الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّ اللهَ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلى النَبِيِّ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهَ في الدُنْيا والآخِرَةِ وأعَدَّ لَهم عَذابًا مُهِينًا﴾ ﴿والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ ما اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتانًا وإثْمًا مُبِينًا﴾
هَذِهِ الآيَةُ شَرَّفَ اللهُ بِها رَسُولَهُ ﷺ، وذَكَرَ مَنزِلَتَهُ مِنهُ، وطَهَّرَ بِها سُوءَ فِعْلِ مَنِ اسْتَصْحَبَ في جِهَتِهِ فِكْرَةَ سُوءٍ في أمْرِ زَوْجاتِهِ، ونَحْوَ ذَلِكَ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "يُصَلُّونَ"،﴾ قالَتْ فِرْقَةٌ: الضَمِيرُ فِيهِ لِلَّهِ ولِلْمَلائِكَةِ، وهَذا قَوْلٌ مِنَ اللهِ تَعالى شَرَّفَ بِهِ مَلائِكَتَهُ، فَلا يَصْحَبُهُ الِاعْتِراضُ الَّذِي جاءَ في «قَوْلِ الخَطِيبِ عِنْدَ النَبِيِّ ﷺ: "مَن أطاعَ اللهَ ورَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، ومَن يَعْصِهِما فَقَدْ ضَلَّ"، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ"،» قالُوا: لِأنَّهُ لَيْسَ لِأحَدٍ مِنَ البَشَرِ أنْ يَجْمَعَ ذِكْرَ اللهِ تَعالى مَعَ غَيْرِهِ في ضَمِيرٍ واحِدٍ، ولِلَّهِ أنْ يَفْعَلَ مِن ذَلِكَ ما شاءَ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: في الكَلامِ حَذَفٌ تَقْدِيرُهُ: إنَّ اللهَ يُصَلِّي عَلى النَبِيِّ ومَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، ودَلَّ الظاهِرُ مِنَ القَوْلِ عَلى ما تُرِكَ، ولَيْسَ في الآيَةِ اجْتِماعٌ في ضَمِيرٍ، وذَلِكَ جائِزٌ لِلْبَشَرِ فِعْلُهُ، ولَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ"» لِهَذا المَعْنى، وإنَّما قالَهُ لِأنَّ الخَطِيبَ وقَفَ عَلى "وَمَن يَعْصِهِما" وسَكَتَ سَكْتَةً، ومِمّا يُؤَيِّدُ هَذا أنَّ في كَلامِ النَبِيِّ ﷺ في مُصَنَّفِ أبِي داوُدَ: "فَجَمَعَ ذِكْرَ اللهِ تَعالى مَعَ رَسُولِهِ في ضَمِيرٍ"، ومِمّا يُؤَيِّدُ القَوْلَ الأوَّلَ أنْ في كِتابِ مُسْلِمٍ: « "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، قُلْ: ومَن يَعْصِ اللهَ ورَسُولَهُ"،» وهَذا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لَمّا خَطَّأهُ في وقْفِهِ وقالَ لَهُ: « "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ"» أصْلَحَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعَ كَلامِهِ؛ لِأنَّ فَصْلَ ضَمِيرِ اسْمِ اللهِ تَعالى مِن (p-١٤٥)ضَمِيرِ غَيْرِهِ أولى لا مَحالَةَ، فَقالَ لَهُ. « "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ"» لِمَوْضِعٍ خَطَّأهُ في الوَقْفِ، وحَمَلَهُ عَلى الأُولى في فَصْلِ الضَمِيرَيْنِ. وإنْ كانَ جَمْعُهُما جائِزًا.
وقِراءَةُ الجُمْهُورِ: "وَمَلائِكَتَهُ" بِنَصْبِ التاءِ عَطْفًا عَلى المَكْنُونِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما بِالرَفْعِ عَطْفًا عَلى المَوْضِعِ قَبْلَ دُخُولِ "إنَّ"، وفي هَذا نَظَرٌ.
وصَلاةُ اللهِ تَعالى رَحْمَةٌ مِنهُ وبَرَكَةٌ، وصَلاةُ المَلائِكَةِ دُعاءٌ وتَعْظِيمٌ، والصَلاةُ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ في كُلٍّ حِينِ مَنَّ الواجِباتِ وُجُوبَ السُنَنِ المُؤَكِّدَةِ الَّتِي لا يَصِحُّ تَرْكُها، ولا يَغْفَلُها إلّا مَن لا خَيْرَ فِيهِ، وقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "أكْثِرُوا مِنَ الصَلاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الجُمْعَةِ فَإنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ".»
وصِفَتُها ما ورَدَ عنهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ في كِتابِ الطَبَرِيُّ، ومِن طَرِيقِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، «أنَّهُ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قالَ لَهُ قَوْمٌ مِنَ الصَحابَةِ؛ هَذا السَلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَرِفْناهُ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قالَ: "قُولُوا: اللهُمَّ صِلِّي عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ، كَما صَلَّيْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ، وارْحَمْ مُحَمَّدًا وآلَ مُحَمَّدٍ كَما رَحِمَتْ إبْراهِيمَ وآلَ إبْراهِيمَ في العالَمِينَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ"،» وفي بَعْضِ الرِواياتِ زِيادَةٌ ونَقْصٌ، هَذا مَعْناهُ.
وقَرَأ الحَسَنُ: "يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا فَصَلُّوا عَلَيْهِ"، وهَذِهِ الفاءُ تُقَوِّي مَعْنى الشَرْطِ، أيْ: صَلّى اللهُ فَصَلُّوا أنْتُمْ، كَما تَقُولُ: أعْطَيْتُكَ فَخُذْ، وفي حَرْفِ عَبْدِ اللهِ: "صَلُّوا عَلَيْهِ كَما صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ ورَسُولَهُ﴾ الآيَةُ، قالَ الجُمْهُورُ مَعْناهُ: بِالكُفْرِ ونِسْبَةِ (p-١٤٦)الصاحِبِ والوَلَدِ والشَرِيكِ إلَيْهِ، ووَصْفِهِ بِما لا يَلِيقُ بِهِ، وفي الحَدِيثِ « (قالَ اللهُ: شَتَمَنِي عَبْدِي فَقالَ: إنْ لِي ولَدًا، وكَذَّبَنِي فَقالَ: إنَّهُ لَنْ يُبْعَثَ)،» وقالَ عِكْرِمَةُ: مَعْناهُ بِالتَصْوِيرِ والتَعْرِيضِ لِفِعْلٍ ما لا يَفْعَلُهُ إلّا اللهُ بِنَحْتِ الصُوَرِ وخَلْقِها، وقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "لَعَنَ اللهُ المُصَوِّرِينَ"،» وقالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ عَلى حَذْفٍ مُضافٍ، تَقْدِيرُهُ: يُؤْذُونَ أولِياءَ اللهِ.
وإذايَةُ الرَسُولِ ﷺ هي بِما يُؤْذِيهِ مِنَ الأقْوالِ في غَيْرِ مَعْنًى واحِدٍ، مِنَ الأفْعالِ أيْضًا، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: نَزَلَتْ في الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَيْهِ حِينَ اتَّخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
والطَعْنُ في تَأْمِيرِ أُسامَةَ إذايَةٌ لَهُ أيْضًا.
وقَوْلُهُ: [لَعَنُوا] مَعْناهُ: أُبْعِدُوا مِن كُلِّ خَيْرٍ.
(p-١٤٧)وَإذايَةُ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ هي أيْضًا بِالأفْعالِ والأقْوالِ القَبِيحَةِ والبُهْتانِ والكَذِبِ الفاحِشِ المُخْتَلَقِ، ورُوِيَ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ يَوْمًا لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: إنِّي قَرَأْتُ البارِحَةَ هَذِهِ الآيَةَ فَفَزِعَتْ مِنها ﴿والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ﴾ الآيَةُ، واللهِ إنِّي لَأضْرِبَهم وأنْهَرَهُمْ، فَقالَ لَهُ أُبَيٌّ: لَسْتُ مِنهم يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّما أنْتَ مُعَلِّمٌ ومُقَوِّمٌ، وذَكَرَ أبُو حاتِمٍ أنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَرَأ: "إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ"، ثُمَّ قالَ لِأُبَيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: كَيْفَ تَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ؟ فَقَرَأها كَما قَرَأها عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
{"ayahs_start":56,"ayahs":["إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا","إِنَّ ٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمۡ عَذَابࣰا مُّهِینࣰا","وَٱلَّذِینَ یُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ وَٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ بِغَیۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُوا۟ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُوا۟ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا"],"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق