الباحث القرآني
﴿ورَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ أنِّي قَدْ جِئْتُكم بِآيَةٍ مِن رَبِّكُمْ﴾ اخْتَلَفُوا في: رَسُولًا، هُنا فَقِيلَ: هو وصْفٌ بِمَعْنى المُرْسَلِ عَلى ظاهِرِ ما يُفْهَمُ مِنهُ، وقِيلَ: هو مَصْدَرٌ بِمَعْنى رِسالَةٍ، إذْ قَدْ ثَبَتَ أنَّ رَسُولًا يَكُونُ بِمَعْنى رِسالَةٍ، ومِمَّنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِيهِ هَنا الحُوفِيُّ، وأبُو البَقاءِ، وقالا: هو مَعْطُوفٌ عَلى الكِتابِ، أيْ: ويُعَلِّمُهُ رِسالَةً إلى بَنِي إسْرائِيلَ، فَتَكُونُ رِسالَةٌ، داخِلًا في ما يُعَلِّمُهُ اللَّهُ عِيسى. وأجازَ أبُو البَقاءِ في هَذا الوَجْهِ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا في مَوْضِعِ الحالِ. وأمّا الوَجْهُ الأوَّلُ فَقالُوا في إعْرابِهِ وُجُوهًا.
أحَدُها: أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا بِإضْمارِ فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: ويَجْعَلُهُ رَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ، قالُوا: فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ:
؎يا لَيْتَ زَوْجَكِ قَدْ غَدا مُتَقَلِّدًا سَيْفًا ورُمْحًا
أيْ: ومُعْتَقِلًا رُمْحًا. لَمّا لَمْ يُمْكِنْ تَشْرِيكُهُ مَعَ المَنصُوباتِ قَبْلَهُ في العامِلِ الَّذِي هو: يُعَلِّمُهُ، أُضْمِرَ لَهُ فِعْلٌ ناصِبٌ يَصِحُّ بِهِ المَعْنى، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وغَيْرُهُ. الثّانِي: أنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلى: يُعَلِّمُهُ، فَيَكُونَ حالًا، إذِ التَّقْدِيرُ: ومُعَلِّمًا الكِتابَ، فَهَذا كُلُّهُ عَطْفٌ بِالمَعْنى عَلى قَوْلِهِ: وجِيهًا، قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وثَنى بِهِ ابْنُ عَطِيَّةَ، وبَدَأ بِهِ، وهو مَبْنِيٌّ عَلى إعْرابِ: ويُعَلِّمُهُ. وقَدْ بَيَّنّا ضَعْفَ إعْرابِ مَن يَقُولُ: إنَّ ”ويُعَلِّمُهُ“، مَعْطُوفٌ عَلى: وجِيهًا، لِلْفَصْلِ المُفْرِطِ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ. الثّالِثُ: أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى الحالِ مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في: ويُكَلِّمُ، فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلى قَوْلِهِ: وكَهْلًا، أيْ: ويُكَلِّمُ النّاسَ طِفْلًا وكَهْلًا، ورَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ، قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وهو بَعِيدٌ جِدًّا لِطُولِ الفَصْلِ بَيْنَ المُتَعاطِفَيْنِ. الرّابِعُ: أنْ تَكُونَ الواوُ زائِدَةً، ويَكُونَ حالًا مِن ضَمِيرِ: ويُعَلِّمُهُ، قالَهُ الأخْفَشُ، وهو ضَعِيفٌ لِزِيادَةِ الواوِ، لا يُوجَدُ في كَلامِهِمْ: جاءَ زَيْدٌ وضاحِكًا، أيْ: ضاحِكًا. الخامِسُ: أنْ يَكُونَ مَنصُوبًا عَلى إضْمارِ فِعْلٍ مِن لَفْظِ ”رَسُولًا“، ويَكُونَ ذَلِكَ الفِعْلُ مَعْمُولًا لِقَوْلٍ مِن عِيسى، التَّقْدِيرُ: وتَقُولُ أُرْسِلْتُ رَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ، واحْتاجَ إلى هَذا التَّقْدِيرِ كُلِّهِ، لِقَوْلِهِ: ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ وقَوْلِهِ: ﴿ومُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٠]، إذْ لا يَصِحُّ في الظّاهِرِ حَمْلُهُ عَلى ما قَبْلَهُ مِنَ المَنصُوباتِ لِاخْتِلافِ الضَّمائِرِ؛ لِأنَّ ما قَبْلَهُ ضَمِيرُ غائِبٍ، وهَذانِ ضَمِيرُ مُتَكَلِّمٍ، فاحْتاجَ إلى هَذا الإضْمارِ لِتَصْحِيحِ المَعْنى. قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وقالَ: هو مِنَ المَضايِقِ، يَعْنِي مِنَ المَواضِعِ الَّتِي فِيها إشْكالٌ. وهَذا الوَجْهُ ضَعِيفٌ، إذْ فِيهِ إضْمارُ القَوْلِ ومَعْمُولِهِ الَّذِي هو: أُرْسِلْتُ، والِاسْتِغْناءُ عَنْهُما بِاسْمٍ مَنصُوبٍ عَلى الحالِ المُؤَكِّدَةِ، إذْ يُفْهَمُ مِن قَوْلِهِ: وأُرْسِلْتُ، أنَّهُ رَسُولٌ، فَهي عَلى هَذا التَّقْدِيرِ حالٌ مُؤَكِّدَةٌ. فَهَذِهِ خَمْسَةُ أوْجُهٍ في إعْرابِ: ورَسُولًا، أوْلاها (p-٤٦٥)الأوَّلُ، إذْ لَيْسَ فِيهِ إلّا إضْمارُ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ المَعْنى، أيْ: ويَجْعَلُهُ رَسُولًا، ويَكُونُ قَوْلُهُ ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ مَعْمُولًا لِـ ”رَسُولًا“، أيْ: ناطِقًا بِأنِّي قَدْ جِئْتُكم، عَلى قِراءَةِ الجُمْهُورِ، ومَعْمُولًا لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ عَلى قِراءَةِ مَن كَسَرَ الهَمْزَةَ، وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ، أيْ: قائِلًا إنِّي قَدْ جِئْتُكم، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَحْكِيًّا بِقَوْلِهِ: ورَسُولًا، لِأنَّهُ في مَعْنى القَوْلِ، وذَلِكَ عَلى مَذْهَبِ الكُوفِيِّينَ. وقَرَأ اليَزِيدِيُّ: ورَسُولٍ، بِالجَرِّ، وخَرَّجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلى أنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى: بِكَلِمَةٍ مِنهُ، وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ في القِياسِ؛ لِطُولِ البُعْدِ بَيْنَ المَعْطُوفِ عَلَيْهِ والمَعْطُوفِ. وأُرْسِلَ عِيسى إلى بَنِي إسْرائِيلَ مُبَيِّنًا حُكْمَ التَّوْراةِ، وداعِيًا إلى العَمَلِ بِها، ومُحَلِّلًا أشْياءَ مِمّا حُرِّمَ فِيها: كالثُّرُوبِ، ولُحُومِ الإبِلِ، وأشْياءَ مِنَ الحِيتانِ، والطَّيْرِ، وكانَ عِيسى قَدْ هَرَبَتْ بِهِ أُمُّهُ مِن قَوْمِها إلى مِصْرَ حِينَ عَزَلُوا أوْلادَهم، ونَهَوْهم عَنْ مُخالَطَتِهِ، وحَبَسُوهم في بَيْتٍ، فَجاءَ عِيسى يَطْلُبُهم فَقالُوا: لَيْسُوا هاهُنا، فَقالَ: ما في هَذا البَيْتِ ؟ قالُوا: خَنازِيرُ، قالَ: كَذَلِكَ يَكُونُونَ، فَفَتَحُوا عَنْهم فَإذا هم خَنازِيرُ. فَفَشا ذَلِكَ في بَنِي إسْرائِيلَ، فَهَمُّوا بِهِ، فَهَرَبَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى أرْضِ مِصْرَ. فَلَمّا بَلَغَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً أوْحى اللَّهُ إلَيْها: أنِ انْطَلِقِي إلى الشّامِ، فَفَعَلَتْ حَتّى إذا بَلَغَ ثَلاثِينَ سَنَةً جاءَهُ الوَحْيُ عَلى رَأْسِ الثَّلاثِينَ، فَكانَتْ نُبُوَّتُهُ ثَلاثَ سِنِينٍ، ثُمَّ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ. وكانَ أوَّلَ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ يُوسُفُ، وقِيلَ: مُوسى، وآخِرَهم عِيسى.
والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكم بِآيَةٍ﴾ إلى قَوْلِهِ (مُسْتَقِيمٌ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ﴿ورَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ومَعْمُولٌ لَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ القَوْلِ السّابِقِ. والخِطابُ لِمَرْيَمَ بِقَوْلِهِ: قالَ كَذَلِكِ اللَّهُ، فَتَكُونُ مَرْيَمُ قَدْ بُشِّرَتْ بِأشْياءَ مِمّا يَفْعَلُها اللَّهُ لِوَلَدِها عِيسى مِن تَعْلِيمِهِ ما ذَكَرَ، ومِن جَعْلِهِ رَسُولًا ناطِقًا بِما يَكُونُ مِنهُ إذا أُرْسِلَ؛ مِن مَجِيئِهِ بِالآياتِ، وإظْهارِ الخَوارِقِ عَلى يَدَيْهِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا ذُكِرَ إلى قَوْلِهِ: مُسْتَقِيمٌ. ويَكُونُ بَعْدَ قَوْلِهِ: مُسْتَقِيمٌ. وقِيلَ قَوْلُهُ: فَلَمّا أحَسَّ، مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وتَضْطَرُّ إلى تَقْدِيرِهِ المَعْنى تَقْدِيرُهُ: فَجاءَ عِيسى بَنِي إسْرائِيلَ، ورَسُولًا، فَقالَ لَهم ما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وأتى بِالخَوارِقِ الَّتِي قالَها، فَكَفَرُوا بِهِ وتَمالَئُوا عَلى قَتْلِهِ وإذايَتِهِ، ﴿فَلَمّا أحَسَّ عِيسى مِنهُمُ الكُفْرَ﴾ [آل عمران: ٥٢] .
وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الكَلامُ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿ورَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ ولا يَكُونَ ﴿إنّى قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ مُتَعَلِّقًا بِما قَبْلَهُ، ولا داخِلًا تَحْتَ القَوْلِ والخِطابُ لِمَرْيَمَ، ويَكُونُ المَحْذُوفُ هُنا: لا بَعْدَ قَوْلِهِ: مُسْتَقِيمٌ، والتَّقْدِيرُ: فَجاءَ عِيسى كَما بَشَّرَ اللَّهُ رَسُولًا إلى بَنِي إسْرائِيلَ بِأنِّي قَدْ جِئْتُكم بِآيَةٍ مِن رَبِّكم.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: بِأنَّهُ، عَلى الإفْرادِ، وكَذَلِكَ في ﴿وجِئْتُكم بِآيَةٍ مِن رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران: ٥٠] وفي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: بِآياتٍ، عَلى الجَمْعِ في المَوْضِعَيْنِ. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: مِن رَبِّكم، في مَوْضِعِ الصِّفَةِ، لِأنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، ويَجُوزُ أنْ يَتَعَلَّقَ: بِـ ”وجِئْتُكم“، أيْ: جِئْتُكم مِن رَبِّكم بِآيَةٍ.
﴿أنِّي أخْلُقُ لَكم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ: أنِّي أخْلُقُ، بِفَتْحِ الهَمْزَةِ عَلى أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن: آيَةٍ، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ جَرٍّ، أوْ بَدَلًا مِن قَوْلِهِ: أنِّي قَدْ جِئْتُكم، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ أوْ جَرٍّ عَلى الخِلافِ، أوْ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: هي، أيِ: الآيَةُ أنِّي أخْلُقُ، فَيَكُونُ في مَوْضِعِ رَفْعٍ. وقَرَأ نافِعٌ بِالكَسْرِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، أوْ عَلى إضْمارِ القَوْلِ، أوْ عَلى التَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ. كَما فَسَّرَ المَثَلَ في قَوْلِهِ: ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ [آل عمران: ٥٩] بِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَهُ مِن تُرابٍ﴾ [آل عمران: ٥٩] ومَعْنى: أخْلُقُ: أُقَدِّرُ وأُهَيِّءُ، والخَلْقُ يَكُونُ بِمَعْنى الإنْشاءِ، وإبْرازِ العَيْنِ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ إلى الوُجُودِ. وهَذا لا يَكُونُ إلّا لِلَّهِ تَعالى. ويَكُونُ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ والتَّصْوِيرِ، ولِذَلِكَ يُسَمُّونَ صانِعَ الأدِيمِ ونَحْوَهُ الخالِقَ، لِأنَّهُ يُقَدِّرُ، وأصْلُهُ في الأجْرامِ، وقَدْ نَقَلُوهُ إلى المَعانِي قالَ تَعالى ﴿وتَخْلُقُونَ إفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] ومِمّا جاءَ الخُلُقُ فِيهِ بِمَعْنى التَّقْدِيرِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ [المؤمنون: ١٤] أيِ: المُقَدَّرَيْنِ. وقالَ الشّاعِرُ:
؎ولَأنْتَ تَغْرِي ما خَلَقْتَ ∗∗∗ وبَعْضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يُغْرِي
(p-٤٦٦)واللّامُ في: لَكم، مَعْناها التَّعْلِيلُ، ومِنَ الطِّينِ: تَقْيِيدٌ بِأنَّهُ لا يُوجَدُ مِنَ العَدَمِ الصِّرْفِ، بَلْ ذَكَرَ المادَّةَ الَّتِي يُشَكِّلُ مِنها صُورَةً. وقَرَأ الجُمْهُورُ: كَهَيْئَةِ، عَلى وزْنِ: جَيْئَةِ، وقَرَأ الزُّهْرِيُّ: كَهِيَّةِ، بِكَسْرٍ الهاءِ، وياءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ، بَعْدَها تاءُ التَّأْنِيثِ، والكافُ مِن: كَهَيْئَةِ، اسْمٌ عَلى مَذْهَبِ أبِي الحَسَنِ، فَهي مَفْعُولَةٌ: بِـ ”أخْلُقُ“، وعَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ: يَكُونُ، صِفَةً لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هَيْئَةٌ مِثْلُ هَيْئَةٍ، ويَكُونُ: هَيْئَةُ، مَصْدَرًا في مَعْنى المَفْعُولِ، أيْ: مِثالًا مُهَيَّأً مِثْلَ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: الطَّيْرِ، وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ: كَهَيْئَةِ الطّائِرِ، والمُرادُ بِهِ الجِنْسُ: فَأنْفُخُ فِيهِ. الضَّمِيرُ في: فِيهِ، يَعُودُ عَلى: الكافِ، أوْ عَلى مَوْصُوفِها عَلى القَوْلَيْنِ المَذْكُورَيْنِ. وقَرَأ بَعْضُ القُرّاءِ: فَأنْفُخُها، أعادَ الضَّمِيرَ عَلى الهَيْئَةِ المَحْذُوفَةِ، إذْ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: هَيْئَةٌ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، أوْ: عَلى الكافِ عَلى المَعْنى، إذْ هي بِمَعْنى مُماثِلَةٍ هَيْئَةَ الطَّيْرِ، فَيَكُونُ التَّأْنِيثُ هُنا كَما هو في المائِدَةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَتَنْفُخُ فِيها﴾ [المائدة: ١١٠] ويَكُونُ في هَذِهِ القِراءَةِ قَدْ حَذَفَ حَرْفَ الجَرِّ. كَما قالَ:
؎ما شُقَّ جَيْبٌ ولا ناحَتْكَ نائِحَةٌ ∗∗∗ ولا بَكَتْكَ جِيادٌ عِندَ أسْلابِ
يُرِيدُ: ولا قامَتْ عَلَيْكَ، وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ نَقَلَها الفَرّاءُ. وقالَ النّابِغَةُ:
؎كالهِبْرَقِيِّ تَنَحّى يَنْفُخُ الفَحْماءَ ∗∗∗ كالبَرْقِيِّ تَنَحّى يَنْفُخُ الفَحْماءَ
فَعَدّى: نَفَخَ، لِمَنصُوبٍ، فَيُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عَلى إسْقاطِ حَرْفِ الجَرِّ، ويُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عَلى التَّضْمِينِ، أيْ: يُضْرِمُ بِالنَّفْخِ الفَحْمَ، فَيَكُونُ هُنا ناقِصَةٌ عَلى بابِها، أوْ بِمَعْنى: تَصِيرُ.
وقَرَأ نافِعٌ ويَعْقُوبُ هُنا، وفي المائِدَةِ: طائِرًا، وقَرَأ الباقُونَ: طَيْرًا، وانْتِصابُهُ عَلى أنَّهُ خَبَرُ ”يَكُونُ“، ومَن جَعَلَ: يَكُونُ، هُنا تامَّةٌ، وطائِرًا: حالًا فَقَدْ أبْعَدَ. وتَعَلُّقُ ”بِإذْنِ اللَّهِ“: قِيلَ بِـ ”يَكُونُ“ . وقِيلَ: بِطائِرٍ، ومَعْنى: بِإذْنِ اللَّهِ، أيْ بِتَمْكِينِهِ وعِلْمِهِ بِأنِّي أفْعَلُ، وتَعاطِي عِيسى التَّصْوِيرَ بِيَدِهِ، والنَّفْخَ في تِلْكَ الصُّورَةِ تَبْيِينٌ لِتَلَبُّسِهِ بِالمُعْجِزَةِ، وتَوْضِيحُ أنَّها مِن قِبَلِهِ، وأمّا خَلْقُ الحَياةِ في تِلْكَ الصُّورَةِ الطِّينِيَّةِ فَمِنَ اللَّهِ - وحْدَهُ. وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ خَلْقَهُ لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِاقْتِراحٍ مِنهم، بَلْ هَذِهِ الخَوارِقُ جاءَتْ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكم بِآيَةٍ مِن رَبِّكُمْ﴾ وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ بِاقْتِراحٍ مِنهم، طَلَبُوا مِنهُ أنْ يَخْلُقَ لَهم خُفّاشًا عَلى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ جَرْيًا عَلى عاداتِهِمْ مَعَ أنْبِيائِهِمْ، وخَصُّوا الخُفّاشَ؛ لِأنَّهُ عَجِيبُ الخَلْقِ، وهو أكْمَلُ الطَّيْرِ خَلْقًا، لَهُ: ثَدْيٌ، وأسْنانٌ، وآذانٌ، وضَرْعٌ، يَخْرُجُ مِنهُ اللَّبَنُ، ولا يُبْصِرُ في ضَوْءِ النَّهارِ، ولا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، إنَّما يَرى في ساعَتَيْنِ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ساعَةٍ وبَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ ساعَةٍ، قَبْلَ أنْ يُسْفِرَ جِدًّا، ويَضْحَكُ كَما يَضْحَكُ الإنْسانَ، ويَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ، وتَحِيضُ أُنْثاهُ وتَلِدُ.
رُوِيَ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ: أنَّهُ قالَ لَهم: ماذا تُرِيدُونَ ؟ قالُوا: الخُفّاشُ. فَسَألُوهُ أشَدَّ الطَّيْرِ خَلْقًا لِأنَّهُ يَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ، ويُقالُ: ما صَنَعَ غَيْرَ الخُفّاشِ، ويُقالُ: فَعَلَ ذَلِكَ أوَّلًا وهو مَعَ مُعَلِّمِهِ في الكِتابِ، وتَواطَأ النَّقْلُ عَنِ المُفَسِّرِينَ أنَّ الطّائِرَ الَّذِي خَلَقَهُ عِيسى كانَ يَطِيرُ ما دامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ، فَإذا غابَ عَنْ أعْيُنِهِمْ سَقَطَ مَيِّتًا لِيَتَمَيَّزَ فِعْلِ المَخْلُوقِ مِن فِعْلِ الخالِقِ، وكانَ بَنُو إسْرائِيلَ مَعَ مُعايَنَتِهِمْ لِذَلِكَ الطّائِرِ يَطِيرُ يَقُولُونَ في عِيسى: هَذا ساحِرٌ.
﴿وأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُما في المُفْرَداتِ. وقالَ مُجاهِدٌ: الأكْمَهُ هو الأعْشى. وقالَ عِكْرِمَةُ: هو الأعْمَشُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هو الَّذِي وُلِدَ أعْمى. وقِيلَ: هو المَمْسُوحُ العَيْنِ، ولَمْ يَكُنْ في هَذِهِ الأُمَّةِ أكْمَهُ غَيْرَ قَتادَةَ بْنِ دِعامَةِ السُّدُوسَيِّ، صاحِبِ التَّفْسِيرِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، والحَسَنُ، والسُّدِّيُّ: هو الأعْمى عَلى الإطْلاقِ. وحَكى النَّقّاشُ: أنَّ الأكْمَهَ هو الأبْكَمُ الَّذِي لا يُفْهَمُ ولا يَفْهَمُ، المَيِّتُ الفُؤادِ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا، وقَتادَةُ: هو الَّذِي يُولَدُ أعْمى مَضْمُومَ العَيْنَيْنِ.
قِيلَ: وقَدْ كانَ عِيسى يُبْرِئُ بِدُعائِهِ، والمَسْحِ بِيَدِهِ، كُلَّ عِلَّةٍ. ولَكِنْ لا يَقُومُ الحُجَّةَ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ في مَعْنى النُّبُوَّةِ إلّا بِالإبْراءِ مِنَ (p-٤٦٧)العِلَلِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْ إبْرائِها الأطِبّاءُ، حَتّى يَكُونَ فِعْلُهُ ذَلِكَ خارِقًا لِلْعاداتِ. والإبْراءُ مِنَ العَشى، والعَمَشِ، لَيْسَ بِخارِقٍ، وأمّا العَمى فالأبْلَغُ الإبْراءُ مِن عَمى المَمْسُوحِ العَيْنِ. رُوِيَ أنَّهُ رُبَّما اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ ألْفًا مِنَ المَرْضى، مَن أطاقَ مِنهم أتاهُ، ومَن لَمْ يُطِقْ أتاهُ عِيسى، وما كانَتْ مُداواتُهُ إلّا بِالدُّعاءِ وحْدَهُ، وخَصَّ بِالذِّكْرِ الكَمَهَ والبَرَصَ؛ لِأنَّهُما داءانِ مُعْضِلانِ لا يَقْدِرُ عَلى الإبْراءِ مِنهُما، إلّا اللَّهُ تَعالى، وكانَ الغالِبُ عَلى زَمانِ عِيسى الطِّبَّ، فَأراهُمُ اللَّهُ المُعْجِزَةَ في جِنْسِ عِلْمِهِمْ، كَما أرى قَوْمَ مُوسى إذْ كانَ الغالِبُ عَلَيْهِمُ السِّحْرَ، المُعْجِزَةَ بِالعَصا واليَدِ البَيْضاءِ، وكَما أرى العَرَبَ، إذْ كانَ الغالِبُ عَلَيْهِمُ البَلاغَةَ، المُعْجِزَةَ بِالقُرْآنِ. رُوِيَ أنَّ جالِينُوسَ كانَ في زَمانِ عِيسى، وأنَّهُ رَحَلَ إلَيْهِ مِن رُومِيَّةَ إلى الشّامِ لِيَلْقاهُ، فَماتَ في طَرِيقِهِ.
﴿وأُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ﴾ نَقَلَ أئِمَّةُ التَّفْسِيرِ أنَّهُ أحْيا أرْبَعَةً: عاذِرَ، وكانَ صَدِيقًا لَهُ بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ. فَقامَ مِن قَبْرِهِ يَقْطُرُ ودَكُهُ، وبَقِيَ إلى أنْ وُلِدَ لَهُ. وابْنَ العَجُوزِ: وهو عَلى سَرِيرِهِ، فَنَزَلَ عَنْ أعْناقِ الرِّجالِ، وحَمَلَ سَرِيرَهُ وبَقِيَ إلى أنْ وُلِدَ لَهُ، وبِنْتَ العاشِرِ: مُتِّعَتْ بِوَلَدِها بَعْدَما حَيِيَتْ، وسَألُوهُ أنْ يُحْيِيَ سامَ بْنَ نُوحٍ؛ لِيُخْبِرَهم عَنْ حالِ السَّفِينَةِ، فَخَرَجَ مِن قَبْرِهِ فَقالَ: أقَدْ قامَتِ السّاعَةُ ؟ وقَدْ شابَ نِصْفُ رَأْسِهِ، وكانَ شابًّا ابْنَ خَمْسِمِائَةٍ، فَقالَ: شَيَّبَنِي هَوْلُ يَوْمِ القِيامَةِ. ورُوِيَ أنَّهُ في إحْيائِهِ المَوْتى كانَ يَضْرِبُ بِعَصاهُ المَيِّتَ، أوِ القَبْرَ، أوِ الجُمْجُمَةَ، فَيُحْيِي الإنْسانَ ويُكَلِّمُهُ ويَعِيشُ. وقِيلَ: تَمُوتُ سَرِيعًا.
ورُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ قالَ: بَلَغَنِي أنَّ عِيسى خَرَجَ هو ومَن مَعَهُ مِن حَوارِيِّيهِ، حَتّى بَلَغَ الأنْدَلُسَ، وذَكَرَ قِصَّةً فِيها طُولٌ، مَضْمُونُها: أنَّهُ أحْيا بِها مَيِّتًا، وسَألُوهُ فَإذا هو مِن قَوْمِ عادٍ. ووَرَدَتْ قَصَصٌ في إحْياءِ خَلْقٍ كَثِيرٍ عَلى يَدِ عِيسى، وذَكَرُوا أشْياءَ مِمّا كانَ يَدْعُو بِها إذا أحْيا، اللَّهُ أعْلَمُ بِصِحَّتِها.
﴿وأُنَبِّئُكم بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ﴾ قالَ السُّدِّيُّ، وابْنُ جُبَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، وعَطاءٌ، وابْنُ إسْحاقَ: كانَ عِيسى مِن لَدُنْ طُفُولِيَّتِهِ، وهو في الكُتّابِ يُخْبِرُ الصِّبْيانَ بِما يَفْعَلُ آباؤُهم، وبِما يَؤْكَلُ مِنَ الطَّعامِ، وما يُدَّخَرُ إلى أنْ نُبِّئَ، ويَقُولُ لِمَن سَألَهُ: أكَلْتَ البارِحَةَ كَذا، وادَّخَرْتَ. وقِيلَ: كانَ ذَلِكَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ لَمّا أحْيا لَهُمُ المَوْتى، طَلَبُوا مِنهُ آيَةً أُخْرى، وقالُوا: أخْبِرْنا بِما نَأْكُلُ، وما نَدَّخِرُ لِلْغَدِ، فَأخْبَرَهم. وقالَ قَتادَةُ: كانَ ذَلِكَ في نُزُولِ المائِدَةِ، عَهِدَ إلَيْهِمْ أنْ يَأْكُلُوا مِنها ولا يُخَبِّئُوا ولا يَدَّخِرُوا، فَخالَفُوا، فَكانَ عِيسى يُخْبِرُهم بِما أكَلُوهُ، وما ادَّخَرُوا في بُيُوتِهِمْ، وعُوقِبُوا عَلى ذَلِكَ. وأتى بِهَذِهِ الخَوارِقِ الأرْبَعِ مُصَدَّرَةً بِالمُضارِعِ الدّالِّ عَلى التَّجَدُّدِ، والحالَةِ الدّائِمَةِ، وبَدَأ بِالخَلْقِ؛ إذْ هو أعْظَمُ في الإعْجازِ، وثَنى بِإبْراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ، وأتى ثالِثًا بِإحْياءِ المَوْتى، وهو خارِقٌ شارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى، وكَرَّرَ: بِإذْنِ اللَّهِ، دَفْعًا لِمَن يَتَوَهَّمُ فِيهِ الأُلُوهِيَّةَ، وكانَ، بِإذْنِ اللَّهِ، عَقِبَ قَوْلِهِ: أنِّي أخْلُقُ، وعَطَفَ عَلَيْهِ: وأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأبْرَصَ، ولَمْ يَذْكُرْ: بِإذْنِ اللَّهِ، اكْتِفاءً بِهِ في الخارِقِ الأعْظَمِ، وعَقَّبَ قَوْلَهُ: وأُحْيِي المَوْتى، بِقَوْلِهِ: بِإذْنِ اللَّهِ، وعَطَفَ عَلَيْهِ: وأُنَبِّئُكم، ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ، بِإذْنِ اللَّهِ، لِأنَّ إحْياءَ الأمْواتِ أعْظَمُ مِنَ الإخْبارِ بِالمُغَيَّباتِ، فاكْتَفى بِهِ في الخارِقِ الأعْظَمِ أيْضًا، فَكُلُّ واحِدٍ مِنَ الخارِقَيْنِ الأعْظَمَيْنِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِإذْنِ اللَّهِ، ولَمْ يَحْتَجْ إلى ذَلِكَ فِيما عُطِفَ عَلَيْهِما اكْتِفاءً بِالأوَّلِ إذْ كُلُّ هَذِهِ الخَوارِقِ لا تَكُونُ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ.
و: ما، في: ما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ، مَوْصُولَةٌ اسْمِيَّةٌ، وهو الظّاهِرُ. وقِيلَ: مَصْدَرِيَّةٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: تَدَّخِرُونَ، بِدالٍ مُشَدَّدَةٍ، وأصْلُهُ: اذْتَخَرَ، مِنَ الذُّخْرِ، أُبْدِلَتِ التّاءُ دالًا، فَصارَ: اذْدَخَرَ، ثُمَّ أُدْغِمَتِ الذّالُ في الدّالِ، فَقِيلَ: ادَّخَرَ، كَما قِيلَ: ادَّكَرَهُ. وقَرَأ مُجاهِدٌ، والزُّهْرِيُّ، وأيُّوبُ السِّخْتِيانِيُّ، وأبُو السَّمّالِ: تَذْخَرُونَ، بِذالٍ ساكِنَةٍ، وخاءٍ مَفْتُوحَةٍ. وقَرَأ أبُو شُعَيْبٍ السُّوسِيُّ، في رِوايَةٍ عَنْهُ: وما تَذْدَخِرُونَ، بِذالٍ ساكِنَةٍ، ودالٍ مَفْتُوحَةٍ، مِن غَيْرِ إدْغامٍ، وهَذا الفَكُّ جائِزٌ. وقِراءَةُ الجُمْهُورِ بِالإدْغامِ أجْوَدُ، ويَجُوزُ جَعْلُ الدّالِ ذالًا، والإدْغامُ (p-٤٦٨)فَتَقُولُ: اذَّخَرَ، بِالذّالِ المُعْجَمَةِ المُشَدَّدَةِ.
﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ظاهِرُ هَذِهِ الجُمْلَةِ أنَّها مِن كَلامِ عِيسى؛ لِاحْتِفافِها بِكَلامِهِ مِن قَبْلِها، ومِن بَعْدِها، حَكاهُ اللَّهُ عَنْهُ. وقِيلَ: هو مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى، اسْتِئْنافٌ صِيغَتُهُ صِيغَةُ الخَبَرِ، ومَعْناهُ التَّوْبِيخُ والتَّقْرِيعُ، وأُشِيرَ بِذَلِكَ إلى ما تَقَدَّمَ مِن جَعْلِ الطِّينِ طائِرًا، والإبْراءِ والإحْياءِ والإنْباءِ. وتَقَدَّمَ أنَّ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَآياتٍ، عَلى الجَمْعِ، فَمَن أفْرَدَ أرادَ الجِنْسَ، وهو صالِحٌ لِلْقَلِيلِ والكَثِيرِ، ويُعَيِّنُ المُرادَ القَرائِنُ اللَّفْظِيَّةُ والمَعْنَوِيَّةُ والحالِيَّةُ، ومَن جَمَعَ فَعَلى الأصْلِ، إذْ هي: آياتٌ، وهي: آيَةٌ في نَفْسِها، آمَنُوا أوْ كَفَرُوا، فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ثَمَّ صِفَةٌ مَحْذُوفَةٌ حَتّى يَتَّجِهَ التَّعْلِيقُ بِهَذا الشَّرِّ، أيْ: لَآيَةً نافِعَةً هادِئَةً لَكم إنْ آمَنتُمْ، ويَكُونَ خِطابًا لِمَن لَمْ يُؤْمِن بَعْدُ، وإنْ كانَ خِطابًا لِمَن آمَنَ فَذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّثْبِيتِ، وتَطْمِينِ النَّفْسِ وهَزِّها. كَما تَقُولُ لِابْنِكَ: أطِعْنِي إنْ كُنْتَ ابْنِي، ومَعْلُومٌ أنَّهُ ابْنُكَ، ولَكِنْ تُرِيدُ أنْ تَهُزَّهُ بِذِكْرِ ما هو مُحَقَّقٌ. ذَكَرَ ما جُعِلَ مُعَلَّقًا بِهِ ما قَبْلَهُ عَلى سَبِيلِ أنْ يَحْصُلَ.
{"ayah":"وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّیۤ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق