الباحث القرآني

هَذِهِ الْآيَةُ شَرَّفَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ، وَذَكَرَ مَنْزِلَتَهُ مِنْهُ، وَطَهَّرَ بِهَا سُوءَ فِعْلِ مَنِ اسْتَصْحَبَ فِي جِهَتِهِ فِكْرَةَ سُوءٍ، أَوْ فِي أَمْرِ زَوْجَاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ رَحْمَتُهُ وَرِضْوَانُهُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْأُمَّةِ الدُّعَاءُ وَالتَّعْظِيمُ لِأَمْرِهِ. مَسْأَلَةٌ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: "يُصَلُّونَ" فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الضَّمِيرُ فِيهِ لِلَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى شَرَّفَ بِهِ مَلَائِكَتَهُ، فَلَا يَصْحَبُهُ الِاعْتِرَاضُ الَّذِي جَاءَ فِي قَوْلِ الْخَطِيبِ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (بئس الخطيب أنت، قل ومن يعصى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أَخْرَجَهُ الصَّحِيحُ. قَالُوا: لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْمَعَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ غَيْرِهِ فِي ضَمِيرٍ، وَلِلَّهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي ذَلِكَ مَا يَشَاءُ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ إِنَّ اللَّهَ يُصَلِّي وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ اجْتِمَاعٌ فِي ضَمِيرٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْبَشَرِ فِعْلُهُ. وَلَمْ يَقُلْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ) لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ الْخَطِيبَ وَقَفَ عَلَى وَمَنْ يَعْصِهِمَا، وَسَكَتَ سَكْتَةً. وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يَعْصِهِمَا. فَقَالَ: (قُمْ- أَوِ اذْهَبْ- بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ). إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا خَطَّأَهُ فِي وَقْفِهِ وَقَالَ لَهُ: (بِئْسَ الْخَطِيبُ) أَصْلَحَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ جَمِيعَ كَلَامِهِ، فَقَالَ: قُلْ (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) كَمَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى "وَمَنْ يَعْصِهِمَا". وَقَرَأَ أبن عباس: "وملائكه" بِالرَّفْعِ عَلَى مَوْضِعِ اسْمِ اللَّهِ قَبْلَ دُخُولِ "إِنَّ". وَالْجُمْهُورُ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ دُونَ أَنْبِيَائِهِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فَرْضٌ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً، وَفِي كُلِّ حِينٍ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وُجُوبَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَلَا يَغْفُلُهَا إِلَّا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ. الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاجِبَةٌ أَمْ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا؟ قُلْتُ: بَلْ وَاجِبَةٌ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَالِ وُجُوبِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: (مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فدخل النار فأبعده الله). وروى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ" فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (هَذَا مِنَ الْعِلْمِ الْمَكْنُونِ وَلَوْلَا أَنَّكُمْ سَأَلْتُمُونِي عَنْهُ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَكَّلَ بِي مَلَكَيْنِ فَلَا أُذْكَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتُهُ جَوَابًا لِذَيْنِكَ الْمَلَكَيْنِ آمِينَ. وَلَا أُذْكَرُ. عِنْدَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا قَالَ ذَلِكَ الْمَلَكَانِ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَلَائِكَتُهُ لِذَيْنِكَ الْمَلَكَيْنِ آمِينَ (. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مَرَّةً وَإِنْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ، كَمَا قَالَ فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ. وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ دُعَاءٍ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي الْعُمُرِ. وَكَذَلِكَ قَالَ فِي إِظْهَارِ الشَّهَادَتَيْنِ. وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاحْتِيَاطُ: الصَّلَاةُ عِنْدَ كُلِّ ذِكْرٍ، لِمَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَتِ الْآثَارُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ﷺ فَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ ابن عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى، تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ (. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ طَلْحَةَ مِثْلَهُ، بِإِسْقَاطِ قَوْلِهِ: (فِي الْعالَمِينَ) وَقَوْلِهِ: (وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ). وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ الْخُزَاعِيِّ وَزَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ، وَيُقَالُ ابْنُ حَارِثَةَ أَخْرَجَهَا أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ في كتبهم. وصحح الترمذي حديث كعب ابن عُجْرَةَ. خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَعَ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبن لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: (قُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ لَا حَدِيثَ شُعْبَةَ وَهُوَ يَدْخُلُ فِي التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً" فَبَيَّنَ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَّمَهُمْ فِي التَّحِيَّاتِ كَيْفَ السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ). وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَوْنِ ابن عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَحْسِنُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ. قَالُوا فَعَلَّمَنَا، قَالَ: (قُولُوا اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ إِمَامِ الْخَيْرِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ. اللَّهُمَّ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى محمد وعلى آل حمد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (. وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِلِ فِي كِتَابِ (الشِّفَا) لِلْقَاضِي عِيَاضٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: (عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ وَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مَجِيدٌ. اللَّهُمَّ وَتَحَنَّنْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَحَنَّنْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلَ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ صَحِيحٌ وَمِنْهَا سَقِيمٌ، وَأَصَحُّهَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فَاعْتَمِدُوهُ. وَرِوَايَةُ غَيْرِ مَالِكٍ مِنْ زِيَادَةِ الرَّحْمَةِ مَعَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَا يَقْوَى، وَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يَنْظُرُوا فِي أَدْيَانِهِمْ نَظَرَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ فِي الْبَيْعِ دِينَارًا مَعِيبًا، وَإِنَّمَا يَخْتَارُونَ السَّالِمَ الطَّيِّبَ، كَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَّا مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ سَنَدُهُ، لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي حَيِّزِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَبَيْنَمَا هُوَ يَطْلُبُ الْفَضْلَ إِذَا بِهِ قَدْ أَصَابَ النَّقْصَ، بَلْ رُبَّمَا أَصَابَ الْخُسْرَانَ الْمُبِينَ. الثَّالِثَةُ- فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا). وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّاهَا هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا الْمُؤْمِنِينَ، وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ كَذَلِكَ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانُ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ حَاجَةً فَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَخْتِمُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَرُدَّ مَا بَيْنَهُمَا. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الدُّعَاءُ يُحْجَبُ دُونَ السَّمَاءِ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا جَاءَتِ الصلاة على النبي ﷺ رُفِعَ الدُّعَاءُ. وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَسَلَّمَ عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ). الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ وَالْجُمْهُورُ الْكَثِيرُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَمُسْتَحَبَّاتِهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: يُسْتَحَبُّ أَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةً إِلَّا صَلَّى فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَإِنْ ترك ذلك تارك فصلاته مجزية في مذاهب مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ مِنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ جُلِّ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ أَنَّهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مستحبة، وأن تاركها في التشهد مسي. وَشَذَّ الشَّافِعِيُّ فَأَوْجَبَ عَلَى تَارِكِهَا فِي الصَّلَاةِ الْإِعَادَةَ. وَأَوْجَبَ إِسْحَاقُ الْإِعَادَةَ مَعَ تَعَمُّدِ تَرْكِهَا دُونَ النِّسْيَانِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا لَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ أَعَادَ الصَّلَاةَ. قَالَ: وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ حَكَاهُ عَنْهُ حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، لَا يَكَادُ يُوجَدُ هَكَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ كَتَبُوا كُتُبَهُ. وَقَدْ تَقَلَّدَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَمَالُوا إِلَيْهِ وَنَاظَرُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ عِنْدُهُمْ تَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ. وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَهُ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ، وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهَا قُدْوَةً. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ عَمَلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ شُنِّعَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جِدًّا. وَهَذَا تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ ﷺ لَيْسَ فِيهِ الصلاة على النبي ﷺ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رَوَى التَّشَهُّدَ عَنْهُ ﷺ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا تُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكِتَابِ. وَعَلَّمَهُ أَيْضًا عَلَى الْمِنْبَرِ عُمَرُ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. قُلْتُ: قَدْ قَالَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي الصَّلَاةِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَعَلَّمَ الصَّلَاةَ وَوَقْتَهَا فَتَعَيَّنَتْ كَيْفِيَّةً وَوَقْتًا. وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ صَلَّيْتُ صَلَاةً لَمْ أُصَلِّ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَلَا عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ لَرَأَيْتُ أَنَّهَا لَا تَتِمُّ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ، قاله الدارقطني. الخامسة- قوله تعالى: (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ بُكَيْرٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَمَرَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ أُمِرُوا أَنْ يُسَلِّمُوا عَلَيْهِ عِنْدَ حُضُورِهِمْ قَبْرَهُ وَعِنْدَ ذِكْرِهِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ يُرَى فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ! فَقَالَ: (إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا (. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:) مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِذَا مُتُّ إِلَّا جَاءَنِي سَلَامُهُ مَعَ جِبْرِيلَ يَقُولُ يَا مُحَمَّدُ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَأَقُولُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ). قَالَ القشيري والتسليم قولك: سلام عليك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب