الباحث القرآني
﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ كالتَّعْلِيلِ لِما أفادَهُ الكَلامُ السّابِقُ مِنَ التَّشْرِيفِ العَظِيمِ الَّذِي لَمْ يُعْهَدْ لَهُ نَظِيرٌ، والتَّعْبِيرُ بِالجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ لِلدَّلالَةِ عَلى الدَّوامِ والِاسْتِمْرارِ، وذُكِرَ أنَّ الجُمْلَةَ تُفِيدُ الدَّوامَ نَظَرًا إلى صَدْرِها مِن حَيْثُ إنَّها جُمْلَةٌ اِسْمِيَّةٌ وتُفِيدُ التَّجَدُّدَ نَظَرًا إلى عَجْزِها مِن حَيْثُ إنَّها جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ فَيَكُونُ مُفادُها اِسْتِمْرارَ الصَّلاةِ وتَجَدُّدَها وقْتًا فَوَقْتًا، وتَأْكِيدُها بِأنَّ لِلِاعْتِناءِ بِشَأْنِ الخَبَرِ، وقِيلَ لِوُقُوعِها في جَوابِ سُؤالٍ مُقَدَّرٍ هو ما سَبَبُ هَذا التَّشْرِيفِ العَظِيمِ؟ وعُبِّرَ بِالنَّبِيِّ دُونَ اِسْمِهِ ﷺ عَلى خِلافِ الغالِبِ في حِكايَتِهِ تَعالى عَنْ أنْبِيائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ إشْعارًا بِما اُخْتُصَّ بِهِ ﷺ مِن مَزِيدِ الفَخامَةِ والكَرامَةِ وعُلُوِّ القَدْرِ، وأكَّدَ ذَلِكَ الإشْعارُ بِألِ الَّتِي لِلْغَلَبَةِ إشارَةً إلى أنَّهُ ﷺ المَعْرُوفُ (p-76)الحَقِيقُ بِهَذا الوَصْفِ، وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: إنَّ ذاكَ لِلْإشْعارِ بِعِلَّةِ الحُكْمِ، ولَمْ يُعَبَّرْ بِالرَّسُولِ بَدَلَهُ لِيُوافِقَ ما قَبْلَهُ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما كانَ لَكم أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ لِأنَّ الرِّسالَةَ أفْضَلُ مِنَ النُّبُوَّةِ عَلى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ خِلافًا لِلْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلامِ فَتَعْلِيقُ الحَكَمِ بِها لا يُفِيدُ قُوَّةَ اِسْتِحْقاقِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِلصَّلاةِ بِخِلافِ تَعْلِيقِهِ بِما هو دُونَها مَعَ وُجُودِها فِيهِ وهو مَعْنًى دَقِيقٌ لا يُتَسارَعُ إلى الِاعْتِراضِ عَلَيْهِ، وإضافَةُ المَلائِكَةِ لِلِاسْتِغْراقِ.
وقِيلَ: ( مَلائِكَتَهُ ) ولَمْ يَقُلِ (اَلْمَلائِكَةَ) إشارَةً إلى عَظِيمِ قَدْرِهِمْ ومَزِيدِ شَرَفِهِمْ بِإضافَتِهِمْ إلى اللَّهِ تَعالى وذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَعْظِيمِهِ ﷺ بِما يَصِلُ إلَيْهِ مِنهم مِن حَيْثُ إنَّ العَظِيمَ لا يَصْدُرُ مِنهُ إلّا عَظِيمٌ، ثُمَّ فِيهِ التَّنْبِيهُ عَلى كَثْرَتِهِمْ وأنَّ الصَّلاةَ مِن هَذا الجَمْعِ الكَثِيرِ الَّذِي لا يُحِيطُ بِمُنْتَهاهُ غَيْرُ خالِقِهِ واصِلَةٌ إلَيْهِ ﷺ عَلى مَمَرِّ الأيّامَ والدُّهُورِ مَعَ تَجَدُّدِها كُلَّ وقْتٍ وحِينٍ، وهَذا أبْلُغُ تَعْظِيمٍ وأنْهاهُ وأشْمَلُهُ وأكْمَلُهُ وأزْكاهُ.
واخْتَلَفُوا في مَعْنى الصَّلاةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى ومَلائِكَتِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ عَلى نَبِيِّهِ ﷺ عَلى أقْوالٍ فَقِيلَ: هي مِنهُ عَزَّ وجَلَّ ثَناؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلائِكَتِهِ وتَعْظِيمُهُ، ورَواهُ البُخارِيُّ عَنْ أبِي العالِيَةِ وغَيْرُهُ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ وجَرى عَلَيْهِ الحَلِيمِيُّ في (شُعَبِ الإيمانِ)، وتَعْظِيمُهُ تَعالى إيّاهُ في الدُّنْيا بِإعْلاءِ ذِكْرِهِ وإظْهارِ دِينِهِ وإبْقاءِ العَمَلِ بِشَرِيعَتِهِ، وفي الآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ في أُمَّتِهِ وإجْزالِ أجْرِهِ ومَثُوبَتِهِ وإبْداءِ فَضْلِهِ لِلْأوَّلِينَ والآخَرِينَ بِالمَقامِ المَحْمُودِ وتَقْدِيمِهِ عَلى كافَّةِ المُقَرَّبِينَ الشُّهُودِ، وتَفْسِيرُها بِذَلِكَ لا يُنافِي عَطْفَ غَيْرِهِ كالآلِ والأصْحابِ عَلَيْهِ لِأنَّ تَعْظِيمَ كُلِّ أحَدٍ بِحَسَبِ ما يَلِيقُ بِهِ، وهي مِنَ المَلائِكَةِ الدُّعاءُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى ما رَواهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ أبِي العالِيَةِ، وقِيلَ: هي مِنهُ تَعالى رَحْمَتُهُ عَزَّ وجَلَّ، ونَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ وغَيْرِ واحِدٍ مِن أهْلِ العِلْمِ ونُقِلَ عَنْ أبِي العالِيَةِ أيْضًا وعَنِ الضَّحّاكِ وجَرى عَلَيْهِ المُبَرِّدُ وابْنُ الأعْرابِيِّ والإمامُ الماوَرْدِيُّ وقالَ: إنَّ ذَلِكَ أظْهَرُ الوُجُوهِ.
واعْتُرِضَ بِما مَرَّ عِنْدَ الكَلامِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ﴾ [اَلْأحْزابِ: 43] والجَوابُ هو الجَوابُ، وبِأنَّ الصَّحابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهم سَألُوا كَما سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى لَمّا نَزَلَتْ عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلاةِ فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا فَهِمُوا المُغايِرَةَ بَيْنَها وبَيْنَ الرَّحْمَةِ ما سَألُوا عَنْ كَيْفِيَّتِها مَعَ كَوْنِهِمْ عَلِمُوا الدُّعاءَ بِالرَّحْمَةِ في التَّشَهُّدِ.
وأُجِيبَ بِأنَّها رَحْمَةٌ خاصَّةٌ فَسَألُوا عَنِ الكَيْفِيَّةِ لِيُحِيطُوا عِلْمًا بِذَلِكَ الخُصُوصِ، وهي مِنَ المَلائِكَةِ كَما سَمِعْتَ أوَّلًا، ويَلْزَمُ عَلى هَذا وذَلِكَ اِسْتِعْمالُ اللَّفْظِ في مَعْنَيَيْنِ ولا يُجَوِّزُهُ كَثِيرٌ كالحَنَفِيَّةِ، والقائِلُونَ بِأحَدِ القَوْلَيْنِ الَّذِينَ لا يُجَوِّزُونَ الِاسْتِعْمالَ المَذْكُورَ اِخْتَلَفُوا في التَّقَصِّي عَنْ ذَلِكَ في الآيَةِ فَقالَ بَعْضُهُمْ: في الآيَةِ حَذْفٌ والأصْلُ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ فَيَكُونُ قَدْ أُدِّيَ كُلُّ مَعْنًى بِلَفْظٍ، وقالَ آخَرُ: تَعَدُّدُ الفاعِلِ صَيَّرَ الفِعْلَ كالمُتَعَدِّدِ، وقالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَعْنى واحِدًا حَقِيقِيًّا وهو الدُّعاءُ والمَعْنى واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ أنَّهُ تَعالى يَدْعُو ذاتَهُ والمَلائِكَةَ بِإيصالِ الخَيْرِ وذَلِكَ في حَقِّهِ تَعالى بِالرَّحْمَةِ وفي حَقِّ المَلائِكَةِ بِالِاسْتِغْفارِ، وفِيهِ دَغْدَغَةٌ لا تَخْفى، وقالَ جَمْعٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ: يُتَقَصّى عَنْ ذَلِكَ بِعُمُومِ المَجازِ فَيُرادُ مَعْنًى مَجازِيٌّ عامٌّ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ المَعانِي فَرْدًا حَقِيقِيًّا لَهُ وهو الِاعْتِناءُ بِما فِيهِ خَيْرُهُ ﷺ وصَلاحُ أمْرِهِ وإظْهارُ شَرَفِهِ وتَعْظِيمُ شَأْنِهِ أوِ التَّرَحُّمُ والِانْعِطافُ المَعْنَوِيُّ.
وقالَ بَعْضُ الأجِلَّةِ: إنَّ مَعْنى الصَّلاةِ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبارِ حالِ المُصَلِّي والمُصَلّى لَهُ والمُصَلّى عَلَيْهِ، والأوْلى أنَّها مَوْضُوعَةٌ هُنا لِلْقَدْرِ المُشْتَرِكِ وهو الِاعْتِناءُ بِالمُصَلّى عَلَيْهِ أوْ إرادَةُ وُصُولِ الخَيْرِ، وقالَ آخَرُ: الصَّوابُ أنَّ الصَّلاةَ لُغَةً بِمَعْنًى واحِدٍ وهو العَطْفُ ثُمَّ هو بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ تَعالى الرَّحْمَةُ وإلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ الِاسْتِغْفارُ (p-77)وإلى الآدَمِيِّينَ الدُّعاءُ.
وتُعُقِّبَ بِأنَّ العَطْفَ بِمَعْناهُ الحَقِيقِيِّ مُسْتَحِيلٌ عَلَيْهِ تَعالى فَيَلْزَمُ مِنَ اِعْتِبارِهِ مُسْنَدًا إلَيْهِ تَعالى وإلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ما يَلْزَمُ، وأُجِيبَ بِأنّا لا نُسَلِّمُ الِاسْتِحالَةَ إلّا إذا كانَ العَطْفُ في الغائِبِ كالعَطْفِ في الشّاهِدِ لا يَتَحَقَّقُ إلّا بِقَلْبٍ ونَحْوِهِ مِن صِفاتٍ الأجْسامِ المُسْتَحِيلَةِ عَلَيْهِ سُبْحانَهُ، ونَحْنُ مِن وراءِ المَنعِ فَكَثِيرٌ مِمّا في الشّاهِدِ شَيْءٌ وهو في اللَّهِ تَعالى وراءَ ذَلِكَ ويُسْنَدُ إلَيْهِ سُبْحانَهُ عَلى الحَقِيقَةِ كالسَّمْعِ والبَصَرِ وكَذا الإرادَةُ.
وقَدْ ذَهَبَ السَّلَفُ إلى عَدَمِ تَأْوِيلِ الرَّحْمَةِ فِيهِ تَعالى بِأحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ المَشْهُورَيْنِ مَعَ أنَّها في الشّاهِدِ لا تَتَحَقَّقُ إلّا بِما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعالى ولَوْ أُوجِبَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ لَمْ يَبْقَ بِأيْدِينا غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَيْهِ إلّا قَلِيلٌ، وقَدْ تَقَدَّمَ ما يَتَعَلَّقُ بِهَذا المَطْلَبِ في غَيْرِ مَوْضِعٍ مِن هَذا الكِتابِ، وقَدْ يُخْتارُ أنَّ الصَّلاةَ هُنا تَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ ﷺ يُقارِنُهُ عَطْفٌ لائِقٌ بِهِ تَعالى وبِمَلائِكَتِهِ، وإذا اِنْسَحَبَتْ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وعَلى أحَدٍ مِنَ المُؤْمِنِينَ تَعَلَّقَتْ بِكُلٍّ حَسْبَما يَلِيقُ بِهِ، وجَمْعُ اللَّهِ سُبْحانَهُ والمَلائِكَةِ في ضَمِيرٍ واحِدٍ لا يُنافِي «قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِمَن قالَ: مَن يُطِعِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ ومَن يَعْصِهِما فَقَدْ غَوى «بِئْسَ خَطِيبُ القَوْمِ أنْتَ قُلْ ومَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ»» لِأنَّ ذَلِكَ مِنهُ تَعالى مَحْضُ تَشْرِيفٍ لِلْمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ لا يُتَوَهَّمُ مِنهُ نَقْصٌ ولِذا قِيلَ إذا صَدَرَ مِثْلُهُ عَنْ مَعْصُومٍ قِيلَ كَما في قَوْلِهِ ﷺ: ««لا يُؤْمَنُ أحَدُكم حَتّى يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمّا سِواهُما»».
وقالَ بَعْضُهُمْ: لا بَأْسَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا، وذَمَّ الخَطِيبَ لِأنَّهُ وقَفَ عَلى (يَعْصِهِما) وسَكَتَ سَكْتَةً واسْتُدِلَّ بِخَبَرٍ لِأبِي داوُدَ، وقِيلَ يَقْبُحُ إذا كانَ في جُمْلَتَيْنِ كَما في كَلامِ الخَطِيبِ ولا يَقْبُحُ إذا كانَ في واحِدَةٍ كَما في الآيَةِ وكَلامِ الحَبِيبِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وفِيهِ بَحْثٌ.
وقَرَأ اِبْنُ عَبّاسٍ وعَبْدُ الوارِثِ عَنْ أبِي عَمْرٍو «ومَلائِكَتُهُ» بِالرَّفْعِ فَعِنْدَ الكُوفِيِّينَ غَيْرِ الفَرّاءِ هو عَطْفٌ عَلى مَحَلِّ إنَّ واسْمِها، والفَرّاءُ يَشْتَرِطُ في العَطْفِ عَلى ذَلِكَ خَفاءَ إعْرابِ اِسْمِ إنَّ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والصّابِئُونَ﴾ [اَلْمائِدَةِ: 69] وكَما في قَوْلِ الشّاعِرِ:
؎ومَن يَكُ أمْسى في المَدِينَةِ رَحْلُهُ فَإنِّي وقَيّارٌ بِها لَغَرِيبُ
وهَلْ خَفاءُ الإعْرابِ شامِلٌ لِلِاسْمِ المَقْصُورِ والمُضافِ لِلْياءِ أوْ خاصٌّ بِالمَبْنِيِّ فِيهِ خِلافٌ، وعِنْدَ البَصْرِيِّينَ والفَرّاءِ هو مُبْتَدَأٌ وجُمْلَةُ ﴿يُصَلُّونَ﴾ خَبَرُهُ وخَبَرُ إنَّ مَحْذُوفٌ ثِقَةً بِدَلالَةِ ما بَعْدُ عَلَيْهِ أيْ إنَّ اللَّهَ يُصَلِّي ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ.
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ أيْ عَظِّمُوا شَأْنَهُ عاطِفِينَ عَلَيْهِ فَإنَّكم أوْلى بِذَلِكَ، وظاهِرُ سَوْقِ الآيَةِ أنَّهُ لِإيجابِ اِقْتِدائِنا بِهِ تَعالى فَيُناسِبُ اِتِّحادَ المَعْنى مَعَ اِتِّحادِ اللَّفْظِ، وقِراءَةُ اِبْنِ مَسْعُودٍ (صَلُّوا عَلَيْهِ كَما صَلّى عَلَيْهِ) وكَذا قِراءَةُ الحَسَنِ فَصَلُّوا عَلَيْهِ أظْهَرُ فِيما ذُكِرَ فَيَبْعُدُ تَفْسِيرُ صَلُّوا عَلَيْهِ بِ قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى النَّبِيِّ أوْ نَحْوِهِ.
ومَن فَسَّرَهُ بِذَلِكَ أرادَ أنَّ المُرادَ بِالتَّعْظِيمِ المَأْمُورِ بِهِ ما يَكُونُ بِهَذا اللَّفْظِ ونَحْوِهِ مِمّا يَدُلُّ عَلى طَلَبِ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لِقُصُورِ وسِعَ المُؤْمِنِينَ عَنْ أداءِ حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وما جاءَ في الأخْبارِ إرْشادٌ إلى كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ وصِفَتِهِ لا أنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلَفْظِ صَلُّوا، وجاءَ ذَلِكَ عَلى عِدَّةِ أوْجُهٍ والجَمْعُ ظاهِرٌ.
أخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والإمامُ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ واَلتِّرْمِذِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ أمّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَلِمْناهُ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ قالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلى آلِ إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ عَلى آلِ إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». (p-78)
وأخْرَجَ الإمامُ مالِكٌ والإمامُ أحْمَدُ والبُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأبُو داوُدَ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وغَيْرُهم عَنْ أبِي حُمَيْدٍ السّاعِدِيِّ أنَّهم قالُوا: «يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَما صَلَّيْتَ عَلى آلِ إبْراهِيمَ وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَما بارَكْتَ عَلى آلِ إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»».
وأخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ والبُخارِيُّ والنَّسائِيُّ وابْنُ ماجَهْ وغَيْرُهم عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ «قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ هَذا السَّلامُ عَلَيْكَ قَدْ عَلِمْنا فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ كَما صَلَّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ»» .
وأخْرَجَ النَّسائِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، «أنَّهم سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ، قالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ في العالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ والسَّلامُ كَما قَدْ عَلِمْتُمْ»».
وأخْرَجَ الإمامُ أحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ اِبْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: «قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ اِجْعَلْ صَلَواتِكَ ورَحْمَتَكَ وبَرَكاتِكَ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما جَعَلْتَها عَلى إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»».
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِمّا مُلِئَتْ مِنهُ كُتُبُ الحَدِيثِ إلّا أنَّ في بَعْضِ الرِّواياتِ المَذْكُورَةِ فِيها مَقالًا، والظّاهِرُ مِنَ السُّؤالِ أنَّهُ سُؤالٌ عَنِ الصِّفَةِ كَما أشَرْنا إلَيْهِ قَبْلُ وهو الَّذِي رَجَّحَهُ الباجِيُّ وغَيْرُهُ وجَزَمَ بِهِ القُرْطُبِيُّ وقِيلَ: إنَّهُ سُؤالٌ عَنْ مَعْنى الصَّلاةِ وبِأيِّ لَفْظٍ تُؤَدّى والحامِلُ لَهم عَلى السُّؤالِ عَلى هَذا أنَّ السَّلامَ لَمّا ورَدَ في التَّشَهُّدِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَهِمُوا أنَّ الصَّلاةَ أيْضًا تَقَعُ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ ولَمْ يَفِرُّوا إلى القِياسِ لِتَيَسُّرِ الوُقُوفِ عَلى النَّصِّ سِيَّما والأذْكارُ يُراعى فِيها اللَّفْظُ ما أمْكَنَ فَوَقَعَ الأمْرُ كَما فَهِمُوهُ فَإنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كالسَّلامِ بَلْ عَلَّمَهم صِفَةً أُخْرى كَذا قِيلَ، ويُقالُ عَلى الأوَّلِ: إنَّهم لَمّا سَمِعُوا الأمْرَ بِالصَّلاةِ بَعْدَ سَماعِ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ومَلائِكَتَهُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ ﷺ وفَهِمُوا أنَّ الصَّلاةَ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ ومِن مَلائِكَتِهِ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - نَوْعٌ مِن تَعْظِيمٍ لائِقٍ بِشَأْنِ ذَلِكَ النَّبِيِّ الكَرِيمِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى أفْضَلُ الصَّلاةِ وأكْمَلُ التَّسْلِيمِ لَمْ يَدْرُوا ما اللّائِقُ مِنهم مَن كَيْفِيّاتِ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الجَنابِ وسَيِّدِ ذَوِي الألْبابِ ﷺ صَلاةً وسَلامًا يَسْتَغْرِقانِ الحِسابَ فَسَألُوا عَنْ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ التَّعْظِيمِ فَأرْشَدَهم عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى ما عُلِمَ أنَّهُ أوْلى أنْواعِهِ وهو بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، فَقالَ ﷺ: ««قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ»». إلى آخِرِ ما في بَعْضِ الرِّواياتِ الصَّحِيحَةِ، وفِيهِ إيماءٌ إلى أنَّكم عاجِزُونَ عَنِ التَّعْظِيمِ اللّائِقِ بِي فاطْلُبُوهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لِي.
ومِن هُنا يُعْلَمُ أنَّ الآتِيَ بِما أمَرَ بِهِ مِن طَلَبِ الصَّلاةِ لَهُ ﷺ عَزَّ وجَلَّ آتٍ بِأعْظَمِ أنْواعِ التَّعْظِيمِ لِتَضَمُّنِهِ الإقْرارَ بِالعَجْزِ عَنِ التَّعْظِيمِ اللّائِقِ، وقَدْ قِيلَ ونُسِبَ إلى الصَّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ العَجْزُ عَنْ دَرْكِ الإدْراكِ إدْراكٌ. ويَقْرُبُ في الجُمْلَةِ مِمّا ذَكَرْنا قَوْلُ بَعْضِ الأجِلَّةِ ونَقَلَهُ أبُو اليَمَنِ بْنُ عَساكِرَ وحَسَّنَهُ: لَمّا أمَرَنا اللَّهُ تَعالى بِالصَّلاةِ عَلى نَبِيِّهِ ﷺ لَمْ نَبْلُغْ مَعْرِفَةَ فَضْلِها ولَمْ نُدْرِكْ حَقِيقَةَ مُرادِ اللَّهِ تَعالى فِيهِ فَأحَلْنا ذَلِكَ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ فَقُلْنا اللَّهُمَّ صَلِّ أنْتَ عَلى رَسُولِكَ لِأنَّكَ أعْلَمُ بِما يَلِيقُ بِهِ وبِما أرَدْتَهُ لَهُ ﷺ اِنْتَهى، ولَعَلَّ ما ذَكَرْناهُ ألْطَفُ مِنهُ، ومُقْتَضى ظاهِرُ إرْشادِهِ ﷺ إيّاهم إلى طَلَبِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى شَأْنُهُ أنَّهُ لا يَحْصُلُ اِمْتِثالُ الأمْرِ إلّا بِما فِيهِ طَلَبُ ذَلِكَ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ (p-79)ويَكْفِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ لِأنَّهُ الَّذِي اِتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّواياتُ في بَيانِ الكَيْفِيَّةِ، وكَأنَّ خُصُوصِيَّةَ الإنْشاءِ لَفْظًا ومَعْنًى غَيْرُ لازِمَةٍ، ولِذا قالَ بَعْضُ مَن أوْجَبَها في الصَّلاةِ وسَتَعْلَمُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى: إنَّهُ كَما يَكْفِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ، ولا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ الوارِدُ خِلافًا لِبَعْضِهِمْ يَكْفِي صَلّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ عَلى الأصَحِّ بِخِلافِ الصَّلاةِ عَلى رَسُولِ اللَّهِ فَإنَّهُ لا يَجْزِي اِتِّفاقًا لِأنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إسْنادُ الصَّلاةِ إلى اللَّهِ تَعالى فَلَيْسَ في مَعْنى الوارِدِ.
وفِي تُحْفَةِ اِبْنِ حَجَرٍ يَكْفِي الصَّلاةُ عَلى مُحَمَّدٍ إنْ نَوى بِها الدُّعاءَ فِيما يَظْهَرُ، وقالَ النَّيْسابُورِيُّ: لا يَكْفِي صَلَّيْتُ عَلى مُحَمَّدٍ لِأنَّ مَرْتَبَةَ العَبْدِ تُقَصِّرُ عَنْ ذَلِكَ بَلْ يَسْألُ رَبَّهُ سُبْحانَهُ أنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - وحِينَئِذٍ فالمُصَلِّي عَلَيْهِ حَقِيقَةً هو اللَّهُ تَعالى، وتَسْمِيَةُ العَبْدِ مُصَلِّيًا عَلَيْهِ مَجازٌ عَنْ سُؤالِهِ الصَّلاةَ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ ﷺ، فَتَأمَّلْهُ.
وذَكَرُوا أنَّ الإتْيانَ بِصِيغَةِ الطَّلَبِ أفْضَلُ مِنَ الإتْيانِ بِصِيغَةِ الخَبَرِ، وأُجِيبَ عَنْ إطْباقِ المُحَدِّثِينَ عَلى الإتْيانِ بِها بِأنَّهُ مِمّا أُمِرْنا بِهِ مِن تَحْدِيثِ النّاسِ بِما يَعْرِفُونَ إذْ كُتُبُ الحَدِيثِ يَجْتَمِعُ عِنْدَ قِراءَتِها أكْثَرُ العَوامِّ فَخِيفَ أنْ يَفْهَمُوا مِن صِيغَةِ الطَّلَبِ أنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ ﷺ لَمْ تُوجَدْ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ بَعْدُ، وإلّا لَما طَلَبْنا حُصُولَها لَهُ عَلَيْهِ صَلاةُ اللَّهِ تَعالى وسَلامُهُ فَأتى بِصِيغَةٍ يَتَبادَرُ إلى أفْهامِهِمْ مِنها الحُصُولُ وهي مَعَ إبْعادِها إيّاهم مِن هَذِهِ الوَرْطَةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلطَّلَبِ الَّذِي أُمِرْنا بِهِ اِنْتَهى.
ولا يَخْفى ضَعْفُهُ فالأوْلى أنْ يُقالَ: إنَّ ذَلِكَ لِأنَّ تَصْلِيَتِهِمْ في الأغْلَبِ في أثْناءِ الكَلامِ الخَبَرِيِّ نَحْوَ قالَ النَّبِيُّ ﷺ كَذا وفَعَلَ ﷺ كَذا فَأحَبُّوا أنْ لا يَكْثُرَ الفَصْلُ وأنْ لا يَكُونَ الكَلامُ عَلى أُسْلُوبَيْنِ لِما في ذَلِكَ مِنَ الخُرُوجِ عَنِ الجادَّةِ المَعْرُوفَةِ إذْ قَلَّما تَجِدُ في الفَصِيحِ تَوَسُّطَ جُمْلَةٍ دِعائِيَّةٍ إلّا وهي خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا مَعَ اِحْتِمالِ تَشَوُّشِ ذِهْنِ السّامِعِ وبُطْءِ فَهْمِهِ وحُسْنُ الإفْهامِ مِمّا تَحْصُلُ مُراعاتُهُ، فَتَدَبَّرْ.
والظّاهِرُ أنَّهُ لا يَحْصُلُ الِامْتِثالُ بِـ اللَّهُمَّ عَظِّمْ مُحَمَّدًا التَّعْظِيمَ اللّائِقَ ونَحْوِهِ مِمّا لَيْسَ فِيهِ مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّلاةِ كَ صَلِّ وصَلّى فَإنّا لَمْ نَسْمَعْ أحَدًا عَدَّ قائِلَ ذَلِكَ مُصَلِّيًا عَلَيْهِ ﷺ وذَلِكَ في غايَةِ الظُّهُورِ إذا كانَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أيْ وقُولُوا والسَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبِيُّ ونَحْوُهُ وهَذا ما عَلَيْهِ أكْثَرُ العُلَماءِ الأجِلَّةِ.
وفِي مَعْنى السَّلامُ عَلَيْكَ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ:
أحَدُها: السَّلامَةُ مِنَ النَّقائِصِ والآفاتِ لَكَ ومَعَكَ، أيْ مُصاحَبَةً ومُلازِمَةً فَيَكُونُ السَّلامُ مَصْدَرًا بِمَعْنى السَّلامَةِ كاللَّذاذِ واللَّذاذَةِ والمَلامِ والمَلامَةِ ولِما في السَّلامِ مِنَ الثَّناءِ عُدِيَّ بِعَلى لا لِاعْتِبارِ مَعْنى القَضاءِ، أيْ قَضى اللَّهُ تَعالى عَلَيْكَ السَّلامَ كَما قِيلَ لِأنَّ القَضاءَ كالدُّعاءِ لا يَتَعَدّى بِعَلى لِلنَّفْعِ ولا لِتَضَمُّنِهِ مَعْنى الوِلايَةِ والِاسْتِيلاءِ لِبُعْدِهِ في هَذا الوَجْهِ.
ثانِيُها: السَّلامُ مُداوِمٌ عَلى حِفْظِكَ ورِعايَتِكَ ومُتَوَلٍّ لَهُ وكَفِيلٌ بِهِ ويَكُونُ السَّلامُ هُنا اِسْمَ اللَّهِ تَعالى، ومَعْناهُ عَلى ما اِخْتارَهُ اِبْنُ فُورَكَ وغَيْرُهُ مِن عِدَّةِ أقْوالٍ ذُو السَّلامَةِ مِن كُلِّ آفَةٍ ونَقِيصَةٍ ذاتًا وصِفَةً وفِعْلًا، وقِيلَ: إذا أُرِيدَ بِالسَّلامِ ما هو مِن أسْمائِهِ تَعالى فالمُرادُ لا خَلَوْتَ مِنَ الخَيْرِ والبَرَكَةِ وسَلِمْتَ مِن كُلِّ مَكْرُوهٍ لِأنَّ اِسْمَ اللَّهِ تَعالى إذا ذُكِرَ عَلى شَيْءٍ أفادَهُ ذَلِكَ، وقِيلَ: الكَلامُ عَلى هَذا التَّقْدِيرِ عَلى حَذْفِ المُضافِ أيْ حَفِظَ اللَّهُ تَعالى عَلَيْكَ والمُرادُ الدُّعاءُ بِالحِفْظِ.
وثالِثُها: الِانْقِيادُ عَلَيْكَ عَلى أنَّ السَّلامَ مِنَ المُسالَمَةِ وعَدَمِ المُخالَفَةِ، والمُرادُ الدُّعاءُ بِأنْ يُصَيِّرَ اللَّهُ تَعالى العِبادَ مُنْقادِينَ مُذْعِنِينَ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ولِشَرِيعَتِهِ، وتَعْدِيَتُهُ بِعَلى قِيلَ: لِما فِيهِ مِنَ الإقْبالِ فَإنَّ مَنِ اِنْقادَ لِشَخْصٍ وأذْعَنَ لَهُ فَقَدْ (p-80)أقْبَلَ عَلَيْهِ، والأرْجَحُ عِنْدِي هو الوَجْهُ الأوَّلُ.
وقِيلَ: مَعْنى ( سَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) اِنْقادُوا لِأوامِرِهِ ﷺ اِنْقِيادًا وهو غَيْرُ بَعِيدٍ إلّا أنَّ ظَواهِرَ الأخْبارِ والآثارِ تَقْتَضِي المَعْنى السّابِقَ وكَأنَّهُ لِذَلِكَ ذَهَبَ إلَيْهِ الأكْثَرُونَ، والجُمْلَةُ صِيغَةُ خَبَرٍ مَعْناها الدُّعاءُ بِالسَّلامَةِ وطَلَبُها مِنهُ تَعالى لِنَبِيِّهِ ﷺ واسْتُشْكِلَ ذَلِكَ فِيما إذا قالَ اللَّهُ تَعالى السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبِيُّ أوْ نَحْوَهُ بِأنَّ الدُّعاءَ لا يُتَصَوَّرُ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ لِأنَّهُ طَلَبٌ وهو يَتَضَمَّنُ طالِبًا ومَطْلُوبًا ومَطْلُوبًا مِنهُ وهي أُمُورٌ مُتَغايِرَةٌ فَإنْ كانَ طَلَبُهُ سُبْحانَهُ السَّلامَةَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَن غَيْرِهِ تَعالى فَمُحالِيَّتُهُ مَن أجْلى البَدِيهِيّاتِ، وإنْ كانَ مِن ذاتِهِ عَزَّ وجَلَّ لَزِمَ أنْ يُغايِرَ ذاتَهُ والشَّيْءُ لا يُغايِرُ ذاتَهُ ضَرُورَةً، وهَذا مَنشَأُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ في السَّلامِ مِنهُ تَعالى إشْكالًا لَهُ شَأْنٌ فَيَنْبَغِي الِاعْتِناءُ بِهِ وعَدَمُ إهْمالِ أمْرِهِ فَقُلْ مَن يُدْرِكُ سِرَّهُ.
وأُجِيبَ بِأنَّ الطَّلَبَ مِن بابِ الإراداتِ والمُرِيدُ كَما يُرِيدُ مِن غَيْرِهِ أنْ يَفْعَلَ شَيْئًا فَكَذَلِكَ يُرِيدُ مِن نَفْسِهِ أنْ يَفْعَلَهُ هو والطَّلَبَ النَّفْسِيَّ وإنْ لَمْ يَكُنِ الإرادَةَ فَهو أخَصُّ مِنها وهي كالجِنْسِ لَهُ فَكَما يُعْقَلُ أنَّ المُرِيدَ يُرِيدُ مِن نَفْسِهِ فَكَذَلِكَ يَطْلُبُ مِنها إذْ لا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَبِ والإرادَةِ، والحاصِلُ أنَّ طَلَبَ الحَقِّ جَلَّ وعَلا مِن ذاتِهِ أمْرٌ مَعْقُولٌ يَعْلَمُهُ كُلُّ واحِدٍ مِن نَفْسِهِ بِدَلِيلِ أنَّهُ يَأْمُرُها ويَنْهاها قالَ سُبْحانَهُ: ﴿إنَّ النَّفْسَ لأمّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يُوسُفَ: 53] ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ [اَلنّازِعاتِ: 40] والأمْرُ والنَّهْيُ قِسْمانِ مِنَ الطَّلَبِ وقَدْ تُصُوِّرا مِنَ الإنْسانِ لِنَفْسِهِ بِالنَّصِّ فَكَذا بَقِيَّةُ أقْسامِ الطَّلَبِ وأنْواعِهِ، وأوْضَحُ مِن هَذا أنَّ الطَّلَبَ مِنهُ تَعالى بِمَعْنى الإرادَةِ وتُعْقَلُ إرادَةُ الشَّخْصِ مِن ذاتِهِ شَيْئًا بِناءً عَلى التَّغايُرِ الِاعْتِبارِيِّ ومِثْلُهُ يَكْفِي في هَذا المَقامِ، ومَعْنى اللَّهُمَّ سَلِّمْ عَلى النَّبِيِّ اللَّهُمَّ قُلِ السَّلامَ عَلى النَّبِيِّ عَلى ما قِيلَ، وقِيلَ: مَعْناهُ اللَّهُمَّ أوْجِدْ أوْ حَقِّقِ السَّلامَةَ لَهُ، وقِيلَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْهُ مِنَ النَّقائِصِ والآفاتِ.
وقالَ بَعْضُ المُعاصِرِينَ: إنَّ السَّلامَ عَلَيْكَ ونَحْوَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لِإنْشاءِ السَّلامَةِ وإيجادِها بِهَذا اللَّفْظِ نَظِيرَ ما قالُوهُ في صِيَغِ العُقُودِ، واخْتارَ أنَّ مَعْنى اللَّهُمَّ سَلِّمْ عَلى النَّبِيِّ اللَّهُمَّ أوْجِدِ السَّلامَةَ أوْ حَقِّقْها لَهُ دُونَ قُلِ السَّلامَ عَلى النَّبِيِّ تَقْلِيلًا لِلْمَسافَةِ فَتَدَبَّرْ.
وقَدْ يَكُونُ السَّلامُ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ عَلى أنْبِيائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ نَحْوَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ في العالَمِينَ﴾ [اَلصّافّاتِ: 79] ﴿سَلامٌ عَلى إبْراهِيمَ﴾ [اَلصّافّاتِ: 109] ﴿سَلامٌ عَلى مُوسى وهارُونَ﴾ [اَلصّافّاتِ: 120] تَنْبِيهًا عَلى أنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ جَعَلَهم بِحَيْثُ يُدْعى لَهم ويُثَنّى عَلَيْهِمْ.
ونَصْبُ ﴿تَسْلِيمًا﴾ عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ، وأكَّدَ سُبْحانَهُ التَّسْلِيمَ ولَمْ يُؤَكِّدِ الصَّلاةَ قِيلَ لِأنَّها مُؤَكَّدَةٌ بِإعْلامِهِ تَعالى أنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ ومَلائِكَتُهُ ولا كَذَلِكَ التَّسْلِيمُ فَحَسُنَ تَأْكِيدُهُ بِالمَصْدَرِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ ما يَقُومُ مَقامَهُ.
وإلى هَذا يَؤُولُ قَوْلُ اِبْنِ القِيَمِ التَّأْكِيدُ فِيهِما وإنِ اِخْتَلَفَ جِهَتُهُ فَإنَّهُ تَعالى أخْبَرَ في الأوَّلِ بِصَلاتِهِ وصَلاةِ مَلائِكَتِهِ عَلَيْهِ مُؤَكِّدًا لَهُ بِأنَّ وبِالجَمْعِ المُفِيدِ لِلْعُمُومِ في المَلائِكَةِ وفي هَذا مِن تَعْظِيمِهِ ﷺ ما يُوجِبُ المُبادَرَةَ إلى الصَّلاةِ عَلَيْهِ مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلى الأمْرِ مُوافَقَةً لِلَّهِ تَعالى ومَلائِكَتِهِ في ذَلِكَ، وبِهَذا اِسْتَغْنى عَنْ تَأْكِيدِ «يُصَلِّي» بِمَصْدَرٍ، ولَمّا خَلا السَّلامُ عَنْ هَذا المَعْنى وجاءَ في حَيِّزِ الأمْرِ المُجَرَّدِ حَسُنَ تَأْكِيدُهُ بِالمَصْدَرِ تَحْقِيقًا لِلْمَعْنى وإقامَةً لِتَأْكِيدِ الفِعْلِ مَقامَ تَقْرِيرِهِ وحِينَئِذٍ حَصَلَ لَكَ التَّكْرِيرُ في الصَّلاةِ خَبَرًا وطَلَبًا كَذَلِكَ حَصَلَ لَكَ التَّكْرِيرُ في السَّلامِ فِعْلًا ومَصْدَرًا، وأيْضًا هي مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ لَفْظًا والتَّقْدِيمُ يُفِيدُ الِاهْتِمامَ فَحَسُنَ تَأْكِيدُ السَّلامِ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ قِلَّةُ الِاهْتِمامِ بِهِ لِتَأخُّرِهِ، وقِيلَ: إنَّ في الكَلامِ الِاحْتِباكَ والأصْلُ صَلُّوا عَلَيْهِ تَصْلِيَةً وسَلِّمُوا عَلَيْهِ تَسْلِيمًا فَحُذِفَ عَلَيْهِ مِن إحْدى الجُمْلَتَيْنِ والمَصْدَرُ مِنَ الأُخْرى وأُضِيفَتِ الصَّلاةُ إلى اللَّهِ تَعالى ومَلائِكَتِهِ دُونَ السَّلامِ وأُمِرَ (p-81)المُؤْمِنُونَ بِهِما قِيلَ لِأنَّ لِلسَّلامِ مَعْنِيِّينَ التَّحِيَّةَ والِانْقِيادَ فَأُمِرْنا بِهِما لِصِحَّتِهِما هُنا، ولَمْ يُضَفْ لِلَّهِ سُبْحانَهُ والمَلائِكَةِ لِئَلّا يُتَوَهَّمَ أنَّهُ في اللَّهِ تَعالى والمَلائِكَةِ بِمَعْنى الِانْقِيادِ المُسْتَحِيلِ في حَقِّهِ تَعالى وكَذا في حَقِّ المَلائِكَةِ.
وقِيلَ الصَّلاةُ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ والمَلائِكَةِ مُتَضَمِّنَةٌ لِلسَّلامِ بِمَعْنى التَّحِيَّةِ الَّذِي لا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَكانَ في إضافَةِ الصَّلاةِ إلَيْهِ تَعالى وإلى المَلائِكَةِ اِسْتِلْزامٌ لِوُجُودِ السَّلامِ بِهَذا المَعْنى، وأمّا الصَّلاةُ مِنّا فَهي وأنِ اِسْتَلْزَمَتِ التَّحِيَّةَ أيْضًا إلّا أنّا مُخاطَبُونَ بِالِانْقِيادِ وهي لا تَسْتَلْزِمُهُ فاحْتِيجَ إلى التَّصْرِيحِ بِهِ فِينا لِأنَّ الصَّلاةَ لا تُغْنِي عَنْ مَعْنَيَيْهِ المُتَصَوَّرَيْنِ في حَقِّنا المَطْلُوبَيْنِ مِنّا، ثُمَّ قِيلَ: وهَذا أوْلى مِمّا قَبْلَهُ لِأنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَلامٌ عَلى إبْراهِيمَ﴾، ﴿والمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِن كُلِّ بابٍ﴾ ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [اَلرَّعْدِ: 23، 24] ولا يَرُدُّ هَذانِ عَلى هَذا اه، وفِيهِ بَحْثٌ.
وقالَ الشِّهابُ الخَفاجِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ: قَدْ لاحَ لِي في تَرْكِ تَأْكِيدِ السَّلامِ وتَخْصِيصِهِ بِالمُؤْمِنِينَ نُكْتَةٌ سِرِّيَّةٌ وهي أنَّ السَّلامَ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ تَسْلِيمُهُ عَمّا يُؤْذِيهِ فَلَمّا جاءَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَقِيبَ ذِكْرِ ما يُؤْذِي النَّبِيَّ ﷺ، والأذِيَّةُ إنَّما هي مِنَ البَشَرِ وقَدْ صَدَرَتْ مِنهم فَناسَبَ التَّخْصِيصَ بِهِمْ والتَّأْكِيدَ، ورُبَّما يُقالُ عَلى بُعْدٍ في ذَلِكَ: إنَّهُ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ سَلامُ اللَّهِ تَعالى ومَلائِكَتُهُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مَعْلُومًا لِلْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ فَلَمْ يُذْكَرْ ويُسَلِّمُونَ فِيها لِذَلِكَ وأنَّ كَوْنَهم مَأْمُورِينَ بِأنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ ﷺ كانَ أيْضًا مَعْلُومًا لَهم كَكَيْفِيَّةِ السَّلامِ، ويُؤْذِنُ بِهَذِهِ المَعْلُومِيَّةِ ما ورَدَ في عِدَّةِ أخْبارٍ أنَّهم قالُوا عِنْدَ نُزُولِ الآيَةِ: يا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ وعَنَوْا بِذَلِكَ عَلى ما قِيلَ ما في التَّشَهُّدِ مِنَ السَّلامِ فَلَمّا أُخْبِرُوا بِصَلاةِ اللَّهِ تَعالى ومَلائِكَتِهِ عَلَيْهِ ﷺ في الآيَةِ مُجَرَّدَةً عَنْ ذِكْرِ السَّلامِ وأُرْدِفَ ذَلِكَ بِالأمْرِ بِالصَّلاةِ كانَ مَظِنَّةَ عَدَمِ الِاعْتِناءِ بِأمْرِ السَّلامِ أوْ أنَّهُ نُسَخِ طَلَبُهُ مِنهم فَأُمِرُوا بِهِ مُؤَكَّدًا دَفْعًا لِتَوَّهم ذَلِكَ واَللَّهُ تَعالى أعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الحالِ، والأمْرُ في الآيَةِ عِنْدَ الأكْثَرِينَ لِلْوُجُوبِ بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهم إجْماعَ الأئِمَّةِ والعُلَماءِ عَلَيْهِ.
ودَعْوى مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أنَّهُ لِلنَّدْبِ بِالإجْماعِ مَرْدُودَةٌ أوْ مُؤَوَّلَةٌ بِالحَمْلِ عَلى ما زادَ عَلى مَرَّةٍ واحِدَةٍ في العُمْرِ فَقَدْ قالَ القُرْطُبِيُّ المُفَسِّرُ: لا خِلافَ في وُجُوبِ الصَّلاةِ في العُمْرِ مَرَّةً، وتَفْصِيلُ الكَلامِ في أمْرِها بَعْدَ إلْغاءِ القَوْلِ بِنَدْبِها أنَّ العُلَماءَ اِخْتَلَفُوا فِيها فَقِيلَ: واجِبَةٌ مَرَّةً في العُمْرِ كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ لِأنَّ الأمْرَ مُطْلَقٌ لا يَقْتَضِي تَكْرارًا والماهِيَّةُ تَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وعَلَيْهِ جُمْهُورُ الأُمَّةِ مِنهم أبُو حَنِيفَةَ ومالِكٌ وغَيْرُهُما، وقِيلَ: واجِبَةٌ في التَّشَهُّدِ مُطْلَقًا، وقِيلَ: واجِبَةٌ في مُطْلَقِ الصَّلاةِ، وتَفَرَّدَ بَعْضُ الحَنابِلَةِ بِتَعَيُّنِ دُعاءِ الِافْتِتاحِ بِها، وقِيلَ: يَجِبُ الإكْثارُ مِنها مِن غَيْرِ تَعْيِينٍ بِعَدَدٍ وحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ القاضِي أبِي بَكْرِ بْنِ بِكِيرٍ، وقِيلَ: تَجِبُ في كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةً وإنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ ﷺ مِرارًا، وقِيلَ: تَجِبُ في كُلِّ دُعاءٍ.
وقِيلَ: تَجِبُ كُلَّما ذُكِرَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وبِهِ قالَ جَمْعٌ مِنَ الحَنَفِيَّةِ مِنهُمُ الطَّحاوِيُّ، وعِبارَتُهُ تَجِبُ كُلَّما سُمِعَ ذِكْرُهُ مِن غَيْرِهِ أوْ ذِكْرُهُ بِنَفْسِهِ، وجَمْعٌ مِنَ الشّافِعِيَّةِ مِنهُمُ الإمامُ الحَلِيمِيُّ والأُسْتاذُ أبُو إسْحاقَ الإسْفَرايْنِيُّ والشَّيْخُ أبُو حامِدٍ الإسْفَرايْنِيُّ، وجَمْعٌ مِنَ المالِكِيَّةِ مِنهُمُ الطَّرْطُوشِيُّ وابْنُ العَرَبِيِّ والفاكِهانِيُّ وبَعْضُ الحَنابِلَةِ قِيلَ وهو مَبْنِيٌّ عَلى القَوْلِ الضَّعِيفِ في الأُصُولِ أنَّ الأمْرَ المُطْلَقَ يُفِيدُ التَّكْرارَ ولَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَهُ أدِلَّةٌ أُخْرى كالأحادِيثِ الَّتِي فِيها الدُّعاءُ بِالرَّغْمِ والأبْعادِ والشَّقاءِ والوَصْفِ بِالبُخْلِ والجَفاءِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَقْتَضِي الوَعِيدَ وهو عِنْدَ الأكْثَرِ مِن عَلاماتِ الوُجُوبِ.
واعْتَرَضَ هَذا القَوْلَ كَثِيرُونَ بِأنَّهُ مُخالِفٌ لِلْإجْماعِ المُنْعَقِدِ قَبْلَ قائِلِهِ إذْ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ صَحابِيٍّ ولا (p-82)تابِعِيٍّ وبِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلى عُمُومِهِ أنْ لا يَتَفَرَّغَ السّامِعُ لِعِبادَةٍ أُخْرى، وأنَّها تَجِبُ عَلى المُؤَذِّنِ وسامِعِهِ والقارِئِ المارِّ بِذِكْرِهِ والمُتَلَفِّظِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهادَةِ، وفِيهِ مِنَ الحَرَجِ ما جاءَتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ بِخِلافِهِ، وبِأنَّ الثَّناءَ عَلى اللَّهِ تَعالى كُلَّما ذُكِرَ أحَقُّ بِالوُجُوبِ ولَمْ يَقُولُوا بِهِ، وبِأنَّهُ لا يُحْفَظُ عَنْ صَحابِيٍّ أنَّهُ قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْكَ، وبِأنَّ تِلْكَ الأحادِيثَ المُحْتَجَّ بِها لِلْوُجُوبِ خَرَجَتْ مَخْرَجَ المُبالِغَةِ في تَأكُّدِ ذَلِكَ وطَلَبِهِ وفي حَقِّ مَنِ اِعْتادَ تَرْكَ الصَّلاةِ دَيْدَنًا.
ويُمْكِنُ التَّقَصِّي عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّ القائِلِينَ بِالوُجُوبِ مِن أئِمَّةِ النَّقْلِ فَكَيْفَ يَسَعُهم خَرْقُ الإجْماعِ عَلى أنَّهُ لا يَكْفِي في الرَّدِّ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُ لَمْ يُحْفَظْ عَنْ صَحابِيٍّ أوْ تابِعِيٍّ وإنَّما يَتِمُّ الرَّدُّ إنْ حُفِظَ إجْماعٌ مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ الوُجُوبِ كَذَلِكَ وأنِّي بِهِ، وأمّا الثّانِي فَمَمْنُوعٌ بَلْ يُمْكِنُ التَّفَرُّغُ لِعِباداتٍ أُخَرَ، وأمّا الثّالِثُ فَلِلْقائِلِينَ بِالوُجُوبِ اِلْتِزامُهُ ولَيْسَ فِيهِ حَرَجٌ، وأمّا الرّابِعُ فَلِأنَّ جَمْعًا صَرَّحُوا بِالوُجُوبِ في حَقِّهِ تَعالى أيْضًا، وأمّا الخامِسُ فَلِأنَّهُ ورَدَ في عِدَّةِ طُرُقٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحابَةِ أنَّهم لَمّا قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ قالُوا: صَلّى اللَّهُ عَلَيْكَ، وأمّا السّادِسُ فَلِأنَّ حَمْلَ الأحادِيثِ عَلى ما ذُكِرَ لا يَكْفِي إلّا مَعَ بَيانِ سَنَدِهِ ولَمْ يُبَيِّنُوهُ، ثُمَّ القائِلُونَ بِالوُجُوبِ كَما ذَكَرَ أكْثَرُهم عَلى أنَّ ذَلِكَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ وبَعْضُهم عَلى أنَّهُ فَرْضُ كِفايَةٍ.
واخْتَلَفُوا أيْضًا هَلْ يَتَكَرَّرُ الوُجُوبُ بِتَكَرُّرِ ذِكْرِهِ ﷺ في المَجْلِسِ الواحِدِ، وفي بَعْضِ شُرُوحِ الهِدايَةِ يَكْفِي مَرَّةً عَلى الصَّحِيحِ، وقالَ صاحِبُ المُجْتَبى: يَتَكَرَّرُ وفي تَكَرُّرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى لا يَتَكَرَّرُ، وفَرَّقَ هو وغَيْرُهُ بَيْنَهُما بِما فِيهِ نَظَرٌ ويُمْكِنُ الفَرْقُ بِأنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعالى مَبْنِيَّةٌ عَلى المُسامَحَةِ والتَّوْسِعَةِ وحُقُوقَ العِبادِ مَبْنِيَّةٌ عَلى المُشاحَّةِ والتَّضْيِيقِ ما أمْكَنَ، والقَوْلُ بِأنَّها أيْضًا حَقُّ اللَّهِ تَعالى لِأمْرِهِ بِها سُبْحانَهُ ناشِئٌ مِن عَدَمِ فَهْمِ المُرادِ بِحَقِّهِ تَعالى.
وقِيلَ: إنَّها تَجِبُ في القُعُودِ آخِرَ الصَّلاةِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وسَلامِ التَّحَلُّلِ وهَذا هو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ.
ونَقَلَ الأسْنَوِيُّ أنَّ لَهُ قَوْلًا آخَرَ إنَّها سُنَّةٌ في الصَّلاةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ أجِلَّةُ أصْحابِهِ ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ جَماعَةٌ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ مِن بَعْدِهِمْ وفُقَهاءُ الأمْصارِ، فَمِنَ الصَّحابَةِ اِبْنُ مَسْعُودٍ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: يَتَشَهَّدُ الرَّجُلُ في الصَّلاةِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ، وأبُو مَسْعُودٍ البَدْرِيُّ وابْنُ عُمَرَ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُما أنَّهُ لا تَكُونُ صَلاةٌ إلّا بِقِراءَةٍ وتَشَهُّدٍ وصَلاةٍ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَإنْ نَسِيتَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا فاسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلامِ، ومِنَ التّابِعِينَ الشَّعْبِيُّ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ كُنّا نَعْلَمُ التَّشَهُّدَ فَإذا قالَ: وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ يَحْمَدُ رَبَّهُ ويُثْنِي عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَسْألُ حاجَتَهُ، وأخْرَجَ البَيْهَقِيُّ عَنْهُ مَن لَمْ يُصَلِّ عَلى النَّبِيِّ ﷺ في التَّشَهُّدِ فَلْيُعِدْ صِلاتَهُ أوْ قالَ: لا تُجْزِئُ صِلاتُهُ، والإمامُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ الباقِرُ فَقَدْ رَوى البَيْهَقِيُّ عَنْهُ نَحْوَ ما ذُكِرَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وصَوَّبَهُ الدّارَقُطْنِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ ومُقاتِلٌ بَلْ قالَ الحافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ: لَمْ أرَ عَنْ أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ التَّصْرِيحَ بِعَدَمِ الوُجُوبِ إلّا ما نُقِلَ عَنِ إبْراهِيمَ النَّخْعِيِّ وهَذا يُشْعِرُ بِأنَّ غَيْرَهُ كانَ قائِلًا بِالوُجُوبِ، ومِن فُقَهاءِ الأمْصارِ أحْمَدُ فَإنَّهُ جاءَ عَنْهُ رِوايَتانِ والظّاهِرُ أنَّ رِوايَةَ الوُجُوبِ هي الأخِيرَةُ فَإنَّهُ قالَ: كُنْتُ أتَهَيَّبُ ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنْتُ فَإذا الصَّلاةُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ واجِبَةٌ وإسْحاقُ بْنُ راهَوَيْهِ فَقَدْ قالَ في آخِرِ الرِّوايَتَيْنِ عَنْهُ: إذا تَرَكَها عَمْدًا بَطَلَتْ صَلاتُهُ أوْ سَهْوًا رَجَوْتُ أنْ تُجْزِئَهُ وهو قَوْلٌ عِنْدَ المالِكِيَّةِ اِخْتارَهُ اِبْنُ العَرَبِيِّ مِنهم ولَعَلَّهُ لازِمٌ لِلْقائِلِينَ بِوُجُوبِها كُلَّما ذُكِرَ ﷺ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ في التَّشَهُّدِ إلّا أنَّ وُجُوبَها بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِذَلِكَ لا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَها شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلاةِ إلّا أنَّهُ يُرَدُّ عَلى القائِلِينَ بِأنَّ الشّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ شَذَّ في قَوْلِهِ بِالوُجُوبِ، وأمّا دَلِيلُهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عَلى ذَلِكَ فَمَذْكُورٌ في الأُمِّ، وقَدِ اِسْتَدَلَّ لَهُ (p-83)أصْحابُهُ بِعِدَّةِ أحادِيثَ مِنها الصَّحِيحُ ومِنها الضَّعِيفُ وألَّفُوا الرَّسائِلَ في الِانْتِصارِ لَهُ والرَّدِّ عَلى مَن شَنَّعَ عَلَيْهِ كابْنِ جَرِيرٍ وابْنِ المُنْذِرِ والخَطابِيِّ والطَّحاوِيِّ وغَيْرِهِمْ، وأنا أرى التَّشْنِيعَ عَلى مِثْلِ هَذا الإمامِ شَنِيعًا والتَّعَصُّبَ مَعَ قِلَّةِ التَّتَبُّعِ أمْرًا فَظِيعًا، والكَلامُ في السَّلامِ كالكَلامِ في الصَّلاةِ.
وقَدْ صَرَّحَ اِبْنُ فارِسٍ اللُّغَوِيُّ بِأنَّهُما سِيّانِ في الفَرْضِيَّةِ لِأنَّ كُلًّا مِنهُما مَأْمُورٌ بِهِ في الآيَةِ والأمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً إلّا إذا ورَدَ ما يَصْرِفُهُ عَنْهُ. وأفْضَلُ الكَيْفِيّاتِ في الصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ ما عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لِأصْحابِهِ بَعْدَ سُؤالِهِمْ إيّاهُ لِأنَّهُ لا يَخْتارُ ﷺ لِنَفْسِهِ إلّا الأشْرَفَ والأفْضَلَ، ومِن هُنا قالَ النَّوَوِيُّ في (اَلرَّوْضَةِ): لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَنَّ عَلى النَّبِيِّ ﷺ أفْضَلَ الصَّلاةِ لَمْ يَبِرَّ إلّا بِتِلْكَ الكَيْفِيَّةِ، ووَجَّهَهُ السُّبْكِيُّ بِأنَّ مَن أتى بِها فَقَدْ صَلّى الصَّلاةَ المَطْلُوبَةَ بِيَقِينٍ وكانَ لَهُ الخَيْرُ الوارِدُ في أحادِيثِ الصَّلاةِ كَذَلِكَ، ونَقَلَ الرّافِعِيُّ عَنِ المَرْوَزِيِّ أنَّهُ يَبِرُّ بِـ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ كُلَّما ذَكَرَكَ الذّاكِرُونَ وكُلَّما سَها عَنْهُ الغافِلُونَ، وقالَ القاضِي حُسَيْنٌ: طَرِيقُ البِرِّ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ كَما هو أهْلُهُ ومُسْتَحَقُّهُ، واخْتارَ البارِزِيُّ أنَّ الأفْضَلَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ أفْضَلَ صَلَواتِكَ وعَدَدَ مَعْلُوماتِكَ، وقالَ الكَمالَ بْنُ الهُمامِ: كُلَّما ذُكِرَ مِنَ الكَيْفِيّاتِ مَوْجُودٌ في اللَّهُمَّ صَلِّ أبَدًا أفْضَلَ صَلَواتِكَ عَلى سَيِّدِنا عَبْدِكَ ونَبِيِّكَ ورَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وآلِهِ وسَلِّمْ عَلَيْهِ تَسْلِيمًا وزِدْهُ شَرَفًا وتَكْرِيمًا وأنْزِلْهُ المَنزِلَ المُقَرَّبَ عِنْدَكَ يَوْمَ القِيامَةِ، واخْتارَ اِبْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ غَيْرَ ذَلِكَ، ونَقَلَ اِبْنُ عَرَفَةَ عَنِ اِبْنِ عَبْدِ السَّلامِ أنَّهُ لا بُدَّ في السَّلامِ عَلَيْهِ ﷺ أنْ يَزِيدَ تَسْلِيمًا كَأنْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وسَلِّمْ تَسْلِيمًا أوْ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا، وكَأنَّهُ أخَذَ بِظاهِرِ ما في الآيَةِ ولَيْسَ أخْذًا صَحِيحًا كَما يَظْهَرُ بِأدْنى تَأمُّلٍ، ونُقِلَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحابَةِ ومَن بَعْدَهم أنَّ كَيْفِيَّةَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ لا يُوقَفُ فِيها مَعَ المَنصُوصِ وأنَّ مَن رَزَقَهُ اللَّهُ تَعالى بَيانًا فَأبانَ عَنِ المَعانِي بِالألْفاظِ الفَصِيحَةِ المَبانِي الصَّرِيحَةِ المَعانِي مِمّا يُعْرِبُ عَنْ كَمالِ شَرَفِهِ ﷺ وعَظِيمِ حُرْمَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، واحْتُجَّ لَهُ بِما أخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ ماجَهْ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ قالَ: إذا صَلَّيْتُمْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَأحْسِنُوا الصَّلاةَ عَلَيْهِ فَإنَّكم لا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ قالُوا: فَعَلِّمْنا، قالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ اِجْعَلْ صَلَواتِكَ ورَحْمَتَكَ وبَرَكاتِكَ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وإمامِ المُتَّقِينَ وخاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسُولِكَ إمامِ الخَيْرِ وقائِدِ الخَيْرِ ورَسُولِ الرَّحْمَةِ، اللَّهُمَّ اِبْعَثْهُ مَقامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الأوَّلُونَ والآخِرُونَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
وفِي قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ رَمْزٌ خَفِيٌ فِيما أرى إلى مَطْلُوبِيَّةِ تَحْسِينِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حَيْثُ أتى بِهِ كَلامًا يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ شَطْرًا مِنَ البَحْرِ الكامِلِ، فَتَدَبَّرْهُ فَإنِّي أظُنُّ أنَّهُ نَفِيسٌ.
واسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى بِالآيَةِ عَلى كَراهَةِ إفْرادِ الصَّلاةِ عَنِ السَّلامِ وعَكْسِهِ لِوُرُودِ الأمْرِ بِهِما مَعًا فِيها ووافَقَهُ عَلى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، واعْتُرِضَ بِأنَّ أحادِيثَ التَّعْلِيمِ تُؤْذِنُ بِتَقَدُّمِ تَعْلِيمِ التَّسْلِيمِ عَلى تَعْلِيمِ الصَّلاةِ فَيَكُونُ قَدْ أفْرَدَ التَّسْلِيمَ مَرَّةً قَبْلَ الصَّلاةِ في التَّشَهُّدِ، ورُدَّ بِأنَّ الإفْرادَ في ذَلِكَ الزَّمَنِ لا حُجَّةَ فِيهِ لِأنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَصْدًا كَيْفَ والآيَةُ ناصَّةٌ عَلَيْهِما وإنَّما يُحْتَمَلُ أنَّهُ عَلَّمَهُمُ السَّلامَ وظَنَّ أنَّهم يَعْلَمُونَ الصَّلاةَ فَسَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِمْ إيّاها فَلَمّا سَألُوهُ أجابَهم ﷺ لِذَلِكَ وهو كَما تَرى، وذَكَرَ العَلّامَةُ اِبْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ أنَّ الحَقَّ أنَّ المُرادَ بِالكَراهَةِ خِلافُ الأوْلى إذْ لَمْ يُوجَدُ مُقْتَضِيها مِنَ النَّهْيِ المَخْصُوصِ، ونَقَلَ الحَمَوِيُّ مِن أصْحابِنا عَنْ مُنْيَةِ المُفْتِي أنَّهُ لا يُكْرَهُ عِنْدَنا إفْرادُ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ ثُمَّ قالَ نَقْلًا عَنِ العَلّامَةِ (p-84)مَيْرِكٍ، وهَذا الخِلافُ في حَقِّ نَبِيِّنا ﷺ وأمّا غَيْرُهُ مِنَ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَلا خِلافَ في عَدَمِ كَراهَةِ الإفْرادِ لِأحَدٍ مِنَ العُلَماءِ ومَنِ اِدَّعى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ أنْ يُورِدَ نَقْلًا صَرِيحًا ولا يَجِدَ إلَيْهِ سَبِيلًا اِنْتَهى.
وصَرَّحَ بَعْضُهم أنَّ الكَراهَةَ عِنْدَ مَن يَقُولُ بِها إنَّما هي في الإفْرادِ لَفْظًا وأمّا الإفْرادُ خَطًّا كَما وقَعَ في الأُمِّ فَلا كَراهَةَ فِيهِ، وعِنْدِي أنَّ الِاسْتِدْلالَ بِالآيَةِ عَلى كَراهَةِ الإفْرادِ حَسْبَما سَمِعْتَ في غايَةِ الضَّعْفِ إذْ قُصارى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ أنَّ كُلًّا مِنَ الصَّلاةِ والتَّسْلِيمِ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا ولا تَدُلُّ عَلى الأمْرِ بِالإتْيانِ بِهِما في زَمانٍ واحِدٍ كَأنْ يُؤْتى بِهِما مَجْمُوعَيْنِ مَعْطُوفًا أحَدُهُما عَلى الآخَرِ فَمَن صَلّى بُكْرَةً وسَلَّمَ عَشِيًّا مَثَلًا فَقَدِ اِمْتَثَلَ الأمْرَ فَإنَّها نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ( أقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ ) و﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ ﴿وسَبِّحُوهُ﴾ [اَلْأحْزابِ: 42] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأوامِرِ المُتَعاطِفَةِ، نَعَمْ دَرَجَ أكْثَرُ السَّلَفِ عَلى الجَمْعِ بَيْنَهُما فَلا أسْتَحْسِنُ العُدُولَ عَنْهُ مَعَ ما في ذِكْرِ السَّلامِ بَعْدَ الصَّلاةِ مِنَ السَّلامَةِ مِن تَوَهُّمٍ لا يَكادُ يَعْرِضُ إلّا لِلْأذْهانِ السَّقِيمَةِ كَما لا يَخْفى.
وفِي دُخُولِهِ ﷺ في الخِطابِ بِ (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا) هُنا خِلافٌ فَقالَ بَعْضُهم بِالدُّخُولِ، وقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ أجِلَّةِ الشّافِعِيَّةِ بِوُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ في صَلاتِهِ وذَكَرَ أنَّهُ ﷺ كانَ يُصَلِّي عَلى نَفْسِهِ خارِجَها كَما هو ظاهِرُ أحادِيثَ «كَقَوْلِهِ ﷺ حِينَ ضَلَّتْ ناقَتُهُ وتَكَلَّمَ مُنافِقٌ فِيها «إنَّ رَجُلًا مِنَ المُنافِقِينَ شَمَتَ أنْ ضَلَّتْ ناقَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»» وقَوْلِهِ حِينَ عَرَضَ عَلى المُسْلِمِينَ رَدَّ ما أخَذَهُ مِن أبِي العاصِ زَوْجِ اِبْنَتِهِ زَيْنَبَ قَبْلَ إسْلامِهِ ««وإنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَألَتْنِي»» الحَدِيثَ، فَذَكَرَ التَّصْلِيَةَ والتَّسْلِيمَ عَلى نَفْسِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ، واحْتِمالُ أنَّ ذَلِكَ في الحَدِيثَيْنِ مِنَ الرّاوِي بَعِيدٌ جِدًّا اه.
وتَوَقَّفَ بَعْضُهم في دُخُولِهِ مِن حَيْثُ إنَّ قَرِينَةَ سِياقِ ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ إلى هُنا ظاهِرَةٌ في اِخْتِصاصِ هَذا الحَكَمِ بِالمُؤْمِنِينَ دُونَهُ ﷺ، ونُظِرَ فِيهِ بِأنَّ ما قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ صَرِيحٌ في اِخْتِصاصِهِ بِالمُؤْمِنِينَ وأمّا هي فَلا قَرِينَةَ فِيها عَلى الِاخْتِصاصِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ لِلْأُصُولِيِّينَ في دُخُولِهِ ﷺ في نَحْوِ هَذِهِ الصِّيغَةِ أقْوالًا، عَدَمُهُ مُطْلَقًا وهو شاذٌّ، ودُخُولُهُ مُطْلَقًا وهو الأصَحُّ عَلى ما قالَ جَمْعٌ، والدُّخُولُ إلّا فِيما صَدَرَ بِأمْرِهِ بِالتَّبْلِيغِ نَحْوَ (قُلْ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا)، وأنا أُعَوِّلُ عَلى الدُّخُولِ إلّا إذا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلى عَدَمِ الدُّخُولِ سَواءٌ كانَتِ الأمْرَ بِالتَّبْلِيغِ أوَّلًا، وهاهُنا السِّباقُ والسِّياقُ قَرِينَتانِ عَلى عَدَمِ الدُّخُولِ فِيما يَظْهَرُ.
وعَبَّرَ بِاَلَّذِينِ آمَنُوا دُونَ النّاسِ الشّامِلِ لِلْكَفّارِ، قِيلَ: إشارَةٌ إلى أنَّ الصَّلاةَ عَلَيْهِ ﷺ مِن أجَلِّ الوَسائِلِ وأنْفَعِها والكافِرُ لا وسِيلَةَ لَهُ فَلَمْ يُؤْتَ بِلَفْظٍ يَشْمَلُهُ، ومُخاطَبَةُ الكَفّارِ بِالفُرُوعِ عَلى القَوْلِ بِها بِالنِّسْبَةِ لِعِقابِهِمْ عَلَيْها في الآخِرَةِ فَحَسْبُ عَلى أنَّ مَحَلَّ تَكْلِيفِهِمْ بِها حَيْثُ أجْمَعَ عَلَيْها، ومِن ثَمَّ اِسْتَثْنى مِن مُخاطَبَتِهِمْ بِها مُعامَلَتَهُمِ الفاسِدَةَ ونَحْوَها.
ولَعَلَّ الأوْلى أنَّ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ لِما ذُكِرَ مَعَ اِقْتِضاءِ السِّياقِ لَهُ، وفي نِداءِ المُؤْمِنِينَ بِهَذا الأُسْلُوبِ مِن حَثِّهِمْ عَلى اِمْتِثالِ الأمْرِ ما لا يَخْفى، والأمْرُ بِالصَّلاةِ والتَّسْلِيمِ مِن خَواصِّ هَذِهِ الأُمَّةِ فَلَمْ تُؤْمَرْ أُمَّةٌ غَيْرُها بِالصَّلاةِ والتَّسْلِيمِ عَلى نَبِيِّها.
وكانَ ذَلِكَ عَلى ما نُقِلَ عَنْ أبِي ذَرٍّ الهَرَوِيِّ في السَّنَةِ الثّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ، وقِيلَ: كانَ في لَيْلَةِ الإسْراءِ، وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الآيَةَ مَدَنِيَّةٌ، وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ مُجاهِدٍ أنَّها لَمّا نَزَلَتْ قالَ أبُو بَكْرٍ: ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ خَيْرًا إلّا أشْرَكَنا فِيهِ فَنَزَلَتْ ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ﴾ وحِكْمَةُ تَغايُرِ أُسْلُوبَيِ الآيَتَيْنِ ظاهِرَةٌ عَلى المُتَأمِّلِ، والصَّلاةُ مِنّا عَلى الأنْبِياءِ ما عَدا نَبِيِّنا عَلَيْهِ وعَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ جائِزَةٌ بِلا كَراهَةٍ، فَقَدْ جاءَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلى ما قالَهُ المَجْدُ اللُّغَوِيُّ ««إذا صَلَّيْتُمْ عَلى المُرْسَلِينَ فَصَلُّوا عَلَيَّ مَعَهم فَإنِّي رَسُولٌ مِنَ المُرْسَلِينَ»،» وفي لَفْظٍ ««إذا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلى المُرْسَلِينَ»». ولِلْأوَّلِ طَرِيقٌ أُخْرى إسْنادُها حَسَنٌ جَيِّدٌ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. (p-85)
وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ والقاضِي إسْماعِيلُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في (شُعَبِ الإيمانِ) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««صَلُّوا عَلى أنْبِياءِ اللَّهِ ورُسُلِهِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى بَعَثَهم كَما بَعَثَنِي»».
وهُوَ وإنَّ جاءَ مِن طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ يُعْمَلُ بِهِ في مِثْلِ هَذا المَطْلَبِ كَما لا يَخْفى، وأمّا ما حُكِيَ عَنْ مالِكٍ مِن أنَّهُ لا يُصَلّى عَلى غَيْرِ نَبِيِّنا ﷺ مِنَ الأنْبِياءِ فَأوَّلَهُ أصْحابُهُ بِأنَّ مَعْناهُ إنّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِالصَّلاةِ عَلَيْهِمْ كَما تَعَبَّدْنا بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ.
والصَّلاةُ عَلى المَلائِكَةِ قِيلَ لا يُعْرَفُ فِيها نَصٌّ وإنَّما تُؤْخَذُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ المَذْكُورِ آنِفًا إذا ثَبَتَ أنَّ اللَّهَ تَعالى سَمّاهم رُسُلًا.
وأمّا الصَّلاةُ عَلى غَيْرِ الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَقَدِ اِضْطَرَبَتْ فِيها أقْوالُ العُلَماءِ فَقِيلَ تَجُوزُ مُطْلَقًا قالَ القاضِي عِياضٌ وعَلَيْهِ عامَّةُ أهْلِ العِلْمِ واسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ﴾ وبِما صَحَّ مِن قَوْلِهِ ﷺ: ««اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبِي أوْفى»» وقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وقَدْ رَفَعَ يَدَيْهِ: ««اَللَّهُمَّ اِجْعَلْ صَلَواتِكَ ورَحْمَتَكَ عَلى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبادَةَ»»
وصَحَّحَ اِبْنُ حِبّانَ خَبَرَ ««إنَّ اِمْرَأةً قالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ: صَلِّ عَلَيَّ وعَلى زَوْجِي فَفَعَلَ»» وفي خَبَرِ مُسْلِمٍ ««أنَّ المَلائِكَةَ تَقُولُ لِرُوحِ المُؤْمِنِ: صَلّى اللَّهُ عَلَيْكَ وعَلى جَسَدِكَ»» وبِهِ يُرَدُّ عَلى الخَفاجِيِّ قَوْلُهُ في (شَرْحِ الشِّفاءِ) صَلاةُ المَلائِكَةِ عَلى الأُمَّةِ لا تَكُونُ إلّا بِتَبَعِيَّتِهِ ﷺ، وقِيلَ لا تَجُوزُ مُطْلَقًا، وقِيلَ لا تَجُوزُ اِسْتِقْلالًا وتَجُوزُ تَبَعًا فِيما ورَدَ فِيهِ النَّصُّ كالآلِ أوْ ما أُلْحِقَ بِهِ كالأصْحابِ، واخْتارَهُ القُرْطُبِيُّ وغَيْرُهُ وقِيلَ تَجُوزُ تَبَعًا مُطْلَقًا ولا تَجُوزُ اِسْتِقْلالًا ونُسِبَ إلى أبِي حَنِيفَةَ وجَمْعٍ.
وفِي (تَنْوِيرِ الأبْصارِ) ولا يُصَلّى عَلى غَيْرِ الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ إلّا بِطَرِيقِ التَّبَعِ وهو مُحْتَمِلٌ لِكَراهَةِ الصَّلاةِ بِدُونِ تَبَعٍ تَحْرِيمًا ولِكَراهَتِها تَنْزِيهًا ولِكَوْنِها خِلافَ الأوْلى لَكِنْ ذَكَرَ البِيرِيُّ مِنَ الحَنَفِيَّةِ مَن صَلّى عَلى غَيْرِهِمْ أثِمَ وكُرِهَ وهو الصَّحِيحُ، وفي رِوايَةٍ عَنْ أحْمَدَ كَراهَةُ ذَلِكَ اِسْتِقْلالًا، ومَذْهَبُ الشّافِعِيَّةِ أنَّهُ خِلافُ الأوْلى وقالَ اللَّقانِيُّ: قالَ القاضِي عِياضٌ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ المُحَقِّقُونَ وأمِيلُ إلَيْهِ ما قالَهُ مالِكٌ وسُفْيانُ واخْتارَهُ غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الفُقَهاءِ والمُتَكَلِّمِينَ أنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ النَّبِيِّ ﷺ وسائِرِ الأنْبِياءِ بِالصَّلاةِ والتَّسْلِيمِ كَما يُخْتَصُّ اللَّهُ سُبْحانَهُ عِنْدَ ذِكْرِهِ بِالتَّقْدِيسِ والتَّنْزِيهِ ويُذْكَرُ مِن سِواهم بِالغُفْرانِ والرِّضا كَما قالَ تَعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم ورَضُوا عَنْهُ﴾ [اَلتَّوْبَةِ: 100] ﴿يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ﴾ [اَلْحَشْرِ: 10] وأيْضًا فَهو أمْرٌ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا في الصَّدْرِ الأوَّلِ وإنَّما أحْدَثَهُ الرّافِضَةُ في بَعْضِ الأئِمَّةِ، والتَّشَبُّهُ بِأهْلِ البِدَعِ مَنهِيٌّ عَنْهُ فَتَجِبُ مُخالَفَتُهُمِ اِنْتَهى. ولا يَخْفى أنَّ كَراهَةَ التَّشَبُّهِ بِأهْلِ البِدَعِ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَنا أيْضًا لَكِنْ لا مُطْلَقًا بَلْ في المَذْمُومِ وفِيما قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهَ بِهِمْ فَلا تَغْفُلْ.
وجاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أوْ صَحِيحٍ أنَّهُ كَتَبَ لِعامِلِهِ: أنَّ ناسًا مِنَ القُصّاصِ قَدْ أحْدَثُوا في الصَّلاةِ عَلى حُلَفائِهِمْ ومَوالِيهِمْ عِدْلَ صَلاتِهِمْ عَلى النَّبِيِّ ﷺ فَإذا جاءَكَ كِتابِي هَذا فَمُرْهم أنْ تَكُونَ صَلاتُهم عَلى النَّبِيِّينَ خاصَّةً ودُعاؤُهم لِلْمُسْلِمِينَ عامَّةً ويَدْعُوا ما سِوى ذَلِكَ.
وصَحَّ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: لا تَنْبَغِي الصَّلاةُ مِن أحَدٍ عَلى أحَدٍ إلّا عَلى النَّبِيِّ ﷺ. وفي رِوايَةٍ عَنْهُ ما أعْلَمُ الصَّلاةَ تَنْبَغِي عَلى أحَدٍ مِن أحَدٍ إلّا عَلى النَّبِيِّ ﷺ ولَكِنْ يُدْعى لِلْمُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ بِالِاسْتِغْفارِ، وكِلاهُما يَحْتَمِلُ الكَراهَةَ والحُرْمَةَ.
واسْتَدَلَّ المانِعُونَ بِأنَّ لَفْظَ الصَّلاةِ صارَ شِعارًا لِعِظَمِ الأنْبِياءِ وتَوْقِيرِهِمْ فَلا تُقالُ لِغَيْرِهِمُ اِسْتِقْلالًا وإنْ صَحَّ كَما لا يُقالُ مُحَمَّدٌ عَزَّ وجَلَّ وإنْ كانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ (p-86)والسَّلامُ عَزِيزًا جَلِيلًا لِأنَّ هَذا الثَّناءَ صارَ شِعارًا لِلَّهِ تَعالى فَلا يُشارِكُ فِيهِ غَيْرَهُ.
وأجابُوا عَمّا مَرَّ بِأنَّهُ صَدَرَ مِنَ اللَّهِ تَعالى ورَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَهُما أنْ يَخُصّا مَن شاءا بِما شاءا ولَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِما إلّا بِإذْنِهِما ولَمْ يَثْبُتْ عَنْهُما إذْنٌ في ذَلِكَ، ومِن ثَمَّ قالَ أبُو اليَمَنِ اِبْنُ عَساكِرَ لَهُ ﷺ أنْ يُصَلِّيَ عَلى غَيْرِهِ مُطْلَقًا لِأنَّهُ حَقُّهُ ومَنصِبُهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شاءَ بِخِلافِ أُمَّتِهِ إذْ لَيْسَ لَهم أنْ يُؤْثِرُوا غَيْرَهُ بِما هو لَهُ، لَكِنْ نازَعَ فِيهِ صاحِبُ المُعْتَمَدِ مِنَ الشّافِعِيَّةِ بِأنَّهُ لا دَلِيلَ عَلى الخُصُوصِيَّةِ، وحَمَلَ البَيْهَقِيُّ القَوْلَ بِالمَنعِ عَلى ما إذا جَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا وتَحِيَّةً وبِالجَوازِ عَلَيْها إذا كانَ دُعاءً وتَبَرُّكًا، واخْتارَ بَعْضُ الحَنابِلَةِ أنَّ الصَّلاةَ عَلى الآلِ مَشْرُوعَةٌ تَبَعًا وجائِزَةٌ اِسْتِقْلالًا وعَلى المَلائِكَةِ وأهْلِ الطّاعَةِ عُمُومًا جائِزَةٌ أيْضًا وعَلى مُعَيَّنِ شَخْصٍ أوْ جَماعَةٍ مَكْرُوهَةٌ ولَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِها لَمْ يَبْعُدْ سِيَّما إذا جُعِلَ ذَلِكَ شِعارًا لَهُ وحْدَهُ دُونَ مُساوِيهِ ومَن هو خَيْرٌ مِنهُ كَما تَفْعَلُ الرّافِضَةُ بِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ تَعالى وجْهَهُ ولا بَأْسَ بِها أحْيانًا كَما صَلّى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى المَرْأةِ وزَوْجِها وكَما صَلّى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى عَلِيٍّ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ وهو مُسَجًّى، ثُمَّ قالَ: وبِهَذا التَّفْصِيلِ تَتَّفِقُ الأدِلَّةُ، وأنْتَ تَعْلَمُ اِتِّفاقَها بِغَيْرِ ما ذُكِرَ.
والسَّلامُ عِنْدَ كَثِيرٍ فِيما ذُكِرَ وفي (شَرْحِ الجَوْهَرَةِ) لِلِّقْيانِيِّ نَقْلًا عَنِ الإمامِ الجُوَيْنِيِّ أنَّهُ في مَعْنى الصَّلاةِ فَلا يُسْتَعْلَمُ في الغائِبِ ولا يُفْرَدُ بِهِ غَيْرُ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ فَلا يُقالُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ بَلْ يُقالُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ، وسَواءٌ في هَذا الأحْياءُ والأمْواتُ إلّا في الحاضِرِ فَيُقالُ السَّلامُ أوْ سَلامٌ عَلَيْكَ أوْ عَلَيْكم وهَذا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ اِنْتَهى. وفي حِكايَةِ الإجْماعِ عَلى ذَلِكَ نَظَرٌ.
وفِي (اَلدُّرِّ المَنضُودِ) السَّلامُ كالصَّلاةِ فِيما ذُكِرَ إلّا إذا كانَ لِحاضِرٍ أوْ تَحِيَّةً لِحَيٍّ غائِبٍ، وفَرَّقَ آخَرُونَ بِأنَّهُ يُشْرَعُ في حَقِّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بِخِلافِ الصَّلاةِ، وهو فَرْقٌ بِالمُدَّعى فَلا يُقْبَلُ، ولا شاهِدَ في السَّلامِ عَلَيْنا وعَلى عِبادِ اللَّهِ الصّالِحِينَ لِأنَّهُ وارِدٌ في مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ ولَيْسَ غَيْرُهُ في مَعْناهُ عَلى أنَّ ما فِيهِ وقَعَ تَبَعًا لا اِسْتِقْلالًا.
وحَقَّقَ بَعْضُهم فَقالَ ما حاصِلُهُ مَعَ زِيادَةٍ عَلَيْهِ: السَّلامُ الَّذِي يَعُمُّ الحَيَّ والمَيِّتَ هو الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ التَّحِيَّةُ كالسَّلامِ عِنْدَ تَلاقٍ أوْ زِيارَةِ قَبْرٍ وهو مُسْتَدْعٍ لِلرَّدِّ وُجُوبُ كِفايَةٍ أوْ عَيْنٌ بِنَفْسِهِ في الحاضِرِ ورَسُولِهِ أوْ كِتابِهِ في الغائِبِ، وأمّا السَّلامُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الدُّعاءُ مِنّا بِالتَّسْلِيمِ مِنَ اللَّهِ تَعالى عَلى المَدْعُوِّ لَهُ سَواءٌ كانَ بِلَفْظِ غَيْبَةٍ أوْ حُضُورٍ فَهَذا هو الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ ﷺ عَنِ الأُمَّةِ فَلا يُسَلَّمُ عَلى غَيْرِهِ مِنهم إلّا تَبَعًا كَما أشارَ إلَيْهِ التَّقِيُّ السُّبْكِيُّ في (شِفاءِ الغَرامِ)، وحِينَئِذٍ فَقَدْ أشْبَهَ قَوْلُنا عَلَيْهِ السَّلامُ قَوْلَنا عَلَيْهِ الصَّلاةُ مِن حَيْثُ أنَّ المُرادَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَفِيهِ إشْعارٌ بِالتَّعْظِيمِ الَّذِي في الصَّلاةِ مِن حَيْثُ الطَّلَبُ لِأنْ يَكُونَ المُسَلَّمُ عَلَيْهِ اللَّهَ تَعالى كَما في الصَّلاةِ وهَذا النَّوْعُ مِنَ السَّلامِ هو الَّذِي اِدَّعى الحَلِيمِيُّ كَوْنَ الصَّلاةِ بِمَعْناهُ، اِنْتَهى.
واخْتُلِفَ في جَوازِ الدُّعاءِ لَهُ ﷺ بِالرَّحْمَةِ فَذَهَبَ اِبْنُ عَبْدِ البَرِّ إلى مَنعِ ذَلِكَ، ورُدَّ بِوُرُودِهِ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنها وهو أصَحُّها حَدِيثُ التَّشَهُّدِ السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّها النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ، ومِنها قَوْلُ الأعْرابِيِّ: اللَّهُمَّ اِرْحَمْنِي ومُحَمَّدًا، وتَقْرِيرُهُ ﷺ لِذَلِكَ، وقَوْلُهُ ﷺ: ««اَللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ رَحْمَةً مِن عِنْدَكَ اللَّهُمَّ أرْجُو رَحْمَتَكَ يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ»،» وفي خُطْبَةِ رِسالَةِ الشّافِعِيِّ ما لَفْظُهُ ﷺ: ورَحِمَ وكَرَّمَ.
نَعَمْ، قَضِيَّةُ كَلامِهِ كَحَدِيثِ التَّشَهُّدِ أنَّ مَحَلَّ الجَوازِ إنْ ضُمَّ إلَيْهِ لَفْظُ الصَّلاةِ أوِ السَّلامِ وإلّا لَمْ يَجُزْ، وقَدْ أخَذَ بِهِ جَمْعٌ مِنهُمُ الجَلالُ السُّيُوطِيُّ بَلْ نَقَلَهُ القاضِي عِياضٌ في الإكْمالِ عَنِ الجُمْهُورِ، قالَ القُرْطُبِيُّ: وهو الصَّحِيحُ، وجَزَمَ (p-87)بِعَدَمِ جَوازِهِ مُنْفَرِدًا الغَزالِيُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فَقالَ: لا يَجُوزُ تَرَحُّمٌ عَلى النَّبِيِّ ويَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكم كَدُعاءِ بَعْضِكم بَعْضًا﴾ [اَلنُّورِ: 63] والصَّلاةُ وإنْ كانَتْ بِمَعْنى الرَّحْمَةِ إلّا أنَّ الأنْبِياءَ خُصُّوا بِها تَعْظِيمًا لَهم وتَمْيِيزًا لِمَرْتَبَتِهِمُ الرَّفِيعَةِ عَلى غَيْرِهِمْ عَلى أنَّها في حَقِّهِمْ لَيْسَتْ بِمَعْنى مُطْلَقِ الرَّحْمَةِ بَلِ المُرادُ بِها ما هو أخَصُّ مِن ذَلِكَ كَما سَمِعْتَ فِيما تَقَدَّمَ.
نَعَمْ، ظاهِرُ قَوْلِ الأعْرابِيِّ السّابِقِ وتَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ لَهُ الجَوازُ ولَوْ بِدُونِ اِنْضِمامِ صَلاةٍ أوْ سَلامٍ.
قالَ اِبْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ: وهو الَّذِي يَتَّجِهُ وتَقْرِيرُهُ المَذْكُورُ خاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلى العُمُومِ الَّذِي اِقْتَضَتْهُ الآيَةُ ثُمَّ قالَ: ويَنْبَغِي حَمْلُ قَوْلِ مَن قالَ لا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلى أنَّ مُرادَهم نَفْيُ الجَوازِ المُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَيُصَدَّقُ بِأنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ أوْ خِلافُ الأوْلى، وذَكَرَ زَيْنُ الدِّينِ في بَحْرِهِ أنَّهُمُ اِتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ لا يُقالُ اِبْتِداءً رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى، وأنا أقُولُ: الَّذِي يَنْبَغِي أنْ لا يُقالَ ذَلِكَ اِبْتِداءً.
وقالَ الطَّحْطاوِيُّ في حَواشِيهِ عَلى الدُّرِّ المُخْتارِ: ويَنْبَغِي أنْ لا يَجُوزُ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ أوْ سامَحَهُ لِما فِيهِ مِن إيهامِ النَّقْصِ، وهو الَّذِي أمِيلُ إلَيْهِ وإنْ كانَ الدُّعاءُ بِالمَغْفِرَةِ لا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ ذَنْبٍ بَلْ قَدْ يَكُونُ بِزِيادَةِ دَرَجاتٍ كَما يُشِيرُ إلَيْهِ اِسْتِغْفارُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ مِائَةَ مَرَّةٍ، وكَذا الدُّعاءُ بِها لِلْمَيِّتِ الصَّغِيرِ في صَلاةِ الجِنازَةِ، ومِثْلُ ذَلِكَ فِيما يَظْهَرُ عَفا اللَّهُ تَعالى عَنْهُ وإنْ وقَعَ في القُرْآنِ فَإنَّ اللَّهَ تَعالى لَهُ أنْ يُخاطِبَ عَبْدَهُ بِما شاءَ.
وأرى حُكْمَ التَّرَحُّمِ عَلى المَلائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ كَحُكْمِ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ ﷺ، ومَنِ اُخْتُلِفَ في نُبُوَّتِهِ كَلُقْمانَ يُقَلْ فِيهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أوْ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلى الأنْبِياءِ وعَلَيْهِ وسَلَّمَ، هَذا وقَدْ بَقِيَتْ في هَذا المَقامِ أبْحاثٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ الكَلامُ بِذِكْرِها جِدًّا فَلْتُطْلَبْ مِن مَظانِّها واَللَّهُ تَعالى ولِيُّ التَّوْفِيقِ وبِيَدِهِ سُبْحانَهُ أزِمَّةُ التَّحْقِيقِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق