﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦]
حَدثنا مَحْمُود بن خِداش أخبرنا جرير عَن مُغيرَة عَن أبي معشر عَن إبْراهِيم قالَ قالُوا يا رَسُول الله قد علمنا السَّلام عَلَيْك فَكيف الصَّلاة عَلَيْك قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك ورَسُولك وأهل بَيته كَما صليت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد
حَدثنا سُلَيْمان بن حَرْب حَدثنا السّري بن يحيى قالَ سَمِعت الحسن قالَ:
"لما نزلت
﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾قالُوا يا رَسُول الله هَذا السَّلام قد علمنا كَيفَ هو فَكيف تَأْمُرنا أن نصلي عَلَيْك قالَ:
"تَقولُونَ اللَّهُمَّ اجْعَل صلواتك وبركاتك على آل مُحَمَّد كَما جَعلتها على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد"
حَدثنا سُلَيْمان بن حَرْب حَدثنا عَمْرو بن مُسافر حَدثنِي شيخ من أهلِي قالَ سَمِعت سعيد بن المسيب يَقُول:
"ما من دَعْوَة لا يُصَلِّي عَليّ النَّبِي ﷺ قبلها إلّا كانَت معلقَة بَين السَّماء والأرْض".
وَفِي التِّرْمِذِيّ من حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي قُرَّة الأسدي عَن سعيد بن المسيب عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قالَ:
"إن الدُّعاء مَوْقُوف بَين السَّماء والأرْض لا يصعد مِنهُ شَيْء حَتّى تصلي على نبيك ﷺ"
وَقد رُوِيَ مَرْفُوعا والمَوْقُوف أصح.
* (فصل)
قال ابن القيم في بدائع الفوائد:
وأما السؤال الرابع والعشرون: وهو ما الحكمة في تأكيد الأمر بالسلام على النبي ﷺ بالمصدر دون الصلاة عليه في قوله:
﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾فجوابه: أن التأكيد واقع على الصلاة والسلام وإن اختلفت جهة التأكيد فإنه سبحانه أخبر في أول الآية بصلاته عليه وصلاة ملائكته عليه مؤكدا لهذا الإخبار بحرف إن مخبرا عن الملائكة بصيغة الجمع المضاف إليه وهذا يفيد العموم والاستغراق فإذا استشعرت النفوس أن شأنه ﷺ عند الله وعند ملائكته هذا الشأن بادرت إلى الصلاة عليه وإن لم تؤمر بها بل يكفي تنبيهها والإشارة إليها بأدنى إشارة فإذا أمرت بها لم تحتج إلى تأكيد الأمر بل إذا جاء مطلق الأمر بادرت وسارعت إلى موافقة الله وملائكته في الصلاة عله صلوات الله وسلامه عليه فلم يحتج إلى تأكيد الفعل بالمصدر ولما خلا السلام عن هذا المعنى وجاء في حيز الأمر المجرد دون الخبر حسن تأكيده بالمصدر ليدل على تحقيق المعنى وتثبيته ويقوم تأكيد الفعل مقام تكريره كما حصل التكرير في الصلاة خبرا وطلبا فكذلك حصل التكريم في السلام فعلا ومصدرا فتأمله.
فإنه بديع جدا والله أعلم وقد ذكرنا بعض ما في هذه الآية من الأسرار والحكم العجيبة في كتاب تعظيم شأن الصلاة والسلام على خير الأنام وأتينا فيه من الفوائد بما يساوي أدناها رحلة مما لا يوجد في غيره ولله الحمد فنقتصر على هذه النكتة الواحدة.
* (فصل)
وأما السؤال الخامس والعشرين: وهو ما الحكمة في تقديم السلام على النبي ﷺ في الصلاة قبل عليه وهلا وقعت البداءة بما بدأ الله به في الآية؟
فهذا سؤال أيضا له شأن لا ينبغي الإضراب عنه صفحا وتمشية والنبي ﷺ كان شديد التحري لتقديم ما قدمه الله والبداءة بما بدأ به فلهذا بدأ بالصفا في السعي وقال: "نبدأ بما بدأ الله به " صحيح وبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس في الوضوء ولم يخل بذلك مرة واحدة بل كان هذا وضوءه إلى أن فارق الدنيا ثم يقدم منه مؤخرا ولم يؤخر منه مقدما قط ولا يقدر أحد أن ينقل عنه خلاف ذلك لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف ومع هذا فوقع في الصلاة والسلام عليه تقديم السلام وتأخير الصلاة وذلك لسر من أسرار الصلاة نشير إليه بحسب الحال إشارة وهو أن الصلاة قد اشتملت على عبودية جميع الجوارح والأعضاء مع عبودية القلب فلكل عضو منها نصيب من العبودية فجميع أعضاء المصلي وجوارحه متحركة في الصلاة عبودية لله وذلا وخضوعا فلما أكمل المصلي هذه العبودية وانتهت حركاته ختمت بالجلوس بين يدي الرب تعالى جلوس تذلل وانكسار وخضوع لعظمته عز وجل كما يجلس العبد الذليل بين يدي سيده وكان جلوس الصلاة أخشع ما يكون من الجلوس وأعظمه خضوعا وتذللا فأذن للعبد في هذه الحال بالثناء على الله تبارك وتعالى بأبلغ أنواع الثناء وهو التحيات لله والصلوات والطيبات وعادتهم إذا دخلوا على ملوكهم أن يحيوهم بما يليق بهم وتلك التحية تعظيم لهم وثناء عليهم والله أحق بالتعظيم والثناء من كل أحد من خلقه فجمع العبد في قوله التحيات والصلوات والطيبات أنواع الثناء على الله وأخبر أن ذلك له وصفا وملكا وكذلك الصلوات كلها لله فهو الذي يصلي له وحده لا لغيره وكذلك الطيبات كلها من الكلمات والأفعال كلها له فكلماته طيبات وأفعاله كذلك وهو طيب لا يصعد إليه إلا طيب والكلم الطيب إليه يصعد فكانت الطيبات كلها له ومنه وإليه له ملكا ووصفا ومنه مجيئها وابتداؤها وإليه مصعدها ومنتهاها والصلاة مشتملة على عمل صالح وكلم طيب والكلم الطيب إليه يصعد والعمل الصالح يرفعه فناسب ذكر هذا عند انتهاء الصلاة وقت رفعها إلى الله تعالى سر السلام على النبي ﷺ لما أتى بهذا الثناء على الرب التفت إلى شأن الرسول الذي حصل هذا الخير على يديه فسلم عليه أتم سلام معرف باللام التي للاستغراق مقرونا بالرحمة والبركة هذا هو أصح شيء في السلام عليه فلا تبخل عليه بالألف واللام في هذا المقام ثم انتقل إلى السلام على نفسه وعلى سائر عباد الله الصالحين وبدأ بنفسه لأنها أهم والإنسان يبدأ بنفسه ثم بمن يعول ثم ختم هذا المقام بعقد الإسلام وهو التشهد بشهادة الحق التي هي أول الأمر وآخره وعندها كل الثناء والتشهد ثم انتقل إلى نوع آخر وهو الدعاء والطلب فالتشهد يجمع نوعي الدعاء دعاء الثناء والخير ودعاء الطلب والمسألة والأول أشرف النوعين لأنه حق الرب ووصفه والثاني حظ العبد ومصلحته وفي الأثر من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين ضعيف
لكن لما كانت الصلاة أتم العبادات عبودية وأكملها شرع فيه النوعين وقدم الأول منهما لفضله ثم انتقل إلى النوع الثاني وهو دعاء الطلب والمسألة فبدأ بأهمه وأجله وأنفعه له وهو طلب الصلاة من الله تعالى على رسوله ﷺ وهو من أجل أدعية العبد وأنفعها له في دنياه وآخرته كما ذكرناه في كتاب تعظيم شأن الصلاة على النبي وفيه أيضا أن الداعي جعله مقدمة بين يدي حاجته وطلبه لنفسه وقد أشار إلى النبي ﷺ إلى هذا المعنى في قوله ثم لينتخب من الدعاء أعجبه إليه وكذلك في حديث فضالة بن عبيد إذا دعا أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ﷺ ثم ليدع فتأمل كيف جاء التشهد من أوله إلى آخره مطابقا لهذا منتظما له أحسن انتظام فحديث فضالة هذا هو الذي كشف لنا المعنى وأوضحه وبينه فصلوات الله وسلامه على من أكمل به لنا دينه وأتم برسالته علينا نعمته وجعله رحمة للعالمين وحسرة على الكافرين.
* (فصل)
وأما السؤال السادس والعشرون: وهو ما الحكمة في كون السلام وقع بصيغة الخطاب والصلاة بصيغة الغيبة؟
فجوابه: يظهر مما تقدم فإن الصلاة عليه طلب وسؤال من الله أن يصلي عليه فلا يمكن فيها إلا لفظ الغيبة إذ لا يقال اللهم صل عليك وأما السلام عليه فأتى بلفظ الحاضر المخاطب تنزيلا له منزلة المواجه لحكمة بديعة جدا وهي أنه ﷺ لما كان أحب إلى المؤمن من نفسه التي بين جنبيه وأولى به منها وأقرب وكانت حقيقته الذهنية ومثاله العلمي موجودا في قلبه بحيث لا يغيب عنه إلا شخصه كما قال القائل:
مثالك في عيني وذكرك في فمي ∗∗∗ ومثواك في قلبي فأين تغيب
ومن كان بهذه الحال فهو الحاضر حقا وغيره وإن كان حاضرا للعيان فهو غائب عن الجنان فكان خطابه خطاب المواجهة والحضور بالسلام عليه أولى من سلام الغيبة تنزيلا له منزلة المواجه المعاين لقربه من القلب وحلوله في جميع أجزائه بحيث لا يبقى في القلب جزء إلا ومحبته وذكره فيه كما قيل:
لو شق عن قلبي يرى وسطه ذكرك
والتوحيد في سطر لا إله إلا الله محمد رسول الله ولا تستنكر استيلاء المحبوب على قلب المحب وغلبته عليه حتى كأنه يراه ولهذا تجدهم في خطابهم لمحبوبهم إنما يعتمدون خطاب الحضور والمشاهدة مع غاية البعد العياني لكمال القرب الروحي فلم يمنعهم بعد الأشباح عن محادثة الأرواح ومخاطبتها ومن كثفت طباعه فهو عن هذا كله بمعزل وإنه ليبلغ الحب ببعض أهله أن يرى محبوبه في القرب إليه بمنزلة روحه التي لا شيء أدنى إليه منها كما قيل:
يا مقيما مدى الزمان بقلبي ∗∗∗ وبعيدا عن ناظري وعياني
أنت روحي إن كنت لست راها ∗∗∗ فهي أدنى إلي من كل داني
وقال آخر:
يا ثاويا بين الجوانح والحشا ∗∗∗ مني وإن بعدت علي دياره
وإنه ليلطف شأن المحبة حتى يرى أنه أدنى إليه وأقرب من روحه وهذه أبيات تلم بذلك:
وأدنى إلى الصب من نفسه ∗∗∗ وإن كان عن عينه نائيا
ومن كان مع حبه هكذا ∗∗∗ فأنى يكون له ساليا
ثم يلطف شأنها ويقهر سلطانها حتى يغيب المحب بمحبوبه عن نفسه فلا يشعر إلا بمحبوبه ولا يشعر بنفسه ومن هنا نشأت الشطحات الصوفية التي مصدرها عن قوة الوارد وضعف التمييز فحكم صاحبها فيها الحال على العلم وجعل الحكم له وعزل علمه من البين وحكم المحفوظون فيها حاكم العلم على سلطان الحال وعلموا أن كل حال لا يكون العلم حاكما عليه فإنه لا ينبغي أن يغتر به ولا يسكن إليه إلا كما يساكن المغلوب المقهور لما يرد عليه مما يعجز عن دفعه وهذه حال الكمل من القوم الذين جمعوا بين نور العلم وأحوال من المعاملة فلم تطفئ عواصف أحوالهم نور علمهم ولم يقصر بهم علمهم عن الترقي إلى ما وراءه من مقامات الإيمان والإحسان فهؤلاء حكام على الطائفتين ومن عداهم فمحجوب بعلم لا نفوذ له فيه أو مغرور بحال لا علم له بصحيحه من فاسده والله تعالى المسؤول من فضله إنه قريب مجيب فالكامل من يحكم العلم على الحال فيتصرف في حاله بعلمه ويجعل العلم بمنزلة النور الذي يميز به الصحيح من الفاسد لا من يقدح في العلم بالحال ويجعل الحال معيارا عليه وميزانا فما وافق حاله من العلم قبله وما خالفه رده ونفاه فهذا أصل الضلال في هذا الباب بل الواجب تحكيم العلم والرجوع إلى حكمه وبهذا أوصى العارفون من شيوخ الطريق كلهم وحرضوا على العلم أعظم تحريض لعلمهم بما في الحال المجرد عنه من الغوائل والمهالك:
﴿واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
* (فصل: في بَيان معنى الصَّلاة على النَّبِي ﷺ
وأصل هَذِه اللَّفْظَة في اللُّغَة يرجع إلى مَعْنيين:
أحدهما الدُّعاء والتبريك.
والثّانِي العِبادَة فَمن الأول قَوْله تَعالى
﴿خُذْ مِن أمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم﴾ [التوبة: ١٠٣]وَقَوله تَعالى في حق المُنافِقين
﴿وَلا تُصَلِّ عَلى أحَدٍ مِنهم ماتَ أبَدًا ولا تَقُمْ عَلى قَبره﴾ [التوبة: ٨٤]وَقَول النَّبِي ﷺ إذا دعِي أحدكُم إلى الطَّعام فليجب فَإن كانَ صائِما فَليصل فسر بهما قيل فَليدع لَهُم بِالبركَةِ وقيل يُصَلِّي عِنْدهم بدل أكله وقيل إن الصَّلاة في اللُّغَة مَعْناها الدُّعاء
والدُّعاء نَوْعانِ دُعاء عبادَة ودُعاء مَسْألَة والعابِد داع كَما أن السّائِل داع وبِهِما فسر قَوْله تَعالى
﴿وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]قيل أطِيعُونِي أثبكم وقيل سلوني أعطكم وفسّر بهما قَوْله تَعالى
﴿وَإذا سَألَكَ عِبادِي عَنِّي فَإنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذا دَعانِ﴾ [البقرة: ١٨٦]والصَّواب أن الدُّعاء يعم النَّوْعَيْنِ وهَذا لفظ متواطئ لا اشْتِراك فِيهِ فَمن اسْتِعْماله في دُعاء العِبادَة قَوْله تَعالى
﴿قُلِ ادْعُوا الّذِينَ زَعَمْتُمْ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ﴾ [سبأ: ٢٢] وقَوله تَعالى
﴿والَّذين يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وهم يُخْلَقُونَ﴾ [النحل: ٢٠]وَقَوله تَعالى
﴿قُلْ ما يَعْبَأُ بِكم رَبِّي لَوْلا دعاؤكم﴾ [الفرقان: ٧٧]والصَّحِيح من القَوْلَيْنِ لَوْلا أنكم تَدعُونَهُ وتعبدونه أي أي شَيْء يعبأ بكم لَوْلا عبادتكم إيّاه فَيكون المصدر مُضافا إلى الفاعِل وقالَ تَعالى
﴿ادْعُوا رَبَّكم تَضَرُّعًا وخُفْيَةً إنَّهُ لا يحب المُعْتَدِينَ ولا تفسدوا في الأرْض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وطَمَعًا﴾ [الأعْراف ٥٥ ٥٦ وقالَ تَعالى إخْبارًا عَن أنبيائه ورُسُله
﴿إنَّهم كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْراتِ ويَدْعُونَنا رغبا ورهبا﴾ [الأنبياء: ٩٠]وَهَذِه الطَّرِيقَة أحسن من الطَّرِيقَة الأولى ودَعوى الِاخْتِلاف في مُسَمّى الدُّعاء وبِهَذا تَزُول الإشكالات الوارِدَة على اسْم الصَّلاة الشَّرْعِيَّة هَل هو مَنقُول عَن مَوْضِعه في اللُّغَة فَيكون حَقِيقَة شَرْعِيَّة أو مجازًا شَرْعِيًّا.
فعلى هَذا تكون الصَّلاة باقِيَة على مسماها في اللُّغَة وهو الدُّعاء والدُّعاء دُعاء عبادَة ودُعاء مَسْألَة والمُصَلي من حِين تكبيره إلى سَلامه بَين دُعاء العِبادَة ودُعاء المَسْألَة فَهو في صَلاة حَقِيقِيَّة لا مجازًا ولا منقولة لَكِن خص اسْم الصَّلاة بِهَذِهِ العِبادَة المَخْصُوصَة كَسائِر الألْفاظ الَّتِي يَخُصها أهل اللُّغَة والعرْف بِبَعْض مسماها كالدابة والرَّأْس ونَحْوهما فَهَذا غايَته تَخْصِيص اللَّفْظ وقصره على بعض مَوْضُوعه ولِهَذا لا يُوجب نقلا ولا خُرُوجًا عَن مَوْضُوعه الأصْلِيّ والله أعلم
* (فصل)
هَذِه صَلاة الآدَمِيّ وأما صَلاة الله سُبْحانَهُ على عَبده فنوعان عامَّة وخاصة
أما العامَّة فَهي صلاته على عباده المُؤمنِينَ قالَ تَعالى
﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: ٤٣]وَمِنه دُعاء النَّبِي ﷺ بِالصَّلاةِ على آحاد المُؤمنِينَ كَقَوْلِه اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وفي حَدِيث آخر أن امْرَأة قالَت لَهُ صل عَليّ وعَلى زَوجي قالَ صلى الله عَلَيْك وعَلى زَوجك وسَيَأْتِي ذكر هَذا الحَدِيث وما شابهه إن شاءَ الله تَعالى
النَّوْع الثّانِي صلاته الخاصَّة على أنبيائه ورُسُله خُصُوصا على خاتمهم وخَيرهمْ مُحَمَّد ﷺ
فاخْتلف النّاس في معنى الصَّلاة مِنهُ سُبْحانَهُ على أقْوال:
أحدها أنَّها رَحمته قالَ إسْماعِيل حَدثنا نصر بن عَليّ حَدثنا مُحَمَّد بن سَواء عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحّاك قالَ صَلاة الله رَحمته وصَلاة المَلائِكَة الدُّعاء
(١)وَقالَ المبرد أصل الصَّلاة الرَّحِم فَهي من الله رَحْمَة ومن المَلائِكَة رقة واستدعاء للرحمة من الله وهَذا القَوْل هو المَعْرُوف عند كثير من المُتَأخِّرين
والقَوْل الثّانِي أن صَلاة الله مغفرته قالَ إسْماعِيل ثَنا مُحَمَّد بن أبي بكر ثَنا مُحَمَّد بن سَواء عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحّاك هو الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُم قالَ صَلاة الله مغفرته وصَلاة المَلائِكَة الدُّعاء
(٢)وَهَذا القَوْل من جنس الَّذِي قبله وهما ضعيفان لوجوه
أحدها أن الله سُبْحانَهُ فرق بَين صلاته على عباده ورَحمته فَقالَ تَعالى
﴿وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]فعطف الرَّحْمَة على الصَّلاة فاقْتضى ذَلِك تغايرهما هَذا أصل العَطف.
وَأما قَوْلهم
(وألفى قَوْلها كذبا ومينا ... )
فَهُوَ شاذ نادِر لا يحمل عَلَيْهِ أفْصح الكَلام مَعَ أن المين أخص من الكَذِب.
الوَجْه الثّانِي أن صَلاة الله سُبْحانَهُ خاصَّة بأنبيائه ورُسُله وعباده المُؤمنِينَ وأما رَحمته فوسعت كل شَيْء فَلَيْسَتْ الصَّلاة مرادفة للرحمة لَكِن الرَّحْمَة من لَوازِم الصَّلاة وموجباتها وثمراتها فَمن فَسرها بِالرَّحْمَةِ فقد فَسرها بِبَعْض ثَمَرَتها ومقصودها وهَذا كثيرا ما يَأْتِي في تَفْسِير ألْفاظ القُرْآن والرَّسُول ﷺ يُفَسر اللَّفْظَة بلازمها وجزء مَعْناها كتفسير الريب بِالشَّكِّ والشَّكّ جُزْء مُسَمّى الريب وتَفْسِير المَغْفِرَة بالستر وهو جُزْء مُسَمّى المَغْفِرَة وتَفْسِير الرَّحْمَة بِإرادَة الإحْسان وهو لازم الرَّحْمَة ونظائر ذَلِك كَثِيرَة قد ذَكرناها في أصُول التَّفْسِير
الوَجْه الثّالِث أنه لا خلاف في جَواز الترحم على المُؤمنِينَ واخْتلف السّلف والخلف في جَواز الصَّلاة على الأنْبِياء على ثَلاثَة أقْوال سنذكرها فِيما بعد إن شاءَ الله تَعالى فَعلم أنَّهُما ليسا بمترادفين
الوَجْه الرّابِع أنه لَو كانَت الصَّلاة بِمَعْنى الرَّحْمَة لقامت مقامها في امْتِثال الأمر وأسقطت الوُجُوب عند من أوجبها إذا قالَ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وآل مُحَمَّد ولَيْسَ الأمر كَذَلِك
الوَجْه الخامِس أنه لا يُقال لمن رحم غَيره ورق عَلَيْهِ فأطعمه أو سقاهُ أو كَساه أنه صلى عَلَيْهِ ويُقال إنَّه قد رَحمَه
الوَجْه السّادِس أن الإنْسان قد يرحم من يبغضه ويعاديه فيجد في قلبه لَهُ رَحْمَة ولا يُصَلِّي عَلَيْهِ.
الوَجْه السّابِع أن الصَّلاة لا بُد فِيها من كَلام فَهي ثَناء من المُصَلِّي على من يُصَلِّي عَلَيْهِ وتنويه بِهِ وإشارَة لمحاسنه ومناقبه وذكره.
ذكر البُخارِيّ في صَحِيحه عَن أبي العالِيَة قالَ صَلاة الله على رَسُوله ثَناؤُهُ عَلَيْهِ عند المَلائِكَة
(٣)وَقالَ إسْماعِيل في كِتابه حَدثنا نصر بن عَليّ حَدثنا خالِد بن يزِيد عَن أبي جَعْفَر عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي العالِيَة
﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾ [الأحْزاب ٥٦ قالَ صَلاة الله عز وجل ثَناؤُهُ عَلَيْهِ وصَلاة المَلائِكَة عَلَيْهِ الدُّعاء
الوَجْه الثّامِن أن الله سُبْحانَهُ فرق بَين صلاته وصَلاة مَلائكَته وجمعهما في فعل واحِد فَقالَ
﴿إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾ [وَهَذِه الصَّلاة لا يجوز أن تكون هي الرَّحْمَة وإنَّما هي ثَناؤُهُ سُبْحانَهُ وثناء مَلائكَته عَلَيْهِ ولا يُقال الصَّلاة لفظ مُشْتَرك ويجوز أن يسْتَعْمل في معنييه مَعًا لِأن في ذَلِك محاذير مُتعَدِّدَة
أحدها أن الِاشْتِراك خلاف الأصْل بل لا يعلم أنه وقع في اللُّغَة من واضع واحِد كَما نَص على ذَلِك أئِمَّة اللُّغَة مِنهُم المبرد وغَيره وإنَّما يَقع وقوعا عارضا اتفاقيا بِسَبَب تعدد الواضعين ثمَّ تختلط اللُّغَة فَيَقَع الِاشْتِراك
الثّانِي أن الأكْثَرين لا يجووزون اسْتِعْمال اللَّفْظ المُشْتَرك في معنييه لا بطرِيق الحَقِيقَة ولا بطرِيق المجاز وما حُكيَ عَن الشّافِعِي رَحمَه الله من تجويزه ذَلِك فَلَيْسَ بِصَحِيح عَنهُ وإنَّما أخذ من قَوْله إذا أوصى لمواليه وله موالٍ من فَوق ومن أسْفَل تناول جَمِيعهم فَظن من ظن أن لفظ المولى مُشْتَرك بَينهما وأنه عند التجرد يحمل عَلَيْهِما وهَذا لَيْسَ بِصَحِيح فَإن لفظ المولى من الألْفاظ المتواطئة فالشافعي في ظاهر مذْهبه وأحمد يَقُولانِ بِدُخُول نَوْعي الموالِي في هَذا اللَّفْظ وهو عِنْده عام متواطئ لا مُشْتَرك
وأما ما حُكيَ عَن الشّافِعِي رَحمَه الله أنه قالَ في مُفاوَضَة جرت لَهُ في قَوْله
﴿أوْ لامستم النِّساء﴾وَقد قيل لَهُ قد يُراد بالملامسة المجامعة قالَ هي مَحْمُولَة على الجس بِاليَدِ حَقِيقَة وعَلى الوقاع مجازًا فَهَذا لا يَصح عَن الشّافِعِي ولا هو من جنس المألوف من كَلامه وإنَّما هَذا من كَلام بعض الفُقَهاء المُتَأخِّرين وقد ذكرنا على إبِْطال اسْتِعْمال اللَّفْظ المُشْتَرك في معنييه مَعًا بضعَة عشر دَلِيلا في مَسْألَة القُرْء في = كتاب التَّعْلِيق على الأحْكام =
فَإذا كانَ معنى الصَّلاة هو الثَّناء على الرَّسُول والعناية بِهِ وإظْهار شرفه وفضله وحرمته كَما هو المَعْرُوف من هَذِه اللَّفْظَة لم يكن لفظ الصَّلاة في الآيَة مُشْتَركا مَحْمُولا على معنييه بل قد يكون مُسْتَعْملا في معنى واحِد وهَذا هو الأصْل وسنعود إلى هَذِه المَسْألَة إن شاءَ الله تَعالى في الكَلام على تَفْسِير قَوْله تَعالى
﴿إنَّ الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾الوَجْه التّاسِع أن الله سُبْحانَهُ أمر بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ عقب إخْباره بِأنَّهُ ومَلائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ والمعْنى أنه إذا كانَ الله ومَلائِكَته يصلونَ على رَسُوله فصلوا أنْتُم عَلَيْهِ فَأنْتم أحَق بِأن تصلوا عَلَيْهِ وتسلموا تَسْلِيمًا لما نالكم ببركة رسالَته ويمن سفارته من شرف الدُّنْيا والآخِرَة ومن المَعْلُوم أنه لَو عبر عَن هَذا المَعْنى بِالرَّحْمَةِ لم يحسن موقعه ولم يحسن النّظم فينقض اللَّفْظ والمعْنى فَإن التَّقْدِير يصير إلى أن الله ومَلائِكَته ترحم ويَسْتَغْفِرُونَ لنَبيه فادعوا أنْتُم لَهُ وسلموا وهَذا لَيْسَ مُراد الآيَة قطعا بل الصَّلاة المَأْمُور بها فِيها هي الطّلب من الله ما أخبر بِهِ عَن صلاته وصَلاة مَلائكَته وهِي ثَناء عَلَيْهِ وإظْهار لفضله وشرفه وإرادَة تكريمه وتقريبه فَهي تَتَضَمَّن الخَبَر والطلب وسمي هَذا السُّؤال والدُّعاء منا نَحن صَلاة عَلَيْهِ لوَجْهَيْنِ
أحدهما أنه يتَضَمَّن ثَناء المُصَلِّي عَلَيْهِ والإشادة بِذكر شرفه وفضله والإرادة والمحبة لذَلِك من الله تَعالى فقد تَضَمَّنت الخَبَر والطلب.
والوَجْه الثّانِي أن ذَلِك سمي منا صَلاة لسؤالنا من الله أن يُصَلِّي عَلَيْهِ فَصَلاة الله عَلَيْهِ ثَناؤُهُ وإرادته لرفع ذكره وتقريبه وصلاتنا نَحن عَلَيْهِ سؤالنا الله تَعالى أن يفعل ذَلِك بِهِ وضد هَذا في لعنة أعدائه الشانئين لما جاءَ بِهِ فَإنَّها تُضاف إلى الله وتضاف إلى العَبْد كَما قالَ تَعالى
﴿إن الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أنْزَلْنا مِنَ البَيِّناتِ والهُدى مِن بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ في الكِتابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ ويَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ﴾ [البقرة: ١٥٩] فلعنه الله تَعالى لَهُم تَتَضَمَّن ذمه وإبعاده وبغضه لَهُم ولعنة العَبْد تَتَضَمَّن سُؤال الله تَعالى أن يفعل ذَلِك بِمن هو أهل للعنته
وَإذا ثَبت هَذا فَمن المَعْلُوم أنه لَو كانَت الصَّلاة هي الرَّحْمَة لم يَصح أن يُقال لطالبها من الله مُصَليا وإنَّما يُقال لَهُ مسترحما لَهُ كَما يُقال لطالب المَغْفِرَة مُسْتَغْفِرًا لَهُ ولطالب العَطف مستعطفا ونظائره.
وَلِهَذا لا يُقال لمن سَألَ الله المَغْفِرَة لغيره قد غفر لَهُ فَهو غافِر ولا لمن سَألَهُ العَفو عَنهُ قد عَفا عَنهُ وهنا قد سمي العَبْد مُصَليا فَلَو كانَت الصَّلاة هي الرَّحْمَة لَكانَ العَبْد راحما لمن صلى عَلَيْهِ وكانَ قد رَحمَه برحمة ومن رحم النَّبِي ﷺ مرّة رَحمَه الله بها عشرا وهَذا مَعْلُوم البطلان
فَإن قيل لَيْسَ معنى صَلاة العَبْد عَلَيْهِ ﷺ رَحمته وإنَّما مَعْناها طلب الرَّحْمَة لَهُ من الله قيل هَذا باطِل من وُجُوه
أحدها أن طلب الرَّحْمَة مَطْلُوب لكل مُسلم وطلب الصَّلاة من الله يخْتَص رسله صلوات الله وسَلامه عَلَيْهِم عند كثير من النّاس كَما سَنذكرُهُ إن شاءَ الله تَعالى
الثّانِي أنه لَو سمي طالب الرَّحْمَة مُصَليا لسمي طالب المَغْفِرَة غافرا وطالب العَفو عافيا وطالب الصفح صافحا ونَحْوه
فَإن قيل فَأنْتم قد سميتم طالب الصَّلاة من الله مُصَليا
قيل إنَّما سمي مُصَليا لوُجُود حَقِيقَة الصَّلاة مِنهُ فَإن حَقِيقَتها الثَّناء وإرادَة الإكْرام والتقريب وإعلاء المنزلَة وهَذا حاصِل من صَلاة العَبْد لَكِن العَبْد يُرِيد ذَلِك من الله عز وجل والله سُبْحانَهُ وتَعالى يُرِيد ذَلِك من نَفسه أن يَفْعَله بِرَسُولِهِ ﷺ
وَأما على الوَجْه الثّانِي وأنه سمي مُصَليا لطلبه ذَلِك من الله فَلِأن الصَّلاة نوع من الكَلام الطلبي والخبري والإرادة، وقد وجد ذَلِك من المُصَلِّي بِخِلاف الرَّحْمَة والمَغْفِرَة فَإنَّها أفعال لا تحصل من الطّالِب وإنَّما تحصل من المَطْلُوب مِنهُ والله أعلم.
الوَجْه العاشِر أنه قد ثَبت عَن النَّبِي ﷺ في الحَدِيث الصَّحِيح الَّذِي رَواهُ مُسلم أنه من صلى عَلَيْهِ مرّة صلى الله عَلَيْهِ بها عشرا وأنه سُبْحانَهُ وتَعالى قالَ لَهُ إنَّه من صلى عَلَيْك من أمتك مرّة صليت عَلَيْهِ بها عشرا وهَذا مُوافق للقاعدة المستقرة في الشَّرِيعَة أن الجَزاء من جنس العَمَل فَصَلاة الله على المُصَلِّي على رَسُوله جَزاء لصلاته هو عَلَيْهِ ومَعْلُوم أن صَلاة العَبْد على رَسُول الله ﷺ لَيست هي رَحْمَة من العَبْد لتَكون صَلاة الله عَلَيْهِ من جِنْسها وإنَّما هي ثَناء على الرَّسُول ﷺ وإرادَة من الله تَعالى أن يعلي ذكره ويزيده تَعْظِيمًا وتشريفا والجَزاء من جنس العَمَل فَمن أثنى على رَسُول ﷺ جزاه الله من جنس عمله بِأن يثني عَلَيْهِ ويزِيد تشريفه وتكريمه فصح ارتباط الجَزاء بِالعَمَلِ ومشاكلته لَهُ ومناسبته لَهُ كَقَوْلِه من يسر على مُعسر يسر الله عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَة ومن ستر مُسلما ستره الله في الدُّنْيا والآخِرَة ومن نفس عَن مُؤمن كربَة من كرب الدُّنْيا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم القِيامَة والله في عون العَبْد ما كانَ العَبْد في عون أخِيه ومن سلك طَرِيقا يلْتَمس فِيهِ علما سهل الله لَهُ طَرِيقا إلى الجنَّة
وَمن سُئِلَ عَن علم يُعلمهُ فكتمه ألْجم يَوْم القِيامَة بلجام من نار
(٤)وَمن صلى عَليّ النَّبِي ﷺ مرّة صلى الله عَلَيْهِ بها عشرا ونظائره كَثِيرَة الوَجْه الحادِي عشر أن أحدا لَو قالَ عَن رَسُول الله ﷺ رَحمَه الله أو قالَ رَسُول الله رَحمَه الله بدل ﷺ لَبادَرت الأمة إلى الإنْكار عَلَيْهِ وسموه مبتدعا غير موقر للنَّبِي ﷺ ولا مصل عَلَيْهِ ولا مثن عَلَيْهِ بِما يسْتَحقّهُ ولا يسْتَحق أن يُصَلِّي الله عَلَيْهِ بذلك عشر صلوات ولَو كانَت الصَّلاة من الله الرَّحْمَة لم يمْتَنع شَيْء من ذَلِك
الوَجْه الثّانِي عشر أن الله سُبْحانَهُ وتَعالى قالَ
﴿لا تجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا﴾ [النور: ٦٣]فَأمر سُبْحانَهُ ألا يدعى رَسُوله بِما يَدْعُو النّاس بَعضهم بَعْضًا بل يُقال يا رَسُول الله ولا يُقال يا مُحَمَّد وإنَّما كانَ يُسَمِّيه باسمه وقت الخطاب الكفّار وأما المُسلمُونَ فَكانُوا يخاطبونه يا رَسُول الله وإذا كانَ هَذا في خطابه فَهَكَذا في مغيبه لا يَنْبَغِي أن يَجْعَل ما يدعى بِهِ لَهُ من جنس ما يَدْعُو بِهِ بَعْضنا لبَعض بل يدعى لَهُ بأشرف الدُّعاء وهو الصَّلاة عَلَيْهِ ومَعْلُوم أن الرَّحْمَة يدعى بها لكل مُسلم بل ولغير الآدَمِيّ من الحَيَوانات كَما في دُعاء الاسْتِسْقاء اللَّهُمَّ ارْحَمْ عِبادك وبلادك وبهائمك
الوَجْه الثّالِث عشر أن هَذِه اللَّفْظَة لا تعرف في اللُّغَة الأصْلِيَّة بِمَعْنى الرَّحْمَة أصلا والمَعْرُوف عند العَرَب من مَعْناها
إنَّما هو الدُّعاء والتبريك والثناء قالَ
(وَإن ذكرت صلى عَلَيْها وزمزما ... )
أي برك عَلَيْها ومدحها ولا تعرف العَرَب قطّ صلى عَلَيْهِ بِمَعْنى الرَّحْمَة فالواجِب حمل اللَّفْظَة على مَعْناها المُتَعارف في اللُّغَة
الوَجْه الرّابِع عشر أنه يسوغ بل يسْتَحبّ لكل أحد أن يسْأل الله تَعالى أن يرحمه فَيَقُول اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
كَما علم النَّبِي ﷺ الدّاعِي أن يَقُول "اللَّهُمَّ أغفر لي وارحمني وعافنِي وارزقني فَلَمّا حفظها قالَ أما هَذا فقد مَلأ يَدَيْهِ من الخَيْر" ومَعْلُوم أنه لا يسوغ لأحد أن يَقُول اللَّهُمَّ صل عَليّ بل الدّاعِي بِهَذا مُعْتَد في دُعائِهِ
﴿واللَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾بِخِلاف سُؤال الرَّحْمَة فَإن الله تَعالى يحب أن يسْأله عَبده مغفرته ورَحمته فَعلم أنه لَيْسَ مَعْناهُما واحِدًا.
الوَجْه الخامِس عشر أن أكثر المَواضِع الَّتِي تسْتَعْمل فِيها الرَّحْمَة لا يحسن أن تقع فِيها الصَّلاة
كَقَوْلِه تَعالى
﴿وَرَحْمَتِي وسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦]وَقَوله إن رَحْمَتي سبقت غَضَبي
وَقَوله
﴿إن رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: ٥٦]وَقَوله
﴿وَكانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣]وَقَوله
﴿إنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم﴾ [التوبة: ١١٧]وَقَول النَّبِي ﷺ "لله أرْحم بعباده من الوالدة بِوَلَدِها"
وَقَوله "ارحموا من في الأرْض يَرْحَمكم من في السَّماء"
(٥)وَقَوله "من لا يرحم لا يُرحم"
وَقَوله "لا تنْزع الرَّحْمَة إلّا من شقي"
(٦)وَقَوله "والشّاة إن رحمتها رَحِمك الله"
(٧) فمواضع اسْتِعْمال الرَّحْمَة في حق الله وفي حق العباد لا يحسن أن تقع الصَّلاة في كثير مِنها بل في أكْثَرها فَلا يَصح تَفْسِير الصَّلاة بِالرَّحْمَةِ والله أعلم.
وَقد قالَ ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما
﴿إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾قالَ يباركون عَلَيْهِ وهَذا لا يُنافِي تَفْسِيرها بالثناء وإرادَة التكريم والتعظيم فَإن التبريك من الله يتَضَمَّن ذَلِك ولِهَذا قرن بَين الصَّلاة عَلَيْهِ والتبريك عَلَيْهِ وقالَت المَلائِكَة لإبْراهِيم
﴿رَحْمَة الله وبَرَكاته عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ﴾ [هود: ٧٣]وَقالَ المَسِيح
﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا أيْنَ ما كنت﴾ [مريم: ٣١]قالَ غير واحِد من السّلف معلما للخير أيْنَما كنت وهَذا جُزْء المُسَمّى فالمبارك كثير الخَيْر في نَفسه الَّذِي يحصله لغيره تَعْلِيما وإقدارا ونصحا وإرادَة واجتهادا ولِهَذا يكون العَبْد مُبارَكًا لِأن الله بارك فِيهِ وجعله كَذَلِك والله تَعالى متبارك لِأن البركَة كلها مِنهُ فعبده مبارك وهو المتبارك
﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرْقان ١ وقَوله
﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ وهو على كل شَيْء قَدِيرٌ﴾وسنعود إلى هَذا المَعْنى عَن قريب إن شاءَ الله تَعالى
وَقد رد طائِفَة من النّاس تَفْسِير الصَّلاة من الله بِالرَّحْمَةِ بِأن قالَ الرَّحْمَة مَعْناها رقة الطَّبْع وهِي مستحيلة في حق الله سُبْحانَهُ وتَعالى، كَما أن الدُّعاء مِنهُ سُبْحانَهُ مُسْتَحِيل.
وَهَذا الَّذِي قالَه هَذا عَرق عرق جهمي ينضح من قلبه على لِسانه وحَقِيقَته إنْكار رَحْمَة الله جملَة، وكانَ جهم يخرج إلى الجذمى ويَقُول أرْحم الرّاحِمِينَ يفعل هَذا إنكارا لِرَحْمَتِهِ سُبْحانَهُ.
وَهَذا الَّذِي ظَنّه هَذا القائِل هو شُبْهَة منكري صِفات الرب سُبْحانَهُ وتَعالى فَإنَّهُم قالُوا الإرادَة حَرَكَة النَّفس لجلب ما ينفعها ودفع ما يَضرها والرب تَعالى يتعالى عَن ذَلِك فَلا إرادَة لَهُ والغَضَب غليان دم القلب طلبا للانتقام والرب منزه عَن ذَلِك فَلا غضب لَهُ وسلكوا هَذا المسلك الباطِل في حَياته وكَلامه وسائِر صِفاته وهو من أبطل الباطِل فَإنَّهُ أخذ في مُسَمّى الصّفة خَصائِص المَخْلُوق ثمَّ نفاها جملَة عَن الخالِق وهَذا في غايَة التلبيس والإضلال فَإن الخاصَّة الَّتِي أخذها في الصّفة لم يثبت لَها لذاتها وإنَّما يثبت لَها بإضافتها إلى المَخْلُوق المُمكن ومَعْلُوم أن نفي خَصائِص صِفات المخلوقين عَن الخالِق لا يَقْتَضِي نفي أصل الصّفة عَنهُ سُبْحانَهُ ولا إثْبات أصل الصّفة لَهُ يَقْتَضِي إثْبات خَصائِص المَخْلُوق لَهُ كَما أن ما نفي عَن صِفات الرب تَعالى من النقائص والتشبيه لا يَقْتَضِي نَفْيه عَن صفة المَخْلُوق ولا ما ثَبت لَها من الوُجُوب والقدم والكمال يَقْتَضِي ثُبُوته للمخلوق ولا إطْلاق الصّفة على الخالِق والمخلوق وهَذا مثل الحَياة والعلم فَإن حَياة العَبْد تعرض لَها الآفات المضادة لَها من المَرَض والنَّوْم والمَوْت وكَذَلِكَ علمه يعرض لَهُ النسْيان والجهل المضاد لَهُ وهَذا محال في حَياة الرب وعلمه فَمن نفى علم الرب وحياته لما يعرض فيهما للمخلوق فقد أبطل وهو نَظِير نفي من نفى رَحْمَة الرب وعلمه فَمن نفى رَحْمَة الرب عَنهُ لما يعرض في رَحْمَة المَخْلُوق من رقة الطَّبْع وتوهم المتوهم أنه لا تعقل رَحْمَة إلّا هَكَذا نَظِير توهم المتوهم أنه لا يعقل علم ولا حَياة ولا إرادَة إلّا مَعَ خَصائِص المَخْلُوق
وَهَذا الغَلَط منشؤه إنَّما هو توهم صفة المَخْلُوق المقيدَة بِهِ أولا وتوهم أن إثْباتها لله هو مَعَ هَذا القَيْد وهَذانِ وهمان باطلان فَإن الصّفة الثّابِتَة لله مُضافَة إلَيْهِ لا يتَوَهَّم فِيها شَيْء من خَصائِص المخلوقين لا في لَفظها ولا في ثُبُوت مَعْناها وكل من نفى عَن الرب تَعالى صفة من صِفاته لهَذا الخيال الباطِل لزمَه نفي جَمِيع صِفات كَماله لِأنَّهُ لا يعقل مِنها إلّا صفة المَخْلُوق بل ويلْزمهُ نفي ذاته لِأنَّهُ لا يعقل من الذوات إلّا الذوات المخلوقة.
وَمَعْلُوم أن الرب سُبْحانَهُ وتَعالى لا يُشبههُ شَيْء مِنها وهَذا الباطِل قد التَزمهُ غلاة المعطلة وكلما أوغل النّافِي في نَفْيه كانَ قَوْله أشد تناقضا وأظْهر بطلانا ولا يسلم على محك العقل الصَّحِيح الَّذِي لا يكذب إلّا ما جاءَت بِهِ الرُّسُل صلوات الله وسَلامه عَلَيْهِم كَما قالَ تَعالى
﴿سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يَصِفُونَ إلا عِبادَ اللَّهِ المُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: ١٥٩]فنزه سُبْحانَهُ وتَعالى عَمّا يصفه بِهِ كل أحد إلّا المخلصين من عباده وهم الرُّسُل ومن تَبِعَهم كَما قالَ في الآيَة الأُخْرى
﴿سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلى المُرْسَلِينَ والحَمْدُ لله رب العالمين﴾ [الصافات: ١٨٠-١٨٢]فنزه نَفسه عَمّا يصفه بِهِ الواصفون وسلم على المُرْسلين لِسَلامَةِ ما وصفوه بِهِ من كل نقص وعيب وحمد نَفسه إذْ هو المَوْصُوف بِصِفات الكَمال الَّتِي يسْتَحق لأجلها الحَمد ومنزه عَن كل نقص يُنافِي كَمال حَمده.
* (فَصْلٌ: في ذكر المَسْألَة المَشْهُورَة بَين النّاس وبَيان ما فِيها)
وَهِي أن النَّبِي ﷺ أفضل من إبْراهِيم فَكيف طلب لَهُ من الصَّلاة ما لإبْراهِيم مَعَ أن المُشبه بِهِ أصله أن يكون فَوق المُشبه فَكيف الجمع بَين هذَيْن الأمريْنِ المتنافيين
وَنحن نذْكر ما قالَه النّاس في هَذا وما فِيهِ من صَحِيح وفاسد
فَقالَت طائِفَة هَذِه الصَّلاة علمها النَّبِي ﷺ أمته قبل أن يعرف أنه سيد ولد آدم ولَو سكت قائِل هَذا لَكانَ أولى بِهِ وخيرا لَهُ فَإن هَذِه هي الصَّلاة الَّتِي علمهمْ النَّبِي ﷺ إيّاها لما سَألُوهُ عَن تَفْسِير
﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦]فعلمهم هَذِه الصَّلاة وجعلها مَشْرُوعَة في صلوات الأمة إلى يَوْم القِيامَة والنَّبِيّ ﷺ لم يزل أفضل ولد آدم قبل أن يعلم بذلك وبعده وبعد أن علم بذلك لم يُغير نظم الصَّلاة الَّتِي علمها أمته ولا أبدلها بغَيْرها ولا روى عَنهُ أحد خلافها فَهَذا من أفسد جَواب يكون
وَقالَت طائِفَة أُخْرى هَذا السُّؤال والطلب شرع ليتخذه الله خَلِيلًا كَما اتخذ إبْراهِيم خَلِيلًا وقد أجابه الله إلى ذَلِك كَما ثَبت عَنهُ في الصَّحِيح ألا وإن صاحبكُم خَلِيل الرَّحْمَن يَعْنِي نَفسه وهَذا الجَواب من جنس ما قبله فَإن مضمونه أنه بعد أن اتَّخذهُ الله خَلِيلًا لا تشرع الصَّلاة عَلَيْهِ على هَذا الوَجْه وهَذا من أبطل الباطِل
وَقالَت طائِفَة أُخْرى إنَّما هَذا التَّشْبِيه راجع إلى المُصَلِّي فِيما يحصل لَهُ من ثَواب الصَّلاة عَلَيْهِ فَطلب من ربه ثَوابًا وهو أن يُصَلِّي عَلَيْهِ كَما صلى على آل إبْراهِيم لا بِالنِّسْبَةِ إلى النَّبِي ﷺ فَإن المَطْلُوب لرَسُول الله ﷺ من الصَّلاة أجل وأعظم مِمّا هو حاصِل لغيره من العالمين
وَهَذا من جنس ما قبله وافسد فَإن التَّشْبِيه لَيْسَ فِيما يحصل للْمُصَلِّي بل فِيما يحصل للمصلى عَلَيْهِ وهو النَّبِي ﷺ فَمن قالَ إن المَعْنى اللَّهُمَّ أعْطِنِي من ثَواب صَلاتي عَلَيْهِ كَما صليت على آل إبْراهِيم فقد حرف الكَلم وأبطل في كَلامه
وَلَوْلا أن هَذِه الوُجُوه وأمثالها قد ذكرها بعض الشَّرْح وسودوا بها الطروس وأوهموا النّاس أن فِيها تَحْقِيقا لَكانَ الإضراب عَنْها صفحًا أولى من ذكرها فَإن العالم يستحي من التَّكَلُّم على هَذا والاشتغال برده
وَقالَت طائِفَة أُخْرى التَّشْبِيه عائِد إلى الآل فَقَط وتمّ الكَلام عند قَوْله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد ثمَّ قالَ وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم فالصَّلاة المَطْلُوبَة لآل مُحَمَّد هي المشبهة بِالصَّلاةِ الحاصِلَة لآل إبْراهِيم وهَذا نَقله العمراني عَن الشّافِعِي رَحمَه الله وهو باطِل عَلَيْهِ قطعا فَإن الشّافِعِي أجل من أن يَقُول مثل هَذا ولا يَلِيق هَذا بِعِلْمِهِ وفصاحته فَإن هَذا في غايَة الركاكة والضعف
وَقد تقدم في كثير من أحادِيث الباب اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم وقد تقدّمت الأحادِيث بذلك
وَأيْضًا فَإنَّهُ لا يَصح من جِهَة العَرَبيَّة فَإن العامِل إذا ذكر معموله وعطف عَلَيْهِ غَيره ثمَّ قيد بظرف أو جار ومجرور أو مصدر أو صفة مصدر كانَ ذَلِك راجعا إلى المَعْمُول وما عطف عَلَيْهِ هَذا الَّذِي لا تحْتَمل العَرَبيَّة غَيره فَإذا قلت جاءَنِي زيد وعَمْرو يَوْم الجُمُعَة كانَ الظّرْف مُقَيّدا لمجيئهما لا لمجيء عَمْرو وحده وكَذَلِكَ إذا قلت ضربت زيدا وعمرًا ضربا مؤلمًا أو أمام الأمِير أو سلم عَليّ زيد وعَمْرو يَوْم الجُمُعَة ونَحْوه
فَإن قلت هَذا مُتَوَجّه إذا لم يعد العامِل فَأما إذا أُعِيد العامِل حسن ذَلِك تَقول سلم على زيد وعَلى عَمْرو إذا لَقيته لم يمْتَنع أن يخْتَص ذَلِك بِعَمْرو وهنا قد أُعِيد العامِل في قَوْله وعَلى آل مُحَمَّد
قيل هَذا المِثال لَيْسَ بمطابق لمسألة الصَّلاة وإنَّما المطابق أن تَقول سلم على زيد وعَلى عَمْرو كَما تسلم على المُؤمنِينَ ونَحْو ذَلِك وحِينَئِذٍ فادعاء أن التَّشْبِيه لسلامه على عَمْرو وحده دون زيد دَعْوى باطِلَة وقالَت طائِفَة أُخْرى لا يلْزم أن يكون المُشبه بِهِ أعلى من المُشبه بل يجوز أن يَكُونا متماثلين وأن يكون المُشبه أعلى من المُشبه بِهِ
قالَ هَؤُلاءِ والنَّبِيّ ﷺ أفضل من إبْراهِيم عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام من وُجُوه غير الصَّلاة وإن كانا متساويين في الصَّلاة قالُوا والدَّلِيل على أن المُشبه قد يكون أفضل من المُشبه بِهِ قَول الشّاعِر
(بنونا بَنو أبْنائِنا وبناتنا ∗∗∗ بنوهن أبناء الرِّجال الأباعد)
وَهَذا القَوْل أيْضا ضَعِيف من وُجُوه
أحدها أن هَذا خلاف المَعْلُوم من قاعِدَة تَشْبِيه الشَّيْء بالشَّيْء فَإن العَرَب لا تشبه الشَّيْء إلّا بِما هو فَوْقه
الثّانِي أن الصَّلاة من الله تَعالى من أجل المَراتِب وأعلاها ومُحَمّد ﷺ أفضل الخلق فَلا بُد أن تكون الصَّلاة الحاصِلَة لَهُ أفضل من كل صَلاة تحصل لكل مَخْلُوق فَلا يكون غَيره مُساوِيا لَهُ فِيها
الثّالِث أن الله سُبْحانَهُ أمر فِيها بعد أن أخبر أنه ومَلائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ وأمر بِالصَّلاةِ والسَّلام عَلَيْهِ وأكده بِالتَّسْلِيمِ وهَذا الخَبَر والأمر لم يثبتهما في القُرْآن لغيره من المخلوقين
الرّابِع أن النَّبِي ﷺ قالَ إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على معلم النّاس الخَيْر وهَذا لِأن بتعليمهم الخَيْر قد أنقذوهم من شَرّ الدُّنْيا والآخِرَة وتسببوا بذلك إلى فلاحهم وسعادتهم وذَلِكَ سَبَب دُخُولهمْ في جملَة المُؤمنِينَ الَّذين يُصَلِّي عَلَيْهِم الله ومَلائِكَته فَلَمّا تسبب معلمو الخَيْر إلى صَلاة الله ومَلائِكَته على من يعلم مِنهُم صلى الله عَلَيْهِم ومَلائِكَته ومن المَعْلُوم أنه لا أحد من معلمي الخَيْر أفضل ولا أكثر تَعْلِيما من النَّبِي ﷺ ولا أنصح لأمته ولا أصْبِر على تَعْلِيمه مِنهُ ولِهَذا نالَ أمته من تَعْلِيمه لَهُم ما لم تنله أمة من الأُمَم سواهُم وحصل للْأمة من تعليمهم من العُلُوم النافعة والأعمال الصّالِحَة ما صارَت بِهِ خير امة اخرجت للْعالمين فَكيف تكون الصَّلاة على هَذا الرَّسُول المعلم للخير مُساوِيَة للصَّلاة على من لم يماثله في هَذا التَّعْلِيم
وَأما استشهادهم بقول الشّاعِر على جَواز كَون المُشبه بِهِ أفضل من المُشبه فَلا يدل على ذَلِك لان قَوْله بنونا بَنو أبْنائِنا إمّا إن يكون المُبْتَدَأ فِيهِ مُؤَخرا والخَبَر مقدما ويكون قد شبه بني أبنائه ببنيه وجاز تَقْدِيم الخَبَر هُنا لظُهُور المَعْنى وعدم وُقُوع اللّبْس وعَلى هَذا فَهو جار على أصل التَّشْبِيه وإمّا أن يكون من باب عكس التَّشْبِيه كَما يشبه القَمَر بِالوَجْهِ الكامِل في حسنه ويُشبه الأسد بالكامل في شجاعته والبَحْر بالكامل في جوده تَنْزِيلا لهَذا الرجل منزلَة الفَرْع المُشبه وهَذا يجوز إذا تضمن عكس التَّشْبِيه مثل هَذا المَعْنى وعَلى هَذا فَيكون هَذا الشّاعِر قد نزل بني ابنائه منزلَة بنيه وأنَّهم فَوْقهم عِنْده ثمَّ شبه بنيه بهم وهَذا قَول طائِفَة من أهل المعانِي والَّذِي عِنْدِي فِيهِ أن الشّاعِر لم يرد ذَلِك وإنَّما أرادَ التَّفْرِيق بَين بني بنيه وبني بَناته فَأخْبر أن بني بَناته تبع لِآبائِهِمْ لَيْسُوا بأبناء لنا وإنَّما أبْناؤُنا بَنو ابنائنا لا بنوا بناتنا فَلم يرد تَشْبِيه بني بنيه ببنيه ولا عَكسه وإنَّما أرادَ ما ذكرنا من المَعْنى وهَذا ظاهر
وَقالَت طائِفَة أُخْرى إن النَّبِي ﷺ لَهُ من الصَّلاة الخاصَّة بِهِ الَّتِي لا يساويها صَلاة ما لم يشركهُ فِيها أحد والمسؤول لَهُ إنَّما هو صَلاة زائِدَة على ما أعْطِيه مُضافا إلَيْهِ ويكون ذَلِك الزّائِد مشبهًا بِالصَّلاةِ على إبْراهِيم ولَيْسَ بمستنكر أن يسْأل للفاضل فَضِيلَة أعطيها المَفْضُول مُنْضَمًّا إلى ما اخْتصَّ بِهِ هو من الفضل الَّذِي لم يحصل لغيره
قالُوا ومِثال ذَلِك أن يُعْطي السُّلْطان رجلا مالا عَظِيما ويُعْطِي غَيره دون ذَلِك المال فَيسْأل السُّلْطان أن يُعْطي صاحب المال الكثير مثل ما أعْطى من هو دونه لينضم ذَلِك إلى ما أعْطِيه فَيحصل لَهُ من مَجْمُوع العطاءين أكثر مِمّا يحصل من الكثير وحده
وَهَذا أيْضا ضَعِيف لِأن الله تَعالى أخبر أنه ومَلائِكَته يصلونَ عَلَيْهِ ثمَّ أمر بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ ولا ريب أن المَطْلُوب من الله هو نَظِير الصَّلاة المخبر بها لا ما هو دونها وهو أكمل الصَّلاة عَلَيْهِ وأرجحها لا الصَّلاة المرجوحة المفضولة
وعَلى قَول هَؤُلاءِ إنَّما يكون الطّلب لصَلاة مرجوحة لا راجحة وإنَّما تصير راجحة بانضمامها إلى صَلاة لم تطلب ولا ريب في فَساد ذَلِك فَإن الصَّلاة الَّتِي تطلبها الأمة لَهُ من ربه هي أجل صَلاة وأفضلها وقالَت طائِفَة أُخْرى التَّشْبِيه المَذْكُور إنَّما هو في أصل الصَّلاة لا في قدرها ولا في كيفيتها فالمسؤول إنَّما هو راجع إلى الهَيْئَة لا إلى قدر المَوْهُوب وهَذا كَما تَقول للرجل أحسن إلى ابْنك كَما أحْسَنت إلى فلان وأنت لا تُرِيدُ بذلك قدر الإحْسان وإنَّما تُرِيدُ بِهِ أصل الإحْسان وقد يحْتَج لذَلِك بقوله تَعالى
﴿وَأحْسِنْ كَما أحسن الله إلَيْك﴾ [القصص: ٧٧]وَلا ريب أنه لا يقدر أحد أن يحسن بِقدر ما أحسن الله إلَيْهِ وإنَّما أُرِيد بِهِ أصل الإحْسان لا قدره ومِنها قَوْله تَعالى
﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ﴾ [النساء: ١٦٣]وَهَذا التَّشْبِيه في أصل الوَحْي لا في قدره وفضل الموحى بِهِ
وَقَوله تَعالى
﴿فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الأوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥]إنَّما مُرادهم جنس الآيَة لا نظيرها
وَقَوله تَعالى
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ليَستَخْلِفنهم في الأرْض كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ﴾ [النور: ٥٥]وَمَعْلُوم أن كَيْفيَّة الِاسْتِخْلاف مُخْتَلفَة وأن ما لهَذِهِ الأمة أكمل مِمّا لغَيرهم
وَقالَ تَعالى
﴿يا أيها الَّذين آمنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٣]والتشبيه إنَّما هو في أصل الصَّوْم لا في عينة وقدره وكيفيته
وَقالَ تَعالى
﴿كَما بَدَأكم تعودُونَ﴾ [الاعراف: ٢٩]وَمَعْلُوم تفاوت ما بَين النشأة الأولى وهِي المبدأ والثّانيِة وهِي المعاد وقالَ تَعالى
﴿إنّا أرْسَلْنا إلَيْكم رَسُولًا شاهِدًا عَلَيْكم كَما أرْسَلْنا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾ [المزمل: ١٥]وَمَعْلُوم أن التَّشْبِيه في أصل الارسال لا يَقْتَضِي تماثل الرسولين
وَقالَ النَّبِي ﷺ لَو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَما يرْزق الطير تَغْدُو خماصًا وتَروح بطانًا فالتشبيه هُنا في أصل الرزق لا في قدره ولا كيفيته ونظائر ذَلِك
وَهَذا الجَواب ضَعِيف أيْضا لوجوه
مِنها أن ما ذَكرُوهُ يجوز أن يسْتَعْمل في الأعْلى والأدنى والمساوي فَلَو قلت أحسن إلى أبِيك وأهْلك كَما أحْسَنت إلى مركوبك وخادمك ونَحْوه جازَ ذَلِك ومن المَعْلُوم أنه لَو كانَ التَّشْبِيه في أصل الصَّلاة لحسن أن تَقول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل أبي أوفى أو كَما صليت على أحاد المُؤمنِينَ ونَحْوه أو كَما صليت على آدم ونوح وهود ولُوط فَإن التَّشْبِيه عند هَؤُلاءِ إنَّما هو واقع في أصل الصَّلاة لا في قدرها ولا صفتها
وَلا فرق في ذَلِك بَين كل من صلى عَلَيْهِ وأي ميزة وفضيلة في ذَلِك لإبْراهِيم وآله ﷺ وما الفائِدَة حِينَئِذٍ في ذكره وذكر آله وكانَ الكافِي في ذَلِك أن تَقول اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد فَقَط الثّانِي أن ما ذَكرُوهُ من الأمْثِلَة لَيْسَ بنظير الصَّلاة على النَّبِي ﷺ فَإن هَذِه الأمْثِلَة نَوْعانِ خبر وطلب فَما كانَ مِنها خَبرا فالمقصود بالتشبيه بِهِ الِاسْتِدْلال والتقريب إلى الفَهم وتَقْرِير ذَلِك الخَبَر وأنه مِمّا لا يَنْبَغِي لعاقل إنْكاره كنظير المُشبه بِهِ فَكيف تنكرون الإعادَة وقد وقع الِاعْتِراف بالبداءة وهِي نظيرها وحكم النظير ولِهَذا يحْتَج سُبْحانَهُ بالمبدأ على المعاد كثيرا
قالَ تَعالى
﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩]وَقالَ تَعالى
﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نعيده﴾ [الأنبياء: ١٠٤]وَقالَ تَعالى
﴿وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَن يُحْيِي العِظامَ وهي رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيها الَّذِي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٨-٧٩]وَهَذا كثير في القُرْآن
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعالى
﴿إنّا أرْسَلْنا إلَيْكم رَسُولًا شاهِدًا عَلَيْكم كَما أرْسَلْنا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولًا﴾ [المزمل: ١٥]أي كَيفَ يَقع الإنْكار مِنكُم وقد تقدم قبلكم رسل مني مبشرين ومنذرين وقد علمْتُم حال من عصى رُسُلِي كَيفَ أخذتهم أخذا وبيلًا
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعالى
﴿إنّا أوْحَيْنا إلَيْكَ كَما أوْحَيْنا إلى نُوحٍ والنبيين﴾ [الآية النساء: ١٦٣]
أي لست أول رَسُول طرق العالم بل قد تقدّمت قبلك رسل أوحيت إلَيْهِم كَما أوحيت إلَيْك كَما قالَ تَعالى
﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُل﴾ [الأحقاف: ٩]فَهَذا رد وإنكار على من أنكر رِسالَة النَّبِي ﷺ مَعَ مَجِيئه بِمثل ما جاءَت بِهِ الرُّسُل قبله من الآيات بل أعظم مِنها فَكيف تنكر رسالَته ولَيْسَت من الأُمُور الَّتِي تطرق العالم بل لم تخل الأرْض من الرُّسُل وآثارهم فرسولكم جاءَ على منهاج من تقدمه من الرُّسُل في الرسالَة لم يكن بدعا
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعالى
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم وعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرْض كَما اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قبلهم﴾ [النور: ٥٥]إخْبار عَن عادَته سُبْحانَهُ في خلقَة وحكمته الَّتِي لا تَبْدِيل لَها أن من آمن وعمل صالحا مكن لَهُ في الأرْض واستخلفه فِيها ولم يهلكه ويقطع دابره كَما أهلك من كذب رسله وخالفهُم وقطع دابره فَأخْبرهُم سُبْحانَهُ عَن حكمته ومعاملته لمن آمن برسله وصدقهمْ وأنه يفعل بهم كَما فعل بِمن قبلهم من أتباع الرُّسُل وهَكَذا قَول النَّبِي ﷺ لَو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كَما يرْزق الطير إخْبار بِأنَّهُ سُبْحانَهُ يرْزق المتوكلين عَلَيْهِ من حَيْثُ لا يحتسبون وأنه لا يخليهم من رزق قطّ كَما ترَوْنَ ذَلِك في الطير فَإنَّها تَغْدُو من أوكارها خماصًا فيرزقها سُبْحانَهُ حَتّى ترجع بطانًا من رزقه وأنْتُم أكْرم على الله من الطير وسائِر الحَيَوانات فَلَو توكلتم عَلَيْهِ لرزقكم من حَيْثُ لا تحتسبون ولم يمْنَع أحدا مِنكُم رزقه هَذا من قبيل الإخْبار
واما في قسم الطّلب والأمر فالمقصود مِنهُ التَّنْبِيه على العلَّة وأن الجَزاء من جنس العَمَل فَإذا قلت علم كَما علمك الله
﴿وَأحسن كَما أحسن الله إلَيْك﴾ [القصص: ٧٧]واعف كَما عَفا الله عَنْك ونَحْوه كانَ في ذَلِك تنيبه للْمَأْمُور على شكر النِّعْمَة الَّتِي أنعم الله بها عَلَيْهِ وأنه حقيق أن يقابلها بِمِثْلِها ويقيدها بشكرها فَإن جَزاء تِلْكَ النِّعْمَة من جِنْسها ومَعْلُوم أنه يمْتَنع خطاب الرب سُبْحانَهُ بِشَيْء من ذَلِك ولا يحسن في حَقه فَيصير ذكر التَّشْبِيه لَغوا لا فائِدَة فِيهِ وهَذا غير جائِز
الثّالِث أن قَوْله كَما صليت على آل إبْراهِيم صفة لمصدر مَحْذُوف وتَقْدِيره صَلاة مثل صَلاتك على آل إبْراهِيم وهَذا الكَلام حَقِيقَته أن تكون الصَّلاة مماثلة للصَّلاة المشبهة بها فَلا يعدل عَن حَقِيقَة الكَلام ووَجهه
وَقالَت طائِفَة أُخْرى أن هَذا التَّشْبِيه حاصِل بِالنِّسْبَةِ إلى كل صَلاة من صلوات المُصَلِّين فَكل مصل صلي على النَّبِي ﷺ بِهَذِهِ الصَّلاة فقد طلب من الله أن يُصَلِّي على رَسُوله ﷺ صَلاة مثل الصَّلاة الحاصِلَة لآل إبْراهِيم ولا ريب أنه إذا حصل لَهُ من كل مصل طلب من الله لَهُ صَلاة مثل صلاته على آل إبْراهِيم حصل لَهُ من ذَلِك أضْعاف مضاعفة من الصَّلاة لا تعد ولا تحصى ولم يُقارِبه فِيها أحد فضلا عَن أن يُساوِيه أو يفضله ﷺ
وَنَظِير هَذا أن يُعْطي ملك لرجل ألف دِرْهَم فيسأله كل واحِد من رَعيته أن يعْطى لرجل آخر أفضل مِنهُ نَظِير تِلْكَ الألف فَكل واحِد قد سَألَهُ أن يُعْطِيهِ ألفا فَيحصل لَهُ من الألوف بِعَدَد كل سائل
وَأورد أصْحاب هَذا القَوْل على أنفسهم سؤالًا وهو أن التَّشْبِيه حاصِل بِالنِّسْبَةِ إلى أصل هَذِه الصَّلاة المَطْلُوبَة وكل فَرد من أفرادها فالإشكال وارِد كَما هُوَ
وَتَقْرِيره أن العَطِيَّة الَّتِي يعطاها الفاضِل لا بُد أن تكون أفضل من العَطِيَّة الَّتِي يعطاها المَفْضُول فَإذا سُئِلَ لَهُ عَطِيَّة دون ما يسْتَحقّهُ لم يكن ذَلِك لائقًا بمنصبه
وَأجابُوا عَنهُ بِأن هَذا الاشكال إنَّما يرد إذا لم يكن الأمر للتكرار فَأما إذا كانَ الأمر للتكرار فالمطلوب من الأمة أن يسْألُوا الله لَهُ صَلاة بعد صَلاة كل مِنها نَظِير ما حصل لابراهيم عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام فَيحصل لَهُ من الصَّلَوات ما لا يُحْصى مِقْداره بِالنِّسْبَةِ إلى الصَّلاة الحاصِلَة لإبْراهِيم عَلَيْهِ السَّلام
وَهَذا أيْضا ضَعِيف فَإن التَّشْبِيه هُنا إنَّما هو واقع في صَلاة الله عَلَيْهِ لا في معنى صَلاة المُصَلِّي ومعنى هَذا الدُّعاء اللَّهُمَّ أعْطه نَظِير ما أعْطَيْت إبْراهِيم فالمسؤول لَهُ صَلاة مُساوِيَة للصَّلاة على إبْراهِيم وكلما تكَرر هَذا السُّؤال كانَ هَذا مَعْناهُ فَيكون كل مصل قد سَألَ الله أن يُصَلِّي عَلَيْهِ صَلاة دون الَّتِي يَسْتَحِقها وهَذا السُّؤال والأمر بِهِ متكرر فَهَل هَذا إلّا تَقْوِيَة لجانب الإشْكال
ثمَّ إن التَّشْبِيه واقع في أصل الصَّلاة وأفرادها ولا يُغني جوابكم عَنهُ بقضية التّكْرار شَيْئا فَإن التّكْرار لا يَجْعَل جانب المُشبه بِهِ أقوى من جانب المُشبه كَما هو مُقْتَضى التَّشْبِيه فَلَو كانَ التّكْرار يَجعله كَذَلِك لَكانَ الِاعْتِذار بِهِ نافِعًا بل التّكْرار يقتضى زِيادَة تَفْضِيل المُشبه وقوته فَكيف يشبه حِينَئِذٍ بِما هو دونه فَظهر ضعف هَذا الجَواب
وَقالَت طائِفَة أُخْرى آل إبْراهِيم فيهم الأنْبِياء الَّذين لَيْسَ في آل مُحَمَّد مثلهم فَإذا طلب للنَّبِي ﷺ ولآله من الصَّلاة مثل ما لإبْراهِيم وآله وفِيهِمْ الأنْبِياء حصل لآل النَّبِي ﷺ من ذَلِك ما يَلِيق بهم فَإنَّهُم لا يبلغون مَراتِب الأنْبِياء وتبقى الزِّيادَة الَّتِي للأنبياء وفِيهِمْ إبْراهِيم لمُحَمد ﷺ فَيحصل لَهُ بذلك من المزية ما لم يحصل لغيره
وَتَقْرِير ذَلِك أن يَجْعَل الصَّلاة الحاصِلَة لإبْراهِيم ولآله وفِيهِمْ الأنْبِياء جملَة مقسومة على مُحَمَّد ﷺ وآله ولا ريب أنه لا يحصل لآل النَّبِي ﷺ مثل ما حصل لآل إبْراهِيم وفِيهِمْ الأنْبِياء بل يحصل لَهُم ما يَلِيق بهم فَيبقى قسم النَّبِي ﷺ والزِّيادَة المتوفرة الَّتِي لم يَسْتَحِقها آله مُخْتَصَّة بِهِ ﷺ فَيصير الحاصِل لَهُ من مَجْمُوع ذَلِك أعظم وأفضل من الحاصِل لإبْراهِيم وهَذا أحسن من كل ما تقدمه
وَأحسن مِنهُ أن يُقال مُحَمَّد ﷺ هو من آل إبْراهِيم بل هو خير آل إبْراهِيم كَما روى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما في قَوْله تَعالى
﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٣٣]قالَ ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما مُحَمَّد من آل إبْراهِيم وهَذا نَص فَإنَّهُ إذا دخل غَيره من الأنْبِياء الَّذين هم من ذُرِّيَّة إبْراهِيم في آله فدخول رَسُول الله ﷺ أولى فَيكون قَوْلنا كَما صليت على آل إبْراهِيم متناولًا للصَّلاة عَلَيْهِ وعَلى سائِر النَّبِيين من ذُرِّيَّة إبْراهِيم
ثمَّ قد أمرنا الله أن نصلي عَلَيْهِ وعَلى آله خُصُوصا بِقدر ما صلينا عَلَيْهِ مَعَ سائِر آل إبْراهِيم عُمُوما وهو فيهم ويحصل لآله من ذَلِك ما يَلِيق بهم ويبقى الباقِي كُله لَهُ ﷺ وتَقْرِير هَذا أنه يكون قد صلى عَلَيْهِ خُصُوصا وطلب لَهُ من الصَّلاة ما لآل إبْراهِيم وهو داخل مَعَهم ولا ريب أن الصَّلاة الحاصِلَة لآل إبْراهِيم ورَسُول الله ﷺ مَعَهم أكمل من الصَّلاة الحاصِلَة لَهُ دونهم فيطلب لَهُ من الصَّلاة هَذا الأمر العَظِيم الَّذِي هو أفضل مِمّا لإبْراهِيم قطعا وتظهر حِينَئِذٍ فائِدَة التَّشْبِيه وجريه على أصله وأن المَطْلُوب لَهُ من الصَّلاة بِهَذا اللَّفْظ أعظم من المَطْلُوب لَهُ بِغَيْرِهِ فَإنَّهُ إذا كانَ المَطْلُوب بِالدُّعاءِ إنَّما هو مثل المُشبه بِهِ وله أوفر نصيب مِنهُ صار لَهُ من المُشبه المَطْلُوب أكثر مِمّا لإبْراهِيم وغَيره وانضاف إلى ذَلِك مِمّا لَهُ من المُشبه بِهِ من الحصَّة الَّتِي لم تحصل لغيره
فَظهر بِهَذا من فَضله وشرفه على إبْراهِيم وعَلى كل من آله وفِيهِمْ النَّبِيُّونَ ما هو اللّائِق بِهِ وصارَت هَذِه الصَّلاة دالَّة على هَذا التَّفْضِيل وتابعة لَهُ وهِي من موجباته ومقتضياته ف ﷺ وعَلى آله تَسْلِيمًا كثيرا وجزاه عَنّا أفضل ما جزى نَبيا عَن أمته اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد وبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد.
* (فَصْلٌ: في ذكر نُكْتَة حَسَنَة في هَذا الحَدِيث المَطْلُوب فِيهِ الصَّلاة عَلَيْهِ وعَلى آله كَما صلى على إبْراهِيم وعَلى آله)
وَهِي أن أكثر الأحادِيث الصِّحاح والحسان بل كلها مصرحة بِذكر النَّبِي ﷺ وبذكر آله وأما في حق المُشبه بِهِ وهو إبْراهِيم وآله فَإنَّما جاءَت بِذكر آل إبْراهِيم فَقَط دون ذكر إبْراهِيم أو بِذكرِهِ فَقَط دون ذكر آله ولم يَجِئ حَدِيث صَحِيح فِيهِ لفظ إبْراهِيم وآل إبْراهِيم كَما تظاهرت على لفظ مُحَمَّد وآل مُحَمَّد
وَنحن نسوق الأحادِيث الوارِدَة في ذَلِك ثمَّ نذْكر ما يسره الله تَعالى في سر ذَلِك
فَنَقُول هَذا الحَدِيث في الصَّحِيح من أرْبَعَة أوجه
أشهرها حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قالَ لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقالَ ألا أهدي لَك هَدِيَّة خرج علينا رَسُول الله ﷺ فَقُلْنا قد عرفنا كَيفَ نسلم عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بارك وفي لفظ وبارك على مُحَمَّد كَما باركت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد رَواهُ البُخارِيّ ومُسلم وابو داوُد والتِّرْمِذِيّ والنَّسائِيّ وابْن ماجَه وأحمد بن حَنْبَل في = المسند =
وَهَذا لَفظهمْ إلّا التِّرْمِذِيّ فَإنَّهُ قالَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على إبْراهِيم فَقَط وكَذا في ذكر البركَة ولم يذكر الآل وهِي رِوايَة لأبي داوُد
وَفِي رِوايَة كَما صليت على آل إبْراهِيم بِذكر الآل فَقَط كَما باركت على إبْراهِيم بِذكرِهِ فَقَط
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي حميد السّاعِدِيّ قالُوا يا رَسُول الله كَيفَ نصلي عَلَيْك قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى أزواجه وذريته كَما صليت على آل إبْراهِيم وبارك على مُحَمَّد وأزواجه وذريته كَما باركت على آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد هَذا هو اللَّفْظ المَشْهُور
وَقد رُوِيَ فِيهِ كَما صليت على إبْراهِيم وكما باركت على إبْراهِيم بِدُونِ لفظ الآل في المَوْضِعَيْنِ وفي البُخارِيّ عَن أبي سعيد الخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قالَ قُلْنا يا رَسُول الله هَذا السَّلام عَلَيْك فَكيف الصَّلاة عَلَيْك قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك ورَسُولك كَما صليت على إبْراهِيم وبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على آل إبْراهِيم
وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي مَسْعُود الأنْصارِيّ رَضِي الله عَنهُ قالَ أتانا رَسُول الله ﷺ ونحن في مجْلِس سعد بن عبادَة فَقالَ لَهُ بشير بن سعد أمرنا الله أن نصلي عَلَيْك فَكيف نصلي عَلَيْك قالَ فَسكت رَسُول ﷺ حَتّى تمنينا أنه لم يسْأله ثمَّ قالَ رَسُول الله ﷺ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم وبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على آل إبْراهِيم في العالمين إنَّك حميد مجيد والسَّلام كَما قد علمْتُم
وَقد رُوِيَ هَذا الحَدِيث بِلَفْظ آخر كَما صليت على إبْراهِيم وكما باركت على إبْراهِيم لم يذكر الآل فيهما
وَفِي رِوايَة أُخْرى كَما صليت على إبْراهِيم وكما باركت على آل إبْراهِيم بِذكر إبْراهِيم وحده في الأولى والآل فَقَط في الثّانِيَة هَذِه هي الألْفاظ المَشْهُورَة في هَذِه الأحاديث المَشْهُور في أكْثَرها لفظ آل إبْراهِيم في المَوْضِعَيْنِ وفي بَعْضها لفظ إبْراهِيم فيهما وفي بَعْضها لفظ إبْراهِيم في الأول والآل في الثّانِي وفي بَعْضها عَكسه
وَأما الجمع بَين إبْراهِيم وآل إبْراهِيم فَرَواهُ البَيْهَقِيّ في سنَنه من حَدِيث يحيى بن السباق عَن رجل من بني الحارِث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ إذا تشهد أحدكُم في الصَّلاة فَلْيقل اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وارْحَمْ مُحَمَّدًا وآل مُحَمَّد كَما صليت وباركت وترحمت على إبْراهِيم وعَلى آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد وهَذا إسْناد ضَعِيف
وَرَواهُ الدّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن إسْحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن إبْراهِيم بن الحارِث التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن عبد ربه عَن أبي مَسْعُود الأنْصارِيّ رَضِي الله عَنهُ فَذكر الحَدِيث وفِيه اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد النَّبِي الأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على إبْراهِيم وعَلى آل إبْراهِيم وبارك على مُحَمَّد النَّبِي الأُمِّي وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على إبْراهِيم وعَلى آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد ثمَّ قالَ هَذا إسْناد حسن مُتَّصِل
وَفِي النَّسائِيّ من حَدِيث مُوسى بن طَلْحَة عَن أبِيه قالَ قُلْنا يا رَسُول الله كَيفَ الصَّلاة عَلَيْك قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على إبْراهِيم وآل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد وبارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على إبْراهِيم وآل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد ولَكِن رَواهُ هَكَذا ورَواهُ مُقْتَصرا فِيهِ على ذكر إبْراهِيم في المَوْضِعَيْنِ
وَقد روى ابْن ماجه حَدِيثا آخر مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود فِيهِ إبْراهِيم وآل إبْراهِيم قالَ في السّنَن حَدثنا الحُسَيْن بن بَيان حَدثنا زِياد بن عبد الله حَدثنا المَسْعُودِيّ عَن عون بن عبد الله عَن أبي فاخِتَة عَن الأسود بن يزِيد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قالَ إذا صليتم على رَسُول الله ﷺ فَأحْسنُوا الصَّلاة عَلَيْهِ فَإنَّكُم لا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِك يعرض عَلَيْهِ قالَ فَقالُوا لَهُ فَعلمنا قالَ قُولُوا اللَّهُمَّ أجعَل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المُسلمين وإمام المُتَّقِينَ وخاتم النَّبِيين مُحَمَّد عَبدك ورَسُولك إمام الخَيْر وقائد الخَيْر ورَسُول الرَّحْمَة اللَّهُمَّ ابعثه مقاما مَحْمُودًا يغبطه بِهِ الأولونَ والآخرُونَ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على إبْراهِيم وآل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد اللَّهُمَّ بارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما باركت على إبْراهِيم وعَلى آل إبْراهِيم إنَّك حميد مجيد وهَذا مَوْقُوف
وَعامة الأحادِيث في الصِّحاح والسّنَن كَما ذكرنا أولا بالاقتصار على الآل أو إبْراهِيم في المَوْضِعَيْنِ أو الآل في أحدهما وإبْراهِيم في الآخر وكَذَلِكَ في حَدِيث أبي هُرَيْرَة المُتَقَدّم في أول الكتاب وغَيره من الأحادِيث فَحَيْثُ جاءَ ذكر إبْراهِيم وحده في المَوْضِعَيْنِ فَلِأنَّهُ الأصْل في الصَّلاة المخبر بها وآله تبع لَهُ فِيها فَدلَّ ذكر المَتْبُوع على التّابِع واندرج فِيهِ وأغنى عَن ذكره وحَيْثُ جاءَ ذكر آله فَقَط فَلِأنَّهُ داخل في آله كَما تقدم تَقْرِيره فَيكون ذكر آل إبْراهِيم مغنيًا عَن ذكره وذكر آله بلفظين وحَيْثُ جاءَ في أحدهما ذكره فَقَط وفي الآخر ذكر آله فَقَط كانَ ذَلِك جمعا بَين الأمريْنِ فَيكون قد ذكر المَتْبُوع الَّذِي هو الأصْل وذكر أتْباعه بِلَفْظ يدْخل هو فيهم
يبْقى أن يُقال فَلم جاءَ ذكر مُحَمَّد بالاقتران دون الِاقْتِصار على أحدهما في عامَّة الأحادِيث وجاء الِاقْتِصار على إبْراهِيم وآله في عامتها
وَجَواب ذَلِك أن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ وعَلى آله ذكرت في مقام الطّلب والدُّعاء.
وَأما الصَّلاة على إبْراهِيم فَإنَّما جاءَت في مقام الخَبَر وذكر الواقِع لِأن قَوْله ﷺ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد جملَة طلبية وقَوله كَما صليت على آل إبْراهِيم جملَة خبرية والجُمْلَة الطلبية إذا وقعت موقع الدُّعاء والسُّؤال كانَ بسطها وتطويلها أنسب من اختصارها وحذفها ولِهَذا يشرع تكرارها وإبداؤها وإعادتها فَإنَّها دُعاء والله يحب الملحين في الدُّعاء ولِهَذا تَجِد كثيرا من أدعية النَّبِي ﷺ فِيها من بسط الألْفاظ وذكر كل معنى بِصَرِيح لَفظه دون الِاكْتِفاء بِدلالَة اللَّفْظ الآخر عَلَيْهِ ما يشْهد لذَلِك كَقَوْلِه ﷺ في حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ الَّذِي رَواهُ مُسلم في صَحِيحه اللَّهُمَّ أغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنْت أعلم بِهِ مني أنْت المُقدم وأنت المُؤخر لا إلَه إلّا أنْت ومَعْلُوم أنه لَو قيل اغْفِر لي كل ما صنعت كانَ أوجز ولَكِن ألْفاظ الحَدِيث في مقام الدُّعاء والتضرع وإظْهار العُبُودِيَّة والافتقار واستحضار الأنْواع الَّتِي يَتُوب العَبْد مِنها تَفْصِيلًا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار
وَكَذَلِكَ قَوْله في الحَدِيث الآخر اللَّهُمَّ أغفر لي ذَنبي كُله دقه وجله سره وعلانيته أوله وآخره
وَفِي الحَدِيث اللَّهُمَّ أغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمْرِي وما أنْت أعلم بِهِ مني اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذَلِك عِنْدِي
وَهَذا كثير في الأدْعِيَة المأثورة فَإن الدُّعاء عبودية لله تَعالى وافتقار إلَيْهِ وتذلل بَين يَدَيْهِ فَكلما كثره العَبْد وطوله وأعادَهُ وأبداه ونَوع جمله كانَ ذَلِك أبلغ في عبوديته وإظْهار فقره وتذلله وحاجته وكانَ ذَلِك أقرب لَهُ من ربه وأعظم لثوابه، وهَذا بِخِلاف المَخْلُوق فَإنّك كلما كثرت سُؤاله وكررت حوائجك إلَيْهِ أبرمته وثقلت عَلَيْهِ وهنت عَلَيْهِ وكلما تركت سُؤاله كانَ أعظم عِنْده وأحب إلَيْهِ والله سُبْحانَهُ وتَعالى كلما سَألته كنت أقرب إلَيْهِ وأحب إلَيْهِ وكلما ألححت عَلَيْهِ في الدُّعاء أحبك ومن لم يسْأله يغْضب عَلَيْهِ
(فالله يغْضب إن تركت سُؤاله ∗∗∗ وبني آدم حِين يسْأل يغْضب)
فالمطلوب يزِيد بِزِيادَة الطّلب وينْقص بنقصانه
وَأما الخَبَر فَهو خبر عَن أمر قد وقع وانقضى لا يحْتَمل الزِّيادَة والنُّقْصان فَلم يكن في زِيادَة اللَّفْظ فِيهِ كَبِير فائِدَة ولا سِيما لَيْسَ المقام مقام إيضاح وتفهيم للمخاطب ليحسن مَعَه البسط والإطناب فَكانَ الإيجاز فِيهِ والاختصار أكمل وأحسن فَلهَذا جاءَ فِيهِ بِلَفْظ إبْراهِيم تارَة وبلفظه آله أُخْرى لِأن كلا اللَّفْظَيْنِ يدل على ما يدل عَلَيْهِ الآخر من الوَجْه الَّذِي قدمْناهُ فَكانَ المُراد باللفظين واحِدًا مَعَ الإيجاز والاختصار وأما في الطّلب فَلَو قيل صل على مُحَمَّد لم يكن في هَذا ما يدل على الصَّلاة على آله إذْ هو طلب ودُعاء ينشأ بِهَذا اللَّفْظ لَيْسَ خَبرا عَن أمر قد وقع واسْتقر ولَو قيل صل على آل مُحَمَّد لَكانَ النَّبِي ﷺ إنَّما يصلى عَلَيْهِ في العُمُوم فَقيل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد فَإنَّهُ يحصل لَهُ بذلك الصَّلاة عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ والصَّلاة عَلَيْهِ بِدُخُولِهِ في آله
وَهنا للنّاس طَرِيقانِ في مثل هَذا:
أن يُقال هو داخل في آله مَعَ اقترانه بِذكرِهِ فَيكون قد ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوص ومرَّة في اللَّفْظ العام وعَلى هَذا فَيكون قد صلى عَلَيْهِ مرَّتَيْنِ خُصُوصا وعمومًا وهَذا على أصل من يَقُول إن العام إذا ذكر بعد الخاص كانَ متناولًا لَهُ أيْضا ويكون الخاص قد ذكر مرَّتَيْنِ مرّة بِخُصُوصِهِ ومرَّة بِدُخُولِهِ في اللَّفْظ العام وكَذَلِكَ في ذكر الخاص بعد العام كَقَوْلِه تَعالى
﴿مَن كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ ومَلائِكَتِهِ ورُسُلِهِ وجِبْرِيلَ ومِيكالَ فَإنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨]وَكَقَوْلِه تَعالى
﴿وَإذْ أخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهم ومِنكَ ومِن نُوحٍ وإبْراهِيمَ﴾ [الأحزاب: ٧]الطَّرِيقَة الثّانِيَة أن ذكره بِلَفْظ الخاص يدل على أنه غير داخل في اللَّفْظ العام فَيكون ذكره بِخُصُوصِهِ مغنيًا عَن دُخُوله في اللَّفْظ العام وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة فَيكون في ذَلِك فَوائِد
مِنها أنه لما كانَ من أشرف النَّوْع العام أفرد بِلَفْظ دال عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ كَأنَّهُ باين النَّوْع وتميز عَنْهُم بِما أوجب أن يتَمَيَّز بِلَفْظ يَخُصُّهُ فَيكون ذَلِك تَنْبِيها على اخْتِصاصه ومزيته عَن النَّوْع الدّاخِل في اللَّفْظ العام
الثّانِيَة أنه يكون فِيهِ تَنْبِيه على أن الصَّلاة عَلَيْهِ أصل، والصَّلاة على آله تبع لَهُ إنَّما نالوها بتبعيتهم لَهُ
الثّالِثَة أن إفْراده بِالذكر يرفع عَنهُ توهم التَّخْصِيص وأنه لا يجوز أن يكون مَخْصُوصًا من اللَّفْظ العام بل هو مُراد قطعا.
* (فَصْلٌ: في مَواطِن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ الَّتِي يتَأكَّد طلبَها إمّا وجوبا، وإما اسْتِحْبابا مؤكدًا)
الموطن الأول وهو أهمها وآكدها في الصَّلاة في آخر التَّشَهُّد، وقد أجمع المُسلمُونَ على مشروعيته، واخْتلفُوا في وُجُوبه فِيها فَقالَت طائِفَة لَيْسَ بواجب فِيها ونسبوا من أوجبه إلى الشذوذ ومُخالفَة الإجْماع مِنهُم الطَّحاوِيّ والقاضِي عِياض والخطابي فَإنَّهُ قالَ لَيست بواجبة في الصَّلاة وهو قَول جماعَة الفُقَهاء إلّا الشّافِعِي، ولا أعلم لَهُ قدوة، وكَذَلِكَ ابْن المُنْذر ذكر أن الشّافِعِي تفرد بذلك واخْتارَ عدم الوُجُوب.
ونازعهم آخَرُونَ في ذَلِك نقلا واستدلالا وقالُوا:
أما نسبتكم الشّافِعِي ومن قالَ بقوله في هَذِه المَسْألَة إلى الشذوذ ومُخالفَة الإجْماع فَلَيْسَ بِصَحِيح فقد قالَ بقوله جماعَة من الصَّحابَة ومن بعدهمْ
فَمنهمْ عبد الله بن مَسْعُود فَإنَّهُ كانَ يَراها واجِبَة في الصَّلاة ويَقُول لا صَلاة لمن لم يصل فِيها على النَّبِي ﷺ ذكره ابْن عبد البر عَنهُ في التَّمْهِيد وحَكاهُ غَيره أيْضا.
(الموطن الثّانِي من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في التَّشَهُّد الأول)
وَهَذا قد اخْتلف فِيهِ فَقالَ الشّافِعِي رَحمَه الله في الأُم يصلى على النَّبِي ﷺ في التَّشَهُّد الأول هَذا هو المَشْهُور من مذْهبه، وهو الجَدِيد لكنه يسْتَحبّ ولَيْسَ بِواجِب.
وَقالَ في القَدِيم لا يزِيد على التَّشَهُّد وهَذِه رِوايَة المُزنِيّ عَنهُ وبِهَذا قالَ أحْمَد أبُو حنيفَة ومالك وغَيرهم.
(الموطن الثّالِث من مَواطِن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ الصَّلاة عَلَيْهِ آخر القُنُوت)
استحبه الشّافِعِي ومن وافقه.
(الموطن الرّابِع من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ صَلاة الجِنازَة بعد التَّكْبِيرَة الثّانِيَة)
لا خلاف في مشروعيتها فِيها واخْتلف في توقف صِحَة الصَّلاة عَلَيْها فَقالَ الشّافِعِي وأحمد في المَشْهُور من مَذْهَبهما إنَّها واجِبَة في الصَّلاة لا تصح إلّا بها ورَواهُ البَيْهَقِيّ عَن عبادَة بن الصّامِت وغَيره من الصَّحابَة.
وَقالَ مالك وأبُو حنيفَة تسْتَحب ولَيْسَت بواجبة وهو وجه لأصحاب الشّافِعِي.
(الموطن الخامِس من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في الخطْبَة)
وَقد اخْتلف في اشْتِراطها لصِحَّة الخطْبَة
فَقالَ الشّافِعِي وأحمد في المَشْهُور من مَذْهَبهما لا تصح الخطْبَة إلّا بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ
وَقالَ أبُو حنيفَة ومالك تصح بِدُونِها وهو وجه في مَذْهَب أحْمد.
(الموطن السّادِس من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ الصَّلاة عَلَيْهِ بعد إجابَة المُؤَذّن وعند الإقامَة)
لما روى مُسلم في صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُما أنه سمع رَسُول الله ﷺ يَقُول إذا سَمِعْتُمْ المُؤَذّن فَقولُوا مثل ما يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإنَّهُ من صلى عَليّ صَلاة صلى الله عَلَيْهِ بها عشرا ثمَّ سلوا الله لي الوَسِيلَة فَإنَّها منزلَة في الجنَّة لا تنبغي إلّا لعبد من عباد الله وأرْجُو أن أكون أنا هو فَمن سَألَ الله لي الوَسِيلَة حلت عَلَيْهِ الشَّفاعَة
وَقالَ الحسن بن عَرَفَة حَدثنِي مُحَمَّد بن يزِيد الواسِطِيّ عَن العَوام بن حَوْشَب عَن مَنصُور بن زادان عَن الحسن قالَ من قالَ مثل ما يَقُول المُؤَذّن فَإذا قالَ المُؤَذّن قد قامَت الصَّلاة قالَ اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة الصادقة والصَّلاة القائِمَة صل على مُحَمَّد عَبدك ورَسُولك وأبلغه دَرَجَة الوَسِيلَة في الجنَّة دخل في شَفاعَة مُحَمَّد ﷺ
وَقالَ يُوسُف بن أسْباط بَلغنِي أن الرجل إذا أُقِيمَت الصَّلاة فَلم يقل الله رب هَذِه الدعْوَة المستمعة المستجاب لَها صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد وزوجنا من الحور العين قُلْنَ الحور العين ما أزهدك فِينا؟!
فِي إجابَة المُؤَذّن خمس سنَن عَن رَسُول الله ﷺ قد اشْتَمَل حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على ثَلاثَة مِنها
والرّابِعَة أن يَقُول ما رَواهُ مُسلم عَن سعد بن أبي وقاص رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ أنه قالَ من قالَ حِين يسمع المُؤَذّن أشهد أن لا إلَه إلّا الله وحده لا شريك لَهُ وأن مُحَمَّدًا عَبده ورَسُوله رضيت بِالله رَبًّا وبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وبِالإسْلامِ دينا غفر لَهُ ذَنبه.
والخامِسَة أن يَدْعُو الله بعد إجابَة المُؤَذّن وصلاته على رَسُوله ﷺ وسؤاله لَهُ الوَسِيلَة لما في سنَن أبي داوُد والنَّسائِيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو أن رجلا قالَ يا رَسُول الله إن المؤذنين يفضلوننا فَقالَ رَسُول الله ﷺ قل كَما يَقُولُونَ فَإذا انْتَهَيْت فسل تعطه
(٨)وَفِي = المسند = من حَدِيث جابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أن رَسُول الله ﷺ قالَ من قالَ حِين يُنادي المُنادِي اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة القائِمَة والصَّلاة النافعة صل على مُحَمَّد وارْضَ عني رضى لا سخط بعده اسْتَجابَ الله لَهُ دَعوته
وَفِي المُسْتَدْرك للْحاكِم من حَدِيث أبي أُمامَة أن رَسُول الله ﷺ كانَ إذا سمع المُؤَذّن قالَ اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة المستجاب لَها دَعْوَة الحق وكلمَة التَّقْوى توفنا عَلَيْها وأحينا عَلَيْها واجعلنا من صالح أهلها احياء وامواتا
فَهَذِهِ خَمْسَة وعِشْرُونَ سنة في اليَوْم واللَّيْلَة لا يحافظ عَلَيْها إلّا السّابِقُونَ.
(الموطن السّابِع من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الدُّعاء)
وَله ثَلاثَة مَراتِب
إحْداها أن يُصَلِّي عَلَيْهِ قبل الدُّعاء وبعد حمد الله تَعالى
والمرتبة الثّانِيَة أن يُصَلِّي عَلَيْهِ في أول الدُّعاء وأوسطه وآخره
والثّالِثَة أن يُصَلِّي عَلَيْهِ في أوله وآخره ويجْعَل حاجته متوسطة بَينهما.
(الموطن الثّامِن من مَواطِن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ عند دُخُول المَسْجِد وعند الخُرُوج مِنهُ)
لما روى ابْن خُزَيْمَة في صَحِيحه وأبُو حاتِم بن حبان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أن رَسُول الله ﷺ قالَ إذا دخل أحدكُم المَسْجِد فليسلم على النَّبِي ﷺ وليقل اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النَّبِي ﷺ وليقل اللَّهُمَّ أجرني من الشَّيْطان الرَّجِيم.
(الموطن التّاسِع من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ على الصَّفا والمروة)
لما روى إسْماعِيل بن إسْحاق في كِتابه ثَنا هدبة ثَنا همام بن يحيى ثَنا نافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُما أن النَّبِي ﷺ كانَ يكبر على الصَّفا ثَلاثًا يَقُول لا إلَه إلّا الله وحده لا شريك لَهُ لَهُ الملك وله الحَمد وهو على كل شَيْء قدير ثمَّ يُصَلِّي على النَّبِي ﷺ ثمَّ يَدْعُو ويطيل القيام والدُّعاء ثمَّ يفعل على المَرْوَة مثل ذَلِك وهَذا من تَوابِع الدُّعاء أيْضا
(٩)(المواطن العاشِر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند اجْتِماع القَوْم قبل تفرقهم)
وَقد تقدّمت الأحادِيث بذلك عَن النَّبِي ﷺ من غير وجه أنه قالَ ما جلس قوم مَجْلِسا ثمَّ تفَرقُوا ولم يذكرُوا الله ولم يصلوا على النَّبِي ﷺ إلّا كانَ عَلَيْهِم من الله تره إن شاءَ عذبهم وإن شاءَ غفر لَهُم رَواهُ ابْن حبان في صَحِيحه والحاكِم وغَيرهما
وَقد روى عبد الله بن إدْرِيس الأودي عَن هِشام بن عُرْوَة عَن أبِيه عَن عائِشَة رَضِي الله عَنْها قالَت زَينُوا مجالسكم بِالصَّلاةِ على النَّبِي ﷺ
(١٠)وَيذكر عَن عمر بن الخطاب رَضِي الله عَنهُ.
(الموطن الحادِي عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند ذكره)
وَقد اخْتلف في وُجُوبها كلما ذكر اسْمه ﷺ فَقالَ أبُو جَعْفَر الطَّحاوِيّ وأبُو عبد الله الحَلِيمِيّ تجب الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ كلما ذكر اسْمه.
وَقالَ غَيرهما إن ذَلِك مُسْتَحبّ ولَيْسَ بِفَرْض يَأْثَم تاركه ثمَّ اخْتلفُوا فَقالَت فرقة تجب الصَّلاة عَلَيْهِ في العُمر مرّة واحِدَة لِأن الأمر المُطلق لا يَقْتَضِي تَكْرارا والماهية تحصل بِمرَّة وهذ محكي عَن أبي حنيفَة ومالك والثَّوْري والأوْزاعِيّ
قالَ عِياض وابْن عبد البر وهو قَول جُمْهُور الأمة.
وَقالَت فرقة بل تجب في كل صَلاة تشهدها الأخير كَما تقدم وهو قَول الشّافِعِي وأحمد في آخر الرِّوايَتَيْنِ عَنهُ وغَيرهما
وَقالَت طائِفَة الأمر بِالصَّلاةِ أمر اسْتِحْباب لا أمر إيجاب.
وَهَذا قَول ابْن جرير وطائِفَة وادّعى ابْن جرير فِيهِ الإجْماع وهَذا على أصله فَإنَّهُ إذا رأى الأكْثَرين على قَول جعله إجْماعًا يجب اتِّباعه والمقدمتان هُنا باطلتان.
(الموطن الثّانِي عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الفَراغ من التَّلْبِيَة)
قالَ الدّارَقُطْنِيّ ثَنا مُحَمَّد بن مخلد ثَنا عَليّ بن زَكَرِيّا التمار ثَنا يَعْقُوب ابْن حميد ثَنا عبد الله بن عبد الله الأمَوِي قالَ سَمِعت صالح بن مُحَمَّد بن زائِدَة يحدث عَن عمارَة بن خُزَيْمَة بن ثابت عَن أبِيه أن النَّبِي ﷺ كانَ إذا فرغ من تلبيته سَألَ الله تَعالى مغفرته ورضوانه واستعاذ برحمته من النّار قالَ صالح سَمِعت القاسِم بن مُحَمَّد يَقُول كانَ يسْتَحبّ للرجل إذا فرغ من تلبيته أن يُصَلِّي على النَّبِي ﷺ.
(الموطن الثّالِث عشر من مَواطِن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ عند استلام الحجر)
قالَ أبُو ذَر الهَرَوِيّ ثَنا مُحَمَّد بن بكران أخبرنا أبُو عبد الله بن مخلد حَدثنا مُحَمَّد بن عُثْمان بن أبي شيبَة ثَنا عون بن سَلام أنبأنا مُحَمَّد بن سَلام ثَنا مُحَمَّد بن مهاجر عَن نافِع قالَ كانَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُما إذا أرادَ أن يسْتَلم الحجر قالَ اللَّهُمَّ إيمانًا بك وتَصْدِيقًا بكتابك وسنة نبيك ﷺ ويستلمه وقد تقدم أن من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ على الصَّفا والمروة ﷺ.
(الموطن الرّابِع عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الوُقُوف على قَبره)
قالَ سَحْنُون ثَنا عبد الرَّحْمَن بن القاسِم عَن مالك عَن عبد الله بن دِينار قالَ رَأيْت عبد الله بن عمر يقف على قبر النَّبِي ﷺ فَيصَلي على النَّبِي ﷺ ويَدْعُو لأبي بكر وعمر رَضِي الله عَنْهُما ذكره مالك في المُوَطَّأ
وَقالَ مالك أيْضا عَن عبد الله بن دِينار عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُما أنه كانَ إذا أرادَ سفرا أو قدم من سفر جاءَ قبر النَّبِي ﷺ فصلى عَلَيْهِ ودعا ثمَّ انْصَرف وقالَ ابْن نمير ثَنا مُحَمَّد بن بشير ثَنا عبد الله عَن نافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُما أنه كانَ إذا قدم من سفر بَدَأ بِقَبْر النَّبِي ﷺ فَيصَلي عَلَيْهِ ولا يمس القَبْر ثمَّ يسلم على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ يَقُول السَّلام عَلَيْك يا أبَت.
(الموطن الخامِس عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ إذا خرج إلى السُّوق أو إلى دَعْوَة أو نَحْوها)
قالَ ابْن أبي حاتِم حَدثنا أبُو سعيد بن يحيى بن سعيد القطّان حَدثنا مُحَمَّد بن بشر حَدثنا مسعر حَدثنا عامر بن شَقِيق عَن أبي وائِل قالَ ما رَأيْت عبد الله جلس في مأدبة ولا جَنازَة ولا غير ذَلِك فَيقوم حَتّى يحمد الله ويثني عَلَيْهِ ويُصلي على النَّبِي ﷺ ويَدْعُو بدعوات وإن كانَ يخرج إلى السُّوق فَيَأْتِي أغفلها مَكانا فيجلس فيحمد الله ويُصلي على النَّبِي ﷺ ويَدْعُو بدعوات.
(الموطن السّادِس عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ إذا قامَ الرجل من نوم اللَّيْل)
قالَ النَّسائِيّ في سنَنه الكَبِير أخْبرنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن عَليّ حَدثنا خلف يَعْنِي ابْن تَمِيم حَدثنا أبُو الأحْوَص حَدثنا شريك عَن أبي إسْحاق عَن أبي عُبَيْدَة عند عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قالَ يضْحك الله عز وجل إلى رجلَيْنِ رجل لَقِي العَدو وهو على فرس من أمثل خيل أصْحابه فانْهَزَمُوا وثَبت فَإن قتل اسْتشْهد وإن بَقِي فَذَلِك الَّذِي يضْحك الله إلَيْهِ ورجل قامَ في جَوف اللَّيْل لا يعلم بِهِ أحد فَتَوَضَّأ فأسبغ الوضُوء ثمَّ حمد الله ومجده وصلى على النَّبِي ﷺ واستفتح القُرْآن فَذَلِك الَّذِي يضْحك الله إلَيْهِ يَقُول انْظُرُوا إلى عَبدِي قائِما لا يراهُ أحد غَيْرِي
وَقالَ عبد الرَّزّاق حَدثنا معمر عَن أبي إسْحاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن عبد الله بن مَسْعُود أنه قالَ رجلانِ يضْحك الله إلَيْهِما فَذكره بِنَحْوِهِ
(الموطن السّابِع عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عقب ختم القُرْآن)
وَهَذا لِأن المحل مَحل دُعاء وقد نَص الإمام أحْمد رَحمَه الله تَعالى على الدُّعاء عقيب الختمة فَقالَ في رِوايَة أبي الحارِث كانَ أنس إذا ختم القُرْآن جمع أهله ولَده
وَقالَ في رِوايَة يُوسُف بن مُوسى وقد سُئِلَ عَن الرجل يخْتم القُرْآن فيجتمع اليه قوم فَيدعونَ قالَ نعم رَأيْت معمرًا يَفْعَله إذا ختم
وَقالَ في رِوايَة حَرْب اسْتحبَّ إذا ختم الرجل القُرْآن أن يجمع أهله ويَدْعُو
وروى ابْن أبي داوُد في فَضائِل القُرْآن عَن الحكم قالَ أرسل الي مُجاهِد وعِنْده ابْن أبي لبابَة أرسلنا إلَيْك إنّا نُرِيد أن نختم القُرْآن وكانَ يُقال إن الدُّعاء يُسْتَجاب عند ختم القُرْآن ثمَّ دعوا بدعوات
وروى أيْضا في كِتابه عَن ابْن مَسْعُود أنه قالَ من ختم القُرْآن فَلهُ دَعْوَة مستجابة
وَعَن مُجاهِد قالَ تنزل الرَّحْمَة عند ختم القُرْآن
وروى أبُو عبيد في كتاب فَضائِل القُرْآن عَن قَتادَة قالَ كانَ بِالمَدِينَةِ رجل يقْرَأ القُرْآن من أوله إلى آخِره على أصْحاب لَهُ فَكانَ ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما يضع الرقباء فَإذا كانَ عند الخَتْم جاءَ ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما فشهده
وَنَصّ أحْمد رَحمَه الله تَعالى على اسْتِحْباب ذَلِك في صَلاة التَّراوِيح قالَ حَنْبَل سَمِعت أحْمد يَقُول في ختم القُرْآن إذا فرغت من قراءتك
﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ﴾ فارفع يَديك في الدُّعاء قبل الرُّكُوع قلت إلى أي شَيْء تذْهب في هَذا قالَ رَأيْت أهل مَكَّة يَفْعَلُونَهُ وكانَ سُفْيان بن عُيَيْنَة يَفْعَله مَعَهم بِمَكَّة
قالَ عَبّاس بن عبد العَظِيم وكَذَلِكَ أدْركْت النّاس بِالبَصْرَةِ وبمكة ويروي أهل المَدِينَة في هَذا أشْياء وذكر عَن عُثْمان بن عَفّان رَضِي الله عَنهُ
وَقالَ الفضل بن زِياد سَألت أبا عبد الله أختم القُرْآن أجعله في التَّراوِيح أو في الوتر قالَ أجعله في التَّراوِيح حَتّى يكون لنا دُعاء بَين اثْنَيْنِ.
قلت كَيفَ أصنع قالَ إذا فرغت من آخر القُرْآن فارفع يَديك قبل أن تركع وادع بِنا ونحن في الصَّلاة وأطل القيام قلت بِمَ أدْعُو قالَ بِما شِئْت قالَ فَفعلت كَما أمرنِي وهو خَلْفي يَدْعُو قائِما ويرْفَع يَدَيْهِ
وَإذا كانَ هَذا من أكد مَواطِن الدُّعاء وأحقها بالإجابة فَهو من أكد مَواطِن الصَّلاة على النَّبِي ﷺ.
(الموطن الثّامِن عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ يَوْم الجُمُعَة)
وَقد تقدم فِيهِ حَدِيث أوْس بن أوْس عَن أبي أُمامَة أن النَّبِي ﷺ قالَ أكْثرُوا عَليّ من الصَّلاة في كل يَوْم جُمُعَة فَإن صَلاة أمتِي تعرض عَليّ في كل يَوْم جُمُعَة فَمن كانَ أكْثَرهم عَليّ صَلاة كانَ أقربهم مني منزلَة ﷺ رَواهُ البَيْهَقِيّ وقد تقدم
وَرُوِيَ أيْضا عَن أبي مَسْعُود الأنْصارِيّ عَن النَّبِي ﷺ قالَ أكْثرُوا عَليّ من الصَّلاة يَوْم الجُمُعَة فَإنَّهُ لَيْسَ أحد يُصَلِّي عَليّ يَوْم الجُمُعَة إلّا عرضت عَليّ صلاته وفِيه إسْماعِيل بن رافع قالَ يَعْقُوب بن سُفْيان يصلح حَدِيثه للشواهد والمتابعات
وَقالَ ابْن عدي حَدثنا إسْماعِيل بن مُوسى الحاسب حَدثنا جبارَة بن مغلس حَدثنا أبُو إسْحاق الخميسي عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ أكْثرُوا الصَّلاة عَليّ يَوْم الجُمُعَة فَإن صَلاتكم تعرض عَليّ وهَذا وإن كانَ إسْناده ضَعِيفا فَهو مَحْفُوظ في الجُمْلَة ولا يضر ذكره في الشواهد.
وَقد تقدم في مَراسِيل الحسن عَن النَّبِي ﷺ أكْثرُوا الصَّلاة عَليّ يَوْم الجُمُعَة
وَقالَ ابْن وضاح حَدثنا أبُو مَرْوان البَزّار حَدثنا ابْن المُبارك عَن ابْن شُعَيْب قالَ كتب عمر بن عبد العَزِيز أن انشروا العلم يَوْم الجُمُعَة فَإن غائلة العلم النسْيان وأكْثرُوا الصَّلاة على النَّبِي ﷺ يَوْم الجُمُعَة.
(الموطن التّاسِع عشر من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند القيام من المجْلس)
قالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حاتِم حَدثنا أبُو سعيد بن يحيى بن سعيد القطّان حَدثنا عُثْمان بن عمر قالَ سَمِعت سُفْيان بن سعيد ما لا أحصي إذا أرادَ القيام يَقُول صلى الله ومَلائِكَته على مُحَمَّد وعَلى أنْبياء الله ومَلائِكَته هَذا الدي رَأيْته من الأثر في هَذا الموطن والله أعلم.
(الموطن العشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند المُرُور على المَساجِد ورؤيتها)
قالَ القاضِي إسْماعِيل في كِتابه حَدثنا يحيى بن عبد الحميد حَدثنا سيف بن عمر التَّمِيمِي عَن سُلَيْمان العَبْسِي عَن عَليّ بن حُسَيْن قالَ قالَ عَليّ بن أبي طالب رَضِي الله عَنهُ إذا مررتم بِالمَسْجِدِ فصلوا على النَّبِي ﷺ
(١١)(الموطن الحادِي والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الهم والشدائد وطلب المَغْفِرَة)
لحَدِيث الطُّفَيْل بن أبي بن كَعْب عَن أبِيه قالَ كانَ رَسُول الله ﷺ إذا ذهب ثلثا اللَّيْل قامَ فَقالَ يا أيها النّاس اذْكروا الله جاءَت الراجفة تتبعها الرادفة جاءَ المَوْت بِما فِيهِ جاءَ المَوْت بِما فِيهِ قالَ أبي قلت يا رَسُول الله إنِّي أكثر الصَّلاة عَلَيْك فكم أجعَل لَك من صَلاتي فَقالَ ما شِئْت قالَ قلت الرّبع قالَ ما شِئْت فَإن زِدْت فَهو خير لَك قلت النّصْف قالَ ما شِئْت فَإن زِدْت فَهو خير لَك قالَ قلت فالثلثين قالَ ما شِئْت فَإن زِدْت فَهو خير لَك قالَ أجعَل لَك صَلاتي كلها قالَ إذا تكفى همك ويغْفر لَك ذَنْبك رَواهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل عَن الطُّفَيْل عَن أبِيه وقالَ
(١٢)وروى من حَدِيث مُحَمَّد بن عقيل أيْضا عَن الطُّفَيْل عَن أبِيه حَدِيثا آخر وصَححهُ وهو حَدِيث مثلي ومثل النَّبِيين من قبلي كَمثل رجل بنى دارا الحَدِيث رَواهُ ابْن أبي شيبَة في مُسْنده واخْتَصَرَهُ فَقالَ عَن أبي قالَ رجل يا رَسُول الله أرَأيْت إن جعلت صَلاتي كلها صَلاة عَلَيْك قالَ إذا يَكْفِيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك ﷺ تَسْلِيمًا كثيرا إلى يَوْم الدّين.
(الموطن الثّانِي والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند كِتابَة اسْمه ﷺ
قالَ أبُو الشَّيْخ حَدثنا أسيد بن عاصِم حَدثنا بشر بن عبيد حَدثنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن الأعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ نم صلى عَليّ في كتاب لم تزل المَلائِكَة يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ ما دامَ اسْمِي في ذَلِك الكتاب قالَ أبُو مُوسى رَواهُ غير واحِد عَن أسيد كَذَلِك قالَ ورَواهُ إسْحاق بن وهب العلاف عَن بشر بن عبيد فَقالَ عَن حازِم بن بكر عَن يزِيد بن عِياض عَن الأعْرَج ويروى من غير هذَيْن الوَجْهَيْنِ أيْضا عَن الأعْرَج
وَفِي الباب عَن أبي بكر الصّديق وابْن عَبّاس وعائِشَة رَضِي الله عَنْهُم
وروى سُلَيْمان بن الرّبيع حَدثنا كادِح بن رَحْمَة حَدثنا نهشل بن سعيد عَن الضَّحّاك عَن ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ من صلى على في كتاب لم تزل الصَّلاة جارِيَة لَهُ ما دامَ اسْمِي في ذَلِك الكتاب
(١٣)وَرُوِيَ من طَرِيق جَعْفَر بن عَليّ الزَّعْفَرانِي قالَ سَمِعت خالِي الحسن بن مُحَمَّد يَقُول رَأيْت أحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعالى في النّوم فَقالَ لي يا أبا عَليّ لَو رَأيْت صَلاتنا على النَّبِي ﷺ في الكتب كَيفَ تزهر بَين أيْدِينا
وَقالَ أبُو الحسن بن عَليّ المَيْمُونِيّ رَأيْت الشَّيْخ أبا عَليّ بن الحسن بن عُيَيْنَة في المَنام بعد مَوته وكانَ على أصابِع يَدَيْهِ شَيْئا مَكْتُوبًا بلون الذَّهَب أو بلون الزَّعْفَران فَسَألته عَن ذَلِك وقلت يا أستاذ ارى على أصابعك شَيْئا مليحًا مَكْتُوبًا ما هو قالَ يا بني هَذا لكتابتي لحَدِيث رَسُول الله ﷺ أو قالَ لكتابتي ﷺ في حَدِيث رَسُول الله ﷺ وذكر الخَطِيب حَدثنا مكي بن عَليّ حَدثنا أبُو سُلَيْمان الحَرّانِي قالَ قالَ رجل من جواري يُقال لَهُ أبُو الفضل وكانَ كثير الصَّوْم والصَّلاة كنت أكتب الحَدِيث ولا أُصَلِّي على النَّبِي ﷺ فرأيته في المَنام فَقالَ إذا كتبت أو ذكرت فَلم لا تصلي عَليّ ثمَّ رَأيْته مرّة من الزَّمان فَقالَ لي بَلغنِي صلواتك عَليّ فَإذا صليت عَليّ أو ذكرت فَقل ﷺ
وَقالَ سُفْيان الثَّوْريّ لَو لم يكن لصاحب الحَدِيث فائِدَة إلّا الصَّلاة على رَسُول الله ﷺ فَإنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ ما دامَ في ذَلِك الكتاب ﷺ
وَقالَ مُحَمَّد بن أبي سُلَيْمان رَأيْت أبي في النّوم فَقلت يا أبَت ما فعل الله بك قالَ غفر لي فَقلت بِماذا قالَ بكتابتي الصَّلاة على النَّبِي ﷺ.
وَقالَ بعض أهل الحَدِيث كانَ لي جار فَماتَ فَرُئِيَ في المَنام فَقيل لَهُ ما فعل الله بك؟
قالَ غفر لي.
قيل بِماذا؟ قالَ كنت إذا كتبت ذكر رَسُول الله ﷺ في الحَدِيث كتبت ﷺ
وَقالَ سُفْيان بن عُيَيْنَة حَدثنا خلف صاحب الخلقان قالَ كانَ لي صديق يطْلب معي الحَدِيث فَماتَ فرأيته في مَنامِي وعَلِيهِ ثِياب خضر يجول فِيها فَقلت ألَسْت كنت معي تطلب الحَدِيث؟
قالَ بلى.
قلت فَما الَّذِي صيرك إلى هَذا؟
قالَ كانَ لا يمر حَدِيث فِيهِ ذكر مُحَمَّد ﷺ إلّا كتبت في أسفله ﷺ فكافأني رَبِّي هَذا الَّذِي ترى عَليّ
وَقالَ عبد الله بن عبد الحكم رَأيْت الشّافِعِي رَحمَه الله في النّوم فَقلت ما فعل الله بك؟
قالَ رحمني وغفر لي وزفني إلى الجنَّة كَما يزف بالعروس، ونثر عَليّ كَما ينثر على العَرُوس.
فَقلت بِمَ بلغت هَذِه الحال؟
فَقالَ لي قائِل يَقُول لَك بِما في كتاب الرسالَة من الصَّلاة على النَّبِي ﷺ.
قلت فَكيف ذَلِك؟
قالَ وصلى الله على مُحَمَّد عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عَن ذكره الغافلون.
قالَ فَلَمّا أصبحت نظرت إلى الرسالَة فَوجدت الأمر كَما رَأيْت النَّبِي ﷺ.
وَقالَ الخَطِيب أنبأ بشير بن عبد الله الرُّومِي قالَ سَمِعت الحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عبيد العسكري يَقُول سَمِعت أبا إسحاق الدّارمِيّ المَعْرُوف بنهشل يَقُول كنت أكتب الحَدِيث في تخريجي للْحَدِيث قالَ النَّبِي ﷺ تَسْلِيمًا قالَ فَرَأيْت النَّبِي ﷺ في المَنام وكَأنَّهُ قد أخذ شَيْئا مِمّا أكتبه فَنظر فِيهِ فَقالَ هَذا جيد.
وَقالَ عبد الله بن عَمْرو حَدثنِي بعض إخْوانِي مِمَّن أثِق بِهِ قالَ: رَأيْت رجلا من أهل الحَدِيث في المَنام فَقلت ماذا فعل الله بك؟
قالَ رحمني وغفر لي قلت وبِمَ ذاك؟
قالَ إنِّي كنت إذا أتيت على اسْم النَّبِي ﷺ كتبت ﷺ.
ذكرها مُحَمَّد بن صالح عَن ثوابة عَن سعيد بن مَرْوان عَنهُ
وَقد روى الحافِظ أبُو مُوسى في كِتابه عَن جماعَة من أهل الحَدِيث أنهم رؤوا بعد مَوْتهمْ وأخبروا أن الله تَعالى غفر لَهُم بكتابتهم الصَّلاة على النَّبِي في كل حَدِيث.
وَقالَ ابْن سِنان سَمِعت عباسا العَنْبَري وعلي بن المَدِينِيّ يَقُولانِ ما تركنا الصَّلاة على النَّبِي ﷺ في كل حَدِيث سمعناه ورُبما عجلنا فنبيض الكتاب في كل حَدِيث حَتّى نرْجِع إلَيْهِ.
(الموطن الثّالِث والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند تَبْلِيغ العلم إلى النّاس عند التَّذْكِير والقصص والقاء الدَّرْس وتَعْلِيم العلم في أول ذَلِك وآخره)
قالَ إسْماعِيل بن إسْحاق في كِتابه حَدثنا أبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنا حُسَيْن بن عَليّ هو الجعْفِيّ عَن جَعْفَر بن برْقان قالَ كتب عمر بن عبد العَزِيز رَحمَه الله أما بعد فَإن أُناسًا من النّاس قد التمسوا الدُّنْيا بِعَمَل الآخِرَة وإن من القصاص من قد أحْدَثُوا في الصَّلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النَّبِي ﷺ فَإذا جاءَك كتابي هَذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النَّبِيين ودعاؤهم للْمُسلمين عامَّة ويدعوا ما سوى ذَلِك
والصَّلاة على النَّبِي ﷺ في هَذا الموطن لِأنَّهُ موطن لتبليغ العلم الَّذِي جاءَ بِهِ ونشره في أمته وإلقائه إلَيْهِم ودعوتهم إلى سنته وطريقته ﷺ
وَهَذا من أفضل الأعْمال وأعْظَمها نفعا للْعَبد في الدُّنْيا والآخِرَة.
(الموطن الرّابِع والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ أول النَّهار وآخره)
قالَ الطَّبَرانِيّ حَدثنا حَفْص بن عمر الصَّباح حَدثنا يزِيد بن عبد ربه الجرجسي حَدثنا بَقِيَّة بن الوَلِيد حَدثنِي إبْراهِيم بن مُحَمَّد بن زِياد الألْهانِي قالَ سَمِعت خالِد بن معدان يحدث عَن أبي الدَّرْداء رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ من صلى عَليّ حِين يصبح عشرا وحين يُمْسِي عشرا أدْرَكته شَفاعَتِي يَوْم القِيامَة
قالَ أبُو مُوسى المَدِينِيّ رَواهُ عَن بَقِيَّة غير واحِد ويزِيد بن عبد ربه كانَ يسكن بحمص قرب كَنِيسَة جرجس فنسب إلَيْها.
(الموطن الخامِس والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عقب الذَّنب إذا أرادَ أن يكفر عَنهُ)
قالَ ابْن أبي عاصِم في = كتاب الصَّلاة على النَّبِي = حَدثنا الحسن بن البَزّار حَدثنا شَبابَة حَدثنا مُغيرَة بن مُسلم عَن أبي إسْحاق عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ صلوا عَليّ فَإن الصَّلاة عَليّ كَفّارَة لكم فَمن صلى عَليّ مرّة صلى الله عَلَيْهِ عشرا
وَقالَ ابْن أبي عاصِم في كِتابه حَدثنا يُونُس بن مُحَمَّد حَدثنا الفضل بن عَطاء عَن الفضل بن شُعَيْب عَن أبي مَنظُور عَن ابْن معاذ عَن أبي كاهِل قالَ قالَ لي رَسُول الله ﷺ يا أبا كاهِل من صلى على كل يَوْم ثَلاث مَرّات وكل لَيْلَة ثَلاث مَرّات حبا وشوقًا إلَيّ كانَ حَقًا على الله أن يغْفر لَهُ ذنُوبه تِلْكَ اللَّيْلَة وذَلِكَ اليَوْم
وَقالَ أبُو الشَّيْخ في = كتاب الصَّلاة على النَّبِي ﷺ = حَدثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن نصر حَدثنا إسْماعِيل بن يزِيد قالَ حَدثنا الحُسَيْن بن حَفْص حَدثنا إبْراهِيم بن طهْمان عَن لَيْث بن أبي سليم عَن نافِع بن كَعْب المدنِي عَن أبي هُرَيْرَة قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ صلوا عَليّ فَإن الصَّلاة عَليّ زَكاة لكم ورَواهُ ابْن أبي شيبَة عَن ابْن فُضَيْل عَن لَيْث بن كَعْب عَن أبي هُرَيْرَة.
فَهَذا فِيهِ الأخْبار بِأن الصَّلاة زَكاة للْمُصَلِّي على النَّبِي ﷺ، والزَّكاة تَتَضَمَّن النَّماء والبركَة والطَّهارَة والَّذِي قبله فِيهِ أنَّها كَفّارَة وهِي تَتَضَمَّن محو الذَّنب فتضمن الحديثان أن بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ تحصل طَهارَة النَّفس من رذائلها ويثبت لَها النَّماء والزِّيادَة في كمالاتها وفضائلها وإلى هذَيْن الأمريْنِ يرجع كَمال النَّفس فَعلم أنه لا كَمال للنَّفس إلّا بِالصَّلاةِ على النَّبِي ﷺ الَّتِي هي من لَوازِم محبته ومتابعته وتقديمه على كل من سواهُ من المخلوقين ﷺ.
(الموطن السّادِس والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند إلْمام الفقر أو خوف وُقُوعه)
قالَ أبُو نعيم حَدثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنا مُحَمَّد بن الحسن بن سَمّاعَة حَدثنا أبُو نعيم حَدثنا فطر بن خَليفَة عَن جابر بن سَمُرَة السوائِي عَن أبِيه قالَ كُنّا عند النَّبِي ﷺ إذْ جاءَهُ رجل فَقالَ يا رَسُول الله ما أقرب الأعْمال إلى الله عز وجل قالَ صدق الحَدِيث وأداء الأمانَة قلت يا رَسُول الله زِدْنا قالَ صَلاة اللَّيْل وصَوْم الهواجر قلت يا رَسُول الله زِدْنا قالَ كَثْرَة الذّكر والصَّلاة عَليّ تَنْفِي الفقر قلت يا رَسُول الله زِدْنا قالَ من أم قوما فليخفف فَإن فيهم الكَبِير والعليل والضعيف وذا الحاجة.
(الموطن السّابِع والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند خطْبَة الرجل المَرْأة في النِّكاح)
قالَ إسْماعِيل بن أبي زِياد عَن جُوَيْبِر عَن الضَّحّاك عَن ابْن عَبّاس رَضِي الله عَنْهُما في قَوْله تَعالى
﴿إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾قالَ يَعْنِي أن الله تَعالى يثني على نَبِيكُم ويغْفر لَهُ وأمر المَلائِكَة بالاستغفار لَهُ
﴿يا أيها الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ﴾أثنوا عَلَيْهِ في صَلاتكم وفي مَساجِدكم وفي كل موطن وفي خطْبَة النِّساء فَلا تنسوه.
(الموطن الثّامِن والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند العطاس)
قالَ الطَّبَرانِيّ حَدثنا مُحَمَّد بن عبد الله الحَضْرَمِيّ حَدثنا سهل بن صالح الأنْطاكِي حَدثنا الوَلِيد بن مُسلم حَدثنا سعيد بن عبد العَزِيز عَن سُلَيْمان بن مُوسى عَن نافِع قالَ رَأيْت ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُما وقد عطس رجل إلى جنبه فَقالَ الحَمد لله والسَّلام على رَسُول الله.
فَقالَ ابْن عمر وأنا أقُول السَّلام على رَسُول الله ولَكِن لَيْسَ هَكَذا أمرنا رَسُول الله ﷺ أمرنا أن نقُول إذا عطسنا الحَمد لله على كل حال
قالَ الطَّبَرانِيّ لم يروه عَن سعيد إلّا الوَلِيد تفرد بِهِ سهل
وَرَواهُ التِّرْمِذِيّ عَن حميد مسْعدَة حَدثنا زِياد بن الرّبيع حَدثنا حضرمي مولى آل الجارُود عَن نافِع أن رجلا عطس إلى جنب ابْن عمر فَقالَ الحَمد لله والسَّلام على رَسُول الله قالَ ابْن عمر وأنا أقُول الحَمد لله والسَّلام على رَسُول الله ولَيْسَ هَكَذا علمنا رَسُول الله ﷺ علمنا أن نقُول الحَمد لله على كل حال.
قالَ التِّرْمِذِيّ هَذا حَدِيث غَرِيب لا نعرفه إلّا من حَدِيث زِياد ابْن الرّبيع
قالَ أبُو مُوسى المَدِينِيّ ورُوِيَ عَن نافِع أيْضا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُما خلاف ذَلِك ثمَّ ساق من طَرِيق عبد الله بن أحْمد حَدثنا عباد بن زِياد الأسدي حَدثنا زُهَيْر عَن أبي إسْحاق عَن نافِع قالَ عطس رجل عند ابْن عمر فَقالَ لَهُ ابْن عمر لقد بخلت هلا حمدت الله تَعالى وصليت على النَّبِي ﷺ فَذهب إلى هَذا جماعَة مِنهُم أبُو مُوسى المَدِينِيّ وغَيره ونازعهم في ذَلِك آخَرُونَ وقالُوا لا تسْتَحب الصَّلاة على النَّبِي ﷺ عند العطاس وإنَّما هو مَوضِع حمد الله تَعالى وحده ولم يشرع النَّبِي ﷺ عند العطاس إلّا حمد الله تَعالى والصَّلاة على رَسُول الله ﷺ وإن كانَت من أفضل الأعْمال وأحبها إلى الله تَعالى فَلِكُل ذكر موطن يَخُصُّهُ لا يقوم غَيره مقامه فِيهِ
قالُوا ولِهَذا لا تشرع الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في الرُّكُوع ولا السُّجُود ولا قيام الِاعْتِدال من الرُّكُوع وتشرع في التَّشَهُّد الأخير إمّا مَشْرُوعِيَّة وجوب أو اسْتِحْباب ورووا حَدِيثا عَن النَّبِي ﷺ لا تذكروني عند ثَلاث عند تَسْمِيَة الطَّعام وعند الذّبْح وعند العطاس.
وَهَذا الحَدِيث لا يَصح فَإنَّهُ من حَدِيث سُلَيْمان بن عِيسى السجْزِي عَن عبد الرَّحِيم بن زيد العمي عَن كثير عَن عُوَيْد عَن أبِيه عَن النَّبِي ﷺ فَذكره وله ثَلاث علل
إحْداها تفرد سُلَيْمان بن عِيسى بِهِ
قالَ البَيْهَقِيّ وهو في عداد من يضع الحَدِيث
الثّانِيَة ضعف عبد الرَّحِيم العمي
الثّالِثَة انْقِطاعه
قالَ البَيْهَقِيّ وقد روينا في الصَّلاة عند العطاس ما أخبرنا أبُو طاهِر الفَقِيه أخبرنا أبُو عبد الله الصفار حَدثنا عبد الله الصفار حَدثنا عبد الله بن أحْمد حَدثنا عباد بن زِياد فَذكر الحَدِيث المُتَقَدّم.
(الموطن التّاسِع والعشْرُونَ من مَواطِن الصَّلاة ﷺ بعد الفَراغ من الوضُوء)
قالَ أبُو الشَّيْخ في كِتابه حَدثنا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن شبيب حَدثنا إسْحاق بن أبي إسْرائِيل حَدثنا مُحَمَّد بن جابر عَن الأعْمَش عَن أبي وائِل عَن عبد الله قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ إذا فرغ أحدكُم من طهوره فَلْيقل أشهد أن لا إلَه إلّا الله وأن مُحَمَّدًا عَبده ورَسُوله ثمَّ ليصل عَليّ فَإذا قالَ ذَلِك فتحت لَهُ أبْواب الرَّحْمَة هَذا حَدِيث مَشْهُور لَهُ طرق عَن عمر بن الخطاب وعقبَة بن عامر وثوبان وانس رَضِي الله عَنْهُم لَيْسَ في شَيْء مِنها ذكر الصَّلاة إلّا في هَذِه الرِّوايَة
(١٤)وَقالَ ابْن أبي عاصِم في كِتابه حَدثنا دُحَيْم حَدثنا ابْن أبي فديك حَدثنا عبد المُهَيْمِن بن عَبّاس بن سهل بن سعد عَن أبِيه عَن جده يرفعهُ ولا وضوء لمن لم يصل على النَّبِي ﷺ وعبد المُهَيْمِن لا يحْتَج بِهِ وقد تقدم الحَدِيث.
(الموطن الثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند دُخُول المنزل)
ذكره الحافِظ أبُو مُوسى المَدِينِيّ
وروى فِيهِ من حَدِيث أبى صالح بن المُهلب عَن أبي بكر بن عمران حَدثنِي مُحَمَّد بن العَبّاس بن الوَلِيد حَدثنِي عَمْرو بن سعيد حَدثنا ابْن أبي ذِئْب حَدثنِي مُحَمَّد بن عجلان عَن أبي حازِم عَن سهل بن سعد قالَ جاءَ رجل إلى النَّبِي ﷺ فَشَكا إلَيْهِ الفقر وضيق العَيْش أو المعاش فَقالَ لَهُ رَسُول الله ﷺ إذا دخلت مَنزِلك فَسلم إن كانَ فِيهِ أحد أو لم يكن فِيهِ أحد ثمَّ سلم عَليّ واقرأ
﴿قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ﴾ مرّة واحِدَة فَفعل الرجل فأدر الله عَلَيْهِ الرزق حَتّى أفاض على جِيرانه وقراباته.
(الموطن الحادِي والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في كل موطن يجْتَمع فِيهِ لذكر الله تَعالى)
لحَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ أنه قالَ إن لله سيارة من المَلائِكَة إذا مروا بحلق الذّكر قالَ بَعضهم لبَعض اقعدوا فَإذا دَعا القَوْم أمنُوا على دُعائِهِمْ فَإذا صلوا على النَّبِي ﷺ صلوا مَعَهم حَتّى يفرغوا ثمَّ يَقُول بَعضهم لبَعض طُوبى لهَؤُلاء يرجعُونَ مغفورًا لَهُم
وأصل الحَدِيث في مُسلم وهَذا سِياق مُسلم بن إبْراهِيم الكشِّي حَدثنا عبد السَّلام بن عجلان حَدثنا أبُو عُثْمان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.
(الموطن الثّانِي والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ إذا نسي الشَّيْء أو أرادَ ذكره)
ذكره أبُو مُوسى المَدِينِيّ وروى فِيهِ من طَرِيق مُحَمَّد بن عتاب المروزِي ثَنا سَعْدان بن عَبدة أبُو سعيد المرزوي ثَنا عبد الله بن عبد الله العَتكِي أنبأ أنس بن مالك رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ إذا نسيتم شَيْئا فصلوا عَليّ تذكروه إن شاءَ الله قالَ الحافِظ وقد ذَكرْناهُ من غَيرها هَذا الطَّرِيق في كتاب الحِفْظ والنِّسْيان.
(الموطن الثَّلاث والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الحاجة تعرض للْعَبد)
قالَ أحْمد بن مُوسى الحافِظ حَدثنا عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد بن مُسلم قالَ ثَنا عبد الله بن أحْمد بن مُحَمَّد بن أسيد حَدثنا إسْماعِيل بن يزِيد حَدثنا إبْراهِيم بن الأشْعَث الخُراسانِي حَدثنا عبد الله بن سِنان بن عقبَة بن أبي عائِشَة المدنِي عَن أبي سهل بن مالك عَن جابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ من صلى على مائَة صَلاة حِين يُصَلِّي الصُّبْح قبل أن يتَكَلَّم قضى الله لَهُ مائَة حاجَة عجل لَهُ مِنها ثَلاثِينَ الله حاجَة وأخر لَهُ سبعين وفي المغرب مثل ذَلِك قالُوا وكَيف الصَّلاة عَلَيْك يا رَسُول الله قالَ
﴿إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِيِّ يا أيُّها الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ حَتّى تعد مائَة مرّة
وَقالَ إبْراهِيم بن الجُنَيْد ثَنا إسماعيل بن إسْماعِيل بن حديج بن مُعاوِيَة عَن أبي إسْحاق عَن أبي عُبَيْدَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قالَ إذا أردْت أن تسْأل حاجَة فابدأ بالمدحة والتحميد والثناء على الله عز وجل بِما هو أهله ثمَّ صل على النَّبِي ﷺ ثمَّ ادْع بعد فَإن ذَلِك أحْرى أن تصيب حاجَتك.
وَقالَ الطَّبَرانِيّ حَدثنا سهل بن مُوسى حَدثنا زُرَيْق بن السُّحت حَدثنا عبد الوَهّاب بن عَطاء حَدثنا فائد أبُو الورقاء حَدثنا عبد الله بن أبي أوفى قالَ خرج علينا رَسُول الله ﷺ فَقالَ من كانَ لَهُ إلى الله عز وجل حاجَة فَليَتَوَضَّأ وليحسن الوضُوء وليركع رَكْعَتَيْنِ وليثن على الله عز وجل وليصل على النَّبِي ﷺ وليقل لا إلَه إلّا الله الحَلِيم الكَرِيم سُبْحانَ الله رب العَرْش الكَرِيم والحَمْد لله رب العالمين أسألك مُوجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمَة من كل بر والسلامة من كل ذَنْب لا تدع لي هما إلّا فرجته ولا ذَنبا إلّا غفرته ولا حاجَة هي لَك رضى إلّا قضيتها يا أرْحم الرّاحِمِينَ
وَقالَ ابْن منده الحافِظ حَدثنا عبد الصَّمد العاصمي أخبرنا إبْراهِيم بن أحْمد المُسْتَمْلِي حَدثنا مُحَمَّد بن درسْتوَيْه حَدثنا سهل بن متويه حَدثنا مُحَمَّد بن عبيد حَدثنا عَبّاس بن بكار حَدثنا أبُو بكر الهُذلِيّ حَدثنا مُحَمَّد بن المُنْكَدر عَن جابر رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ من صلى علي في كل يَوْم مائَة مرّة قضى الله لَهُ مائَة حاجَة سبعين مِنها لآخرته وثَلاثِينَ مِنها
لديناه قالَ الحافِظ أبُو مُوسى المَدِينِيّ هَذا حَدِيث حسن.
قلت قد تقدم حَدِيث فضالة بن عبيد وأبي بن كَعْب في ذَلِك.
(الموطن الرّابِع والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند طنين الأذن)
ذكره أبُو مُوسى وغَيره
قالَ ابْن عاصِم في كِتابه حَدثنا ابوالربيع قالَ حَدثنا حسان بن عدي قالَ حَدثنا مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبى رافع عَن أخِيه عبد الله عَن أبِيه عَن جده قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ "إذا طَنَّتْ أذن أحدكُم فَليصل عَليّ وليقل ذكر الله بِخَير من ذَكرنِي"
وَرَواهُ معمر بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي رافع عَن أبِيه عَن جده لم يذكر عبد الله في الإسْناد وفي رِوايَة ذكر الله من ذَكرنِي بِخَير.
(الموطن الخامِس والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عقيب الصَّلَوات)
ذكره الحافِظ أبُو مُوسى وغَيره ولم يذكرُوا في ذَلِك سوى حِكايَة ذكرها أبُو مُوسى المَدِينِيّ من طَرِيق عبد الغَنِيّ بن سعيد قالَ سَمِعت إسْماعِيل بن أحْمد بن إسْماعِيل الحاسب قالَ أخْبرنِي أبُو بكر مُحَمَّد بن عمر قالَ كنت عند أبي بكر بن مُجاهِد فجاء الشبلي فَقامَ إلَيْهِ أبُو بكر بن مُجاهِد فعانقه وقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقلت لَهُ يا سَيِّدي يفعل هَذا بالشبلي وأنت وجَمِيع من بِبَغْداد يتصورونه أنه مَجْنُون فَقالَ لي فعلت بِهِ كَما رَأيْت رَسُول الله ﷺ يفعل بِهِ وذَلِكَ أنِّي رَأيْت رَسُول الله ﷺ في المَنام وقد أقبل الشبلي فَقامَ إلَيْهِ وقبل بَين عَيْنَيْهِ فَقلت يا رَسُول الله أتفعل هَذا بالشبلي فَقالَ هَذا يقْرَأ بعد صلاته
﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنفسكُم﴾ [التوبة: ١٢٨]إلى آخرها ويتبعها بِالصَّلاةِ عَليّ.
وَفِي رِوايَة أنه لم يصل صَلاة فَرِيضَة إلّا ويقْرَأ خلفها
﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾إلى آخر السُّورَة ويَقُول ثَلاث مَرّات صلى الله عَلَيْك يا مُحَمَّد قالَ فَلَمّا دخل الشبلي سَألته عَمّا يذكر بعد الصَّلاة فَذكر مثله.
(الموطن السّادِس والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند الذَّبِيحَة)
وَقد اخْتلف في هَذِه المَسْألَة فاستحبها الشّافِعِي رَحمَه الله قالَ والتَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة بِسم الله فَإن زاد بعد ذَلِك شَيْئا من ذكر الله تَعالى فالزِّيادَة خير، ولا أكره مَعَ تَسْمِيَته على الذَّبِيحَة أن يَقُول صلى الله على رَسُول الله بل أحبه لَهُ، وأحب أن يكثر الصَّلاة على كل الحالات، لِأن ذكر الله بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ إيمان بِالله وعبادَة لَهُ يُؤجر عَلَيْها إن شاءَ الله تَعالى من قالَها
وَقد ذكر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أنه كانَ مَعَ النَّبِي ﷺ فتقدمه النَّبِي ﷺ فَتَبِعَهُ عبد الرَّحْمَن ساجِدا فَوقف ينتظره فَأطال ثمَّ رفع فَقالَ عبد الرَّحْمَن لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك فَقالَ يا عبد الرَّحْمَن إنِّي لما كنت حَيْثُ رَأيْت لَقِيَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلام فَأخْبرنِي عَن الله أنه قالَ من صلى عَلَيْك صليت عَلَيْهِ فسجدت لله شكرا وقالَ رَسُول الله ﷺ من نسي الصَّلاة عَليّ خطئَ بِهِ طَرِيق الجنَّة وبسط رَحمَه الله الكَلام في هَذا
ونازعه في ذَلِك آخَرُونَ مِنهُم أصْحاب الإمام أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعالى فَإنَّهُم كَرهُوا الصَّلاة في هَذا الموطن.
ذكره صاحب المُحِيط وعلله بِأنَّهُ قالَ لِأن فِيهِ الإهلال لغير الله تَعالى
واخْتلف أصْحاب الإمام أحْمد رَحمَه الله تَعالى فكرهها القاضِي وأصْحابه وذكر الكَراهَة أبُو الخطاب في رُؤُوس المسائِل
وَقالَ ابْن شاقلا تسْتَحب كَقَوْل الشّافِعِي.
واحْتج من كرهها بِأن قالُوا روى أبُو مُحَمَّد الخلال بِإسْنادِهِ عَن معاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ انه قالَ موطئان لا حَظّ لي فيهما عند العطاس والذّبْح
واحْتَجُّوا بِحَدِيث سُلَيْمان بن عِيسى السجْزِي عَن عبد الرَّحِيم بن زيد العمي عَن أبِيه وقد تقدم الكَلام على هَذا الحَدِيث وأنه غير ثابت.
(الموطن السّابِع والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في الصَّلاة في غير التَّشَهُّد)
بل في حال القِراءَة إذا مر بِذكرِهِ أو بقوله تَعالى
﴿إن الله ومَلائِكَته يصلونَ على النَّبِي﴾ذكره أصْحابنا وغَيرهم قالُوا مَتى مر بِذكرِهِ في القِراءَة وقف وصلى عَلَيْهِ
وَقالَ إسْماعِيل بن إسْحاق حَدثنا مُحَمَّد بن أبي بكر حَدثنا بشر بن مَنصُور عَن هِشام عَن الحسن قالَ إذا مر بِالصَّلاةِ على النَّبِي ﷺ فليقف وليصل عَلَيْهِ في التَّطَوُّع
وَنَصّ الإمام أحْمد رَحمَه الله تَعالى على ذَلِك فَقالَ إذا مر المُصَلِّي بِآيَة فِيها ذكر النَّبِي ﷺ فَإن في كانَ نفل صلى الله عَلَيْهِ ﷺ.
(الموطن الثّامِن والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في بدل الصَّدَقَة)
لمن لم يكن لَهُ مال فتجزئ الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عَن الصَّدَقَة للمعسر
قالَ ابْن وهب عَن عَمْرو بن الحارِث عَن دراج أبي السَّمْح عَن أبي الهَيْثَم عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ أيّما رجل لم يكن عِنْده صَدَقَة فَلْيقل في دُعائِهِ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد عَبدك ورَسُولك وصل على المُؤمنِينَ والمُؤْمِنات والمُسْلِمين والمُسلمات فَإنَّها لَهُ زَكاة رَواهُ عَنهُ ابْن أخِيه وهارُون بن مَعْرُوف.
(الموطن التّاسِع والثَّلاثُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند النّوم)
قالَ أبُو الشَّيْخ في كِتابه حَدثنا إسْحاق بن إسْماعِيل البَرْمَكِي حَدثنا آدم أبي إياس حَدثنا مُحَمَّد بن نشر حَدثنا مُحَمَّد بن عامر قالَ قالَ أبُو قرصافة سَمِعت رَسُول الله ﷺ يَقُول من أوى إلى فراشه ثمَّ قَرَأ
﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ثمَّ قالَ اللَّهُمَّ رب الحل والحرم ورب البَلَد الحَرام ورب الرُّكْن والمقام ورب المشعر الحَرام بِحَق كل آيَة أنزلتها في شهر رَمَضان بلغ روح مُحَمَّد ﷺ مني تَحِيَّة وسلامًا أربع مَرّات وكل الله تَعالى بها الملكَيْنِ حَتّى يَأْتِي مُحَمَّدًا ﷺ فَيَقُولانِ لَهُ يا مُحَمَّد إن فلان بن فلان يقْرَأ عَلَيْك السَّلام ورَحْمَة الله فَيَقُول وعَلى فلان مني السَّلام ورَحْمَة الله وبَرَكاته
قالَ الحافِظ أبُو مُوسى نشر والِد مُحَمَّد بِفَتْح النُّون
قلت وأبُو قرصافة ذكره ابْن عبد البر في كِتابه الصَّحابَة وقالَ اسْمه جندرة من بني كنانَة لَهُ صُحْبَة سكن فلسطين.
وَقيل كانَ يسكن تهامَة ولَكِن مُحَمَّد بن نشر هَذا هو المدنِي قالَ فِيهِ الأزْدِيّ مَتْرُوك الحَدِيث مَجْهُول.
وَقلت وعلة الحَدِيث أنه مَعْرُوف من قَول أبي جَعْفَر الباقر وهَذا أشبه والله أعلم.
(الموطن الأرْبَعُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ عند كل كَلام ذِي بال)
فَإنَّهُ يَبْتَدِئ بِحَمْد الله والثناء عَلَيْهِ ثمَّ بِالصَّلاةِ على رَسُوله ﷺ ثمَّ يذكر كَلامه بعد ذَلِك
أما ابتداؤه بِالحَمْد فَلَمّا في مُسْند الإمام أحْمَد وسنَن أبي داوُد من حَدِيث أبى هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله ﷺ أنه قالَ كل كَلام لا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهو أجْذم
وَأما الصَّلاة على النَّبِي ﷺ فروى أبُو مُوسى المَدِينِيّ من حَدِيث إسْماعِيل بن أبي زِياد عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قالَ قالَ رَسُول الله ﷺ كل كَلام لا يذكر الله فِيهِ فَيبْدَأ بِهِ وبالصلاة عَليّ فَهو أقطع ممحوق من كل بركَة
(١٥)(الموطن الحادِي والأرْبَعُونَ من مَواطِن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ في أثْناء صَلاة العِيد)
فَإنَّهُ يسْتَحبّ أن يحمد الله ويثني عَلَيْهِ ويُصلي على النَّبِي ﷺ
قالَ إسْماعِيل بن إسْحاق حَدثنا مُسلم بن إبْراهِيم هِشام الدستوائي حَدثنا حَمّاد بن أبي سُلَيْمان عَن إبْراهِيم عَن عَلْقَمَة أن ابْن مَسْعُود وأبا مُوسى وحُذَيْفَة خرج عَلَيْهِم الوَلِيد بن عقبَة قبل العِيد يَوْمًا فَقالَ لَهُم إن هَذا العِيد قد دنا فَكيف التَّكْبِير فِيهِ قالَ عبد الله تبدأ فتكبر تَكْبِيرَة تفتتح بها الصَّلاة وتحمد رَبك وتصلي على النَّبِي ﷺ ثمَّ تَدْعُو وتكبر وتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تقْرَأ ثمَّ تكبر وتكرع ثمَّ تقوم وتقرأ وتحمد رَبك وتصلي على النَّبِي مُحَمَّد ﷺ ثمَّ تَدْعُو وتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وتفعل مثل ذَلِك ثمَّ تكبر وتفعل ذَلِك ثمَّ تركع فَقالَ حُذَيْفَة وأبُو مُوسى صدق أبُو عبد الرَّحْمَن
(١٦)وَفِي هَذا الحَدِيث المُوالاة بَين القِراءَتَيْن وهِي مَذْهَب أبي حنيفَة وإحْدى الرِّوايَتَيْنِ عَن أحْمد وفِيه تَكْبِيرات العِيد الزَّوائِد ثَلاثًا ثَلاثًا وهو مَذْهَب أبي حنيفَة وفِيه حمد الله والصَّلاة على رَسُوله بَين التَّكْبِيرات وهو مَذْهَب الشّافِعِي وأحمد فَأخذ أبُو حنيفَة بِهِ في عدد التَّكْبِيرات والموالاة بَين القِراءَتَيْن وأخذ بِهِ أحْمد والشّافِعِيّ في اسْتِحْباب الذّكر بَين التَّكْبِيرات وأبُو حنيفَة ومالك يستحبان سرد التَّكْبِيرات من غير ذكر بَينهما ومالك لم يَأْخُذ بِهِ في هَذا ولا في هَذا والله سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَم.
* (فَصْلٌ: في الفَوائِد والثمرات الحاصِلَة بِالصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ
الأولى امْتِثال أمر الله سُبْحانَهُ وتَعالى
الثّانِيَة مُوافَقَته سُبْحانَهُ في الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ وإن اخْتلفت الصَّلاتان فصلاتنا عَلَيْهِ دُعاء وسؤال وصَلاة الله تَعالى عَلَيْهِ ثَناء وتشريف كَما تقدم
الثّالِثَة مُوافقَة مَلائكَته فِيها
الرّابِعَة حُصُول عشر صلوات من الله على المُصَلِّي مرّة
الخامِسَة أنه يرفع عشر دَرَجات
السّادِسَة أنه يكْتب لَهُ عشر حَسَنات
السّابِعَة أنه يمحى عَنهُ عشر سيئات
الثّامِنَة أنه يُرْجى إجابَة دُعائِهِ إذا قدمها أمامه فَهي تصاعد الدُّعاء إلى عند رب العالمين
التّاسِعَة أنَّها سَبَب لشفاعته ﷺ إذا قرنها بسؤال الوَسِيلَة لَهُ أو أفردها كَما تقدم حَدِيث رويفع بذلك
العاشِرَة أنَّها سَبَب لغفران الذُّنُوب كَما تقدم
الحادِيَة عشرَة أنَّها سَبَب لكفاية الله العَبْد ما أهمه
الثّانِيَة عشرَة أنَّها سَبَب لقرب العَبْد مِنهُ ﷺ يَوْم القِيامَة وقد تقدم حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ بذلك
الثّالِثَة عشرَة أنَّها تقوم مقام الصَّدَقَة لذِي العسرَة
الرّابِعَة عشرَة أنَّها سَبَب لقَضاء الحَوائِج
الخامِسَة عشرَة أنَّها سَبَب لصَلاة الله على المُصَلِّي وصَلاة مَلائكَته عَلَيْهِ
السّادِسَة عشرَة أنَّها زَكاة للْمُصَلِّي وطهارة لَهُ
السّابِعَة عشرَة أنَّها سَبَب لتبشير العَبْد بِالجنَّةِ قبل مَوته ذكره الحافِظ أبُو مُوسى في كِتابه وذكر فِيهِ حَدِيثا
الثّامِنَة عشرَة أنَّها سَبَب للنجاة من أهوال يَوْم القِيامَة ذكره أبُو مُوسى وذكر فِيهِ حَدِيثا
التّاسِعَة عشرَة أنَّها سَبَب لرد النَّبِي ﷺ الصَّلاة والسَّلام على المُصَلِّي والمُسلم عَلَيْهِ
العشْرُونَ أنَّها سَبَب لتذكر العَبْد ما نَسيَه كَما تقدم
الحادِيَة والعشْرُونَ أنَّها سَبَب لطيب المجْلس وأن لا يعود حسرة على أهله يَوْم القِيامَة
الثّانِيَة والعشْرُونَ أنَّها سَبَب لنفي الفقر كَما تقدم
الثّالِثَة والعشْرُونَ أنَّها تَنْفِي عَن العَبْد اسْم البُخْل إذا صلى عَلَيْهِ عند ذكره ﷺ
الرّابِعَة والعشْرُونَ أنَّها ترمي صاحبها على طَرِيق الجنَّة وتخطئ بتاركها عَن طريقها
الخامِسَة والعشْرُونَ أنَّها تنجي من نَتن المجْلس الَّذِي لا يذكر فِيهِ الله ورَسُوله ويحمد ويثنى عَلَيْهِ فِيهِ ويصلى على رَسُوله ﷺ السّادِسَة والعشْرُونَ أنَّها سَبَب لتَمام الكَلام الَّذِي ابتدئ بِحَمْد الله والصَّلاة على رَسُوله
السّابِعَة والعشْرُونَ أنَّها سَبَب لوفور نور العَبْد على الصِّراط وفِيه حَدِيث ذكره أبُو مُوسى وغَيره
الثّامِنَة والعشْرُونَ أنه يخرج بها العَبْد عَن الجفاء
التّاسِعَة والعشْرُونَ أنَّها سَبَب لإبقاء الله سُبْحانَهُ الثَّناء الحسن للْمُصَلِّي عَلَيْهِ بَين أهل السَّماء والأرْض لِأن المُصَلِّي طالب من الله أن يثني على رَسُوله ويكرمه ويشرفه والجَزاء من جنس العَمَل فَلا بُد أن يحصل للْمُصَلِّي نوع من ذَلِك
الثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب البركَة في ذات المُصَلِّي وعَمله وعمره وأسْباب مَصالِحه لِأن المُصَلِّي داع ربه يُبارك عَلَيْهِ وعَلى آله وهَذا الدُّعاء مستجاب والجَزاء من جنسه
الحادِيَة والثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب لنيل رَحْمَة الله لَهُ لِأن الرَّحْمَة إمّا بِمَعْنى الصَّلاة كَما قالَه طائِفَة وإمّا من لوازمها وموجباتها على القَوْل الصَّحِيح فَلا بُد للْمُصَلِّي عَلَيْهِ من رَحْمَة تناله
الثّانِيَة والثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب لدوام محبته للرسول ﷺ وزيادتها وتضاعفها وذَلِكَ عقد من عُقُود الإيمان الَّذِي لا يتم إلّا بِهِ لِأن العَبْد كلما أكثر من ذكر المحبوب واستحضاره في قلبه واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه تضاعف حبه وتزايد شوقه إلَيْهِ واسْتولى على جَمِيع قلبه وإذا أعرض عَن ذكره وإحضار محاسنه بِقَلْبِه نقص حبه من قلبه ولا شَيْء أقرّ لعين المُحب من رُؤْيَة محبوبه ولا أقرّ لِقَلْبِهِ من ذكره وإحضار محاسنه فَإذا قوي هَذا في قلبه جرى لِسانه بمدحه والثناء عَلَيْهِ وذكر محاسنه وتَكون زِيادَة ذَلِك ونقصانه بِحَسب زِيادَة الحبّ ونقصانه في قلبه والحس شاهد بذلك حَتّى قالَ بعض الشُّعَراء في ذَلِك
(عجبت لمن يَقُول ذكرت حبي ∗∗∗ وهل أنسى فأذكر من نسيت)
فتعجب هَذا المُحب مِمَّن يَقُول ذكرت محبوبي لِأن الذّكر يكون بعد النسْيان ولَو كمل حب هَذا لما نسي محبوبه
وَقالَ آخر
(أُرِيد لأنسى ذكرها فَكَأنَّما ∗∗∗ تمثل لي ليلى بِكُل سَبِيل)
فَهَذا أخبر عَن نَفسه أن محبته لَها مانع لَهُ من نسيانها
وَقالَ آخر
(يُراد من القلب نسيانكم ∗∗∗ وتأبى الطباع على النّاقِل)
فَأخْبر أن حبهم وذكرهمْ قد صار طبعا لَهُ فَمن أرادَ مِنهُ خلاف ذَلِك أبَت عَلَيْهِ طباعه أن تنْتَقل عَنهُ والمثل المَشْهُور من أحب شَيْئا أكثر من ذكره وفي هَذا الجناب الأشْرَف أحَق ما أنْشد
(لَو شقّ قلبِي فَفي وسطه ∗∗∗ ذكرك والتوحيد في سطر)
فَهَذا قلب المُؤمن تَوْحِيد الله وذكر رَسُوله مكتوبان فِيهِ لا يتَطَرَّق إلَيْهِما محو ولا إزالَة ولما كانَت كَثْرَة ذكر الشَّيْء مُوجبَة لدوام محبته ونسيانه سَببا لزوال محبته أو اضعافها وكانَ سُبْحانَهُ هو المُسْتَحق من عباده نِهايَة الحبّ مَعَ نِهايَة التَّعْظِيم بل الشّرك الَّذِي لا يغفره الله تَعالى هو أن يُشْرك بِهِ في الحبّ والتعظيم فيحب غَيره ويعظم من المَخْلُوقات غَيره كَما يحب الله تَعالى ويعظمه قالَ تَعالى
﴿وَمِنَ النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّه﴾ [البقرة: ١٦٥]فَأخْبر سُبْحانَهُ أن المُشرك يحب الند كَما يحب الله تَعالى وأن المُؤمن أشد حبا لله من كل شَيْء وقالَ أهل النّار في النّار
﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨]وَمن المَعْلُوم أنهم إنَّما سووهم بِهِ سُبْحانَهُ في الحبّ والتأله والعِبادَة وإلّا فَلم يقل أحد قطّ إن الصَّنَم أو غَيره من الأنداد مساوٍ لرب العالمين في صِفاته وفي أفعاله وفي خلق السَّماوات والأرْض وفي خلق عباده أيْضا وإنَّما كانَت السوية في المحبَّة والعِبادَة
وأضل من هَؤُلاءِ وأسوأ حالا من سوى كل شَيْء بِالله سُبْحانَهُ في الوُجُود وجعله وجود كل مَوْجُود كامِل أو ناقص فَإذا كانَ الله قد حكم بالضلال والشقاء لمن سوى بَينه وبَين الأصْنام في الحبّ مَعَ اعتقادههم تفاوت ما بَين الله وبَين خلقه في الذّات والصِّفات والأفْعال فَكيف بِمن سوى الله بالموجودات في جَمِيع ذَلِك وزعم أنه ما عبد غير الله في كل معبود والمَقْصُود أن دوام الذّكر لما كانَ سَببا لدوام المحبَّة وكانَ الله سُبْحانَهُ أحَق بِكَمال الحبّ والعبودية والتعظيم والإجلال كانَ كَثْرَة ذكره من أنْفَع ما للْعَبد وكانَ عدوه حَقًا هو الصّاد لَهُ عَن ذكر ربه وعبوديته ولِهَذا أمر الله سُبْحانَهُ بِكَثْرَة ذكره في القُرْآن وجعله سَببا للفلاح فَقالَ تَعالى
﴿واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠]وَقالَ تَعالى
﴿يا أيها الَّذين آمنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرا﴾ [الجمعة: ٤١]وَقالَ تَعالى
﴿والذاكرين الله كثيرا والذّاكِرات﴾ [الأحزاب: ٣٥]وَقالَ تَعالى
﴿يا أيها الَّذين آمنُوا لا تُلْهِكم أمْوالُكم ولا أوْلادُكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هم الخاسرون﴾ [المنافقون: ٩]وَقالَ تَعالى
﴿فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: ١٥٢]وَقالَ النَّبِي ﷺ سبق المفردون قالُوا يا رَسُول الله وما المفردون قالَ الذاكرون الله كثيرا والذّاكِرات
وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أبي الدَّرْداء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ أنه قالَ ألا أدلكم على خير أعمالكُم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنْفاق الذَّهَب والوَرق وخير لكم من أن تلقوا عَدوكم فتضربوا أعْناقهم ويضربوا أعْناقكُم قالُوا بلى يا رَسُول الله قالَ ذكر الله تَعالى
(١٧) وهو في المُوَطَّأ مَوْقُوف على أبي الدَّرْداء
قالَ معاذ بن جبل ما عمل آدَمِيّ عملا أنجى لَهُ من عَذاب الله من ذكر الله وذكر رَسُوله ﷺ تبع لذكره
والمَقْصُود أن دوام الذّكر سَبَب لدوام المحبَّة فالذكر للقلب كالماءِ للزَّرْع بل كالماءِ للسمك لا حَياة لَهُ إلّا بِهِ
وَهُوَ أنْواع ذكره بأسمائه وصِفاته والثناء عَلَيْهِ بها
الثّانِي تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله وتمجيده والغالِب من اسْتِعْمال لفظ الذّكر عند المُتَأخِّرين هَذا
الثّالِث ذكره بأحكامه وأوامره ونواهيه وهو ذكر العالم بل الأنْواع الثَّلاثَة هي ذكرهم لرَبهم
وَمن أفضل ذكره ذكره بِكَلامِهِ
قالَ تَعالى
﴿وَمَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيامَةِ أعْمى﴾ [طه: ١٢٤]فَذكره هُنا كَلامُه الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله ﷺ
وَقالَ تَعالى
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهم بِذِكْرِ اللَّهِ ألا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ﴾ [الرعد: ٢٨]وَمن ذكره سُبْحانَهُ دعاؤه واستغفاره والتضرع إلَيْهِ فَهَذِهِ خَمْسَة أنْواع من الذّكر الفائِدَة الثّالِثَة والثَّلاثُونَ أن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ سَبَب لمحبته للْعَبد فَإنَّها إذا كانَت سَببا لزِيادَة محبَّة المصلى عَلَيْهِ لَهُ فَكَذَلِك هي سَبَب لمحبته هو للْمُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ
الرّابِعَة والثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب لهداية العَبْد وحياة قلبه فَإنَّهُ كلما أكثر الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ وذكره واستولت محبته على قلبه حَتّى لا يبْقى في قلبه مُعارضَة لشَيْء من أوامره ولا شكّ في شَيْء مِمّا جاءَ بِهِ بل يصير ما جاءَ بِهِ مَكْتُوبًا مسطورًا في قلبه لا يزال يَقْرَؤُهُ على تعاقب أحْواله ويقتبس الهدى والفلاح وأنواع العُلُوم مِنهُ وكلما ازْدادَ في ذَلِك بَصِيرَة وقُوَّة ومَعْرِفَة ازدادت صلاته عَلَيْهِ ﷺ
وَلِهَذا كانَت صَلاة أهل العلم العارفين بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف صَلاة العَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنها إزعاج أعضائهم بها رفع أصْواتهم وأما أتْباعه العارفون بسنته وهديه المتبعين لَهُ على خلاف العَوام عَلَيْهِ الَّذين حظهم مِنها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصْواتهم وأما أتْباعه العارفون بسنته العالمُونَ بِما جاءَ بِهِ فصلاتهم عَلَيْهِ نوع آخر فَكلما ازدادوا فِيما جاءَ بِهِ معرفَة ازدادوا لَهُ محبَّة ومَعْرِفَة بِحَقِيقَة الصَّلاة المَطْلُوبَة لَهُ من الله تَعالى
وَهَكَذا ذكر الله سُبْحانَهُ كلما كانَ العَبْد بِهِ أعرف وله أطوع وإلَيْهِ أحب كانَ ذكره غير ذكر الغافلين اللاهين وهَذا أمر إنَّما يعلم بالخبر لا بالخبر وفرق بَين من يذكر صِفات محبوبه الَّذِي قد ملك حبه جَمِيع قلبه ويثني عَلَيْهِ وبها ويمجده بها وبَين من يذكرها إمّا أمارَة وإمّا لفظا لا يدْرِي ما مَعْناهُ لا يُطابق فِيهِ قلبه لِسانه كَما أنه فرق بَين بكاء النائحة وبكاء الثكلى فَذكره ﷺ وذكر ما جاءَ بِهِ وحمد الله سُبْحانَهُ على إنعامه علينا ومنته بإرسالة هو حَياة الوُجُود وروحه كَما قيل
(روح المجالِس ذكره وحَدِيثه ∗∗∗ وهدى لكل ملدد حيران)
(وَإذا اخل في مجْلِس ∗∗∗ فَأُولَئِك الأمْوات في الحَيّانِ)
الخامِسَة والثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب لعرض اسْم المُصَلِّي عَلَيْهِ ﷺ وذكره عِنْده كَما تقدم قَوْله إن صَلاتكم معروضة عَليّ
وَقَوله ﷺ إن الله وكّل بقبري مَلائِكَة يبلغوني عَن أمتِي السَّلام وكفى بِالعَبدِ نبْلًا أن يذكر اسْمه بِالخَيرِ بَين يَدي رَسُول الله ﷺ وقد قيل في هَذا المَعْنى
(وَمن خطرت مِنهُ خطرة ∗∗∗ حقيق بِأن يتقدما)
وَقالَ الآخر
(أهلا بِما لم أكن أهلا لموقعه ∗∗∗ قَول المبشر بعد اليَأْس بالفرج)
لَك البشارَة فاخلع ما عَلَيْك فقد ∗∗∗ ذكرت ثمَّ على ما فِيك من عوج)
السّادِسَة والثَّلاثُونَ أنَّها سَبَب لتثبيت القدَم على الصِّراط والجَواز عَلَيْهِ لحَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الَّذِي رَواهُ عَنهُ سعيد بن المسيب في رُؤْيا النَّبِي ﷺ وفِيه ورَأيْت رجلا من امتي يزحف على الصِّراط ويحبو أحْيانًا ويتَعَلَّق احيانا فَجاءَتْهُ عَليّ فأقامته على قَدَمَيْهِ وأنقذته رَواهُ أبُو مُوسى المَدِينِيّ وبنى عَلَيْهِ كِتابه في = التَّرْغِيب والترهيب = وقالَ هَذا حَدِيث حسن جدا
السّابِعَة والثَّلاثُونَ أن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ أداء لأقل القَلِيل من حَقه وشكر لَهُ على نعْمَته الَّتِي أنعم الله بها علينا مَعَ أن الَّذِي يسْتَحقّهُ من ذَلِك لا يُحْصى علما ولا قدرَة ولا إرادَة ولَكِن الله سُبْحانَهُ لكرمه رَضِي من عباده باليسير من شكره وأداء حَقه
الثّامِنَة والثَّلاثُونَ أنَّها متضمنة لذكر الله تَعالى وشكره ومَعْرِفَة إنعامه على عبيده بإرساله فالمصلي عَلَيْهِ ﷺ قد تَضَمَّنت صلاته عَليّ ذكر الله وذكر رَسُوله وسؤاله أن يجْزِيه بِصَلاتِهِ عَلَيْهِ ما هو أهله كَما عرفنا رَبنا وأسماءه وصِفاته وهدانا إلى طَرِيق مرضاته وعرفنا مالنا بعد الوُصُول إلَيْهِ والقدوم عَلَيْهِ فَهي متضمنة لكل الإيمان بل هي متضمنة للإقرار بِوُجُوب الرب المَدْعُو وعلمه وسَمعه وقدرته وارادته وحياته وكَلامه وإرسال رَسُوله وتصديقه في أخباره كلها وكَمال محبته ولا ريب أن هَذِه هي أصُول الإيمان فالصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ متضمنة لعلم العَبْد ذَلِك وتصديقه بِهِ ومحبته لَهُ فَكانَت من أفضل الاعمال
التّاسِع والثَّلاثُونَ أن الصَّلاة عَلَيْهِ ﷺ من العَبْد هي دُعاء ودُعاء العَبْد وسؤاله من ربه نَوْعانِ
أحدهما سُؤاله حَوائِجه ومهماته وما ينوبه في اللَّيْل والنَّهار فَهَذا دُعاء وسؤال وإيثار لمحبوب العَبْد ومطلوبه
والثّانِي سُؤاله أن يثني على خَلِيله وحبيبه ويزِيد في تشريفه وتكريمه وإيثاره ذكره ورَفعه ولا ريب أن الله تَعالى يحب ذَلِك ورَسُوله يُحِبهُ فالمصلي عَلَيْهِ ﷺ قد صرف سُؤاله ورغبته وطَلَبه إلى محاب الله ورَسُوله وآثر ذَلِك على طلبه حَوائِجه ومحابه هو بل كانَ هَذا المَطْلُوب من أحب الأُمُور إلَيْهِ وآثرها عِنْده فقد آثر ما يُحِبهُ الله ورَسُوله على ما يُحِبهُ هو فقد آثر الله ومحابه على ما سواهُ والجَزاء من جنس العَمَل فَمن آثر الله على غَيره آثره الله على غَيره واعْتبر هَذا بِما تَجِد النّاس يعتمدونه عند مُلُوكهمْ ورُؤَسائِهِمْ إذا أرادوا التَّقَرُّب اليهم والمنزلة عِنْدهم فَإنَّهُم يسْألُون المطاع أن ينعم على من يعلمونه أحب رَعيته إلَيْهِ وكلما سَألُوهُ أن يزِيد في حبائه وإكرامه وتشريفه علت مَنزِلَتهمْ عِنْده وازداد قربهم مِنهُ وحظوا بهم لَدَيْهِ لأنهم يعلمُونَ مِنهُ إرادَة الإنعام والتشريف والتكريم لمحبوبه فأحبهم إلَيْهِ أشَّدهم لَهُ سؤالا ورغبة أن يتم عَلَيْهِ إنعامه وإحسانه هَذا أمر مشاهد بالحس ولا تكون منزلَة هَؤُلاءِ ومنزلة المطاع حَوائِجه هو وهو فارغ من سُؤاله تشريف محبوبه والإنعام عَلَيْهِ واحِدَة فَكيف بأعظم محب وأجله لأكرم مَحْبُوب وأحقه بمحبة ربه لَهُ ولَو لم يكن من فَوائِد الصَّلاة عَلَيْهِ إلّا هَذا المَطْلُوب وحده لكفى المُؤمن بِهِ شرفًا
وَها هُنا نُكْتَة حَسَنَة لمن علم أمته دينه وما جاءَ بِهِ ودعاهم إلَيْهِ وحضهم عَلَيْهِ وصبر على ذَلِك وهِي أن النَّبِي ﷺ لَهُ من الأجر الزّائِد على أجر عمله مثل أجور من اتبعهُ، فالداعي إلى سنته ودينه والمعلم الخَيْر للْأمة إذا قصد توفير هَذا الحَظ على رَسُول الله ﷺ وصَرفه إلَيْهِ وكانَ مَقْصُوده بِدُعاء الخلق إلى الله التَّقَرُّب إلَيْهِ بإرشاد عباده وتوفير أجور المطيعين لَهُ على رَسُول الله ﷺ مَعَ توفيتهم أُجُورهم كامِلَة كانَ لَهُ من الأجر في دَعوته وتعليمه بِحَسب هَذِه النِّيَّة، وذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشاء والله ذُو الفضل العَظِيم.
(١) سَنَده ضَعِيف
(٢) ضَعِيف جدا
(٣) سَنَده قابل للتحسن
(٤) حَدِيث صَحِيح
(٥) الحَدِيث صَحِيح
(٦) سَنَده حسن
(٧) إسْناده صَحِيح
(٨) إسْناده صَحِيح
(٩) إسْناده صَحِيح
(١٠) مَوْقُوف صَحِيح
(١١) إسْناده مَوْقُوف ضَعِيف
(١٢) حَدِيث حسن
(١٣) ضَعِيف
(١٤) حَدِيث ضَعِيف
(١٥) إسْناده ضَعِيف
(١٦) إسْناده حسن
(١٧) إسْناده صَحِيح