الباحث القرآني
ولَمّا كانَتْ هَذِهِ الآياتُ وما قَبْلَها وما بَعْدَها في إظْهارِ شَرَفِ النَّبِيِّ ﷺ وبَيانِ مَناقِبِهِ، عَلَّلَ الأوامِرَ فِيها والنَّواهِيَ وغَيْرَها بِقَوْلِهِ، مُؤَكِّدًا لِاقْتِضاءِ الحالِ ذَلِكَ أمّا مِمَّنْ آذاهُ بِالجُلُوسِ في غَيْرِ حِينِهِ فَواضِحٌ، وأمّا غَيْرُهُ فَكانَ مِن حَقِّهِمْ أنْ لا يُفارِقُوا المَجْلِسَ حَتّى يَعْلَمُوا مَن لا يَعْرِفُ الأدَبَ، فَكانَ تَهاوُنُهم في ذَلِكَ فِعْلَ [مَن] لا يُرِيدُ إظْهارَ شَرَفِهِ ﷺ فَهو تَأْدِيبٌ وتَرْهِيبٌ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ (p-٤٠٦)أيْ وعِلْمُكم مُحِيطٌ بِأنَّ لَهُ مَجامِعَ الكِبْرِ والعَظَمَةِ والعِزِّ ﴿ومَلائِكَتَهُ﴾ أيْ وهم أهْلُ النَّزاهَةِ والقُرْبِ والعِصْمَةِ.
ولَمّا كانَ سُبْحانَهُ قَدْ قَدَّمَ قَوْلَهُ: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكم ومَلائِكَتُهُ﴾ [الأحزاب: ٤٣] فَأفْرَدَ كُلًّا بِخَبَرٍ، وكانَ النَّبِيُّ ﷺ أعْلى المُخاطَبِينَ حَظًّا مِن ذَلِكَ فَإنَّهُ رَأْسُ المُؤْمِنِينَ، أفْرَدَهُ هُنا بِهَذِهِ الصَّلاةِ الَّتِي جَمَعَ فِيها المَلائِكَةَ الكِرامَ مَعَهُ سُبْحانَهُ وجَعَلَ الخَبَرَ عَنْهم خَبَرًا واحِدًا لِيَكُونَ أتَمَّ، فَإنَّ قَوْلَكَ: فُلانٌ وفُلانٌ يَنْصُرانِ فُلانًا، أضْخَمُ مِن قَوْلِكَ: فُلانٌ يَنْصُرُهُ [و] فُلانٌ، فَقالَ تَعالى: ﴿يُصَلُّونَ عَلى النَّبِيِّ﴾ أيْ يُظْهِرُونَ شَرَفَهُ وما لَهُ مِنَ الوُصْلَةِ بِالمَلِكِ الأعْظَمِ بِما يُوحِيهِ اللَّهُ إلَيْهِ مِن عَجائِبِ الخَلْقِ والأمْرِ مِن عالَمِ الغَيْبِ والشَّهادَةِ، وهو مَعْنى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما كَما رَواهُ البُخارِيُّ: ”يُبَرِّكُونَ“ .
ولَمّا كانَتْ ثَمَرَةُ المُرادِ بِهَذا الإعْلامِ التَّأسِّي، عُلِمَ بِآخِرِ الكَلامِ أنَّ المَعْنى: ويُسَلِّمُونَ [عَلَيْهِ لِأنَّ ذَلِكَ مِن تَمامِ الوُصْلَةِ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْها مَعْنى الصَّلاةِ] فَأنْتَجَ ذَلِكَ قَطْعًا [تَفْسِيرَ المُرادِ بِيُصَلُّونَ]: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [أيِ] ادَّعَوْا ذَلِكَ بِألْسِنَتِهِمْ ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ بِعَدَمِ الغَفْلَةِ عَنِ المُبادَرَةِ إلى إظْهارِ (p-٤٠٧)شَرَفِهِ في حِينٍ مِنَ الأحْيانِ تَصْدِيقًا لِدَعْواكُمْ، ولِأنَّ الكَبِيرَ إذا فَعَلَ شَيْئًا بادَرَ كُلُّ مُحِبٍّ لَهُ مُعْتَقِدٍ لِعَظَمَتِهِ إلى فِعْلِهِ ﴿وسَلِّمُوا﴾
ولَمّا كانَ المُرادُ بِكُلٍّ مِنَ الصَّلاةِ والسَّلامِ إظْهارُ الشَّرَفِ، وكانَ السَّلامُ أظْهَرَ مَعْنًى في ذَلِكَ، وكانَ تَحِيَّتُهُ عَنِ اللِّقاءِ واجِبًا في التَّشَهُّدِ بِلا خِلافٍ، ودالًّا عَلى الإذْعانِ لِجَمِيعِ أوامِرِهِ الَّذِي لا يَحْصُلُ الإيمانُ إلّا بِهِ، وهو مِنَ المُسْلِمِ نَفْسِهِ، وأمّا الصَّلاةُ فَإنَّها يَطْلُبُها المُصَلِّي مِنَ اللَّهِ، أكَّدَهُما بِهِ فَقالَ: ﴿تَسْلِيمًا﴾ أيْ فَأظْهِرُوا شَرَفَهُ بِكُلِّ ما تَصِلُ قُدْرَتُكم إلَيْهِ مِن حُسْنِ مُتابَعَتِهِ وكَثْرَةِ الثَّناءِ الحَسَنِ عَلَيْهِ والِانْقِيادِ لِأمْرِهِ في كُلِّ ما يَأْمُرُ بِهِ، ومِنهُ الصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَيْهِ بِألْسِنَتِكم عَلى [نَحْوِ] ما عَلَّمَكم في التَّشَهُّدِ وغَيْرِهِ مِمّا ورَدَ في الأحادِيثِ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وغَيْرِهِما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم بَيانُ التِقاءِ الصَّلاةِ والسَّلامِ في إظْهارِ الشَّرَفِ فَإنَّ الصَّلاةَ - كَما [قالَ] في القامُوسِ - الدُّعاءُ والرَّحْمَةُ والِاسْتِغْفارُ وحُسْنُ الثَّناءِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وعِبادَةٌ فِيها رُكُوعٌ وسُجُودٌ. انْتَهى. والسَّلامُ هو التَّحِيَّةُ [والتَّحِيَّةُ] - كَما قالَ البَيْضاوِيُّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّساءِ - في الأصْلِ مَصْدَرُ حَيّاكَ اللَّهُ عَلى الإخْبارِ مِنَ الحَياةِ، ثُمَّ اسْتَعْمَلَ لِلْحُكْمِ والدُّعاءِ بِذَلِكَ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ دُعاءٍ، فَغَلَبَ في السَّلامِ، وفي القامُوسِ: التَّحِيَّةُ: السَّلامُ والبَقاءُ والمُلْكُ، وحَيّاكَ اللَّهُ: (p-٤٠٨)أبْقاكَ أوْ مَلَّكَكَ، وقالَ الإمامُ أبُو عَبْدِ اللَّهِ القَزّازُ في جامِعِهِ: السَّلامُ اسْمٌ مِن أسْماءِ اللَّهِ، والسَّلامُ هَهُنا بِمَعْنى السَّلامَةِ، كَما يُقالُ الرَّضاعُ والرَّضاعَةُ، واللَّذاذُ واللَّذاذَةُ، قالُوا: ومَعْنى قَوْلِ القائِلِ لِصاحِبِهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ أيْ قَدْ سَلِمْتَ مِنِّي لا أنالُكَ بِيَدٍ ولا لِسانٍ، وقِيلَ: مَعْناهُ السَّلامَةُ مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وقِيلَ: هو الرَّحْمَةُ، وقِيلَ: الأمانُ، والسَّلامَةُ هي النَّجاةُ مِنَ الآفاتِ. انْتَهى. فَقَدْ ظَهَرَ أنَّ مَعْنى الكُلِّ كَما تَرى يَنْظُرُ إلى إظْهارِ الشَّرَفِ نَظَرَ المَلْزُومِ إلى اللّازِمِ، ولِذَلِكَ فَسَّرَ البَيْضاوِيُّ يُصَلُّونَ بِقَوْلِهِ: يَعْتَنُونَ بِإظْهارِ شَرَفِهِ وتَعْظِيمِ شَأْنِهِ، وسَلِمُوا بِقَوْلِهِ: قُولُوا السَّلامُ عَلَيْكَ، أوِ انْقادُوا لِأوامِرِهِ، فَلَمّا تَآخَيا في هَذا المَعْنى، وكانَ هو المُرادَ أكَّدَ بِلَفْظِ السَّلامِ تَحْصِيلًا لِتَمامِ المَقْصُودِ بِدَلالَتِهِ عَلى الِانْقِيادِ فَهو مُؤَكَّدٌ لَصَلَّوْا بِمَعْناهُ ولِسَلَّمُوا بِلَفْظِهِ، اسْتِعْمالًا لِلشَّيْءِ في حَقِيقَتِهِ ومَجازِهِ كَما هو مَذْهَبُ إمامِنا الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومَثَّلَ بِآيَةِ النِّساءِ
﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وأنْتُمْ سُكارى﴾ [النساء: ٤٣] وبِقَوْلِهِ: ﴿أوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ﴾ [النساء: ٤٣] وغَيْرِ ذَلِكَ، وقَدْ بَيَّنْتُ في سُورَةِ الرَّعْدِ أنَّ مادَّةَ ”صَلَّوْا“ بِجَمِيعِ تَراكِيبِها تَدُورُ عَلى الوُصْلَةِ وهي لازِمَةٌ لِكُلِّ ما ذُكِرَ مِن تَفْسِيرِها، هَذا ولَكَ أنْ تَجْعَلَهُ مِن (p-٤٠٩)الِاحْتِباكِ فَتَقُولُ: حُذِفَ التَّأْكِيدُ أوَّلًا لِفِعْلِ الصَّلاةِ لِما دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ التَّأْكِيدِ بِمَصْدَرِ السَّلامِ، ويُرَجِّحُ إظْهارَ مَصْدَرِ السَّلامِ بِما تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وحُذِفَ مُتَعَلِّقُ السَّلامِ لِدَلالَةِ مُتَعَلِّقِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ ﷺ ولِيَصْلُحَ أنْ يَكُونَ عَلَيْهِ وأنْ يَكُونَ لَهُ، فَيَصْلُحُ أنْ يَجْعَلَ التَّسْلِيمَ بِمَعْنى الإذْعانِ - واللَّهُ هو المُوَفِّقُ لِلصَّوابِ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق