الباحث القرآني
﴿قالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّها﴾ أيْ هَذِهِ البَقَرَةُ الَّتِي أطَلْتُمُ التَّعَنُّتَ في أمْرِها ﴿بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ مِنَ الذُّلِّ وهو حُسْنُ الِانْقِيادِ - قالَهُ الحَرالِّيُّ ثُمَّ وصَفَ الذَّلُولَ بِقَوْلِهِ ﴿تُثِيرُ الأرْضَ﴾ أيْ يَتَجَدَّدُ مِنها إثارَتُها بِالحَرْثِ كُلَّ وقْتٍ مِنَ الإثارَةِ قالَ الحَرالِّيُّ: وهي إظْهارُ الشَّيْءِ مِنَ الثَّرى، كَأنَّها تُخْرِجُ الثَّرى مِن مُحْتَوى اليُبْسِ؛ ولَمّا كانَ الذُّلُّ وصْفًا لازِمًا عَبَّرَ في وصْفِها بِانْتِفائِهِ بِالِاسْمِ المُبالَغِ فِيهِ، أيْ لَيْسَ الذُّلُّ وصْفًا لازِمًا لَها لا أنَّها بِحَيْثُ لا يُوجَدُ مِنها ذُلٌّ أصْلًا، فَإنَّها لَوْ كانَتْ كَذَلِكَ كانَتْ وحْشِيَّةً لا يُقْدَرُ عَلَيْها أصْلًا.
(p-٤٧١)ولَمّا كانَ لا يَتِمُّ وصْفُها بِانْتِفاءِ الذُّلِّ إلّا بِنَفْيِ السَّقْيِ عَنْها وكانَ أمْرًا يَتَجَدَّدُ لَيْسَ هو صِفَةً لازِمَةً كالذُّلِّ عَبَّرَ فِيهِ بِالفِعْلِ وأصْحَبَهُ لا عَطْفًا عَلى الوَصْفِ لا عَلى تُثِيرُ لِئَلّا يَفْسُدَ المَعْنى فَقالَ واصِفًا لِلْبَقَرَةِ ﴿ولا تَسْقِي الحَرْثَ﴾ أيْ لا يَتَجَدَّدُ مِنها سَقْيُهُ بِالسّانِيَةِ كُلَّ وقْتٍ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ إثْباتُ ”لا“ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلى حَذْفِها قَبْلَ ”تُثِيرُ“، فَيَكُونُ الفِعْلانِ المَنفِيّانِ تَفْسِيرًا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ لِلذَّلُولِ، وحَذَفَ ”لا“ قَبْلَ ”تُثِيرُ“ لِئَلّا يُظَنَّ أنَّهُ مَعَها وصْفٌ لِذَلُولٍ فَيَفْسَدَ المَعْنى، والمُرادُ أنَّها لَمْ تُذَلَّلْ بِحَرْثٍ ولا سَقْيٍ ومَعْلُومٌ مِنَ القُدْرَةِ عَلى ابْتِياعِها وتَسَلُّمِها لِلذَّبْحِ أنَّها لَيْسَتْ في غايَةِ الإباءِ كَما آذَنَ بِهِ الوَصْفُ بِذَلُولٍ، كُلُّ ذَلِكَ لِما في التَّوَسُّطِ مِنَ الجَمْعِ لِأشْتاتِ الخَيْرِ ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ أيْ مِنَ العُيُوبِ ﴿لا شِيَةَ﴾ أيْ عَلامَةَ (p-٤٧٢)﴿فِيها﴾ تَخالِفُ لَوْنَها بَلْ هي صَفْراءُ كُلُّها حَتّى قَرْنُها وظِلْفُها ﴿قالُوا الآنَ﴾ أيْ في هَذا الحَدِّ مِنَ الزَّمانِ الكائِنِ الفاصِلِ بَيْنَ الماضِي والآتِي ﴿جِئْتَ بِالحَقِّ﴾ أيِ الأمْرِ الثّابِتِ المُسْتَقِرِّ البَيِّنِ مِن بَيانِ وصْفِ البَقَرَةِ فَحَصَّلُوها ﴿فَذَبَحُوها﴾ أيْ فَتَسَبَّبَ عَمّا تَقَدَّمَ كُلُّهُ أنَّهم ذَبَحُوها ﴿وما كادُوا﴾ أيْ قارَبُوا قَبْلَ هَذِهِ المُراجَعَةِ الأخِيرَةِ ﴿يَفْعَلُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: لَوْ ذَبَحُوا بَقَرَةً ما لَأجْزَأتْهم لَكِنَّهم شَدَّدُوا في السُّؤالِ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي أنَّهم كُلِّفُوا بِالأسْهَلِ فَشَدَّدُوا فَنُسِخَ بِالأشَقِّ، وهو دَلِيلُ جَوازِ النَّسْخِ قَبْلَ الفِعْلِ، أوْ يُقالُ إنَّهُ لَمّا كانَ السَّبْتُ إنَّما وجَبَ عَلَيْهِمْ (p-٤٧٣)وابْتُلُوا بِالتَّشْدِيدِ فِيهِ بِاقْتِراحِهِمْ لَهُ وسُؤالِهِمْ إيّاهُ بَعْدَ إبائِهِمْ لِلْجُمْعَةِ كَما يَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى بَيانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى
﴿إنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ [النحل: ١٢٤] كانَ أنْسَبُ الأشْياءِ تَعْقِيبَهُ بِقِصَّةِ البَقَرَةِ الَّتِي ما شَدَّدَ عَلَيْهِمْ في أمْرِها إلّا لِتَعَنُّتِهِمْ فِيهِ وإبائِهِمْ لِذَبْحِ أيِّ بَقَرَةٍ تَيَسَّرَتْ، ويَجُوزُ أنْ يُقالَ إنَّهُ لَمّا كانَ مِن جُمْلَةِ ما اسْتَخَفُّوا بِهِ السَّبْتَ المُسارَعَةُ إلى إزْهاقِ ما لا يُحْصى مِنَ الأرْواحِ المَمْنُوعِينَ مِنها مِنَ الحِيتانِ وكانَ في قِصَّةِ البَقَرَةِ التَّعَنُّتُ والتَّباطُؤُ عَنْ إزْهاقِ نَفْسٍ واحِدَةٍ أُمِرُوا بِها تَلاهُ بِها، ومِن أحاسِنِ المُناسَباتِ أنَّ في كُلٍّ مِن آيَتَيِ القِرْدَةِ والبَقَرَةِ تَبْدِيلُ حالِ الإنْسانِ بِمُخالَطَةِ لَحْمِ بَعْضِ الحَيَواناتِ العُجْمِ، فَفي الأُولى إخْراسُهُ بَعْدَ نُطْقِهِ بِلَحْمِ السَّمَكِ، وفي الثّانِيَةِ إنْطاقُهُ بَعْدَ خَرْسِهِ بِالمَوْتِ بِلَحْمِ البَقَرِ، ولَعَلَّ تَخْصِيصَ لَحْمِ البَقَرِ بِهَذا الأمْرِ لِإيقاظِهِمْ مِن رَقْدَتِهِمْ وتَنْبِيهِهِمْ مِن غَفْلَتِهِمْ عَنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى لِيَنْزِعَ مِن قُلُوبِهِمُ التَّعَجُّبَ مِن خُوارِ العِجْلِ الَّذِي عَبَدُوهُ. وقالَ الإمامُ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ: وفي ذَلِكَ تَشامٌّ بَيْنَ أحْوالِهِمْ في اتِّخاذِهِمُ العِجْلَ وفي طَلَبِهِمْ ذَلِكَ، وفي كُلِّ ذَلِكَ مُناسَبَةٌ بَيْنَ طِباعِهِمْ وطِباعِ البَقَرَةِ المَخْلُوقَةِ لِلْكَدِّ وعَمَلِ الأرْضِ الَّتِي مَعَها التَّعَبُ والذُّلُّ والتَّصَرُّفُ فِيما هو مِنَ الدُّنْيا تَوَغُّلًا فِيها وفِيهِ نَسَمَةُ مَطْلَبِهِمْ ما تُنْبِتُ الأرْضُ الَّذِي هو (p-٤٧٤)أثَرُ الحَرْثِ - يَعْنِي الَّذِي أُبْدِلُوا الحِطَّةَ بِهِ وهو حَبَّةٌ في شَعْرَةٍ، فَكَأنَّهم بِذَلِكَ أرْضِيُّونَ تُرابِيُّونَ لا تَسْمُو طِباعُ أكْثَرِهِمْ إلى الأُمُورِ الرُّوحانِيَّةِ العُلْوِيَّةِ، فَإنَّ جِبِلَّةَ كُلِّ نَفْسٍ تُناسِبُ ما تَنْزِعُ إلَيْهِ وتَلْهَجُ بِهِ مِن أنْواعِ الحَيَوانِ ﴿جَعَلَ لَكم مِن أنْفُسِكم أزْواجًا ومِنَ الأنْعامِ أزْواجًا﴾ [الشورى: ١١] - انْتَهى. ولَمّا قُسِّمَتِ القِصَّةُ شَطْرَيْنِ تَنْبِيهًا عَلى النِّعْمَتَيْنِ: نِعْمَةِ العَفْوِ عَنِ التَّوَقُّفِ عَنِ الأمْرِ ونِعْمَةِ البَيانِ لِلْقاتِلِ بِالأمْرِ الخارِقِ، وتَنْبِيهًا عَلى أنَّ لَهم بِذَلِكَ تَقْرِيعَيْنِ: أحَدُهُما بِإساءَةِ الأدَبِ في الرَّمْيِ بِالِاسْتِهْزاءِ والتَّوَقُّفِ عَنِ الِامْتِثالِ والثّانِي عَلى قَتْلِ النَّفْسِ وما تَبِعَهُ، ولَوْ رُتِّبَتْ تَرْتِيبَها في الوُجُودِ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ، وقُدِّمَ الشَّطْرُ الأنْسَبُ لِقِصَّةِ السَّبْتِ؛ أتْبَعَهُ الآخَرُ.
(p-٤٧٥)وقالَ الحَرالِّيُّ: قَدَّمَ نَبَأ قَوْلِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى ذِكْرِ تَدارُئِهِمْ في القَتِيلِ ابْتِداءً بِأشْرَفِ القَصْدَيْنِ مِن مَعْنى التَّشْرِيعِ الَّذِي هو القائِمُ عَلى أفْعالِ الِاعْتِداءِ وأقْوالِ الخُصُومَةِ. انْتَهى.
{"ayah":"قَالَ إِنَّهُۥ یَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةࣱ لَّا ذَلُولࣱ تُثِیرُ ٱلۡأَرۡضَ وَلَا تَسۡقِی ٱلۡحَرۡثَ مُسَلَّمَةࣱ لَّا شِیَةَ فِیهَاۚ قَالُوا۟ ٱلۡـَٔـٰنَ جِئۡتَ بِٱلۡحَقِّۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق