الباحث القرآني

قال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ ياأَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ۝﴾ [الأحزاب: ٥٦]. في هذه الآيةِ: فضلُ الصلاةِ على النبيِّ ﷺ، حيثُ أخبَرَ اللهُ أنّه يُصلِّي على نبيِّه، وملائكتُهُ يُصَلُّونَ معه، وهذا شرفٌ عظيمٌ، ومنزلةٌ جليلةٌ، أنْ يكونَ هذا مِن اللهِ وملائكتِه لرسولِ اللهِ ﷺ، وفي الآيةِ إشعارٌ: أنّكم أيُّها المؤمنونَ أحَقُّ وأَوْلى بالصلاةِ عليه مِن غيرِكم، لأنّ اللهَ امتَنَّ به عليكم، وأكرَمَكُمْ به وبرسالتِه، وأخرَجَكُمْ به مِن الظُّلُماتِ إلى النورِ. الصلاةُ على النبيِّ ﷺ: معناها، وحُكْمُها: وصلاةُ اللهِ على نبيِّه، تعني: ثناءَهُ عليه في المَلَأِ الأعلى، كما قاله أبو العاليةِ[[أخرجه البخاري معلقًا قبل حديث (٤٧٩٧)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (١٠ /٣١٥١).]]. وصلاةُ المؤمنينَ على النبيِّ ﷺ ليستْ شفاعةً له منهم، ولكنَّه جزاءٌ له على فضلِهِ عليهم، ولكرمِ اللهِ وشرفِ نبيِّه جعَلَ اللهُ المؤمنينَ ينتفعونَ بصَلاتِهم عليه، كما في «صحيحِ مسلمٍ»، قال ﷺ: (مَن صَلّى عَلَيَّ صَلاةً، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ بِها عَشْرًا) [[أخرجه مسلم (٣٨٤).]]، وفي الترمذيِّ مرفوعًا: (أوْلى النّاسِ بِي يَوْمَ القِيامَةِ أكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلاةً) [[أخرجه الترمذي (٤٨٤).]]. وظاهرُ الأمرِ بالصلاةِ على النبيِّ ﷺ في الآيةِ: الوجوبُ، وقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ الإجماعَ على وجوبِ الصلاةِ على النبيِّ للآيةِ[[«الاستذكار» (٦ /٢٥٥)، و«التمهيد» (١٦ /١٩١).]]، ويُريدُ بذلك أصلَ الصلاةِ، وأمّا مواضعُ الصلاةِ، فعلى خلافٍ معروفٍ. وقد ذهَبَ جماعةٌ مِن الأئمَّةِ: إلى أنّ الصلاةَ على النبيِّ ﷺ فرضٌ على المؤمنِ بالرسالةِ إجمالًا، مِن غيرِ تعيينِ زمانٍ ولا مكانٍ، وهذا نُسِبَ إلى أبي حنيفةَ ومالكٍ والثوريِّ والأوزاعيِّ. وأوجَبَهُ الشافعيُّ ـ وأحمدُ في روايةٍ ـ في كلِّ تشهُّدٍ أخيرٍ في الصلاةِ. ولا يَتعيَّنُ في الصلاةِ، ولا في وقتٍ مِن الأوقاتِ. واختلَفَ العلماءُ في حُكْمِ الصلاةِ على النبيِّ ﷺ عندَ ذِكْرِهِ في المَجالِسِ، على أقوالٍ: مـنـهـم مَن قال: بوجوبِ الصلاةِ عندَ ذِكْرِهِ كلَّ مرةٍ، ولو تكرَّرَ الذِّكْرُ في المَجْلِسِ الواحدِ، وإلى هذا ذهَبَ الطحاويُّ والحَلِيمِيُّ وابنُ بَطَّةَ وغيرُهم. ومنهم مَن قال: باستحبابِ الصلاةِ عندَ ذِكْرِه، وعدمِ وجوبِه. والأظهَرُ: أنّه يجبُ عندَ ذِكْرِهِ في المَجْلِسِ مرَّةً، وإنْ تكرَّرَ بعدَ ذلك فيُستحَبُّ، لأنّ الصلاةَ الواحدةَ تُسقِطُ الإيجابَ فيما بَقِيَ، وهو أدنى ما يُمتثَلُ به في الآيةِ، ويُستحَبُّ أنْ تكونَ الصلاةُ عندَ أولِ ذِكْرٍ له، حتى لا يَتَّكِلَ مَن ينشغِلُ ذهنُهُ ويَغفُلَ عما بَقِيَ مِن ذِكْرِه، وقد لا يُذكَرُ في المَجْلِسِ إلاَّ مرةً، والكمالُ لأهلِ الكمالِ هو الصلاةُ عليه عندَ كلِّ ذِكْرٍ له ﷺ. وقد قال رسولُ اللهِ ﷺ: (رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) [[أخرجه أحمد (٢ /٢٥٤)، والترمذي (٣٥٤٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وقال ﷺ: (البَخِيلُ الَّذِي مَن ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ) [[أخرجه الترمذي (٣٥٤٦)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٨٠٤٦)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه.]]، رواهُما التِّرمذيُّ. وتصحُّ الصلاةُ على النبيِّ ﷺ بأيِّ لفظٍ، مختصَرًا كان أو مطوَّلًا، وأفضلُ أنواعِها الجمعُ بينَ الصلاةِ والتسليمِ، لظاهرِ الآيةِ: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ۝﴾، فيُقالُ مختصرًا: (عليه الصلاةُ والسلامُ)، أو ((ص))، وأتَمُّ أنواعِ الصلاةِ: الصلاةُ الإبراهيميَّةُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب