الباحث القرآني
﴿قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إلّا نَبَّأتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَكُما ذَلِكُما مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي إنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وهم بِالآخِرَةِ هم كافِرُونَ﴾ ﴿واتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إبْراهِيمَ وإسْحاقَ ويَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا وعَلى النّاسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ﴾
(p-٣٠٩)قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لَمّا اسْتَعْداهُ ووَصَفاهُ بِالإحْسانِ افْتَرَضَ ذَلِكَ، فَوَصَفَ يُوسُفُ نَفْسَهُ بِما هو فَوْقَ عِلْمِ العُلَماءِ، وهو الإخْبارُ بِالغَيْبِ، وأنَّهُ يُنْبِئُهُما بِما يُحْمَلُ إلَيْهِما مِنَ الطَّعامِ في السِّجْنِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُما، ويَصِفُهُ لَهُما ويَقُولَ: اليَوْمَ يَأْتِيكُما طَعامٌ مِن صِفَتِهِ كَيْتَ وكَيْتَ، فَيَجِدانِهِ كَما أخْبَرَهُما، ويَجْعَلُ ذَلِكَ تَخْلِيصًا إلى أنْ يَذْكُرَ لَهُما التَّوْحِيدَ، ويَعْرِضَ عَلَيْهِما الإيمانَ ويُزَيِّنَهُ لَهُما، ويُقَبِّحَ لَهُما الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وهَذِهِ طَرِيقَةٌ عَلى كُلِّ ذِي عِلْمٍ أنْ يَسْلُكَها مَعَ الجُهّالِ والفَسَقَةِ إذا اسْتَفْتاهُ واحِدٌ مِنهم أنْ يُقَدِّمَ الإرْشادَ والمَوْعِظَةَ والنَّصِيحَةَ أوَّلًا، ويَدْعُوهُ إلى ما هو أوْلى بِهِ وأوْجَبَهُ عَلَيْهِ مِمّا اسْتَفْتى فِيهِ، ثُمَّ يُفْتِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وفِيهِ أنَّ العالِمَ إذا جُهِلَتْ مَنزِلَتُهُ في العِلْمِ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِما هو بِصَدَدِهِ، وغَرَضُهُ أنْ يُقْتَبَسَ مِنهُ، ويُنْتَفَعَ بِهِ في الدِّينِ، لَمْ يَكُنْ مِن بابِ التَّزْكِيَةِ بِتَأْوِيلِهِ بِبَيانِ ماهِيَّتِهِ وكَيْفِيَّتِهِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ تَفْسِيرَ المُشْكَلِ والإعْرابَ عَنْ مُعايَنَةٍ، انْتَهى. وهَذا الَّذِي قالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ يَدُلُّ عَلى أنَّ إتْيانَ الطَّعامِ يَكُونُ في اليَقَظَةِ، وهو قَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أرادَ يُوسُفُ لا يَأْتِيكُما في اليَقَظَةِ تُرْزَقانِهِ إلّا نَبَّأْتُكُما مِنهُ بِعِلْمٍ، وبِما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُكُما قَبْلَ أنْ يَأْتِيَكُما، فَعَلى هَذا أرادَ أنْ يُعْلِمَهم أنَّهُ يَعْلَمُ مُغَيَّباتٍ لا تَتَعَلَّقُ بِالرُّؤْيا، وهَذا عَلى ما رُوِيَ أنَّهُ نُبِّئَ في السِّجْنِ، وقالَ السُّدِّيُّ وابْنُ إسْحاقَ، لَمّا عَلِمَ مِن تَعْبِيرِ مَنامِهِ رَأى الخُبْزَ أنَّها تُؤْذَنُ بِقَتْلِهِ، أخَذَ في غَيْرِ ذَلِكَ الحَدِيثِ تَنْسِيَةً لَهُما أمْرَ المَنامِ، وطَماعِيَةً في إيمانِهِما، لِيَأْخُذَ المَقْتُولُ بِحَظِّهِ مِنَ الإيمانِ، وتَسْلَمَ لَهُ آخِرَتُهُ فَقالَ لَهُما مُعْلِنًا بِعَظِيمِ عِلْمِهِ لِلتَّعْبِيرِ: إنَّهُ لا يَجِيئُكُما طَعامٌ في يَوْمِكُما تَرَيانِ أنَّكُما رُزِقْتُماهُ إلّا أعْلَمْتُكُما بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ الطَّعامِ أيْ: بِما يَئُولُ إلَيْهِ أمْرُهُ في اليَقَظَةِ، قَبْلَ أنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ الَّذِي أُعْلِمُكُما بِهِ، فَرُوِيَ أنَّهُما قالا لَهُ: ومِن أيْنَ لَكَ ما تَدَّعِيهِ مِنَ العِلْمِ وأنْتَ لَسْتَ بِكاهِنٍ ولا مُنَجِّمٍ ؟ فَقالَ لَهُما: ذَلِكَ مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿لا يَأْتِيكُما﴾ إلى آخِرِهِ، أنَّهُ في اليَقَظَةِ، وأنَّ قَوْلَهُ: مِمّا عَلَّمَنِي رَبِّي دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ إذْ ذاكَ كانَ نَبِيًّا يُوحى إلَيْهِ، والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿إنِّي تَرَكْتُ﴾ اسْتِئْنافُ إخْبارٍ بِما هو عَلَيْهِ إذْ كانا قَدْ أحَبّاهُ وكَلِفا بِحُبِّهِ وبِحُسْنِ أخْلاقِهِ، لِيُعْلِمَهُما ما هو عَلَيْهِ مِن مُخالَفَةِ قَوْمِهِما فَيَتْبَعاهُ، وفي الحَدِيثِ: «لِأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِن حُمُرِ النِّعَمِ» وعَبَّرَ بِتَرَكْتُ مَعَ أنَّهُ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِتِلْكَ المِلَّةِ قَطُّ، إجْراءٌ لِلتَّرْكِ مَجْرى التَّجَنُّبِ مِن أوَّلِ حالَةٍ، واسْتِجْلابًا لَهُما لِأنْ يَتْرُكا تِلْكَ المِلَّةِ الَّتِي كانا فِيها، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إنِّي تَرَكْتُ تَعْلِيلًا لِما قَبْلَهُ؛ أيْ: عَلَّمَنِي ذَلِكَ، وأُوحِيَ إلَيَّ؛ لِأنِّي رَفَضْتُ مِلَّةَ أُولَئِكَ، واتَّبَعْتُ مِلَّةَ الأنْبِياءِ، وهي المِلَّةُ الحَنِيفِيَّةُ، وهَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ هم أهْلُ مِصْرَ، ومَن كانَ الفَتَيانُ عَلى دِينِهِمْ، ونَبَّهَ عَلى أصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ؛ وهُما: الإيمانُ بِاللَّهِ، والإيمانُ بِدارِ الجَزاءِ، وكَرَّرَهم عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ وحُسْنِ ذَلِكَ الفَصْلِ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وتَكْرِيرُهم لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم خُصُوصًا كافِرُونَ بِالآخِرَةِ، وأنَّ غَيْرَهم مُؤْمِنُونَ بِها، ولِتَوْكِيدِ كُفْرِهِمْ بِالجَزاءِ تَنْبِيهًا عَلى ما هم عَلَيْهِ مِنَ الظُّلْمِ والكَبائِرِ الَّتِي لا يَرْتَكِبُها إلّا مَن هو كافِرٌ بِدارِ الجَزاءِ، انْتَهى. ولَيْسَتْ عِنْدَنا (هم) تَدُلُّ عَلى الخُصُوصِ، وباقِي ألْفاظِهِ ألْفاظُ المُعْتَزِلَةِ، ولَمّا ذَكَرَ أنَّهُ رَفَضَ مِلَّةَ أُولَئِكَ ذَكَرَ اتِّباعَهُ مِلَّةَ آبائِهِ لِيُرِيَهُما أنَّهُ مِن بَيْتِ النُّبُوَّةِ، بَعْدَ أنْ عَرَّفَهُما أنَّهُ نَبِيٌّ، بِما ذَكَرَ مِن أخْبارِهِ بِالغُيُوبِ لِتَقْوى رَغْبَتُهُما في الِاسْتِماعِ إلَيْهِ واتِّباعِ قَوْلِهِ، وقَرَأ الأشْهَبُ العُقَيْلِيُّ والكُوفِيُّونَ: (آبائِي) بِإسْكانِ الياءِ، وهي مَرْوِيَّةٌ عَنْ أبِي عَمْرٍو، ما كانَ لَنا ما صَحَّ (p-٣١٠)ولا اسْتَقامَ لَنا مَعْشَرُ الأنْبِياءِ أنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ، عُمُومٌ في المَلَكِ والجِنِّيِّ والإنْسِيِّ، فَكَيْفَ بِالصَّنَمِ الَّذِي لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ ؟ فَشَيْءٌ يُرادُ بِهِ المُشْرَكُ، ويَجُوزُ أنْ يُرادَ بِهِ المَصْدَرُ أيْ: مِن شَيْءٍ مِنَ الإشْراكِ، فَيَعُمُّ الإشْراكُ، ويَلْزَمُ عُمُومُ مُتَعَلِّقاتِهِ، و(مِن) زائِدَةٌ؛ لِأنَّها في حَيِّزِ النَّفْيِ؛ إذِ المَعْنى: ما نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، والإشارَةُ بِذَلِكَ إلى شِرْكِهِمْ ومِلَّتِهِمْ؛ أيْ: ذَلِكَ الدِّينُ والشَّرْعُ الحَنِيفِيُّ الَّذِي انْتَفى فِيهِ الإشْراكُ بِاللَّهِ، و﴿مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا﴾ أيْ: عَلى الرُّسُلِ، إذْ خُصُّوا بِأنْ كانُوا وسائِطَ بَيْنَ اللَّهِ وعِبادِهِ، و(عَلى النّاسِ) أيْ: عَلى المُرْسَلِ إلَيْهِمْ؛ إذْ يُساقُونَ بِهِ إلى النَّجاةِ حَيْثُ أرْشَدُوهم إلَيْهِ، وقَوْلُهُ: ﴿لا يَشْكُرُونَ﴾ أيْ: لا يَشْكُرُونَ فَضْلَ اللَّهِ فَيُشْرِكُونَ ولا يَنْتَبِهُونَ. وقِيلَ: ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا؛ لِأنَّهُ نَصَبَ لَنا الأدِلَّةَ الَّتِي نَنْظُرُ فِيها ونَسْتَدِلُّ بِها، وقَدْ نَصَبَ مِثْلَ ذَلِكَ لِسائِرِ النّاسِ مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ، ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَنْظُرُونَ ولا يَشْكُرُونَ اتِّباعًا لِأهْوائِهِمْ، فَيَبْقُونَ كافِرِينَ غَيْرَ شاكِرِينَ.
{"ayahs_start":37,"ayahs":["قَالَ لَا یَأۡتِیكُمَا طَعَامࣱ تُرۡزَقَانِهِۦۤ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِیلِهِۦ قَبۡلَ أَن یَأۡتِیَكُمَاۚ ذَ ٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ إِنِّی تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ","وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَاۤءِیۤ إِبۡرَ ٰهِیمَ وَإِسۡحَـٰقَ وَیَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَاۤ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَیۡءࣲۚ ذَ ٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَیۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَشۡكُرُونَ"],"ayah":"قَالَ لَا یَأۡتِیكُمَا طَعَامࣱ تُرۡزَقَانِهِۦۤ إِلَّا نَبَّأۡتُكُمَا بِتَأۡوِیلِهِۦ قَبۡلَ أَن یَأۡتِیَكُمَاۚ ذَ ٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِی رَبِّیۤۚ إِنِّی تَرَكۡتُ مِلَّةَ قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَهُم بِٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ كَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق