الباحث القرآني

﴿وَرَسُولا إلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ يَعُودُ إلَيْهِ المَعْنى مَعْطُوفٌ عَلى "يُعَلِّمُهُ" أيْ: ويَجْعَلُهُ رَسُولًَا إلى بَنِي إسْرائِيلَ، أيْ: كُلِّهِمْ. و قالَ بَعْضُ اليَهُودِ: إنَّهُ كانَ مَبْعُوثًَا إلى قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ، ثُمَّ قِيلَ: كانَ رَسُولًَا حالَ الصِّبا، وقِيلَ: بَعْدَ البُلُوغِ وكانَ أوَّلَ أنْبِياءِ بَنِي إسْرائِيلَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وآخِرَهم عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ و السَّلامُ، و قِيلَ أوَّلُهم مُوسى وآخِرُهم عِيسى عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ و السَّلامُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ مَعْمُولٌ لِ "رَسُولًَا" لِما فِيهِ مِن مَعْنى النُّطْقِ، أيْ: رَسُولًَا ناطِقًَا بِأنِّي إلَخْ... وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِمُضْمَرٍ مَعْمُولٍ لِقَوْلٍ مُضْمَرٍ مَعْطُوفٍ عَلى مَن يُعَلِّمُهُ، أيْ: ويَقُولُ أُرْسِلْتُ رَسُولًَا بِأنِّي قَدْ جِئْتُكم إلَخْ... وقِيلَ: مَعْطُوفٌ عَلى الأحْوالِ السّابِقَةِ و لا يَقْدَحُ فِيهِ كَوْنُها في حُكْمِ الغَيْبَةِ مَعَ كَوْنِ هَذا في حُكْمِ التَّكَلُّمِ لِما عَرَفْتَ مِن أنَّ فِيهِ مَعْنى النُّطْقِ، كَأنَّهُ قِيلَ: حالَ كَوْنِهِ وجِيهًَا و رَسُولًَا ناطِقًَا بِأنِّي إلَخْ... وقُرِئَ "وَرَسُولٍ" بِالجَرِّ عَطْفًَا عَلى "كَلِمَةٍ" و الباءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِآيَةٍ﴾ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًَا مِن فاعِلِ الفِعْلِ عَلى أنَّها لِلْمُلابَسَةِ، و التَّنْوِينُ لِلتَّفْخِيمِ دُونَ الوَحْدَةِ لِظُهُورِ تَعَدُّدِها وكَثْرَتِها. وقُرِئَ "بِآياتٍ" أوْ "بِجِئْتُكُمْ" عَلى أنَّها لِلتَّعْدِيَةِ، و "مِن" في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن رَبِّكُمْ﴾ لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لِآيَةٍ أيْ: قَدْ جِئْتُكم مُلْتَبِسًَا بِآيَةٍ عَظِيمَةٍ كائِنَةٍ مِن رَبِّكم أوْ أتَيْتُكم بِآيَةٍ عَظِيمَةٍ كائِنَةٍ مِنهُ تَعالى، والتَّعَرُّضُ لِوَصْفِ الربوبية مَعَ الإضافَةِ إلى ضَمِيرِ المُخاطَبِينَ لِتَأْكِيدِ إيجابِ الِامْتِثالِ بِما سَيَأْتِي مِنَ الأوامِرِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنِّي أخْلُقُ لَكم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ ومَحَلُّهُ النَّصْبُ عَلى نَزْعِ الجارِّ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ والفَرّاءِ، والجَرُّ عَلى رَأْيِ الخَلِيلِ والكِسائِيِّ، أوْ بَدَلٌ مِن "آيَةٍ". وقِيلَ: مَنصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ، أيْ: أعْنِي أنِّي إلَخْ... وقِيلَ: مَرْفُوعٌ عَلى أنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ، أيْ: هي أنِّي أخْلُقُ لَكم. وقُرِئَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى الِاسْتِئْنافِ، أيْ: أُقَدِّرُ لَكُمْ، أيْ: لِأجْلِ تَحْصِيلِ إيمانِكم ودَفْعِ تَكْذِيبِكم إيّاىَ مِنَ (p-39)الطِّينِ شَيْئًَا مِثْلَ صُورَةِ الطَّيْرِ. ﴿فَأنْفُخُ فِيهِ﴾ الضَّمِيرُ لِلْكافِ، أيْ: في ذَلِكَ الشَّيْءِ المُماثِلِ لِهَيْئَةِ الطَّيْرِ. وقُرِئَ "فَأنْفُخُ فِيها" عَلى أنَّ الضَّمِيرَ لِلْهَيْئَةِ المُقَدَّرَةِ، أيْ: أخْلُقُ لَكم مِنَ الطِّينِ هَيْئَةً كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأنْفُخُ فِيها. ﴿فَيَكُونُ طَيْرًا﴾ حَيًَّا طَيّارًَا كَسائِرِ الطُّيُورِ. ﴿بِإذْنِ اللَّهِ﴾ بِأمْرِهِ تَعالى، أشارَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِذَلِكَ إلى أنَّ إحْياءَهُ مِنَ اللَّهِ تَعالى لا مِنهُ. قِيلَ: لَمْ يَخْلُقْ غَيْرَ الخُفّاشِ. رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَمّا ادَّعى النُّبُوَّةَ وأظْهَرَ المُعْجِزاتِ طالَبُوهُ بِخَلْقِ الخُفّاشِ فَأخَذَ طِينًَا وصَوَّرَهُ ونَفَخَ فِيهِ فَإذا هو يَطِيرُ بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ، قالَ: وهْبٌ كانَ يَطِيرُ ما دامَ النّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِ فَإذا غابَ عَنْ أعْيُنِهِمْ سَقَطَ مَيِّتًَا لِيَتَمَيَّزَ مِن خَلْقِ اللَّهِ تَعالى، قِيلَ: إنَّما طَلَبُوا خَلْقَ الخُفّاشِ لِأنَّهُ أكْمَلُ الطَّيْرِ خَلْقًَا وأبْلَغُ دِلالَةً عَلى القُدْرَةِ لِأنَّ لَهُ ثُدِيًَّا وأسْنانًَا وهي تَحِيضُ وتَطْهُرُ وتَلِدُ كَسائِرِ الحَيَوانِ وتَضْحَكُ كَما يَضْحَكُ الإنْسانُ وتَطِيرُ بِغَيْرِ رِيشٍ ولا تُبْصِرُ في ضَوْءِ النَّهارِ ولا في ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وإنَّما تَرى في ساعَتَيْنِ ساعَةٍ بَعْدَ الغُرُوبِ وساعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ. وقِيلَ: خَلَقَ أنْواعًَا مِنَ الطَّيْرِ. ﴿وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ﴾ أيِ: الَّذِي وُلِدَ أعْمى أوِ المَمْسُوحَ العَيْنِ. ﴿والأبْرَصَ﴾ المُبْتَلى بِالبَرَصِ، لَمْ تَكُنِ العَرَبُ تَنْفِرُ مِن شَيْءٍ نِفَرَها مِنهُ. ويُقالُ لَهُ: الوَضَحُ أيْضًَا، و تَخْصِيصُ هَذَيْنِ الدّاءَيْنِ لِأنَّهُما مِمّا أعْيا الأطِبّاءَ وكانُوا في غايَةِ الحِذاقَةِ في زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَأراهُمُ اللَّهُ تَعالى المُعْجِزَةَ مِن ذَلِكَ الجِنْسِ. رُوِيَ أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ رُبَّما كانَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أُلُوفٌ مِنَ المَرْضى مَن أطاقَ مِنهم أتاهُ ومَن لَمْ يُطِقْ أتاهُ عِيسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وما يُداوِيهِ إلّا بِالدُّعاءِ. ﴿وَأُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ﴾ كَرَّرَهُ مُبالَغَةً في دَفْعِ وهْمِ مَن تَوَهَّمَ فِيهِ اللّاهُوتِيَّةَ. قالَ الكَلْبِيُّ: كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يُحْيِي المَوْتى بِـيا حَيُّ يا قَيُّومُ. أحْيا عازَرَ وكانَ صَدِيقًَا لَهُ فَعاشَ و وُلِدَ لَهُ، ومَرَّ عَلى ابْنِ عَجُوزٍ مَيِّتٍ فَدَعا اللَّهَ تَعالى فَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِهِ حَيًَّا و رَجَعَ إلى أهْلِهِ و بَقِيَ و وُلِدَ لَهُ وبِنْتُ العاشِرِ أحْياها و ولَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقالُوا: إنَّكَ تُحْيِي مَن كانَ قَرِيبَ العَهْدِ مِنَ المَوْتِ فَلَعَلَّهم لَمْ يَمُوتُوا بَلْ أصابَتْهم سَكْتَةٌ فَأحْىِ لَنا سامَ بْنَ نُوحٍ، فَقالَ: دُلُّونِي عَلى قَبْرِهِ فَفَعَلُوا فَقامَ عَلى قَبْرِهِ فَدَعا اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَقامَ مِن قَبْرِهِ وقَدْ شابَ رَأْسُهُ، فَقالَ عَلَيْهِ السَّلامُ: كَيْفَ شِبْتَ ولَمْ يَكُنْ في زَمانِكم شَيْبٌ؟ قالَ: يا رُوحَ اللَّهِ لَمّا دَعَوْتَنِي سَمِعْتُ صَوْتًَا يَقُولُ: أجِبْ رُوحَ اللَّهِ، فَظَنَنْتُ أنَّ السّاعَةَ قَدْ قامَتْ فَمِن هَوْلِ ذَلِكَ شِبْتُ، فَسَألَهُ عَنِ النَّزْعِ قالَ: يا رُوحَ اللَّهِ إنَّ مَرارَتَهُ لَمْ تَذْهَبْ مِن حَنْجَرَتِي، وكانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ مَوْتِهِ أكْثَرُ مِن أرْبَعَةِ آلافِ سَنَةٍ، وقالَ لِلْقَوْمِ: صَدِّقُوهُ فَإنَّهُ نَبِيُ اللَّهِ فَآمَنَ بِهِ بَعْضُهم وكَذَّبَهُ آخَرُونَ فَقالُوا: هَذا سِحْرٌ فَأرِنا آيَةً، فَقالَ يا فُلانٌ أكَلْتَ كَذا و يا فُلانٌ خُبِّئَ لَكَ كَذا وذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأُنَبِّئُكم بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ في بُيُوتِكُمْ﴾ أيْ: بِالمُغَيَّباتِ مِن أحْوالِكُمُ الَّتِي لا تَشُكُّونَ فِيها. وقُرِئَ "تَذْخَرُونَ" بِالذّالِ و التَّخْفِيفِ. ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما ذُكِرَ مِنَ الأُمُورِ العِظامِ. ﴿لآيَةً﴾ عَظِيمَةً، وقُرِئَ "لَآياتٍ". ﴿لَكُمْ﴾ دالَّةً عَلى صِحَّةِ رِسالَتِي دِلالَةً واضِحَةً. ﴿إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ جَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِانْصِبابِ المَعْنى إلَيْهِ أوْ دِلالَةِ المَذْكُورِ عَلَيْهِ، أيِ: انْتَفَعْتُمْ بِها أوْ إنْ كُنْتُمْ مِمَّنْ يَتَأتّى مِنهُمُ الإيمانُ دَلَّتْكم عَلى صِحَّةِ رِسالَتِي والإيمانِ بِها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب