الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿ورَسُولًا إلى بَنِي إسْرائيِلَ أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِن رَبِّكُمْ أنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِ اللَّهِ وأُبْرِىءُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ وأُحْيِي المَوْتى بِإذْنِ اللَّهِ وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: ٤٩].
جعَلَ اللهُ لعيسى مِن الإعجازِ ما خَصَّه به، ممّا لم يُشارِكْهُ غيرُه، والمعجزاتُ منها ما يتشارَكُ فيها الأنبياءُ، كبَيانِ الوحيِ المُنزَّلِ بالحُجَجِ الباهرةِ، والبيِّناتِ القويَّةِ، ومنها ما هو مِن خصائصِ نبيٍّ بعَيْنِه، كتسخيرِ الجنِّ والريحِ وتعليمِ مَنطِقِ الطَّيْرِ والنملِ لسُلَيْمانَ، والعصا واليدِ البيضاءِ لموسى، وإحياءِ المَوْتى لعيسى، وشَقِّ القمرِ لمحمدٍ.
ومِن معجزاتِ عيسى صنعُ الطيرِ مِن الطينِ بيدِه، ثمَّ النفخُ فيه ليكونَ طيرًا بإذنِ اللهِ، وكذلك شفاؤُه المَرْضى كالأكْمَهِ والأَبْرَصِ، وخَصَّه اللهُ بإحياءِ الموتى، والإنباءِ بما في بيوتِهم مِن مدَّخَراتٍ.
واللهُ يجعلُ لكلِّ نبيٍّ مِن المعجزاتِ ما يُناسِبُ تعلُّقَ أهلِ زمانِهم به، ففي زمنِ موسى وعيسى كانت بنو إسرائيلَ يتعلَّقونَ بالسَّحَرَةِ لمعرفةِ المغيَّباتِ، وفِعلِ الخوارقِ والمعجزاتِ، وقلبِ الماديّاتِ المُشاهَداتِ، فكانت آياتُ موسى وعيسى مِن جِنسِ هذا.
وزاد قومُ عيسى تعلُّقًا بأهلِ الطبِّ والعلاجِ، ومعرفةِ أسبابِ الشفاءِ، ممّا لم يكنْ في أسلافِهم.
وقولُه تعالى: ﴿أنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإذْنِ اللَّهِ﴾: فيه جوازُ إطلاقِ اسمِ الخَلْقِ على فِعْلِ العِبادِ، ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: ١٤]، وفي حديثِ ابنِ عمرَ في «الصحيحينِ»، قال رسولُ اللهِ ﷺ: (إنَّ الذينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، يُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا ما خَلَقْتُمْ!) [[أخرجه البخاري (٥٩٥١) (٧/١٦٧)، ومسلم (٢١٠٨) (٣/١٦٦٩).]]، ونفيُ الخَلْقِ المذكورُ في القرآنِ، كقولِه: ﴿لَنْ يَخْلُقُوا ذُبابًا ولَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ﴾ [الحج: ٧٣]، ﴿لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ [النحل: ٢٠]: المرادُ به: نفيُ الخَلْقِ بعد عدمٍ، وإيجادِ المادةِ عن لا شيءٍ، ونفيُ القدرةِ على مُضاهاةِ خَلْقِ اللهِ الذي بينَ أيدِيهِم، وهؤلاء المَعبُودونَ ـ سواءٌ كانوا أصنامًا أو بشرًا أو جِنًّا ـ أعجزُ عن فعلِ ذلك.
والنسبةُ الجائزةُ في الخَلقِ هي الصورةُ الظاهرةُ، أو الرسمُ، محاكاةً لظاهرِ المخلوقاتِ، لا لحقيقتِها.
واللهُ يَقضِي مِن أمرِهِ ما يشاءُ لأنبيائِه وأُمَمِهم، فجعَلَ خَلْقَ عيسى بيدِهِ ما يُشابِهُ خَلْقَ اللهِ إعجازًا وآيةً، وجعَلَهُ في أُمَّةِ محمدٍ حرامًا، لمُضاهاتِهِ خَلْقَ اللهِ، ولكيلا يُتَّخَذَ ذريعةً للعبادةِ مِن دونِه، وكلُّ ذلك مُنْتَفٍ في فِعْلِ عيسى، فعيسى فعَلَ ذلك بأمرِ اللهِ، فجعَلَ اللهُ فِعلَ عيسى مخلوقًا بإذنِه، فلم يَبْقَ على حالِه.
حكمُ الصُّوَرِ والتماثيلِ:
ولا خلافَ أنّ اللهَ قد حَرَّمَ على أُمَّةِ محمدٍ الصُّوَرَ والتماثيلَ المُشابِهةَ لخَلْقِ اللهِ، مِن ذواتِ الأرواحِ مِن حيوانٍ أو إنسانٍ، سواءٌ رُسِمَتْ باليدِ، أو نُحِتَتْ بحَجَرٍ أو خشبٍ أو مَعْدِنٍ، أو صُنِعَتْ بآلةٍ إلكترونيَّةٍ، ففي «الصحيحَيْنِ»، عن النبيِّ ﷺ، أنّه قال: (قالَ اللهُ عزّ وجل: ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟! فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أوْ شَعِيرَةً) [[أخرجه البخاري (٧٥٥٩) (٩/١٦١)، ومسلم (٢١١١) (٣/١٦٧١).]].
وفي حديثِ أبي جُحَيْفَةَ في «الصحيحِ»، قال ﷺ: (لعَنَ اللهُ المُصوِّرينَ) [[أخرجه البخاري (٥٣٤٧) (٧/٦١).]].
وفي «الصحيحَيْنِ»، مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ، قال: سمِعتُ النبيَّ ﷺ يقولُ: (إنَّ أشَدَّ النّاسِ عَذابًا عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيامَةِ: المُصَوِّرُونَ) [[أخرجه البخاري (٥٩٥٠) (٧/١٦٧)، ومسلم (٢١٠٩) (٣/١٦٧٠).]].
وقد أمَرَ النبيُّ ﷺ بطَمْسِ التماثيلِ عندَ القدرةِ عليها، كما في وصيَّتِه لعليٍّ في «الصحيحِ»[[أخرجه مسلم (٩٦٩) (٢/٦٦٦).]].
ولا حرَجَ مِن دخولِ أماكنِ البيعِ والأسواقِ التي فيها تصاويرُ يُعجَزُ عن نَزْعِها، ويكونُ ذلك بمقدارِ المرورِ والحاجةِ مع الكراهةِ القَلْبيَّةِ، ففي «المصنَّفِ» لابن أبي شيبة، مِن حديثِ المُعْتَمِرِ، عن أبيهِ، قال: «سمِعتُ الحسنَ يقولُ: أوَلم يكُنْ أصحابُ محمدٍ يدخُلُونَ الخاناتِ فيها التصاويرُ؟!»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٢٠٤) (٥/١٩٩).]].
ورُوِيَ هذا عن مسروقٍ والنخَعيِّ.
وكانوا يَكرَهُونَ مِن الصُّوَرِ المنصوبَ، وأمّا ما كان في الأرضِ والسقفِ، فلم يُشَدِّدْ فيه بعضُ فقهاءِ الكوفةِ كإبراهيمَ، فقد قال: «لا بأسَ بالتمثالِ في حِلْيَةِ السيفِ، ولا بأسَ بها في سماءِ البيتِ، إنّما يُكرَهُ منها ما يُنصَبُ نَصْبًا، يعني: الصورةَ»[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٢٠٧) (٥/١٩٩).]].
وكلُّ مُعظَّمٍ محترَمٍ مِن الصُّوَرِ ولو كان في السقفِ، فهو حرامٌ.
وما كان مُمْتَهَنًا في الأرضِ والبُسُطِ والأحذيةِ، وما كان مِن الأُزُرِ والسراويلِ والخِفافِ والجواربِ والمَجالِسِ والمراتبِ والأرائكِ: فجائزٌ، ورُوِيَ عن أكثرِ السلفِ عدمُ كراهةِ ذلك، صحَّ ذلك عن ابنِ سِيرِينَ، وسعيدِ بنِ جُبيرٍ، وعِكْرِمةَ، وعطاءِ بنِ أبي رباحٍ، وسالمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، وعروةَ بنِ الزُّبيرِ.
فكان عروةُ بنُ الزبيرِ، وسالمُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، وابنُ سيرينَ: يتَّكِئُونَ على المرافقِ وعليها تصاويرُ.
وهل يُؤخَذُ مِن تشريعِ اللهِ لعيسى عليه السلام مِن صنعِ الطِّينِ في صورةِ الطيرِ لِيستحيلَ خَلْقًا بأمرِ اللهِ ـ جوازُ الرسمِ والتماثيلِ التي تستحيلُ مِن ساعتِها، فلا تبقى ولا تدومُ ولا تُنصَبُ؟ ـ الأظهرُ: جوازُ ذلك للمصلحةِ بتلك القيودِ، كصُنْعِ التمثالِ على صورةٍ مِن العجينِ أو الطينِ أو الصَّمْغِ أو المطاطِ للتعليمِ ثمَّ إزالتِه، كما رُخِّصَ ذلك في لعبِ الأولادِ إذا كانت لا تُنصَبُ، بل يَمْتهنُها الصبيُّ، ولا يَحترمُها في العادةِ.
والمخلوقاتُ المُصوَّرةُ على أربعةِ أنواعٍ:
الأولُ: ما له رُوحٌ ونَفْسٌ، وهذا كالإنسانِ، فيَحْرُمُ وضعُ تمثالٍ أو رسمُ صورةٍ له، سواءٌ كانت بالنحتِ أو برسمِ القلمِ ونحوِه.
الثـاني: ما له نفسٌ بلا روحٍ، وذلك كالمخلوقاتِ الحيَّةِ كالزواحفِ والحشراتِ والرخويّاتِ والقشريّاتِ والثدييّاتِ، واختُلِفَ في البهائمِ كالإبلِ والبقرِ والغنمِ والحَمِيرِ والخيلِ: هل لها أرواحٌ أو أنفُسٌ فقط؟ على قولَيْنِ مشهورَيْنِ.
وهذا النوعُ لا يجوزُ أيضًا رسمُه، ولا نحتُ تمثالٍ له، لعمومِ الأدلةِ، إلا أنّه أخَفُّ مِن النوعِ الأولِ، لأنّ الصورةَ يعظُمُ إثمُها بعظمةِ مضاهاةِ إعجازِ الخالقِ فيها، وإعجازُ الخَلْقِ في الإنسانِ أعظمُ مِن الحيوانِ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: ٤]، والمضاهاةُ فيه أعظمُ وأشدُّ.
الثالثُ: ما له نموٌّ ولا نفْسَ له ولا روحَ، وذلك كالشجرِ وأشباهِه، كان بريًّا أو بحريًّا.
فهذا جائزٌ بلا خلافٍ، إلا ما رواهُ ليثٌ، عن مجاهدٍ، في كراهةِ رسمِ الشجرِ المُثْمِرِ[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٢٩٣) (٥/٢٠٨).]].
وفيه نظرٌ.
الرابعُ: الجماداتُ، كالجبالِ والرمالِ والثلوجِ، ويدخُلُ في هذا ما حرَكَتُهُ بغيرِهِ لا بنفسِه، كالسحابِ والبِحارِ.
ويجوزُ رسمُ ما لا رُوحَ فيه بنفسِه مِن مخلوقٍ أصلُ رسمِهِ التحريمُ، كالكَفِّ والإصْبَعِ والقَدَمِ، إلا الرأسَ فيَحْرُمُ بلا خلافٍ.
ويجوزُ رسمُ ما لم يخلُقْه اللهُ على صورةٍ كرسمِ ثمرةٍ بعينينِ وفمٍ كالتفاحِ والموزِ والتمرِ، لأنّه ليس على صورةِ خَلقِ اللهِ، واللهُ يقولُ: (ومَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي؟!)، ولو تُرِكَ احتياطًا، فهو الأَولى.
ورسمُ البدنِ بلا رأسٍ أو برأسٍ مطموسٍ جائزٌ، لأنّه شبيهٌ بالظلِّ، وفي حديثِ أيوبَ عن عِكْرِمةَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «الصورةُ الرأسُ، فإذا قُطِعَ الرأسُ، فليس بصورةٍ»، رواهُ ابنُ أبي شَيْبةَ وغيرُه[[أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٢٥٢٩٩) (٥/٢٠٨).]].
ورواهُ الإسماعيليُّ من وجهٍ عن أيوبَ به مرفوعًا.
وكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يقولُ: «الصورةُ الرأسُ».
وكان إذا أرادَ طمْسَ الصورةِ، حَكَّ رأسَها، فإذا قُطِعَ الرأسُ، فليس هو صورةً، وهذا ما أوْصى به جبريلُ النبيَّ ﷺ، كما في «المسندِ» و«السننِ»، مِن حديثِ مجاهدٍ، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قال: «استأذَنَ جبريلُ عليه السلام على النبيِّ ﷺ، فقال له: (ادْخُلْ)، فقال: كيف أدخُلُ وفي البيتِ سِتْرٌ فيه تماثيلُ خيلٍ ورجالٍ؟! فإمّا أنْ تُقطَعَ رؤوسُها، وإمّا أنْ تُجعَلَ بُسُطًا فتُوطَأَ؟»[[أخرجه أحمد (٨٠٤٥) (٢/٣٠٥)، وأبو داود (٤١٥٨) (٤/٧٤)، والترمذي (٢٨٠٦) (٥/١١٥)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٩٧٠٨) (٨/٤٦١)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٦٩٤٦) (٤/٢٨٧).]].
والأَكْمَهُ الذي يُولَدُ أعمى، قالَهُ الضَّحّاكُ عن ابنِ عباسٍ، وهذا أبلغُ في الإعجازِ والتحدِّي[[«تفسير الطبري» (٥/٤٢٢).]].
ولابنِ عباسٍ قولٌ آخَرُ: أنّه الأعمى بكلِّ حالٍ، وُلِدَ كذلك، أو عَمِيَ بعدَ ذلك، وبه قال السُّدِّيُّ وقتادةُ والحسنُ[[«تفسير الطبري» (٥/٤٢٢).]].
وقيل: هو الذي يُصابُ ببصرِه فيَرى في النهارِ، ولا يَرى في الليلِ، قالَه مجاهدٌ[[«تفسير الطبري» (٥/٤٢١).]].
وقال عكرمةُ: هو الأَعْمَشُ[[«تفسير الطبري» (٥/٤٢٣).]].
وأمّا إحياءُ المَوْتى، فبدُعائِهِ اللهَ لهم، لا بقدرةٍ خاصةٍ وضَعَها اللهُ فيه.
والإنباءُ بالمُدَّخَراتِ، لِيُثبِتَ صِدقَهُ وتأييدَهُ مِن اللهِ، إذْ لا يَعلَمُ غيبَ الخَلقِ إلا الخالقُ، وعِلمُ عيسى مِن اللهِ بلا سببٍ للعِلمِ سابقٍ، ولا واسطةٍ مِن الإنسِ والجنِّ محسوسةٍ، وهذا الفرقُ بينَ المُنجِّمِينَ والكهنةِ وبينَ الأنبياءِ.
فقيل: إنّ عيسى لمّا كان غلامًا يُخبِرُ الصِّبْيانَ ما يأكُلُونَهُ وما يَدَّخِرُونَهُ هم وآباؤُهم في بُيوتِهم، وربَّما لم يَعلَموا هم، فيَذهبونَ فيرَوْنَ صِدقَ ذلك.
حكمُ ادِّخارِ المالِ:
وفي قوله تعالى: ﴿وأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾: دليلٌ على جوازِ الادِّخارِ في البيوتِ ممّا يَفِيضُ عن الحاجةِ لشهرٍ أو شهورٍ أو أعوامٍ، فعيسى أخبَرَهم ولم يَنْهَهُم، وقد كان النبيُّ ﷺ يدَّخِرُ قُوتَ سَنَةٍ، كما في «صحيحِ مسلمٍ»[[أخرجه مسلم (٢٠٨٤).]]، مِن حديثِ جابرٍ، وعيسى لم يَنهَهُم عن الادِّخارِ، وإنّما أخبَرَهم به.
وفي «الصحيحينِ»، عن عمرَ رضي الله عنه، أنّ النبيَّ ﷺ كان يَبِيعُ نخلَ بَني النضيرِ، ويَحبِسُ لأهلِه قُوتَ سَنَتِهم[[أخرجه البخاري (٥٣٥٧) (٧/٦٣)، ومسلم (١٧٥٧) (٣/١٣٧٩).]].
وكان الصحابةُ يَدَّخِرونَ قُوتَ سَنَتِهم مِن التمرِ، لأنّه أطولُ الثمرِ بقاءً إلى الحَوْلِ، ولذا أرْخَصَ لهم رسولُ اللهِ ﷺ في العَرايا، أنْ يَشْتَرُوا الرُّطَبَ بما فضَلَ مِن قُوتِ سنتِهم مِن التمرِ، كما رواهُ محمودُ بنُ لبيدٍ رضي الله عنه[[«الأم» (٣/٥٤).]].
ولا خلافَ في جوازِ الادِّخارِ، ما لم يُضِرَّ بالناسِ، فيدَّخِرُ في بيتِه طعامَ سَنَةٍ، ولا يجدُ الناسُ طعامَ يومِهم أو شهرِهم.
وأمّا ما رواهُ الترمذيُّ، عن أنسٍ، أنّ النبيَّ ﷺ كان لا يدَّخِرُ شيئًا لغدٍ[[أخرجه الترمذي (٢٣٦٢) (٤/٥٨٠).]].
فرُوِيَ مِن حديثِ جعفرِ بنِ محمدٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، ورواهُ مرسلًا مِن غيرِ ذِكرِ أنسٍ، وهو الصوابُ.
وجاء بنحوِه مِن حديثِ هلالِ بنِ سُوَيْدٍ عن أنسٍ، وهو ضعيفٌ.
وفيه: أنّ كشْفَ تلك المدَّخَراتِ ليس مما يُعابُ أو يُستَرُ، فمَن أخبَرَ به وتحدَّثَ عنه، لم يَكشِفْ سترًا إذا قصَدَ مِن ذلك حقًّا، لا حسدًا أو شماتةً وتنقُّصًا وتعييرًا.
ومنه يُؤخَذُ جوازُ إفصاحِ أهلِ المالِ عن مُدَّخَراتِهم مِن مالٍ وطعامٍ وعقارٍ وغيرِه، ووجوبُ الإفصاحِ عندَ الحاجةِ، وذلك فيمَن يشتبهُ فيه السرقةُ أو الرِّشْوةُ، أو في زمنِ ضعفِ وكثرةِ الولاياتِ وتعدُّدِها وكثرةِ الوُلاةِ عليها ممَّن يُخشى على بيتِ المالِ منهم، فيُفصِحونَ عن أموالِهم، حتى تُحفَظَ أموالُ المسلِمينَ، وأنّ كشْفَها والإخبارَ عنها ليس ممّا يُعابُ أو يُعزَّرُ مَن فعَلَه إلا إنْ كان على سبيلِ التشهيرِ والازدراءِ والتنقُّصِ، وذلك لأنّ المالَ الحلالَ لا يُعابُ ولا يُستحْيا مِن كسبِه، وإنّما يُخشى ويُستحيا مِن الكسبِ الحرامِ.
{"ayah":"وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ أَنِّی قَدۡ جِئۡتُكُم بِـَٔایَةࣲ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّیۤ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّینِ كَهَیۡـَٔةِ ٱلطَّیۡرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَكُونُ طَیۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق