الباحث القرآني

﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ صِفَةُ (بَقَرَةٌ)، وهو مِنَ الوَصْفِ بِالمُفْرَدِ، ومَن قالَ: هو مِنَ الوَصْفِ بِالجُمْلَةِ، وأنَّ التَّقْدِيرَ: لا هي ذَلُولٌ، فَقَدْ أبْعَدَ عَنِ الصَّوابِ، (ولا) بِمَعْنى غَيْرُ، وهو اسْمٌ عَلى ما صَرَّحَ بِهِ السَّخاوِيُّ وغَيْرُهُ لَكِنْ لِكَوْنِها في صُورَةِ الحَرْفِ ظَهَرَ إعْرابُها فِيما بَعْدَها، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ حَرْفًا (كالا) الَّتِي بِمَعْنى غَيْرُ، في مِثْلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتا﴾ والذَّلُولُ الرَّيِّضُ الَّذِي زالَتْ صُعُوبَتُهُ، يُقالُ: دابَّةٌ ذَلُولٌ بَيِّنَةُ الذِّلِّ بِالكَسْرِ، ورَجُلٌ ذَلُولٌ بَيِّنُ الذُّلِّ بِالضَّمِّ، ﴿تُثِيرُ الأرْضَ ولا تَسْقِي الحَرْثَ﴾ (لا) صِلَةٌ لازِمَةٌ لِوُجُوبِ التَّكْرارِ في هَذِهِ الصُّورَةِ، وهي مُفِيدَةٌ لِلتَّصْرِيحِ بِعُمُومِ النَّفْيِ، إذْ بِدُونِها يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِنَفْيِ الِاجْتِماعِ، ولِذا تُسَمّى المُذَكِّرَةُ والإثارَةُ قَلْبَ الأرْضِ لِلزِّراعَةِ، مِن أثَرْتُهُ إذا هَيَّجْتَهُ، والحَرْثُ الأرْضُ المُهَيَّأةُ لِلزَّرْعِ، أوْ هو شَقُّ الأرْضِ لِيُبْذَرَ فِيها، ويُطْلَقُ عَلى ما حُرِثَ وزُرِعَ، وعَلى نَفْسِ الزَّرْعِ أيْضًا، والفِعْلانِ صِفَتا (ذَلُولٌ)، والصِّفَةُ يَجُوزُ وصْفُها عَلى ما ارْتَضاهُ بَعْضُ النُّحاةِ، وصَرَّحَ بِهِ السَّمِينُ، والفِعْلُ الأوَّلُ داخِلٌ في حَيِّزِ النَّفْيِ والمَقْصُودُ نَفْيُ إثارَتِها الأرْضَ، أيْ لا تُثِيرُ الأرْضَ، فَتُذَلُّ، فَهو مِن بابِ (p-291)عَلى لاحِبٍ لا يُهْتَدى بِمَنارِهِ فَفِيهِ نَفْيٌ لِلْأصْلِ، والفَرْعِ مَعًا، وانْتِفاءُ المَلْزُومِ بِانْتِفاءِ اللّازِمِ، قالَ الحَسَنُ: كانَتْ هَذِهِ البَقَرَةُ وحْشِيَّةً، ولِهَذا وُصِفَتْ بِأنَّها لا تُثِيرُ الأرْضَ إلَخْ، وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ (تُثِيرُ) مُثْبَتٌ لَفْظًا ومَعْنًى، وأنَّهُ أثْبَتَ لِلْبَقَرَةِ أنَّها تُثِيرُ الأرْضَ وتَحْرُثُها، ونَفى عَنْها سَقْيَ الحَرْثِ، ورُدَّ بِأنَّ ما كانَ يَحْرُثُ لا يَنْتَفِي عَنْهُ كَوْنُهُ ذَلُولًا، وقالَ بَعْضٌ: المُرادُ إنَّها تُثِيرُ الأرْضَ بِغَيْرِ الحَرْثِ بَطَرًا ومَرَحًا، ومِن عادَةِ البَقَرِ إذا بَطِرَتْ تَضْرِبُ بِقُرُونِها وأظْلافِها، فَتُثِيرُ تُرابَ الأرْضِ، فَيَكُونُ هَذا مِن تَمامِ قَوْلِهِ (لا ذَلُولٌ)، لِأنَّ وصْفَها بِالمَرَحِ والبَطَرِ دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ، ولَيْسَ عِنْدِي بِالبَعِيدِ، وذَهَبُ بَعْضُهم كَما في المَواشِي إلى أنَّ جُمْلَةَ (تُثِيرُ) في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ولا يَجُوزُ ذَلِكَ، لِأنَّها مِن نَكِرَةٍ، واعْتُرِضَ بِأنَّهُ إنْ أرادَ بِالنَّكِرَةِ بَقَرَةً، فَقَدْ وُصِفَتْ، والحالُ مِنَ النَّكِرَةِ المَوْصُوفَةِ جائِزَةٌ جَوازًا حَسَنًا، وإنْ أرادَ بِها لا ذَلُولٌ، فَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ جَوازُ مَجِيءِ الحالِ مِنَ النَّكِرَةِ، وإنْ لَمْ تُوصَفْ، وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ في مَواضِعَ مِن كِتابِهِ، اللَّهُمَّ إلّا أنْ يُقالَ: إنَّهُ تَبِعَ الجُمْهُورَ في ذَلِكَ، وهم عَلى المَنعِ، وجَعْلُ الجُمْلَةِ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَكِنِّ في (ذَلُولٌ)، أيْ لا ذَلُولٌ في حالِ إثارَتِها، لَيْسَ بِشَيْءٍ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: (لا ذَلُولَ) بِالفَتْحِ، (فَلا) لِلتَّبْرِئَةِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ، أيْ: هُناكَ، والمُرادُ مَكانٌ وُجِدَتْ هي فِيهِ، والجُمْلَةُ صِفَةُ (ذَلُولٌ)، وهو نَفْيٌ لِأنْ تُوصَفَ بِالذُّلِّ، ويُقالُ: هي ذَلُولٌ بِطَرِيقِ الكِنايَةِ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ في مَكانِ البَقَرَةِ لَكانَتْ مَوْصُوفَةً بِهِ ضَرُورَةَ اقْتِضاءِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ، فَلَمّا لَمْ يَكُنْ في مَكانِها لَمْ تَكُنْ مَوْصُوفَةً بِهِ، فَهَذا كَقَوْلِهِمْ: مَحَلُّ فُلانٍ مَظِنَّةُ الجُودِ والكَرَمِ، وهَذا أوْلى مِمّا قِيلَ: إنَّ (تُثِيرُ) خَبَرُ لا، والجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الصِّفَةِ والمَوْصُوفِ، لِأنَّهُ أبْلَغُ كَما لا يَخْفى، وبَعْضُهم خَرَّجَ القِراءَةَ عَلى البِناءِ نَظَرًا إلى صُورَةِ (لا) كَما في كُنْتُ بِلا مالَ، بِالفَتْحِ، ولَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلى مَوْرِدِ السَّماعِ، ولَيْسَ بِقِياسِيٍّ عَلى ما يُشْعِرُ بِهِ كَلامُ الرَّضِيِّ، وقُرِئَ (تُسْقِي) بِضَمِّ حَرْفِ المُضارَعَةِ مِن أسْقى، بِمَعْنى سَقى، وبَعْضٌ فَرَّقَ بَيْنَهُما بِأنَّ سَقى لِنَفْسِهِ وأسْقى لِغَيْرِهِ، كَماشِيَتِهِ وأرْضِهِ. ﴿مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها﴾ أيْ سَلَّمَها اللَّهُ تَعالى مِنَ العُيُوبِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، أوْ أعْفاها أهْلُها مِن سائِرِ أنْواعِ الِاسْتِعْمالِ، قالَهُ الحَسَنُ، أوْ مُطَهَّرَةٌ مِنَ الحَرامِ، لا غَصْبَ فِيها ولا سَرِقَةَ، قالَهُ عَطاءٌ، أوْ أُخْلِصَ لَوْنُها مِنَ الشِّياتِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، والأوْلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما، لِأنَّ المُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلى الكامِلِ، ولِكَوْنِهِ تَأْسِيسًا، وعَلى آخِرِ الأقْوالِ يَكُونُ ﴿لا شِيَةَ فِيها﴾ أيْ لا لَوْنَ فِيها يُخالِفُ لَوْنَها تَأْكِيدًا، والتَّضْعِيفُ هُنا لِلنَّقْلِ والتَّعْدِيَةِ، ووَهِمَ غَيْرُ واحِدٍ فَزَعَمَ أنَّهُ لِلْمُبالَغَةِ، والشِّيَةُ مَصْدَرُ وشَيْتُ الثَّوْبَ أشِيهِ وشْيًا إذا زَيَّنْتَهُ بِخُطُوطٍ مُخْتَلِفَةِ الألْوانِ، فَحُذِفَ فاؤُهُ كَعِدَةٍ وزِنَةٍ، ومِنهُ الواشِي لِلنَّمّامِ، قِيلَ: ولا يُقالُ لَهُ: واشٍ حَتّى يُغَيِّرَ كَلامَهُ ويُزَيِّنَهُ، ويُقالُ: ثَوْرٌ أشْيَهُ، وفَرَسٌ أبْلَقُ، وكَبْشٌ أخْرَجُ، وتَيْسٌ أبْرَقُ، وغُرابٌ أبْقَعُ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَعْنى البُلْقَةِ، وفي البَحْرِ: لَيْسَ الأشْيَهُ في قَوْلِهِمْ: ثَوْرٌ أشْيَهُ لِلَّذِي فِيهِ بَلَقٌ مَأْخُوذًا مِنَ الشِّيَهِ لِاخْتِلافِ المادَّتَيْنِ، وشِيَةٌ اسْمُ لا، وفِيها خَبَرُهُ. ﴿قالُوا الآنَ جِئْتَ بِالحَقِّ﴾ أيْ أظْهَرْتَ حَقِيقَةَ ما أُمِرْنا بِهِ، فالحَقُّ هُنا بِمَعْنى الحَقِيقَةِ، وقِيلَ: بِمَعْنى الأمْرِ المَقْضِيِّ، أوِ اللّازِمِ، وقِيلَ: بِمَعْنى القَوْلِ المُطابِقِ لِلْواقِعِ، ولَمْ يُرِيدُوا أنَّ ما سَبَقَ لَمْ يَكُنْ حَقًّا، بَلْ أرادُوا أنَّهُ لَمْ يَظْهَرِ الحَقُّ بِهِ كَمالَ الظُّهُورِ فَلَمْ يَجِئْ بِالحَقِّ، بَلْ أوْمَأ إلَيْهِ، فَعَلى هَذِهِ الأقْوالِ لَمْ يَكْفُرُوا بِهَذا القَوْلِ، وأجْراهُ قَتادَةُ عَلى ظاهِرِهِ، وجَعَلَهُ مُتَضَمِّنًا أنَّ ما جِئْتَ بِهِ مِن قَبْلُ كانَ باطِلًا، فَقالَ: إنَّهم كَفَرُوا بِهَذا القَوْلِ، والأوْلى عَدَمُ الإكْفارِ، (والآنَ) (p-292)ظَرْفُ زَمانٍ لازِمُ البِناءِ عَلى الفَتْحِ، ولا يَجُوزُ تَجْرِيدُهُ مِن ألْ، واسْتِعْمالُهُ عَلى خِلافِهِ لَحْنٌ، وهي تَقْتَضِي الحالَ، وتُخَلِّصُ المُضارِعَ لَهُ غالِبًا، وقَدْ جاءَتْ حَيْثُ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ لَهُ نَحْوَ ﴿فالآنَ باشِرُوهُنَّ﴾ إذِ الأمْرُ نَصٌّ في الِاسْتِقْبالِ، وادَّعى بَعْضُهم إعْرابَها لِقَوْلِهِ: كَأنَّهُما مِلْآنِ لَمْ يَتَغَيَّرا يُرِيدُ مِنَ الآنَ، فَجَرَّهُ، وهو يَحْتَمِلُ البِناءَ عَلى الكَسْرِ، (وألْ) فِيها لِلْحُضُورِ عِنْدَ بَعْضٍ، وزائِدَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ، وبُنِيَتْ لِتَضَمُّنِها مَعْنى الإشارَةِ، أوْ لِتَضَمُّنِها مَعْنى (ألِ) التَّعْرِيفِيَّةِ، كَسَحَرَ، وقُرِئَ (آلْآنَ)، بِالمَدِّ عَلى الِاسْتِفْهامِ التَّقْرِيرِيِّ إشارَةً إلى اسْتِبْطائِهِ، وانْتِظارِهِمْ لَهُ. وقَرَأ نافِعٌ بِحَذْفِ الهَمْزَةِ وإلْقاءِ حَرَكَتِها عَلى اللّامِ، وعَنْهُ رِوايَتانِ: حَذْفُ واوِ (قالُوا)، وإثْباتُها، (فَذَبَحُوها) أيْ فَطَلَبُوا هَذِهِ البَقَرَةَ الجامِعَةَ لِلْأوْصافِ السّابِقَةِ، وحَصَّلُوها فَذَبَحُوها، فالفاءُ فَصِيحَةٌ عاطِفَةٌ عَلى مَحْذُوفٍ، إذْ لا يَتَرَتَّبُ الذَّبْحُ عَلى مُجَرَّدِ الأمْرِ بِالذَّبْحِ، وبَيانِ صِفَتِها، وحُذِفَ لِدِلالَةِ الذَّبْحِ عَلَيْهِ، وتَحْصِيلُها كانَ بِاشْتِرائِها مِنَ الشّابِّ البارِّ بِأبَوَيْهِ كَما تَظافَرَتْ عَلَيْهِ أقْوالُ أكْثَرِ المُفَسِّرِينَ، والقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ، وقِيلَ: كانَتْ وحْشِيَّةً، فَأخَذُوها، وقِيلَ: لَمْ تَكُنْ مِن بَقَرِ الدُّنْيا، بَلْ أنْزَلَها اللَّهُ تَعالى مِنَ السَّماءِ، وهو قَوْلٌ هابِطٌ إلى تُخُومِ الأرْضِ، قِيلَ: ووَجْهُ الحِكْمَةِ في جَعْلِ البَقَرَةِ آلَةً دُونَ غَيْرِها مِنَ البَهائِمِ أنَّهم كانُوا يَعْبُدُونَ البَقَرَ والعَجاجِيلَ، وحُبِّبَ ذَلِكَ في قُلُوبِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وأُشْرِبُوا في قُلُوبِهِمُ العِجْلَ﴾ ثُمَّ بَعْدَ ما تابُوا أرادَ اللَّهُ تَعالى أنْ يَمْتَحِنَهم بِذَبْحِ ما حُبِّبَ إلَيْهِمْ لِيَكُونَ حَقِيقَةً لِتَوْبَتِهِمْ، وقِيلَ: لَعَلَّهُ ألْطَفُ وأوْلى إنَّ الحِكْمَةَ في هَذا الأمْرِ إظْهارَ تَوْبِيخِهِمْ في عِبادَةِ العِجْلِ بِأنَّكم كَيْفَ عَبَدْتُمْ ما هو في صُورَةِ البَقَرَةِ، مَعَ أنَّ الطَّبْعَ لا يَقْبَلُ أنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ خاصِّيَّةً يَحْيا بِها مَيِّتٌ بِمُعْجِزَةِ نَبِيٍّ؟! وكَيْفَ قَبِلْتُمْ قَوْلَ السّامِرِيِّ إنَّهُ إلَهُكُمْ، وها أنْتُمْ تَقْبَلُونَ قَوْلَ اللَّهِ سُبْحانَهُ: إنَّهُ يَحْيا بِضَرْبِ لَحْمَةٍ مِنهُ المَيِّتُ، سُبْحانَ اللَّهِ تَعالى! هَذا الخَرَقُ العَظِيمُ، ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ كَنّى عَلى الذَّبْحِ بِالفِعْلِ، أيْ وما كادُوا يَذْبَحُونَ، واحْتِمالُ - أنْ يَكُونَ المُرادُ وما كادُوا يَفْعَلُونَ ما أُمِرُوا بِهِ بَعْدَ الذَّبْحِ مِن ضَرْبِ بَعْضِها عَلى المَيِّتِ - بَعِيدٌ، وكادَ مَوْضُوعَةٌ لِدُنُوِّ الخَبَرِ حُصُولًا، ولا يَكُونُ خَبَرُها في المَشْهُورِ إلّا مُضارِعًا دالًّا عَلى الحالِ لِتَأْكِيدِ القُرْبِ، واخْتُلِفَ فِيها فَقِيلَ: هي في الإثْباتِ نَفْيٌ، وفي النَّفْيِ إثْباتٌ، فَمَعْنى كادَ زَيْدٌ يَخْرُجُ، قارَبَ، ولَمْ يَخْرُجْ، وهو فاسِدٌ، لِأنَّ مَعْناها مُقارَبَةُ الخُرُوجِ، وأمّا عَدَمُهُ فَأمْرٌ عَقْلِيٌّ خارِجٌ عَنِ المَدْلُولِ، ولَوْ صَحَّ ما قالَهُ لَكانَ قارَبَ ونَحْوُهُ كَذَلِكَ، ولَمْ يَقُلْ بِهِ أحَدٌ، وقِيلَ: هي في الإثْباتِ إثْباتٌ، وفي النَّفْيِ الماضِي إثْباتٌ، وفي المُسْتَقْبَلِ عَلى قِياسِ الأفْعالِ، وتَمَسَّكَ القائِلُ بِهَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّهُ لَوْ كانَ مَعْنى ﴿وما كادُوا﴾ هُنا نَفْيًا لِلْفِعْلِ عَنْهم لَناقَضَ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿فَذَبَحُوها﴾، حَيْثُ دَلَّ عَلى ثُبُوتِ الفِعْلِ لَهُمْ، والحَقُّ إنَّها في الإثْباتِ والنَّفْيِ كَسائِرِ الأفْعالِ، فَمُثْبَتُها لِإثْباتِ القُرْبِ، ومَنفِيُّها لِنَفْيِهِ، والنَّفْيُ والإثْباتُ في الآيَةِ مَحْمُولانِ عَلى اخْتِلافِ الوَقْتَيْنِ، أوِ الِاعْتِبارَيْنِ، فَلا تَناقُضَ، إذْ مِن شَرْطِهِ اتِّحادُ الزَّمانِ والِاعْتِبارُ، والمَعْنى: أنَّهم ما قارَبُوا ذَبْحَها حَتّى انْقَطَعَتْ تَعَلُّلاتُهم فَذَبَحُوا كالمُلْجَإ، أوْ فَذَبَحُوها ائْتِمارًا وما كادُوا مِنَ الذَّبْحِ خَوْفًا مِنَ الفَضِيحَةِ، أوِ اسْتِثْقالًا لِغُلُوِّ ثَمَنِها، حَيْثُ رُوِيَ أنَّهُمُ اشْتَرَوْها بِمِلْءِ جِلْدِها ذَهَبًا، وكانَتِ البَقَرَةُ إذْ ذاكَ بِثَلاثَةِ دَنانِيرَ، واسْتَشْكَلَ القَوْلُ بِاخْتِلافِ الوَقْتَيْنِ بِأنَّ الجُمْلَةَ حالٌ مِن فاعِلِ ذَبَحُوها، فَيَجِبُ مُقارَنَةُ مَضْمُونِها لِمَضْمُونِ العامِلِ، والجَوابُ بِأنَّهم صَرَّحُوا بِأنَّهُ قَدْ يُقَيَّدُ بِالماضِي، فَإنْ كانَ مُثْبَتًا قُرِنَ بِقَدْ، لِتَقَرُّبِهِ مِنَ الحالِ، وإنْ كانَ مَنفِيًّا كَما هُنا لَمْ يُقْرَنْ بِها، لِأنَّ الأصْلَ اسْتِمْرارُ النَّفْيِ، فَيُفِيدُ المُقارَبَةَ لا يُجْدِي نَفْعًا، لِأنَّ عَدَمَ مُقارَبَةِ الفِعْلِ لا يُتَصَوَّرُ مُقارَنَتُها لَهُ، ولِهَذا عَوَّلَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ في الجَوابِ عَلى أنَّ ﴿وما كادُوا يَفْعَلُونَ﴾ كِنايَةٌ عَنْ تَعَسُّرِ الفِعْلِ، وثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وهو مُسْتَمِرٌّ باقٍ، وقَدْ صَرَّحَ في شَرْحِ التَّسْهِيلِ (p-293)أنَّهُ قَدْ يَقُولُ القائِلُ: لَمْ يَكَدْ زَيْدٌ يَفْعَلُ، ومُرادُهُ أنَّهُ فَعَلَ بِعُسْرٍ، لا بِسُهُولَةٍ، وهو خِلافُ الظّاهِرِ، الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ فافْهَمْ،
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب