴾ أيْ: لا يُمْسِكُونَ ولا يَكُفُّونَ عَنْ إغْوائِهِمْ حَتّى يَرُدُّوهم بِالكُلِّيَّةِ فَهو مِن أقْصَرَ إذا أقْلَعَ وأمْسَكَ كَما في قَوْلِهِ: ؎سَما لَكَ شَوْقٌ بَعْدَ ما كانَ أقْصَرا وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْإخْوانِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ والسُّدِّيِّ، وإلَيْهِ ذَهَبَ الجُبّائِيُّ، أيْ: ثُمَّ لا يَكُفُّ هَؤُلاءِ عَنِ الغَيِّ ولا يُقْصِرُونَ كالمُتَّقِينَ، وجُوِّزَ أيْضًا أنْ يُرادَ بِالإخْوانِ الشَّياطِينُ وضَمِيرُ الجَمْعِ المُضافُ إلَيْهِ أوَّلًا والمَفْعُولُ ثانِيًا والفاعِلُ ثالِثًا يَعُودُ إلى الجاهِلِينَ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ وتَعالى: ﴿وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ﴾ أيْ: وإخْوانُ الجاهِلِينَ وهُمُ الشَّياطِينُ يَمُدُّونَ الجاهِلِينَ في الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُ الجاهِلُونَ عَنْ ذَلِكَ، والخَبَرُ عَلى هَذا أيْضًا جارٍ عَلى ما هو لَهُ كَما في بَعْضِ الأوْجُهِ السّابِقَةِ، والأوَّلُ أوْلى رِعايَةً لِلْمُقابَلَةِ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ: (يَقْصُرُونَ) بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الصّادِّ مِن قَصَرَ وهو مَجازٌ عَنِ الإمْساكِ أيْضًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب